دعوى ألوهية العجل
وجوه إبطال الشبهة:
1) انتكاس فطرة بني إسرائيل وشغفهم الدائم بعبادة إله مجسد أمامهم هو الذي أوقعهم في عبادة العجل.
2) العجل لا يضر ولا ينفع ولا يتكلم فكيف يكون إلها؟
3) شواهد الحال أكدت عجز العجل عن رعاية عابديه، أو نصرة صانعه من غضب الله، أو حتى حماية نفسه من الحرق والنسف، فلا إله إلا الله الواحد الأحد.
التفصيل:
أولا. انتكاس فطرة بني إسرائيل وشغفهم الدائم بعبادة إله مجسد أمامهم هو الذي أوقعهم في عبادة العجل:
بين القرآن الكريم أن طبيعة بني إسرائيل المنحرفة، وفطرتهم المنتكسة عن البراءة التي فطر الله عليها الإنسان – ذلك هو الذي أوقعهم في عبادة العجل، فلقد قص علينا القرآن أن بني إسرائيل عاشوا في العذاب طويلا، في ظل الوثنية الفرعونية، عاشوا يقتل فرعون أبناءهم، ويستحيي نساءهم، فإذا فتر هذا النوع البشع من الإرهاب الوحشي، عاشوا حياة الذل والسخرة والمطاردة على كل حال، ففسدت نفوسهم، وفسدت طبيعتهم، والتوت فطرتهم، وانحرفت تصوراتهم، وامتلأت نفوسهم بالجبن والذل من جانب، وبالحقد والقسوة من الجانب الآخر، وهما جانبان متلازمان في النفس البشرية حيثما تعرضت طويلا للإرهاب والطغيان، قال: )إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين (4)( (القصص).
ولقد من الله تعالى على بني إسرائيل ونجاهم من هذا العذاب: )ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين (30) من فرعون إنه كان عاليا من المسرفين (31)( (الدخان)، نجاهم الله تعالى بمعجزة عظيمة ذكرها الله بقوله لهم: )وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون (50)( (البقرة).
وبهذه المعجزة انتهت مرحلة تخليص بني إسرائيل من حياة الذل والهوان والنكال، والتعذيب بين فرعون وملئه، وإنقاذهم من أرض الذل والقهر إلى الصحراء الطليقة في طريقهم إلى الأرض المقدسة، ولكن القوم اشرأبت أنفسهم إلى الوثنية والشرك بمجرد أن رأوا قوما يعكفون على أصنام لهم، وتخلخلت عقيدة التوحيد التي جاءهم بها موسى – عليه السلام – ولم يمض إلا القليل على معجزة نجاتهم بعناية الله الواحد.
قال عز وجل: )وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون (138) إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون (139) قال أغير الله أبغيكم إلها وهو فضلكم على العالمين (140) وإذ أنجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يقتلون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم (141)( (الأعراف)، فهذه طبيعة القوم المنحرفة، بما ترسب فيها من ذلك التاريخ القديم، إن العهد لم يطل بهم منذ أن كانوا يسامون الخسف في ظل الوثنية الجاهلية – عند فرعون وملئه – ومنذ أن أنقذهم نبيهم وزعيمهم موسى – عليه السلام – باسم الله الواحد رب العالمين الذي أهلك عدوهم، وشق لهم البحر، وأنجاهم من العذاب الوحشي الفظيع الذي كانوا يسامونه، إنهم خارجون للتو واللحظة من مصر ووثنيتها.
ولكن ها هم أولاء ما إن يجاوزون البحر حتى تقع أبصارهم على قوم وثنيين، عاكفين على أصنام لهم، مستغرقين في طقوسهم الوثنية، وإذا هم يطلبون إلى موسى – رسول رب العالمين الذي أخرجهم من مصر باسم الإسلام والتوحيد – أن يتخذ لهم وثنا يعبدونه من جديد ويطلبون ممن.. من موسى أن يتخذ لهم بنفسه آلهة، ولو أنهم اتخذوا لهم آلهة لكن الأمر أقل غرابة من أن يطلبوا إلى رسول رب العالمين أن يتخذ لهم آلهة.. فغضب موسى – عليه السلام – لربه وقال قولته التي تليق بهذا الطلب العجيب: قال: )إنكم قوم تجهلون( ثم بين لهم فساد هذه العبادة وضلال هؤلاء )إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون (139)(، ثم يتعجب من غبائهم، وجهلهم وحماقتهم المزرية إذ كيف يطلب لهم إلها غير الله وهم في نعمته وفضله يتقلبون؟ ويذكرهم – في الوقت ذاته – بمعجزة نجاتهم التي ما تزال حاضرة في أذهانهم وأعصابهم، ولقد كانت هذه المنة وحدها كفيلة بأن تذكر وتشكر )قال أغير الله أبغيكم إلها وهو فضلكم على العالمين (140)(.
ثم يتركهم موسى – عليه السلام – ويمضي لميقات ربه بعد أن استخلف عليهم هارون، وهو نبي أيضا حتى لا يضلوا، ويوصيهم بعبادة الله وحده والدوام عليها، ولكنها طبيعة بني إسرائيل التي ما تكاد تستقيم خطوة حتى تلتوي عن الطريق، والتي ما تكاد ترتفع عن مدى الرؤية الحسية في التصور والاعتقاد، والتي يسهل انتكاسها كلما فتر عنها التوجيه والتسديد والأخذ بالشدة: )واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا اتخذوه وكانوا ظالمين (148)((الأعراف) ([1]).
إنه الاستعباد الطويل والذل الطويل في ظل الفرعونية الوثنية الذي كان قد أفسد طبيعة القوم، وأضعف استعدادهم، لاحتمال التكاليف والصبر عليها، والوفاء بالعهد والثبات عليه، وترك في كيانهم النفسي خلخلة واستعدادا للانقياد والتقليد المريح، فما يكاد موسى يتركهم في رعاية هارون ويبعد عنهم قليلا حتى تتخلخل عقيدتهم كلها وتنهار أمام أول اختبار([2]).
لقد راودوا نبيهم من قبل أن يجعل لهم إلها يعكفون عليه بمجرد رؤيتهم لقوم وثنيين يعكفون على أصنام لهم، فصدهم نبيهم عن ذلك الخاطر وردهم ردا شديدا، فلما خلوا إلى أنفسهم ورأوا عجلا جسدا من الذهب – لا حياة فيه كما تفيد كلمة جسد – صنعه لهم السامري، وهو رجل من السامرة([3]) كان يرافقهم أو واحد منهم، واستطاع أن يجعله بهيئة بحيث يخرج صوتا كصوت خوار الثيران.. لما رأوا ذلك العجل الجسد طاروا إليه، وتهافتوا عليه حتى قال لهم السامري: )هذا إلهكم وإله موسى( (طه:٨٨) الذي خرج موسى لمقياته معه؛ فنسي موسى موعده معه، ربما لزيادة الليالي العشر الأخيرة في الميقات التي لم يكن القوم يعلمونها، فلما زاد عن الثلاثين ولم يرجع قال لهم السامري: لقد نسي موسى موعده مع إلهه فهذا إلهه – ولم يتذكروا وصية نبيهم لهم من قبل بعبادة ربهم الذي لا تراه الأبصارـ رب العالمين – ولم يتدبروا حقيقة هذا العجل الذي صنعه لهم واحد منهم، وإنها لصورة زرية للبشرية تلك التي كان يمثلها هؤلاء القوم، صورة يعجب منها القرآن الكريم، وهو يعرضها على المشركين في مكة، وهم يعبدون الأصنام([4]).
ثانيا. العجل لا يضر ولا ينفع ولا يتكلم فكيف يكون إلها؟
من الأدلة القاطعة التي ساقها القرآن على بطلان تلك العبادة ومثلها كل عبادة يتوجه بها إلى أي معبود غير الله – سبحانه وتعالى – ـ أن الله – عز وجل – أرشد من اتخذوا العجل إلها وزعموا أنه إله موسى أرشدهم أن يتدبروا ويتفكروا، هل يجيبهم هذا العجل إذا سألوا، وهل يخاطبهم إذا تكلموا؟ وهل يملك لهم نفعا أو ضرا في دنياهم أو أخراهم؟ فقال سبحانه وتعالى: )أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا (89)( (طه).
وإذا كان هذا حاله فكيف يكون إلها، ألا يتدبر هؤلاء القوم ويعقلون ما يعتقدون، ويفهمون ما يقولون، فالله الذي أهلك فرعون وملأه الطغاة ونجى بني إسرائيل من العذاب على أيدي فرعون وجنده هو الذي يضر وينفع، ويثيب ويجزي، ويعطي ويمنع.
وأما هذا العجل المصنوع فشواهد الحال تشير إلى عجزه وعدم تحركه فهو عاجز أن ينفع أو يضر، فكيف تعتقدون ألوهيته، وتلك دلالة عقلية؛ لأن من فقد صفات العاقل من السمع والكلام كيف يكون إلها؟! إنهم يثنون عليه ويمجدونه ويدعونه وهو ساكت لا يشكر لهم ولا يعدهم باستجابة، وشأن الكامل إذا سمع ثناء أو تلقى طلبة أن يجيب، وأما الصوت الذي كان يخرج من العجل فإن الذي صنع لهم العجل كان عارفا بصناعة الحيل التي كانوا يصنعون بها الأصنام، حيث يجعلون في أجوافها وأعناقها منافذ كالزمارات تخرج منها أصوات إذا أطلقت عندها رياح بالكير ونحوه، ولذا قال ابن عباس – رضي الله عنهما -: لا والله ما كان خواره إلا أن يدخل الريح في دبره فيخرج من فمه فيسمع له صوت([5]).
وهذا الإرشاد الذي أمر الله به هؤلاء الضالين هو عين الحجة التي أقامها إبراهيم – عليه السلام – على قومه في عبادتهم الأصنام حيث قال لهم: )قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم (66) أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون (67)( (الأنبياء) فأقام إبراهيم – عليه السلام – عليهم الحجة، ولهذا قال سبحانه وتعالى: )وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه( (الأنعام: ٨٣).
فالمقصود هنا بقوله سبحانه وتعالى: )أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا (89)( (طه). أنه حتى لم يكن عجلا حيا يسمع قولهم ويستجيب له على عادة العجول البقرية، فهو درجة أقل من درجة الحيوانية، وهو بطبيعة الحال لا يملك لهم ضرا ولا نفعا في أبسط صوره، فهو لا ينطح ولا يرفس ولا يدير طاحونة ولا ساقية، جسد لاحياة فيه ولا روح، فكيف نسوا ربهم الذي أنقذهم من أرض الذل وعكفوا عليه في بلاهة فكر وبلادة روح([6]).
)واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا اتخذوه وكانوا ظالمين (148)( (الأعراف). وهل أظلم ممن يعبد خلقا من صنع أيدي البشر، والله خلقهم وما يصنعون؟! وكان فيهم هارون، فلم يملك لهم ردا عن هذا الضلال السخيف، وكان فيهم بعض عقلائهم فلم يملكوا زمام الجماهير المتدافعة على العجل – وبخاصة أنه من ذهب معبود إسرائيل الأصيل([7]).
لقد نصح لهم هارون وهو نبيهم كذلك، والنائب عن نبيهم المنقذ ونبههم إلى أن هذا ابتلاء، قال: )ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري (90)( (طه)، ونصحهم باتباعه وطاعته كما تواعدوا مع موسى، وهو عائد إليهم بعد ميعاده مع ربه على الجبل، ولكنهم التووا وتملصوا من نصحه ومن عهدهم لنبيهم بطاعته، وقالوا: )قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى (91)( (طه).
فرجع موسى إليهم غضبان أسفا، فسمع منهم حجتهم التي تكشف عن مدى ما أصاب نفوسهم من تخلخل وأصاب تفكيرهم من فساد، فأنبهم وقرعهم، ثم التفت إلى أخيه وهو في ثورة الغضب يأخذ بشعر رأسه وبلحيته في انفعال وثورة: )قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا (92) ألا تتبعن أفعصيت أمري (93)( (طه)، فما كان من هارون إلا أن يطلعه على تفاصيل الحال كما وقع: )قال يبنؤم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي (94)( (طه)، وفي سورة أخرى: )قال ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين (150) قال رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين (151)( (الأعراف). ثم طرد السامري وحرق العجل الذي كانوا يعبدونه من دون الله ونسفه في اليم، وهكذا انتهت عبادة العجل في بني إسرائيل.
ثالثا. شواهد الحال أكدت عجز العجل عن رعاية عابديه، أو نصرة صانعه من غضب الله، أو حتى حماية نفسه من الحرق والنسف، فلا إله إلا الله الواحد الأحد:
من الأدلة العملية التي ساقها القرآن الكريم على بطلان عبادة العجل، وأن العبادة ينبغي ألا تصرف إلا لله الواحد القهار: أن بين لهم القرآن ما أكدته شواهد الحال من أن هذا العجل الذي عبدوه لو كان إلها لما عجز عن رعايه عابديه وحمايتهم من غضب الله الذي حل بهم، وكذلك لاستطاع حماية صانعه أو حتى حماية نفسه من الحرق والنسف.
قال سبحانه وتعالى: )إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين (152)( (الأعراف)، إن الله حكم ووعد.. إن القوم الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا.. ذلك مع قيام القاعدة الدائمة: إن الذين يعملون السيئات ثم يتوبون يغفر الله لهم برحمته، وإذن فقد علم الله أن الذين اتخذوا العجل لن يتوبوا توبة موصولة، وأنهم سيرتكبون ما يخرجهم من تلك القاعدة.. وهذا ما كان.
فقد ظل بنو إسرائيل يرتكبون الخطيئة بعد الخطيئة، ويسامحهم الله المرة بعد المرة، حتى انتهوا إلى الغضب الدائم واللعنة الأخيرة: )وكذلك نجزي المفترين (152)( (الأعراف:١٥٢).
كل المفترين إلى يوم الدين.. فهو جزاء متكرر كلما تكررت جريمة الافتراء على الله، من بني إسرائيل ومن غير بني إسرائيل.
ووعيد الله للكافرين صادق لا محالة، وقد كتب على الذين اتخذوا العجل الغضب والذلة، وكان آخر ما كتب الله عليهم أن يبعث عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب، فإذا بدا في فترة من فترات التاريخ أنهم يطغون في الأرض، ويستعلون بنفوذهم على الأميين – أو كما يقولون عنهم في التلمود: “الجوييم”! وأنهم يملكون سلطان المال، وسلطان أجهزة الإعلام، وأنهم يقيمون الأوضاع الحاكمة التي تنفذ لهم ما يريدون، وأنهم يستذلون بعض عباد الله ويطردونهم من أرضهم وديارهم في وحشية، والدول الضالة تساندهم وتؤيدهم.. إلى آخر ما نراه في هذا الزمان.. فليس هذا بناقض لوعد الله لهم ولا لما كتبه الله عليهم.. فهم بصفاتهم هذه وأفعالهم يختزنون النقمة في قلوب البشر، ويهيئون الرصيد الذي يدمرهم من السخط والغضب([8]).
قال سبحانه وتعالى: )وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم (167)( (الأعراف). فهو إذن الحكم الأبدي الذي تحقق منذ صدوره؛ فيبعث الله على اليهود في فترات من الزمان من يسومهم سوء العذاب، والذي سيظل نافذا في عمومه، فبعث عليهم بين آونة وأخرى من يسومهم سوء العذاب، وكلما انتعشوا وانتفشوا وطغوا في الأرض وبغوا، جاءتهم الضربة ممن سلطهم الله من عباده على هذه الفئة الباغية النكدة، الناكثة العاصية، التي لا تخرج من معصية إلا لتقع في معصية، ولا تثوب من انحراف حتى تجنح إلى انحراف([9]).
والمقصود أن عبادة العجل لم تنفعهم في شيء، بل أوقعتهم في غضب الله ووعيده الذي تحقق، فلو كان هذا العجل إلها لحماهم من الله ولأنقذهم من غضبه، ولكنه صنم لا يضر ولا ينفع.
ومن جملة ما استدل به القرآن الكريم على بطلان عبادة العجل وأكدته شواهد الواقع العملي أيضا: أن هذا العجل عجز عن حماية صانعه – السامري – من غضب الله، أو حتى حماية نفسه من الحرق والنسف، “فقد أعلن موسى – عليه السلام – السامري بالطرد من جماعة بني إسرائيل مدة حياته، ووكل أمره بعد ذلك إلى الله وواجهه بعنف في أمر إلهه الذي صنعه بيده؟ ليري القوم بالدليل المادي أنه ليس إلها، فهو لا يحمي صانعه ولا يدفع عن نفسه: )قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس وإن لك موعدا لن تخلفه وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا (97)( (طه)، اذهب مطرودا لا يمسك أحد لا بسوء ولا بخير ولا تمس أحدا، وكانت هذه إحدى العقوبات في ديانة موسى عليه السلام، عقوبة العزل وإعلان دنس المدنس، فلا يقربه أحد ولا يقرب أحدا.
أما الموعد الآخر فهو موعد العقوبة والجزاء عند الله، وفي حنق وعنف أمر أن يهوى على عجل الذهب فيحرق وينسف ويلقى في الماء، إنها غضبة لله ولدين الله، حيث يستحب الحزم وتحسن الشدة.
ثم يعلن موسى – عليه السلام – حقيقة العقيدة: )إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما (98)( (طه)”([10]).
الخلاصة:
- افتتان بني إسرائيل بعباد البقر من قوم السامري كان جهلا وارتدادا منهم عن شريعة موسى – عليه السلام – فضلا عن شغفهم الدائم بعبادة إله مجسد أمامهم.
- قابل موسى – عليه السلام – هذا الافتتان بوصفهم بأنهم قوم يجهلون وأن هذه الآلهة لا تنفع ولا تضر وهي سبب الخسران والضياع في الدنيا والآخرة.
- العجل الذي صنعه السامري لا يملك نفعا ولا ضرا، فكيف يكون إلها؟!
- تحطيم موسى – عليه السلام – للعجل ونسفه في اليم دليل على بطلان هذه العبادة؛ لأن العجل لم يستطع الدفاع عن نفسه فضلا عن الدفاع عن عابديه.
(*) الآية التي وردت فيها الشبهة: (طه/ 88).
الآيتان اللتان ورد فيهما الرد على الشبهة: (طه/ 89، 90).
[1]. في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق، مصر، ط13، 1407هـ/ 1987م، ج3، ص1364: 1373 بتصرف.
[2]. في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق، مصر، ط13، 1407هـ/ 1987م، ج4، ص2346.
[3]. السامرة: قوم يشتركون مع اليهود في بعض العقائد، ويخالفونهم في بعضها.
[4]. في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق، مصر، ط13، 1407هـ/ 1987م، ج3، ص1373.
[5]. ذكره ابن كثير في تفسيره (3/ 218) في تفسير قوله سبحانه وتعالى: ) واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار ( (الأعراف: ١٤٨).
[6]. في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق، مصر، ط13، 1407هـ/ 1987م، ج4، ص2348 بتصرف.
[7]. في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق، مصر، ط13، 1407هـ/ 1987م، ج3، ص1373.
[8]. في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق، مصر، ط13، 1407هـ/ 1987م، ص1375.
[9]. في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق، مصر، ط13، 1407هـ/ 1987م، ص1386.
[10]. في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق، مصر، ط13، 1407هـ/ 1987م، ج4، ص2349 بتصرف.