دعوى أن القرآن يدعو إلى النهب
وجوه إبطال الشبهة:
1) الغنيمة ليست نهبا – كما يتوهم هؤلاء – إنما هي مال أهل الحرب يأخذه المسلمون؛ حتى لا يتقوى به العدو على محاربة المسلمين.
2) الإسلام لم يدع إلى النهب والسلب، بل دعا إلى الصفح ورد الأموال.
3) من أخلاقيات الحرب في الإسلام: الدعوة إلى الإسلام وإنذار الأعداء ثم إمهالهم، فإن أبوا إلا القتال قوتلوا.
4) الغنائم التي أحلت للمسلمين لم تحل لغيرهم، ومع هذا استحل أهل الكتاب النهب والسلب، وهناك فرق بين النهب وبين الغنيمة والفيء.
5) تقسيم الغنائم، معاملة الأسرى، العتق، كلها مبادئ إسلامية سامية، تختلف عن مبادئ القانون الدولي، ودعاوى الديموقراطية في العصر الحاضر.
التفصيل:
أولا. الغنيمة ليست نهبا، إنما هي مال أهل الحرب يأخذه المسلمون؛ حتى لا يتقوى به العدو على محاربة المسلمين:
لقد أحل الله الغنيمة للأمة الإسلامية خاصة، ولم تحل لأمة من قبل، وفيها كسر لشوكة أعدائهم، وتمكين لهم من المال الذي قد يتزودون به في إعداد عدتهم وجلب أسلحتهم، والإنفاق منها على مصالح المسلمين ورعاية شئونهم، ثم إننا نسأل لمصلحة من ترك هذا المال الذي ظفر به المسلمون على وجه الغلبة والقهر من عدوهم.
ثانيا. الإسلام لم يدع أتباعه إلى النهب ولا إلى السلب، وأخذ أموال الناس بغير وجه حق:
دعا الإسلام إلى الصفح والعفو ورد الأموال والممتلكات إلى أصحابها، وحرم أكل أموال الناس بالباطل، حتى وإن كانوا على غير ملة الإسلام، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «من أخذ أموال الناس يريد إتلافها، أتلف الله عليه، ومن أخذها يريد أداءها أدى الله عنه».[1]
وقــال تعالــى: )وقاتلـوا فـي سبيـل الله الذيــن يقاتلونكــم ولا تعتــدوا( (البقرة: 190) والمسلمون بهذه الآية منهيون عن المثلة، وعن الغلول[2]، وقتل النساء والصبيان والشيوخ، وقتل أصحاب الصوامع، وعن تحريق الأشجار، وقتل الحيوان لغير مصلحة[3].
وأعظم من ذلك أن الذي كان يسلم من الأسرى كان يرد عليه ماله، ولا يؤخذ منه شيء، وكانت المرأة من السبي إذا أسلمت خيرت بين الرجوع إلى أهلها، وأن يتزوجها أحد المسلمين، كما حدث من النبي – صلى الله عليه وسلم – مع صفية بنت حيي بن أخطب.
ثالثا. أخلاقيات الإسلام في الحرب من أمثل الأخلاقيات:
أخلاقيات الإسلام في الحرب ليست كالتي كانت عليها القوانين الحربية في الجاهلية، أوفي العصر الحاضر من الأمم المتسلطة، فالإسلام يدعو أعداءه إلى الإسلام أولا، فإن أجابوا، وإلا دفعوا الجزية، فإن أبوا الإسلام أو دفع الجزية، أو ترك المسلمين يدعون إلى الإسلام، قوتلوا بعد إمهالهم ثلاثة أيام.
والإسلام يدعو إلى قتال من قاتله، ويكف عمن كف عنه: )وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين (190)( (البقرة). وكان الإسلام أسبق من الاتفاقيات الدولية في حظر الأعمال العدوانية غير الإنسانية في حالة الحرب في قوله تعالى: )إن الله لا يحب المعتدين (190)( (البقرة).
وبهذا العرض اتضح أن الحرب المشروعة في الإسلام هي الحرب الدفاعية ضد المعتدي الذي يخرج المسلمين من ديارهم وأرضهم، أو يمنعهم من إقامة شعائر دينهم، أو يعتدي على أعراضهم وأموالهم، أو يشنع عليهم ويكيد لهم، ويوقع بينهم وبين غيرهم الخصومات والفتن والعداوات، فهذه كلها أعمال عدوانية تستوجب الرد عليها بمثلها[4].
وقد مر بنا أن الإسلام نهى عن قتل الأطفال، والنساء، والرهبان والشيوخ، ونهى عن قطع الأشجار، وهتك الأعراض، وتدمير المزروعات، ولما وجد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – امرأة مقتولة في إحدى الغزوات أنكر ذلك، ونهى عن قتل النساء والصبيان[5].
رابعا. الغنائم والفيء والجزية أحلها الله – عز وجل – للمسلمين، في حين استحل أهل الكتاب النهب والغنيمة لأنفسهم وهي محرمة عليهم:
أحل الله – عز وجل – الغنائم للأمة الإسلامية دون غيرها من الأمم، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وأحلت لي الغنائم»[6]. وهذا مما فضل الله – عز وجل – به هذه الأمة عن غيرها من الأمم، وإذا كان الله – عز وجل – أحل الغنائم للمسلمين، فإن في التوراة تحليلا لها، ففي سفر التثنية: “وغنيمة المدن التي أخذنا.. الجميع دفعه الرب إلهنا أمامنا”. (التثنية 2: 35، 36)، وفي سفر التكوين في صفات بنيامين: “في الصباح يأكل غنيمة وعند المساء يقسم نهبا”. (التكوين 49: 27).
ومن أوصاف محمد رسول الله في التوراة أنه يقسم الغنائم، ففي نبوءة العبد المتألم: “ومع العظماء يقسم غنيمة”. (إشعياء 53: 12)، ولكن النصارى يفسرونها على المسيح مع أنه لم يحارب أحدا، وفي المزمور عن محمد – صلى الله عليه وسلم – “الملازمة البيت تقسم الغنائم”. (المزمور 68: 12) [7].
والغنيمة: هي ما غلب عليه المسلمون من مال أهل الحرب حتى يأخذوه عنوة[8][9].
والفيء: هو كل مال وصل إلى المسلمين من المشركين من غير قتال، ولا بإيجاف[10] خيل ولا ركاب[11] [12].
وأما النهب: فهو كل مال أخذ عنوة بغير وجه حق، وغالبا ما يترتب عليه إزهاق أنفس بريئة كالنساء والأطفال.
خامسا. تقسيم الغنائم ومعاملة الأسرى مبادئ إسلامية سامية تختلف عن مبادئ القانون الدولي:
فقد حض الإسلام على حسن معاملة الأسرى من النساء والعبيد والصبيان، وحرم قتلهم، وقد اتفق الأئمة والعلماء على حرمة قتلهم، إلا إذا اشتركوا في القتال، وباشروا في مقاتلة المسلمين، فإنهم يقتلون مقبلين، ويجب الإعراض عنهم مدبرين.
وكان الأسير إما أن يفدي نفسه بمال، وإما أن يرضى بالإسلام فيدخل في صف المسلمين، ولا يقتل إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك، وتظهر رحمة النبي – صلى الله عليه وسلم – حتى في تقسيم الغنائم، ففي غزوة حنين بعد ما عاد إلى الجعرانة، وفيها السبي والغنائم التي أخذت من هوازن في غزوة حنين، قسم السبي هناك، ثم قدم عليه وفد هوازن وقد أسلموا، وسألوه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم، فقال لهم: “اختاروا إحدى الطائفتين: إما السبي، وإما المال، وقد كنت استأنيت بكم[13]، وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – قد أنظرهم بضع عشرة ليلة حين رجع من الطائف. ثم قال لهم صلى الله عليه وسلم: ” أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم، وإذا أنا صليت بالناس فقوموا فقولوا: إنا نستشفع برسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى المسلمين، وبالمسلمين إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في أبنائنا ونسائنا، فإني سأعطيكم عند ذلك وأسأل لكم”. وقد تم لهم من أرادوا، حيث رد معظم المسلمين السبي لأصحابه مقتدين برسول الله صلى الله عليه وسلم [14].
فأين هذه المبادئ في المجتمع الدولي والقوى الدولية، التي لا ترقب في مؤمن إلا ولا ذمة؟ وإن خير ما يشهد على مبادئهم وأخلاقهم، ما يحدث اليوم في العراق وفلسطين، وأفغانستان، وغيرها من بلاد المسلمين.
وأكبر شاهد على ذلك انتهاكات حقوق الأسرى والمعتقلين من الدول الراعية لحقوق الإنسان وحقوق الحيوان في السجون العراقية، وفي القاعدة البحرية الأمريكية التي يعتقلون فيها أفرادا من المسلمين من مختلف أجناس العالم، والتي أذيعت على شاشات التلفاز ورآها القاصي والداني والصغير والكبير.
فهل سمعنا بمثل هذه الانتهاكات في صفوف من أسرهم المسلمون على مدى التاريخ؟!
الخلاصة:
- الغنيمة هي مال أهل الحرب المعادين للإسلام يأخذها المسلمون، حتى لا يتقوى بها أعداؤهم على محاربتهم، وليست نهبا كما يزعمون.
- لقد دعا الإسلام إلى رد الحقوق إلى أصحابها، ومنع أخذ حق الغير من غير وجه حق، وحرم قتل الراهب في صومعته والطفل والمرأة، وحرم تدمير الاقتصاد من الزراعة، أو الصناعة، إلا إذا دعت الضرورة لذلك.
- حث الإسلام على تحرير العبيد، وحسن معاملة الأسرى، وقبول الفداء منهم، ووعد بالأجر مرتين لمن كانت له أمة فأحسن تربيتها، فاعتقها ثم تزوجها، ونهى عن السلب والنهب القائم على التشفي والإضرار بالآخر دون وجه حق.
- في حين أن المجتمع الدولي المعاصر لم يراع أيا من هذه الأخلاقيات على مدى تاريخه السيئ، والذي يحفل بالجرائم التي تشيب لها الرؤوس وليس ما حدث في سجون العراق وغيرها منا ببعيد.
(*)هل القرآن معصوم؟ عبد الله عبد الفادي، موقع إسلاميات. www.islameyat.com
[1]. أخرجه البخاري في صحيحه،كتاب الاستقراض وأداء الديون، باب من أخذ أموال الناس يريد أداءها أو إتلافها (2257).
[2]. الغلول: الغدر.
[3]. موسوعة القرآن العظيم، د. عبد المنعم الحفني، مكتبة مدبولي، القاهرة، ط1، 2004م، ج2، ص1866.
[4]. موسوعة القرآن العظيم، د. عبد المنعم الحفني، مكتبة مدبولي، القاهرة، ط1، 2004م، ص1866.
[5]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب قتل النساء في العرب (2852)، ومسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب تحريم قتل النساء والصبيان (4646).
[6]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التيمم (338)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة (1191).
[7]. حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين، د. حمدي زقزوق، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، ط4، 1427هـ/ 2006م، ص535.
[8]. عنوة: قهرا.
[9]. سيرة عمر بن الخطاب، د. علي محمد الصلابي، دار الإيمان، الإسكندرية، ط6، 1421هـ/ 2000م، ص360.
[10]. إيجاف الخيل: حثها على السير.
[11]. الركاب: ما توضع فيه الرجل.
[12]. سيرة عمر بن الخطاب، د. علي محمد الصلابي، دار الإيمان، الإسكندرية، ط6، 1421هـ/ 2000م، ص360.
[13]. استأنيت بكم: أي أخرت قسم السبي والغنائم أملا في إسلامكم.
[14]. انظر: فقه السيرة، محمد الغزالي، مكتبة دار الدعوة، مصر، ط6، 1421هـ/ 2000م، ص36.