دعوى أن القصص القرآني قصص فني غير واقعي
وجوه إبطال الشبهة:
1) إن المتأمل المنصف لما عليه القصص القرآني من التصوير الصادق والتعبير الواقعي – ليدرك خلوه مما يسمونه بالخيال الفني أو عدم الواقعية في السرد. ناهيك عن أن هذا الزعم لا يستند إلى دليل يدعمه.
2) قصة أصحاب الفيل واقعة تاريخية ثابتة، روتها كتب التاريخ، وأرخ بها العرب أحداثهم في تلك الحقبة.
3) ثمة فارق كبير بين القصص القرآني والقصص الأدبي في الطبيعة والأهداف، كما أن الخيال فيهما مختلف تماما؛ فهو خيال فني في القصص الأدبي، تعبيري في القرآن.
التفصيل:
أولا. القصص القرآني واقعي حقيقي يتناول ما هو ثابت تاريخيا، ولا دور للخيال أو الأسطورة فيه:
زعم المشركون قديما أن القصص القرآني – بوجه عام – إن هو إلا أساطير الأولين، وردد هذا الزعم – في ثوب عصري – المستشرقون المغالطون وتلامذتهم من المستغربين، الذين كان من روادهم في هذا المضمار “د. محمد أحمد خلف الله” في دراسته للدكتوراه بعنوان “الفن القصصي في القرآن” التي دارت حول فكرة أن القصص القرآني خيال أسطوري، وليس له ظل من الواقعية التاريخية بالضرورة، أي أنه أوهام تناقلتها الرواية القرآنية، كما تناقلتها الذاكرة البشرية، وليس من الضروري أن تكون أحداثها قد جرت على أرض الواقع بالفعل.
وقد تصدى لتفنيد هذه المزاعم مفكرون كثيرون، فعلى سبيل المثال، تحت عنوان “الميثولوجيا (الأسطورة) والعلم والقرآن” كتب د. محمد سعيد رمضان البوطي يقول: “فما الأسطورة إذن، وقبل كل شيء؟ هي حصيلة الأخيلة الشعبية التي تروى غالبا على شكل قصص وحكايات، ولما كان الإنسان بفطرته الأصيلة يتمتع بخيال يتسع اتساع الطبيعة التي يعيش ويتقلب فيها، مقابل الواقع المحدود الذي يعيش محاصرا في أقطاره، فقد كان من شأن هذا الخيال أن يجمح بصاحبه إلى ما وراء ذلك الواقع المحدود، سابحا في أرجاء الطبيعة كلها دون أن تقيده شروط أو تصده حدود؛ ليكون ذلك عزاء وتعويضا له عن واقعه الضيق الذي حبس في داخله، ولولا إطلالة الإنسان من داخل واقعه الذي يعيش فيه على الطبيعة المحيطة به، من خلال نوافذ الخيال الذي متعه الله به، لتحول الواقع إلى سجن ضيق خانق، لا يورث صاحبه إلا الكمد والشقاء، مهما كان شأنه، ومهما كان نوع الحياة التي يعيشها.
إذن، فالأسطورة نسيج خيال تصاغ في داخله، وتروى على أساسه، ويتلقاها الناس جيلا بعد جيل، على هذا الأصل وبهذه الهوية، وما من شعب من الشعوب إلا يحافظ من ثمرات خياله على قسط وافر من الحكايات والقصص الأسطورية المتنوعة، تأخذ لون الحضارة والثقافة اللتين تميز بهما، وقد ظلت هذه الحكايات معروفة محتفظة بطابعها الأسطوري، وتروى بدءا من مصدرها الأول موسومة بهذا الطابع، ولم نسمع قط في تاريخ الأدب الأسطوري، أو ما يسمى بأدب الشعوب أن أسطورة من الأساطير انفصلت عن نسبها الموصول إلى جذور الأخيلة والوهم، ثم تسربت إلى قناة الأحداث والوقائع التاريخية، واتخذت طابع الحقيقة الراسخة.
لماذا يكون خبر الله الموحى به إلى رسله وأنبيائه عن كيفية نشأة الإنسان وتكاثره، وعن كيفية خلق الله – عز وجل – لآدم – أسطورة من الأساطير، ولا يكون خبر مارك وداروين عن الموضوع نفسه هو الآخر أسطورة من الأساطير؟ لماذا؟ وما الفرق؟ لماذا يعد خبر الله الموحى به إلى كثير من رسله وأنبيائه عن طوفان نوح وسفينته أسطورة من أساطير التاريخ، ولا يكون خبر علماء التاريخ الطبيعي عن الانفجار العظيم أسطورة من أساطير التاريخ أيضا؟ إن كان الفرق أن في الناس من لا يصدق الوحي الإلهي ولا يلقي إليه بالا، فإن في الناس كثيرين ممن لا يصدقون تصورات داروين، ولا يقيمون وزنا لقصة “الانفجار العظيم” أو “النظرية السديمية” كتفسير لكيفية تشكل الكون والأرض أو ما يشبههما.
ومع ذلك، فإننا لا نسمي – من الناحية العلمية – شيئا من نظريات التطور أو نظريات الباحثين في التاريخ الطبيعي أسطورة، مهما كانت بعيدة عن المنطق أو العلم؛ لأن مقومات هذه التسمية غير موجودة، ومن أهمها أن تكون موضوعة من قبل أصحابها على أنها أسطورة، فلماذا لا يفقه كثير من أدعياء الثقافة والعلم هذه الحقيقة العلمية الواضحة بصدد نظرتهم إلى أخبار الوحي الإلهي؟
إن لهم ولغيرهم أن يصدقوا أو لا يصدقوا شيئا من أخبار الوحي الإلهي، بل لهم أن لا يؤمنوا بحقيقة الوحي ذاته، غير أن عليهم أن يعلموا أن عدم فهمهم أو تصديقهم لذلك ليس هو برهان كونه أسطورة وهمية كاذبة[1].
يؤكد المعنى نفسه مفرقا بين القصص القرآني الواقعي، وبين القصص الروائي الأدبي الفني الخيالي – الشيخ محمد الغزالي حين يقول: “إن القصص القرآني سرد واع موجه للتاريخ الإنساني، ليس الغرض منه الإلهاء والتشويق، بل الغرض منه التربية والتوعية، وتجديد المعاني بعد انتهاء أهلها لتكون عظة دائمة، وقد شاع أدب القصة في عصرنا شيوعا يستحق الدهشة، وامتلأت الأيدي بروايات يقرؤها حاملوها ليقطعوا الوقت أو يتلذذوا بحسن العرض، وجملة هذه الروايات من نسج الخيال، وقد تكون ذات مغزى جيد، وقد تكون إثارة وضيعة، والبون شاسع بين هذه الأقاصيص، وبين التاريخ الذي يجسده القرآن الكريم، ويغزو به الألباب والبصائر؛ ليمحو الغفلة، ويرفع المستوى، ويضيء السبل، البون بعيد بعيد.
عندما يقول الله لنبيه: )وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين (120)( (هود)، فهو يقول ذلك في أعقاب سرد لواقع لا ريب فيه، فقد ذكر في هذه السورة قصص نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وموسى، مع أممهم التي ظهرت في عصور متعاقبة، وانتظمتها أدواء التكذيب والمكابرة، حتى أهلكتهم أمة بعد أخرى، وهو يحكي ذلك إرهابا للعرب المستكبرين وتسلية للنبي وتسرية له – صلى الله عليه وسلم – وفي موضع آخر يقول له: )ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبإ المرسلين (34)( (الأنعام)، فأين موضع الخيال في هذه الوقائع؟
وبعد أن قص الله – عز وجل – قصة يوسف، وشرح أطوار حياته منذ اختطف إلى أن صار ملك مصر، قال عنه وعن غيره من المسلمين: )لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون (111)( (يوسف)، فأين موضع الخيال هنا؟
إن اتهام القرآن بأنه يعرض خيالات فنية أو يمزج في سياقه بين الواقع والخيال – اتهام لا مسوغ له، وهو في نظرنا بلاهة نشأت عن اتباع المستشرقين، والمستشرقون يحسون ما في كتبهم من غثاثة وعوج وبعد عن الحق، ويريدون الإيهام بأن القرآن لا يزيد على غيره! وهذا كذب لا يروج عند عاقل”[2].
بعد هذا الدفع النظري العام لشبهة أسطورية القصص القرآني وخياليتها ربما لزم هنا – زيادة في التوكيد على هذه المعاني – التوضيح بمثال تطبيقي تحليلي على بعض من قصص القرآن لإظهار مدى واقعيتها التاريخية من أسطوريتها الخيالية.
في مناقشة لآراء د. خلف الله وأمثاله يقول د. عبد الجواد المحص في تحليله لقصة أهل الكهف: “لقد كان حريا بالدكتور خلف الله ومن جرى مجراه أن يكونوا موضوعيين في دراساتهم وبحوثهم، فلا يدعون اشتمال القرآن الكريم على القصص الأدبي الأسطوري؛ لأن الأساطير هي الأحاديث التي لا نظام لها، وهي الأباطيل والأحاديث العجيبة التي لم تقع في التاريخ ولا يقبلها العقل، حتى إن الناس اليوم إذا أرادوا نفي وجود شيء قالوا: إنه أسطوري، يعنون بذلك: أنه من الخيال المحض القائم على التلفيق والاختراع.
فالأساطير قصص خيالية صرفة تبعد عن التاريخ أكثر مما يبعد الوهم عن الحقيقة، وكل ذلك لم يشتمل عليه القرآن الكريم – كتاب العربية الأكبر؛ لأنه كتاب لا مكان للخيال القصصي فيه، ولا صلة للأساطير والخرافات به، بل إنه كان حريصا على نفي الخيال القصصي عن قصصه؛ فقرر في مواضع عديدة منه أن قصصه ينبئ عن الحق، وأن هذا القصص ليس حديثا يفترى، وأنه من وحي الله إلى نبيه – صلى الله عليه وسلم – ومن هذه المواضع قول الحق – سبحانه وتعالى – عن أهل الكهف: )نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى (13)( (الكهف).
إننا إذا رحنا نبحث – مثلا – عن الأسطورة في هذه القصة القرآنية لم نجد لشيء من ذلك أثرا، وإنما نجد هذه الآية القرآنية التي تنص نصا صريحا وحاسما على أن القصة من واقع التاريخ الحق، لا صلة للأساطير بها، فمن المدهش حقا أن يصف القرآن الكريم هذه القصة بهذا الوصف الصريح الحاسم، ثم يظهر في البيئة العربية الإسلامية من يتجاهل ويتعامى عن هذه الحقيقة، ويسلم قياده للمستشرقين فيدعي ما يدعون، ويزعم أن القرآن الكريم في ذلك قد سلك سبيل الآداب العالمية والأديان الكبرى، وأن القرآن الكريم لا يعيبه أن يشتمل على الأساطير؛ لأنه بذلك قد قعد القواعد وسن السنن.
لقد اشتملت قصة أهل الكهف – بالذات – على أمور تدل دلالة قوية على عدم صلتها بالأسطورة:
أولها: التقديم القرآني الرائع الذي يسبقها في السورة القرآنية التي احتوتها: )إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا (7) وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا (8) أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا (9)( (الكهف)، فنجد أن المولى – عز وجل – يقول لمن يتعجب من هذه القصة، ويستبعد عقله وقوعها، ويرى فيها لونا من الاعتماد على الأسطورة في الوصول على قلوب الناس وعقولهم، يقول لهؤلاء ومن جرى مجراهم: إن آية أصحاب الكهف والرقيم ليست بأغرب ولا أعجب من صنع الله في الأرض، وتزيينه لها ولأهلها بما أوجد فيها من أسباب الحياة ومظاهر النعم، ثم تحويل ذلك كله إلى حال أخرى يتبدل فيه منظر الأرض حين تصبح صعيدا جرزا، وأرضا بيضاء لا نبات فيها ولا شجر، ولا حيوان ولا ثمر، فلو أن عاقلا تفكر في هذا الذي يطرأ على الأرض وتراه العيون فيها يوما بعد يوم، لما وجد في قصة أصحاب الكهف عجبا، ولما وصل به التعجب إلى اعتقاد أنه أمام قصة مخترعة، يتخذ من الأسطورة متكأ.
وثاني هذه الأمور: أن الحق – سبحانه وتعالى – لم يذكر أن أصحابها قد بعثوا من موت – وإن كان البعث من الموت ليس على الله بمستغرب، كما في قصة العزير وحماره مثلا – وإنما الذي أوضحته القصة أنهم بعثوا من نوم عميق طويل غشي عيونهم، بعد أن سلبوا أسباب التنبه والاستيقاظ، وضرب الله على آذانهم في الكهف سنين عددا، وفضلا عن هذا، فإن القرآن الكريم قد أشار إلى أمر آخر مهم، هو أنهم قد أحيطوا بسائر أسباب الحفظ والصون، بحيث لم يتسرب إلى أجسادهم شيء من المتلفات أو المنبهات، من ذلك ما جاء في قوله تعالى: )وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه ذلك من آيات الله من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا (17)( (الكهف).
وكان الحق – سبحانه وتعالى – يقلبهم ذات اليمين وذات الشمال، وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد، حتى ليحسبهم الإنسان أيقاظا وهم رقود، ولو اطلع عليهم لولى منهم فرارا ولملئ منهم رعبا، إلى آخر ما تحتويه هذه القصة من وقائع وأحداث تؤكد – بما لا يدع مجالا لشك – أنها تقوم على الحقائق، وترد على المستشرقين ومن نحا نحوهم مزاعمهم الكاذبة، من الواقع الفني الذي يعززه الإعلان والتنبيه.
وثالث ما يلفت النظر ويؤكد صدق هذه القصة: أننا نراها في كل جزئية من جزئياتها تصور الأمر كأنه مرئي بالحس، لا مذكورا بالخبر وحده، فالقصة وإن كانت تتناول موضوعا ماضيا، فإنها تذكره في القرآن الكريم بطريقة معجزة فريدة، تجعل الإنسان – حين يقرؤها أو يستمع إليها – يشعر كأنه يعاين وقائعها، فيفهم مغزاها بدون التباس وبغير ارتياب.
لقد استهل القرآن الكريم القصة بقوله سبحانه وتعالى: )نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى (13)( (الكهف)، فهذا الاستهلال الرائع يجمع في لفظة واحدة بين الإيغال في الماضي والحضور في الذهن؛ لأن الابتداء بضمير الغائب في )إنهم( يشدنا من أقصى الحاضر إلى الماضي، فإذا بنا نرى هؤلاء المتحدث عنهم في حالتهم التي هم عليها: )إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى (13)(
وبعد هذا الاستهلال الرائع يعرض القرآن الكريم القصة في مشاهد تتوالى كأنها ترى، فهؤلاء هم أصحاب الكهف قد آووا إلى الكهف راجين الرحمة والرشاد، مبتعدين عن الوثنية وآثامها، وساروا في غيبوبة كأنهم الموتى، وليسوا أمواتا، وتحسبهم أيقاظا وهم رقود، ويقلبهم الله ذات اليمين وذات الشمال، وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد، وترى الشمس إذا طلعت تزاور[3] عن كهفهم ذات اليمين وذات الشمال، وهم في فجوة من الجبل الذي فيه الكهف، وها هم بعد ثلاثمائة وتسع سنين يستيقظون من سباتهم العميق، ويتساءلون: كم قضوا من العمر في هذا الكهف؟ إلى آخر ما تضمنته القصة من أحداث، صورها القرآن الكريم تصويرا محكما، نلحظ – ونحن نقرؤه – كأنه ماثل أمام أبصارنا في مشاهد واضحة بينة، تدل على عظمة القرآن الكريم في عرضه القصصي الفريد.
ورابع ما يلفت النظر في هذه القصة: أنها كانت مظهرا واقعيا لصورة من صور التحدي القرآني لأعداء سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – فقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يقص على العرب ما ينزل الله – عز وجل – عليه من غير اقتراح ولا طلب من أحد، ثم حدث أن طلب المشركون – بإغراء من اليهود – أن يقص عليهم الرسول نبأ أهل الكهف وما انتهي إليه أمرهم، وكذلك نبأ رجل طاف العالم وأظهر فيه بعض العجائب في قومه ومظهره وهدايته، فكان هذا الطلب من المشركين بمثابة امتحان للنبي – صلى الله عليه وسلم – نجح فيه النبي نجاحا باهرا، وكان برهانا صادقا على أنه نبي صادق لا يقص عليهم إلا ما يوحى إليه من الله عز وجل.
فقد قص عليهم ما طلبوا بأدق تفاصيل وأصدق بيان، ودل على تمام صدقه أنه كان قد وعدهم بأنه سيجيبهم غدا؛ ثقة منه بأن الله الذي يعلمه كل شيء سيوحي إليه سريعا، لكن الوحي أبطأ عليه حتى شق ذلك على النبي – صلى الله عليه وسلم – وكذبته قريش، ثم نزل الوحي بقصة أهل الكهف وقصة ذي القرنين، وفي ثنايا القصة الأولى قول الله سبحانه وتعالى: )ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا (23) إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا (24)( (الكهف)، وقبل القصة الثانية جاء ذكر قصة سيدنا موسى مع العبد الصالح في تصوير قرآني محكم دقيق.
وخامس ما يلفت النظر في قصة أصحاب الكهف: أن القرآن قد اتبع في عرضها طريقة التلخيص الإجمالي أولا، ثم العرض التفصيلي أخيرا، فهي تبدأ هكذا: )أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا (9) إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا (10) فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا (11) ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا (12)( (الكهف).
فهذه الآيات الكريمة تلخيص يجمل القصة، ويرسم خطوطها الرئيسة العريضة، ويشير إلى أنها آية عجيبة من آيات الله، لكنها – مع غرابتها – ليست بأعجب آيات الله، ففي صفحات كونه الممتد من العجائب والغرائب ما يفوق قصة أصحاب الكهف.
وبعد هذا التلخيص المشوق للقصة، يجيء التفصيل مبتدئا ببيان أن ما سيقصه الله منها هو فصل الخطاب في الروايات المتضاربة في عددهم ومدة نومهم، وغير ذلك من الحق اليقين في أحداثهم، ثم يعقب القرآن الكريم على القصة بإعلان الوحدانية ظاهرة الأثر في سير القصة وأحداثها: )ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحدا (26)( (الكهف)، وبتوجيه النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى تلاوة ما أوحاه ربه إليه، وفيه فصل الخطاب – وهو الحق الذي لا يأتيه الباطل – والاتجاه إلى الله وحده، فليس من حمى إلا حماه، وقد فر إليه أصحاب الكهف؛ فشملهم برحمته وهدايته: )واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا (27)( (الكهف)[4].
وهكذا تنتهي القصة، تسبقها وتتخللها وتعقبها أمور عديدة تشهد بأنها قصة واقعية لا صلة للأساطير بها، فكيف يدعي المستشرقون ومن نحا نحوهم من العرب المستغربين أنها قصة أسطورية؟
وقد أشار د. عبد الله العمراني في مقال له بعنوان “النيام السبعة وأهل الكهف” إلى أن دائرة الآثار الأردنية قد اكتشتف في عام 1962 موقع كهف أهل الرقيم في قرية أردنية تسمى الرميم على بعد سبع كيلو مترات جنوب العاصمة الأردنية عمان؛ إذ تم العثور داخل الكهف على نقوش وحلي ونقود بيزنطية تعود للقرن الثالث الميلادي، مصداقا لقول الله سبحانه وتعالى: )فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة( (الكهف: ١٩)،
كما تم العثور على سبع جماجم بشرية في سبعة قبور بداخل الكهف، وعلى جمجمة كلب، وتم العثور أيضا على أعمدة المسجد الذي أقيم فوق الكهف، وكذلك على الفجوة التي بداخل الكهف، وتبلغ مساحتها على وجه التقريب نحو أربعة أمتار في ثلاث، بل ثبت أن الشمس تمر فعلا عند طلوعها أمام الكهف، وتنحرف عنه عند غروبها، فأشعتها لا تنفذ داخل الكهف، كما أخبر القرآن الكريم قبل هذا الاكتشاف العصري.
ويقول د. عبد العليم خضر في شأن قول الله سبحانه وتعالى: )ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا (25)( (الكهف)، هذا خبر من الله تعالى لرسوله – صلى الله عليه وسلم – بمقدار ما لبث أصحاب الكهف في كهفهم منذ أن أرقدهم الله إلى أن بعثهم الله، وأعثر عليهم أهل ذلك الزمان، وأنه كان مقداره ثلاثمائة سنة تزيد تسع سنين بالهلالية، وهي ثلاثمائة سنة بالشمسية، فإن تفاوت ما بين كل مائة سنة بالقمرية إلى الشمسية ثلاث سنين، فلهذا قال بعد الثلاثمائة وازدادوا تسعا.
هكذا أخبرنا محمد – صلى الله عليه وسلم – عن الفرق بين التقويم الشمسي والتقويم القمري، فالشمسي ما كان يسير عليه الناس زمن حكم الرومان، وهو زمن وقوع القصة، والقمري ما سار عليه العرب، وكانت الهجرة فيما بعد عليه دليلا، وكأن الله – سبحانه وتعالى – يقول: أيها الناس، هذا النبي الأمي الذي لم يقرأ ولم يكتب، ولم يدرس علم الحساب ولا الهندسة ولا الفلك من أين جاء له أن كل مائة سنة شمسية تزاد ثلاث سنين قمرية، وكل ثلاث وثلاثين سنة شمسية تزيد سنة قمرية وكل سنة شمسية تزيد نحو أحد عشر يوما؟ ليس لذلك أي معنى سوى الإعجاز القرآني، وحسبنا في الرد على المستشرقين ود. خلف الله هذا القدر من الردود الداحضة لمزاعمهم الباطلة[5].
ولأن من يثيرون مثل هذه الشبهة التي نحن بصددها – أسطورية القصص القرآني – لا دليل لديهم سوى التمسح بالعلم، وادعاء أن الاعتقاد بواقعية مثل هذا القصص والإيمان به تتنافى مع روح العلم الحديث وتنكب طريقه، ولا تساير مقتضياته، نقول لأن هذا هو دليلهم التعميمي اليتيم المبهم، فإننا نورد هنا تحليلا علميا إعجازيا للقصة نفسها من قبل أحد المختصين يدحض كلام هؤلاء المتفلسفين المتحذلقين بغير علم ولا يقين، يقول د. عبد الحافظ سلامة: وفي قصة أهل الكهف – على سبيل المثال – أوحى اليهود لمشركي قريش أن يسألوا محمدا – صلى الله عليه وسلم – عن أهل الكهف لمعرفة إن كان صادقا أم كاذبا، والقصة ملخصة أن مجموعة من الفتية المؤمنين بالله هربوا بدينهم من ملك كافر طاغية ومتسلط، خوفا من القتل، فأنامهم الله في الكهف لمدة ثلاثمائة سنة، ثم أيقظهم بقدرته وجعلهم آية للناس على مر العصور، تشهد بقدرة الله – عز وجل – وفي القرآن لا تسرد هذه الحكاية فقط، لكنها احتوت العديد من الآيات العلمية التي لا يمكن أن يصوغها بشر بهذه الكيفية.
فقد ذكر في القصة العوامل التي تؤثر على الإنسان النائم الحي وليس الميت، وهذه العوامل هي أثر الصوت – وليس الضوء – على النائم، والتهوية الجيدة، والتعقيم وقتل الميكروبات التي تحلل الجسم وتقليب جسم الإنسان، وأخيرا الفرق بين السنة الشمسية والقمرية حسابيا، وهذه الآيات هي:
- تأثير الصوت على الإنسان النائم: )إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا (10) فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا (11)( (الكهف) أول أثر على النائم لإيقاظه هو الصوت وليس الضوء، ولذلك أول آية في هذه القصة ذكر فيها أنه ضرب على آذانهم بمعنى جعلهم صما لا يحسون بأية أصوات خارج الكهف، كصوت الريح والرعد وخلافه، حتى لا يستيقظوا من نومهم.
فالإنسان لا يستيقظ عند إنارة النور وهو نائم، ولكن يستيقظ عند حدوث صوت كجرس الساعة مثلا، أو النداء عليه بصوت مرتفع، أو أية ضوضاء خارجية، ولذلك قال الله – سبحانه وتعالى – في آية علمية: )فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا (11)( (الكهف).
- أثر التهوية وأشعة الشمس على تنظيف الكهف من الميكروبات: )وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه ذلك من آيات الله من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا (17)( (الكهف).
سبحان الله، لإثبات أن الضوء لا يؤثر على النائم ذكر الله – سبحانه وتعالى – أن الشمس تدخل الكهف في الشروق: )وترى الشمس إذا طلعت(، وتمر عليهم عند الغروب )تقرضهم( أي: تمر عليهم مبينا عدم تأثير الضوء على النائم، وكما نعلم في علم الميكروبولوجيا أن أشعة الشمس في الشروق وفي الغروب تحتوي على الأشعة فوق البنفسجية التي تؤدي إلى قتل الميكروبات، ليس هذا فحسب؛ فقد فتح الله – سبحانه وتعالى – طاقة أو فجوة في الكهف للآتي:
- إحداث تيار هوائي لتجديد الهواء الملاصق لهم وهم نائمون.
- دخول أشعة الشمس في الشروق والغروب لقتلها الميكروبات وتعقيم المكان ومن فيه، ومما يدعونا إلى تهوية المساكن وتعريض الفرش لأشعة الشمس، علاوة على أثر أشعة الشمس على الإنسان، حيث إنها مفيدة في تكوين فيتامين (د) للجلد، وكذلك حتى يتقي الإنسان كثيرا من الأمراض، وأشد الأمراض اتصالا بعدم التهوية وعدم وجود الشمس هو مرض السل مثلا: )وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه ذلك من آيات الله من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا (17)( (الكهف) سبحان الله! ذكر التهوية ودخول أشعة الشمس من آيات الله فعلا، فهي من آيات الله العلمية في القرآن الدالة على صدق رسوله، وأنه مبلغ هذا الكتاب، وليس مؤلفا، فكيف عرف أثر أشعة الشمس عند الشروق وعند الغروب في التعقيم وقتل الميكروبات، وكذلك أثر التهوية على صحة الإنسان، إذ إنهم نيام وليسوا أمواتا.
- تقليب أجسادهم حتى لا يصابوا بقرحة الفراش: )وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا (18)( (الكهف). لاحظ )ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال( مع الآية رقم 17، حيث ذكر أن الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين، وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال، وهم في فجوة منه؛ حتى يتعرض الجانب من الجسم الملاصق للأرض أثناء الليل ذات اليمين إلى أشعة الشمس التي تزاور عن كهفهم ذات اليمين، فيحدث تهوية وتعقيم لهذا الجانب، ثم يقلبهم الله – سبحانه وتعالى – بقدرته إلى الشمال عند الغروب، حتى يتعرض جانب الجسم الملاصق للأرض أثناء النهار إلى أشعة الشمس التي تقرضهم ذات الشمال عند الغروب، وكذلك للتهوية حتى لا يحدث لهم التقرحات في أجسامهم، نتيجة نمو الميكروبات اللاهوائية عند عدم تقليب الجسد، وهو ما عرف حديثا بقرحة الفراش، والتي لم تعرف من قبل، وحتى منتصف الخمسينيات من القرن العشرين.
فكيف عرف هذه المعلومات من أثر التهوية وأشعة الشمس وقرحة الفراش على الإنسان النائم منذ هذا الزمن – أربعة عشر قرنا – وفي بيئة صحراوية، وحتى لو كان أعلم علماء عصره، وقرأ العهد القديم والجديد، وجمع جميع المعلومات الموجودة في عصره، وكلها آيات علمية في قصة واحدة؟
- الفرق بين السنة الشمسية والسنة القمرية: )ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا (25)( (الكهف) عندما نكتب مثلا 309 سنة بالحروف العربية تكون ثلاثمائة وتسع سنين، ولكن أن يكتب ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا شيء آخر؛ لأنه ربط السنين الشمسية بالسنين القمرية، فإذا أردت أن تحسب زمن نومهم بالسنين الشمسية فهي ثلاثمائة سنة شمسية، وعند حساب نفس المدة بالسنين القمرية تكون ثلاثمائة سنة وازدادوا تسعا؛ لأن الفرق بين السنة الشمسية والقمرية أحد عشر يوما تقريبا، فعندما نضربها في عدد 300 سنة، نجد الفرق هو تسع سنوات بالضبط، ومن ثم يصبح محمد – صلى الله عليه وسلم – عالما في الصوتيات والطب وفي الفلك، ويضع هذه العوامل جميعها أثناء كتابة قصة مجموعة من الفتيان نامت مدة ثلاثمائة سنة ثم أيقظهم الله.
- اختلاف عدد الفتية: قال سبحانه وتعالى: )سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا (22)( (الكهف)، فإذا عرفت أن السائلين هم اليهود وهم أهل جدال، وقد عرف الله – عز وجل – أنهم سيكذبون رسوله مهما قال لهم الحقيقة، ولقد أبلغهم الله بما كانوا متفقين عليه، ولذلك قال سبحانه وتعالى: (سيقولون) ويختلفون في أعدادهم؛ لأنهم لا يعرفون الحقيقة، فقالوا: إن قال محمد: ثلاثة ورابعهم كلبهم، نقول: لا ليس صحيحا هم خمسة وسادسهم كلبهم، وهكذا… ولذلك أمر الله رسوله أن لا يجادلهم إلا فيما قالوا هم، ولا يدخل في التفاصيل، ولا يناقش، ولا يسأل أحدا منهم[6].
ثانيا. قصة أصحاب الفيل واقعة تاريخية حقيقية:
أما بخصوص قصة أصحاب الفيل، فالبرغم من تواترها في المصادر التاريخية وإثبات المحدثين المنصفين من الغربيين لها، فإن بعض المشككين – ومنهم المستشرق البرنس “ليون كانياتي” – قد أنكروها؛ لأن الرواية اليونانية المعاصرة لحادثة الفيل لم تشر إليها، وفي نظره أن حملة أبرهة كانت موجهة إلى بلاد فارس لا إلى البيت الحرام بمكة؛ ولأن مصادر المسيحية – أيضا – لم تشر إطلاقا إلى أن أبرهة بني كنيسة في صنعاء حتى يذهب إلى هدم الكعبة التي تنافس كنيسته؛ ولأن المسيحيين في صنعاء كانوا قليلين بحيث لا يحتاجون إلى كنيسة يشيدها أبرهة الحبشي، لمعارضة البيت الحرام بمكة لصرف العرب عن الحج إليه وتحويل القبلة إلى صنعاء.
وفي تفنيد هذا الزعم الاستشراقي يقول د. عبد الجواد المحص: أما إنكار المستشرق البرنس ليون كانياتي لقصة أصحاب الفيل – فمن أشد أباطيل المستشرقين غرابة، وهو لا يهدف من وراء هذا الإنكار إلا شيئا خبيثا واحدا، هو إيهام قراء مادة أصحاب الفيل في الحوليات الإسلامية بأن في القرآن الكريم أخطاء من أخطاء التاريخ، حيث أورد قصة لم تحدث – في زعم هذا المستشرق – تاريخيا! وقد نسي هذا المستشرق – أو بتعبير أدق تناسى – أن حادث الفيل قد وقع في السنة التي ولد فيها النبي صلى الله عليه وسلم.
ومعنى هذا أن سورة الفيل التي عرضت – في إيجاز بليغ معجز – قصة هذا الحادث، قد نزلت على النبي في وقت كان يعيش فيه من أهل مكة أناس رأوا حادث الفيل بأعينهم، أو على الأقل سمعوا عنه وبعضهم من أعداء النبي، فلو لم تكن هذه القصة حقيقية، لظهر من العرب من يسارع إلى تكذيب هذه السورة ويعلن ذلك على رءوس الأشهاد، وينتهزها فرصة في الكيد للنبي والطعن عليه، ولا سيما أنهم كانوا وقتئذ يتمنون أن يروا له سقطة أو عثرة أو كذبة، فلولا أنه ذكرهم أمرا لا يتدافعونه، ولا يستطيع العدو إنكاره، للذي يرى في إطباق الجميع عليه، لوجدوا أكبر المقال في تكذيبه والتشنيع عليه، لكن شيئا من ذلك لم يحدث، وإنما نزلت سورة الفيل على النبي – صلى الله عليه وسلم – في مكة المكرمة، فتلقاها الجميع بالقبول؛ لأنها تقص عليهم حقيقة معروفة عندهم لا شك فيها، ولا يستطيع أحد إنكارها.
يقول د. محمد رجب البيومي: “سجل القرآن الكريم حديث أصحاب الفيل في سورة مستقلة، وقد أجمع مؤرخو العرب والمنصفون من كتاب أوربا على وقوع حادث الفيل بين حكام اليمن ومكة، على نحو تؤيده الرواية الصحيحة، ويمليه منطق الأحداث، وفيهم من سلسل الأدوار التاريخية لهذا الحادث مرتبة على نسق مقنع يرضي الباحث المحايد، ولا يجد ذرة من الشك لديه، ومؤرخو العرب في هذا النطاق أولى من سواهم؛ لأن هذا الحادث الكبير بمغزاه وفجاءاته قد وقع في أرض عربية، ذاع ذكره على ألسنة، صناعتها البيان والإفصاح، فسجلته الرواية المسندة، وصوره الشعر العربي في أكثر من قصيدة.
وهذا حق، فنحن إذ نستقرئ قصة الأدب في الحجاز في العصر الجاهلي، نجد أن حادثة الفيل حادثة لها خطرها في تاريخ الحجازيين خاصة والعرب عامة، وقد هزت الكيان القوي لا للمكيين وحدهم بل للعرب أجمع؛ فإن البيت الحرام يعتبر رمزا للوحدة العربية وشعارا لحرية العرب، وما غزو أبرهة له إلا محاولة للقضاء على هذه الحرية وتلك الوحدة، ولا غرو إذا ما هتف شعراء الحجاز بالقصيد يصبون جام غضبهم على المعتدي الأثيم، ويهزجون بأهازيج النصر، وهذا هو الوجه السياسى الذي حمل أبرهة على التفكير في هدم الكعبة.
أما الوجه الديني لتلك المحاولة التي باءت بالفشل فمعروف لنا أنه كان يرغب في تحويل أنظار الناس عن الكعبة – بيت الله – إلى الكنيسة التي شيدها في صنعاء، والتي لم ير مثلها في زمانها بشيء من الأرض، فقد كان ينقل إليها العدد من الرخام المجزع والحجارة المنقوشة بالذهب من قصر بلقيس صاحبة سليمان – عليه السلام – وكان من موضع الكنيسة على فراسخ، ونصب فيها صلبانا من الذهب والفضة، ومنابر من العاج والأبنوس، لكن الحق – عز وجل – جعل كيد أصحاب الفيل في تضليل: )ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل (1) ألم يجعل كيدهم في تضليل (2) وأرسل عليهم طيرا أبابيل (3) ترميهم بحجارة من سجيل (4) فجعلهم كعصف مأكول (5)( (الفيل)، وكان من ثمار ذلك أن أعظمت العرب قريشا وقالوا: هم أهل الله، قاتل الله عنهم، وكفاهم مئونة عدوهم، فقالوا في ذلك أشعارا يذكرون فيها ما صنع الله بالحبشة، وما رد عن قريش من كيدهم.
ومن الشعراء الجاهليين الذين نظموا شعرا في هذه الحادثة يؤيد صدق ما جاء به القرآن الكريم: عبد الله بن الزبعري، وأبو قيس بن الأسلت الأنصاري، وطالب بن أبي طالب بن عبد المطلب، وأبو الصلت بن أبي ربيعة الثقفي، ونفيل بن حبيب الخثعمي وعبد المطلب جد الرسول – عليه السلام – ومن هذا الشعر نختار قول عبد الله بن الزبعري:
تنكلوا[7] عن بطن مكة إنها
كانت قديما لا يرام حريمها
لم تخلق الشعرى[8] ليالي حرمت
إذ لا عزيز من الأنام يرومها
سائل أمير الجيش عنها ما رأى
فلسوف ينبي الجاهلين عليمها
ستون ألفا لم يئوبوا[9] أرضهم
بل لم يعش بعد الإياب سقيمها
كانت بها عاد وجرهم[10] قبلهم
والله من فوق العباد يقيمها
وقول أبي الصلت بن ربيعة الثقفي:
إن آيات ربنا باقيات
ما يماري فيهن إلا الكفور
خلق الليل والنهار فكل
مستبين حسابه مقدور
ثم يجلو النهار رب رحيم
بمهاة[11] شعاعها منشور
حبس الفيل بالمغمس[12] حتى
صار يحبو كأنه معقور
لازما حلقة الجران كما
قطر من ظهر كبكب محذور
حوله من ملوك كندة أبطا
ل ملاويث[13] في الحروب صقور
خلفوه ثم ابذعروا[14] جميعا
كلهم عظم ساقه مكسور
وقول أبي قيس بن الأسلت من شعراء يثرب:
ومن صنعه يوم فيل الحبو
ش إذ كل ما بعثوه رزم[15]
محاجنهم[16] تحت أقرابه
وقد كلموا[17] أنفه فانخرم
وقد جعلوا سوطه معولا
إذا يمموه ففاه كلم
فولى وأدبر أدراجه
وقد باء بالظلم من كان ثم
فأرسل من فوقهم حاصبا
فلفهم مثل لف القزم
يحث على الطير أجنادهم
وقد ثأجوا كثؤاج الغنم[18]
وقد روى المؤرخون والمفسرون أن أبرهة الحبشي حينما حل بأرض خثعم وهو في طريقه إلى مكة المكرمة، اعترض له نفيل بن حبيب الخثعمي في قومه شهراق و ناهس، فقاتلوه ليصرفوه عن هدم الكعبة، فقد رأى نفيل أن جهاده هذا الطاغية حق مقدس في عنقه، إلا أن أبرهة هزمهم وأسر نفيل بن حبيب، فلما هم أبرهة بقتله قال له نفيل: لا تقتلني أيها الملك، فإني دليلك بأرض العرب. فعفا عنه أبرهة واستصحبه معه ليدله على الطريق في بلاد الحجاز.
وروى المؤرخون والمفسرون – أيضا – عن نفيل هذا شيئا عجيبا، هو أن الأحباش لما وجهوا الفيل نحو مكة، أقبل نفيل حتى قام إلى جنبه، ثم أخذ بأذنه وقال: ابرك محمود – وهذا اسم الفيل – وارجع راشدا من حيث جئت، فإنك في بلد الله الحرام، ثم أرسل أذنه فبرك الفيل، وخرج ابن حبيب يشتد حتى أصعد في الجبل، وضربوا الفيل ليقوم فأبى، وكان ما كان من أمر هلاكهم.
ولما فاجأتهم تلك الغارات الجوية الإلهية أخذوا – من شدة الهول والفزع – يسألون عن نفيل ليدلهم على الطريق إلى اليمن، ونفيل على رأس الجبل مع قريش وعرب الحجاز ينظرون ماذا أنزل الله بأصحاب الفيل من النقمة، وجعل نفيل يقول:
أين المفر والإله الطالب
والأشرم المغلوب ليس الغالب
وفي ذلك قال نفيل بن حبيب أيضا:
ألا حييت عنا يا ردينا
نعمناكم مع الإصباح عينا
ردينة لو رأيت فلا تريه
لدى جنب المحصب ما رأينا
إذن لعذرتني وحمدت أمري
ولم تأسى على ما فات بينا
حمدت الله إذ أبصرت طيرا
وخفت حجارة تلقى علينا
وكل القوم يسأل عن نفيل
كأن علي للحبشان دينا
كذلك روى المؤرخون والمفسرون شعرا قاله عبد المطلب جد الرسول في هذه الحادثة، فقد راح يقول وهو آخذ بحلقة باب الكعبة، ومعه نفر من قريش يدعون الله ويستنصرون على أبرهة وجنده:
لاهم إن المرء يم
نع رحله فامنع رحالك
لا يغلبن صليبهم
ومحالهم أبدا محالك
إن كنت تاركهم وكعـ
بتنا فأمر ما بدالك
فلئن فعلت فإنه
أمر يتم به فعالك
اسمع بأرجس ما أرا
دوا العدو وانتهكوا حلالك
جروا جميع بلادهم
والفيل كي يسبوا عيالك
عمدوا حماك بكيدهم
جهلا وما رقبوا جلالك
ولما أهلك الله أبرهة وجيشه وحمى بيته من غدر الأحباش، أدرك أبو قيس ابن الأسلت القيمة الكبرى لهذه النعمة التي أنعم الله بها عليهم، فقام يدعو العرب لشكر الله على هذه النعمة:
فقوموا فصلوا ربكم وتعوذوا
بأركان هذا البيت بين الأخاشب
فعندكم منه بلاء مصدق
غداة أبي يكسوم هادي الكثائب
فلما أجازوا بطن نعمان ردهم
جنود الإله بين ساف وحاصب
فولوا سراعا نادمين ولم يؤب
إلى أهلهم بالجيش غير عصائب
فكل هذه النماذج التي اخترناها من الشعر الجاهلي الذي قيل في حادثة الفيل تؤكد وقوع هذه الحادثة، وصدق ما جاء في القرآن الكريم عنها، فضلا عن أنها تنفي ما ذهب إليه أحد النقاد القدامى من قلة الشعر الحجازي في العصر الجاهلي، لعدم الحروب والملاحم.
وإذا كان الشعر الجاهلي قد سجل حادثة الفيل؛ فمن السهل جدا الرمي بالانتحال لدى هؤلاء الذين يتشككون حيث يحلو لهم التشكك؛ إذ يجدونه سهل المؤنة يسير التسطير، وقد قالوا فيما يأفكون به: إن الأشعار التي قيلت في حادثة الفيل نظمت تأييدا للإسلام، وهنا موضع العجب حقا؛ لأن الإسلام لم يعتمد في انتشاره على حادث الفيل، وقد كان الوثنيون يرونه مدعاة فخر لأصنامهم؛ إذ يزعمون لها من القدرة ما أحبطت به كيد أبرهة، فهو – إذن – أحد مفاخر الجاهلية التي جاء الإسلام ليعفي على خوارق أصنامها الموهومة، فكيف ينظم المسلمون بعد الإسلام شعرا يؤيدون به حادثة الفيل ليكون تقوية لدينهم الجديد؟! وقد كان الحادث قبل البعثة النبوية، وفي العام الذي ولد فيه النبي – صلى الله عليه وسلم – إذ ذكر المؤرخون أن أصحاب الفيل جاءوا إلى مكة في المحرم، ثم ولد النبي بعد ذلك بخمسين يوما.
لقد قالوا: إن حملة الحبشة كانت موجهة إلى بلاد فارس لا إلى البيت بمكة، والادعاء بأن المسيحيين في صنعاء كانوا قليلين بحيث لا يحتاجون إلى كنيسة يشيدها أبرهة الحبشي، ويحاول أن يعارض بها البيت الحرام بمكة، ليصرف العرب عن الحج إليه.
وفاتهم أن في القرآن الكريم دليلا من أقوى الدلائل على أن الحملة الحبشية كانت موجهة إلى الكعبة في مكة، فقد جاء في المصحف الشريف بعد سورة الفيل مباشرة سورة قريش، التي يقول الحق فيها: )لإيلاف قريش (1) إيلافهم رحلة الشتاء والصيف (2) فليعبدوا رب هذا البيت (3) الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف (4)( (قريش)، وهذه السورة تبدو امتدادا لسورة الفيل قبلها من ناحية موضوعها وجوها، وإن كانت سورة مستقلة مبدوءة بالبسملة، والروايات تذكر أنه يفصل بين نزول سورة الفيل وسورة قريش تسع سور، ولكن ترتيبهما في المصحف على التوالي يتفق مع موضوعيهما القريبين بعضهما من بعض، ويوضح في الوقت نفسه أنهما ما تكونان بالسورة الواحدة، لا سيما أن سورة قريش تبدأ بقوله تعالى: )لإيلاف قريش (1)( (قريش)، وهو جار ومجرور لا بد له من فعل يسبقه ويتعلق به.
فإذا ما نظرنا إلى آخر سورة الفيل نجد الحق – عز وجل – يقول عن أصحاب الفيل: )فجعلهم كعصف مأكول (5)( (الفيل)، وهذا يفيد أن الله فعل ما فعل بأصحاب الفيل لإيلاف قريش، فإن الحق – سبحانه وتعالى – لو ترك بيته الذي في مكة لما كان يريده الأحباش من هدم هذا البيت لسقطت مهابة قريش في الجزيرة العربية، فإن وجودهم بجوار هذا البيت وخدمتهم لحجاجه من العرب هو الذي ربى لهم هذه المهابة، وجعل القبائل لا تجترئ على تجارة قريش ورحلتها الشتوية إلى اليمن والصيفية إلى الشام، ومن هنا أرشد الحق – سبحانه وتعالى – قريشا إلى شكر نعمته عليهم حين حبس عن مكة الفيل، وأهلك أهله فقال سبحانه وتعالى: )فليعبدوا رب هذا البيت (3) الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف (4)( (قريش).
على أن هناك مظهرا إعجازيا آخر يلفت النظر في هاتين السورتين، فقد فصل بين نزولهما تسع سور – كما سبقت الإشارة، وفي الوقت نفسه نجد سورة الفيل مكونة من خمس آيات وسورة قريش من أربع آيات، أي تتكون السورتان معا من تسع آيات، فهل أدرك المستشرقون مثل هذه التوافق العددي المعجز؟!
وقد أشار د. محمد رجب البيومي إلى أن الحق لا يعدم أنصاره أبدا، فقد نهض من ذوي الاستشراق أنفسهم من أجهد نفسه مخلصا في البحث والتمحيص، حتى عثر على نص ذكره المؤرخ اليوناني الكبير “بركوب” عن تعرض الأحباش للبلاد الحجازية بتأثير الروم، وكان في العثور على هذا النص ما يجب أن يقضي على لجاجة المرجفين، بحيث يخفون رءوسهم من حلبة هذا النقاش؛ لأنهم بنوا أفكارهم على خلو المصادر اليونانية من ذكر الحادث، وها هو ذا (بركوب) مؤرخ اليونان الأشهر قد سجل الحادث المشتهر! وتسجيل المؤرخ اليوناني الكبير لحادث الفيل يدحض ادعاء المستشرق كانياتي بأن رحلة أبرهة إلى الحجاز لم تكن تهدف إلى هدم الكعبة، بل كان الهدف منها أن تقطع صحراء الجزيرة الممتدة، حتى تصل إلى فارس عن طريق العراق لتعاون الدولة الرومانية في حرب الدولة الفارسية!
ومهما استمر أعداء الإسلام من المستشرقين ونحوهم في تكذيب الحقائق الواردة في القصص القرآني، فلن ينالوا منه شيئا أبدا؛ لأن القصص القرآني كلام الله الحق الصادق، ومصدر رئيس للتاريخ القديم، تصدقه الحفريات التي أجراها علماء الآثار، وما يكتشفه العلم الحديث في كل يوم من آفاق جديدة تضيء الطريق إلى الله – عز وجل – وتؤكد حقائق القرآن الكريم، وتكشف زيف ما يدعيه هؤلاء الأعداء الذين يخالفون التحقيق العلمي في صميمه، وهم يزعمون أنهم يستندون إلى العلم لتمحيص تلك الأخبار وذلك القصص الديني، فأخطأوا بإنكارهم لذلك في حق العلم وحق الدين معا.
والخلاصة التي نخرج بها أن القصص القرآني يخلو تمام الخلو من سائر ما زعمه المستشرقون، فليس فيه إطلاقا مثقال ذرة من أخطاء التاريخ[19].
لعله تأكد لدينا الآن بعد هذه المناقشة أن القصص القرآني تاريخي واقعي لا يمسه الخيال، ولا تمازجه الأسطورة كما زعم المبطلون بغرض التشكيك، وزعزعة الثقة في كتاب المولى الذي يحفظه، فلن ينالوا إربهم ولو رغمت أنوفهم.
ثم يتدرج هؤلاء المبطلون من القول بأسطورية القصص القرآني – حيث لا يتورعون ولا يرعوون – إلى إنكاره هو ومعجزات النبوة جميعا، بحجة عدم تمشيها مع مقتضيات العلم الحديث، ومن ذلك ما ادعوه من أن قصة آدم وإبليس في القرآن الكريم تتناقض تناقضا صريحا مع سائر المعارف العلمية، وهم بذلك يقصدون تناقضها مع نظرية النشوء والارتقاء التي اخترعها داروين، ومن هنا فنحن نقول: إن الحق هو ما قصه علينا الحق – سبحانه وتعالى – في كتابه المبين، ولو تناقض مع الفرضية الداروينية، إذ ليس فيما قصه القرآن الكريم تناقض بين الدين والعلم، بل هو تناقض بين الحق الديني القرآني، وبين ما نسب إلى العلم، وهو ليس من العلم الصحيح في شيء.
وهذا لا يؤثر مطلقا في جوهر الموضوع ولا حقيقة القصة؛ لأن نظرية داروين ليست – في واقع الأمر وحقيقته – حقيقة علمية باعتراف العلماء أنفسهم، فهي لا تملك أدلة إثبات يقينية فيما يتصل بتاريخ الإنسان ونشأته الأولى؛ ولأن العلم نفسه لا يملك – مهما ارتقى – أدلة يستطيع عن طريقها نفي ما هو ثابت بنص القرآن الكريم من وجود جن وملائكة، وباستطاعتنا أن نعكس السؤال على هؤلاء المنكرين، فنقول لهم: هل يملك العلم المادي الحديث أن يقدم لنا دلائل يقينية قاطعة تثبت ما يدعيه عن نشأة الإنسان الأولى وتاريخه؛ إن ما يزعمونه هو مجرد احتمال افتراضي لو لم يدعوه لما وجدوا أمامهم إلا ما قرره القصص القرآني المعجز عن مسألة الخلق الرباني.
يقول وحيد الدين خان – نقلا عن سير آرثر كيث – في هذا الصدد ما نصه: “إن نظرية النشوء والارتقاء غير ثابتة علميا، ولا سبيل إلى إثباتها بالبرهان، ونحن لا نؤمن بها إلا لأن الخيار الوحيد بعد ذلك هو الإيمان بالخلق الخاص المباشر، وهذا ما لا يمكن حتى التفكير فيه”.
إن هؤلاء لو تحققوا في الأمر، لوجد أن الخرافة والأسطورة إنما تتمثل فيما قاله داروين وأمثاله، فهي أقوال مزعومة وأباطيل منسوجة تتناقض تناقضا صريحا مع ما جاء في القرآن الكريم عن خلق آدم وقصته مع إبليس؛ لأن افتراضات داروين ومن نحا نحوه لا تملك – في هذه المواقف – أي دليل أو برهان سوى مجرد الاحتمالات الافتراضية البعيدة كل البعد عن الحقائق القرآنية من ناحية، والحقائق العلمية السائدة من ناحية أخرى، فادعاء التناقض بين الدين والحقائق العلمية في هذه القصة العظيمة – قصة خلق آدم عليه السلام – إنما هو ادعاء يخالف سائر الأسس العلمية والقواعد المنطقية، على أنه يخالف من قبل ومن بعد حقائق الإعجاز في قصص القرآن الكريم.
أما دعواهم الكاذبة عن يأجوج ومأجوج وهاروت وماروت، فيبدو من كلامهم عنها أنهم لا يفقهون أغلب هذه الأسماء التي يعدونها من الكائنات الأسطورية في القرآن الكريم، والظاهر أنهم أخذوها عن مكتوبات الماركسيين، ولو رجعوا إلى المصادر الإسلامية لعرفوا دلالاتها الحقيقية.
إن في إيرادهم لهاروت وماروت، ويأجوج ومأجوج على أنها كائنات غير مرئية كالجن والملائكة وإبليس جهل فاضح جدا، فمن هذا الذي قال: إن هاروت وماروت، ويأجوج ومأجوج مخلوقات غير مرئية كالجن والملائكة؟ وإن كانوا اليوم غير مرئيين، فقد كانوا ذات يوم مرئيين كما نعرف، ولو أنهم قرأوا ما قصته سورة البقرة عن هاروت وماروت، وما قصته سورة الكهف عن يأجوج ومأجوج، لو كانوا قد فعلوا هذا، ما صدر عنهم هذا التخبط الفكري.
وبعد، فإن الذي نقره أنه ينبغي ألا يقال بأن القرآن الكريم يشتمل على قصص أدبي أسطوري – رضي هؤلاء الباحثون أو غضبوا – لأن القرآن الكريم كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد.
ولا يعيب القصص القرآني أن يخالف القصص الفني البشري في هذه الناحية؛ لأن لكل بيان خصائصه التي تسري من خلاله، وسماته التي تتراءى بين ثناياه، بحيث يتميز كل بيان عن غيره؛ ومن ثم فلا يصح أبدا أن نخضع القصص القرآني للمقاييس النقدية والظواهر القصصية المتعارف عليها؛ لأنه نسيج وحده في الشكل والمضمون على حد سواء، ولا صلة للأساطير والخرافات به[20].
ثالثا. الفرق الكبير بين القصص القرآني والقصص الفني الأدبي في الطبيعة والأهداف:
ومما يؤكد زيف ادعاء أن القصص القرآني نمط من أنماط القصة الفنية التي تحتوي الخيال القصصي، وعدم التزام الصدق والواقعية – أن القصة في القرآن – كما عرفها العلماء – تعني: الأمر والشأن والحال، فالقصص القرآني إذن هو: إخباره – عز وجل – عن أحوال الأمم الماضية والنبوات السابقة والحوادث الواقعة، وقد اشتمل القرآن الكريم على كثير من وقائع الماضي، وتاريخ الأمم والبلاد والديار، وتتبع آثار الأقوام؛ إذ حكى عنهم صورة ناطقة لما كانوا عليه[21].
ولا يستخدم القرآن في القصص لفظ الحكاية بدلا من القصة؛ لأن الحكاية تقليد وليست واقعا، وقصص القرآن واقع، وتتناول أحد آثار التاريخ وأنبائه، وتصحح قصصا أخرى مثلها من التوراة، وتأتي بما لم تأت به التوراة، وجميعها من الماضي [22]، ويأتي القصص القرآني في أنواع ثلاثة:
فهو إما قصص أنبياء، متضمن دعواتهم أقوامهم مؤيدين بالمعجزات التي أيدهم الله بها، وموقف المعاندين منهم، ومراحل الدعوة وتطورها، وعاقبة المؤمنين والمكذبين، كقصص نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم عليهم الصلوات والسلام.
وإما قصص يتعلق بحوادث غابرة، وأشخاص لم تثبت نبوتهم، كقصة الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت، وقصة طالوت وجالوت، وأصحاب الكهف، وغيرها.
وأما الضرب الثالث، فهو قصص يتعلق بالحوادث التي وقعت في زمن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كغزوة بدر وأحد في سورة آل عمران، وغزوة حنين وتبوك في التوبة… وغير ذلك.
أما إذا أمعنا النظر في أغراض القصص القرآني وفوائده، فإنها عديدة يمكن جمعها في دروس عدة، منها:
- إيضاح أسس الدعوة إلى الله، وبيان أصول الشرائع التي بعث بها كل نبي، قال سبحانه وتعالى: )وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون (25)( (الأنبياء).
- تثبيت قلب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وقلوب الأمة المحمدية على دين الله وتقوية ثقة المؤمنين بنصرة الحق وجنده، وخذلان الباطل وأهله، قال سبحانه وتعالى: )وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين (120)( (هود).
- تصديق الأنبياء السابقين وإحياء ذكرهم وتخليد آثارهم، وإظهار صدق محمد – صلى الله عليه وسلم – في دعوته بما أخبر عن أحوال الماضي عبر القرون، ومنها مقارعة أهل الكتاب بالحجة فيما كتموه من البينات والهدى، وتحديه لهم بما كان في كتبهم قبل التحريف والتبديل، كقوله سبحانه وتعالى: )كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين (93)( (آل عمران).
- ترسيخ العبرة والعظة في النفس، قال سبحانه وتعالى: )لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب( (يوسف: ١١١)[23].
وقد أجمل هذه الأهداف والمغزى من القصص القرآني د. إبراهيم خليفة فقال: “ومن ميزاته أيضا أنه – أي القصص القرآني – مثبت بأسلوب بديع.. مع المحافظة على الغرض الأصلي من تشريع، فتوافرت في ذلك عشر فوائد:
الأولى: كانت غاية علم أهل الكتاب نقل أخبار الأولين، فلما جاء القرآن بقصصه متحديا ومعجزا لهم؛ لأن هذه الأخبار كان لا يعلمها إلا الراسخون في العلم منهم، فقال سبحانه وتعالى: )تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا( (هود: ٤٩)، فنفى عن المسلمين صفة الأمية التي ادعتها اليهود، وصفة الجهل التي ادعتها النصارى.
الثانية: تعليل أهمية التشريع الإسلامي بذكر تاريخ المتشرعين وذلك من أدب الشريعة؛ لأنه لا يتعرض لقصص السابقين إلا لذكر ثبات إيمانهم وصبرهم، كما ذكر في قصة أهل الكهف، ولا يذكر نسبهم ولا حسبهم.
الثالثة: فائدة ظهور المثل العليا في الفضيلة وذكاء النفوس كفائدة من التاريخ، وترتيب الأحداث، والعلاقة بين التعمير والتخريب والشر والخير.
الرابعة: عظة المشركين بإعلامهم ما حدث لأسلافهم ليعودوا لربهم: )فاقصص القصص لعلهم يتفكرون (176)( (الأعراف).
الخامسة: استخدام القصص القرآني لأسلوب التوصيف والمحاورة الذي لم يعتده العرب؛ فهم يعترفون بأنه أسلوب بديع، ولكنهم لا يستطيعون الإتيان بمثله.
السادسة: توسيع علم العرب الذين كانوا يتصفون بالجهل والأمية، بإطلاعهم على أحوال الأمم السابقة؛ ليساعدهم ذلك في تطهير أخلاقهم وتهذيبها.
السابعة: تعويد المسلمين على سعة العالم وعظمة الأمم، والاعتراف لكل ذي حق بحقه، فإذا علمت الأمة ذلك جمعت ميزات هذه الأمم وما يلائم حياتها.
الثامنة: إنشاء همة السعي إلى سيادة العالم في نفوس المسلمين كما سعت إلى ذلك أمم سابقة.
التاسعة: معرفة أن قوة الله فوق كل قوة، فيساعد ذلك المسلمين على التمسك بوسيلتي البقاء والاستعداد والاعتماد، وهما وسيلتا السلامة.
العاشرة: تحصيل الفوائد التبعية، مثل معرفة تاريخ التشريعات والحضارات الذي يفيد في الإلمام بفوائد المدنية، كعلمنا بأن الشريعة القبطية، كان يسترق فيها السارق من قصة يوسف في قوله سبحانه وتعالى: )ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله( (يوسف: ٧٦)[24].
هذه هي طبيعة القصص في القرآن، وتلك هي الأغراض التي سيق من أجلها، فهل يعقل بعد هذا أن يقال: إن قصص القرآن قصص فني، يقوم على الخيال القصصي والأسطورة في سرد أحداثه، ولا يلتزم الواقعية والصدق، ومن ثم فإنه يقع في أخطاء تاريخية.
إن من يزعم أن القرآن الكريم يسوق بعض قصصه حبا في الإثارة الفنية التي من ورائها العبرة والعظة؛ لأن القرآن فن، والفن في صميمه حرية، ولا حرية مع إلزام والتزام، أو أن القرآن أحيانا يعرض الشخصيات التاريخية وقصص المرسلين عرضا فنيا يقوم على ما كان يعتقده المخاطبون حين نزول هذا القصص في صدر الإسلام؛ إن من يدعي ذلك – فقد زل وأخطأ، وتجاهل – أيضا – أن محاولة فرض مقاييس القصة الفنية على القصص القرآني – محاولة غير سديدة وغير جائزة؛ لأن القصص القرآني شيء، والقصص الفني شيء آخر، فالثانية لا تتقيد بالحقائق التاريخية؛ فلكاتب القصة الفنية مطلق الحرية في استلهام الأساطير والخيال، وله أن يثير اهتمام قارئه بما يشاء، وما يملكه من قدراته الأدبية على التحليق في الخيال، واستدعاء الحوادث الأسطورية، أو غير ذلك فلا بأس عليه إذا لم يتقيد فيما يكتبه بالحقائق والوقائع الثابتة، ولا بأس عليه إذا أسند إلى الشخصيات التاريخية ما لم تقله ولم تفعله، بل لكاتب القصة الفنية أن يتخيل بطلا خياليا يسند إليه أحداثا تاريخية لم تحدث منه ولم تصدر عنه، كل ذلك وغيره من ظواهر الحرية الفنية الجائزة في القصص الفنية.
أما القصة في القرآن الكريم، فإنها حقيقة ليس الخيال والأساطير منها في شيء، فكل ما ورد في القرآن الكريم من قصص إنما هو حقائق لا شك فيها، وصدق لا يستطيع الناس جميعا أن يجدوا فيها مطعنا؛ لأن القرآن الكريم كتاب أنزله الله بالحق، وبالحق نزل[25].
لذلك تميز قصصه بخصائص فريدة عن غيره من القصص من: الواقعية الصادقة، وجاذبية في العرض والبيان، وشمولية في الموضوع، وعلو في الهدف، وتنويع في المقصد والغرض، ووضوح في الإعجاز.
الخيال في القصص القرآني خيال تعبيري، وأما الخيال في القصص الأدبي فخيال فني[26]:
إن أصحاب هذا الادعاء قد التبس عليهم أمر الخيال وحديث البلاغيين القدامى عنه، ونسوا أو تجاهلوا أن الخيال ضربان: خيال قصصي، وخيال تعبيري، وهي مسألة مهمة لا بد من الفطنة إليها حين نحاول درس القصص القرآني على منهاج أدبي مستقيم؛ ففي القرآن الكريم ألوان من الخيال التعبيري، وليس فيه مثقال ذرة من الخيال القصصي.
ويوضح د. إبراهيم عوضين هذه التفرقة بقوله: “الخيال القصصي إضافة شريط بين الأحداث الواقعية، حتى يتم النسج القصصي، ويلتحم على الوجه الذي يعتقد الكاتب أنه المناسب، ويرى أن أحداث القصة لا تكون مقنعة للقارئ إلا بذلك، أما الخيال التعبيري، فهو ذلك التصوير لأثر الحقائق الواقعة، حتى يحس القارئ بما يحس به الكاتب، أو بما يحس به من يقع في دائرة الحس، فالخيال التعبيري لا يضيف شيئا إلى الحقائق ولا يغير من طبيعتها، إنما يقدمها بحالها مكسوة بلباس يكشف عما قد يخفى من مكنونها”.
وانطلاقا مما قرره د. إبراهيم في الكلام السابق يمكننا القول: إن مخاطبة القرآن الكريم للعرب، ببعض ما كان يجري على سننهم، لا يلزم منه مخالفة الحقيقة والواقع؛ لأن ذلك لون من التمثيل البياني التعبيري، الذي يضفي لونا من الجمال التصويري على الحقائق فيجملها ويزينها، وليس من التمثيل الخيالي القصصي، الذي ينتحل للحقائق والوقائع أسماء لا تنطبق عليها بحال.
وعلى هذا الأساس نفهم قول النيسابوري: “إذا كان التمثيل يفيد زيادة البيان والوضوح، وجب ذكره في الكتاب الذي أنزل تبيانا لكل شيء”، وهو بذلك يشير إلى تشبيه التمثيل، والاستعارة التمثيلية ونحوهما من ألوان الخيال التعبيري، الذي لا ينكر وجوده في القرآن من نحو قوله سبحانه وتعالى: )والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء( (النور: ٣٩)، وقوله سبحانه وتعالى: )إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء( (يونس:٢٤).
وغير ذلك من الشواهد الماثلة، التي تحدث عنها البلاغيون القدامى على أنها تمثيلات من ميدان الخيال التعبيري، الذي يقرب المعقول من المحسوس، وأحد المحسوسين من الآخر، وما شابه ذلك من فوائد التشبيه التمثيلي والاستعارة التمثيلية.
لا يوجد دليل لا من العقل ولا من القرآن يؤكد هذا الزعم:
إن حجة هؤلاء الزاعمين أن قصص القرآن أو بعضه، إنما هو نمط من أنماط القصة الفنية، التي تعتمد على الخيال، ولا تتحرى الصدق والواقعية، حجة واهية لا تقوم على ساق، ولا تستند إلى دليل من العقل، أو تركن إلى برهان من منطق، ولا يدعمها دليل واحد من القرآن الكريم، بل العكس هو المنصوص عليه في آيات الذكر الحكيم؛ إذ يؤكد القرآن الكريم – في أكثر من موضع – أن هذا القصص ليس ضربا من الخيال، للتسلية والمتعة، أو للعبرة والعظة فقط، وإنما هو حق من عند الله تعالى، قال سبحانه وتعالى: )لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون (111)( (يوسف)، وقال سبحانه وتعالى: )وبالحق أنزلناه وبالحق نزل( (الإسراء: 105)، وقال سبحانه وتعالى: )إن هذا لهو القصص الحق( (آل عمران: ٦٢)، بل إن القرآن الكريم يرد على المشركين في أكثر من موضع قولهم: إنه أساطير الأولين، ومنها قوله سبحانه وتعالى: )وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا (5) قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض إنه كان غفورا رحيما (6)( (الفرقان).
ومن العجيب حقا أن هؤلاء لم يضعوا بين أيدينا نحن قصة واحدة ليشرحوها الشرح الأدبي الذي يؤكد ادعاءهم، بأن القرآن الكريم يشتمل على قصص أدبي يعتمد على الخيال في سرد أحاديثه وأحداثه، ولا يلتزم الصدق والواقعية، ولقد كان اليهود – هم أعدى أعداء الإسلام – بالمدينة والوحي ينزل على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وفيه القصص القرآني، ولم يدعوا أنه ضرب من الخيال القصصي لا يلتزم الصدق والواقعية في تناوله للأحداث، رغم أنهم كانوا متربصين للإسلام ورسوله؛ كي يتصيدوا أي سانحة تلوح لهم؛ لينتهزوها فرصة للنيل من الإسلام والكيد له، وللمسلمين ورسول الإسلام.
الخلاصة:
- القصص القرآني يتميز بالواقعية التاريخية؛ فهو يتناول ما هو ثابت تاريخيا، ولا دور للخيال أو الأسطورة فيه؛ إذ إنه سرد واع موجه للتاريخ الإنساني، ليس الغرض منه الإلهاء والتشويق، بل الغرض منه التربية والتوعية، وتجديد المعاني بعد انتهاء أهلها لتكون عظة دائمة.
- لقد اشتملت قصة أهل الكهف على أمور تدل دلالة قوية على عدم صلتها بالأسطورة، وتنص نصا صريحا على أن القصة من واقع التاريخ الحق، هذه الأمور هي:
o التقديم القرآني الرائع للقصة: )إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا (7) وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا (8) أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا (9)( (الكهف).
o إن الحق – سبحانه وتعالى – لم يذكر أن أصحابها قد بعثوا من موت، وإنما الذي أوضحته القصة أنهم بعثوا من نوم عميق طويل غشي عيونهم، بعد أن سلبوا أسباب التنبه والاستيقاظ، وضرب الله على آذانهم في الكهف سنين عددا.
o إننا نرى القصة في كل جزئية من جزئياتها تصور الأمر كأنه مرئي بالحس، لا مذكورا بالخبر وحده.
o إنها كانت مظهرا واقعيا لصورة من صور التحدي القرآني لأعداء سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – إذ قد طلب المشركون من النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يقص عليهم نبأ أهل الكهف وما انتهى إليه أمرهم.
o اتبع القرآن الكريم في عرضها طريقة التلخيص الإجمالي أولا، ثم العرض التفصيلي أخيرا.
- قصة أصحاب الفيل واقعة تاريخية حقيقية، فقد أجمع مؤرخو العرب والمنصفون من الكتاب الغربيين على وقوع حادثة الفيل بين حكام اليمن ومكة، على نحو تؤيده الرواية الصحيحة، ويمليه منطق الأحداث. ونحن إذ نستقرئ قصة الأدب في العصر الجاهلي، نجد أن حادثة الفيل حادثة لها خطرها في تاريخ الحجازيين خاصة والعرب عامة،ولا غرو إذا ما هتف شعراء الحجاز بالقصيد يصبون جام غضبهم على المعتدي الأثيم.
- ثمة فارق كبير بين القصص القرآني والقصص الفني في الطبيعة والأهداف؛ فقد اشتمل القرآن على كثير من وقائع الماضي، وتاريخ الأمم والبلاد والديار وتتبع آثار الأقوام؛ إذ حكى عنهم صورة ناطقة لما كانوا عليه، ويأتي القصص القرآني في أنواع ثلاثة، فهو إما قصص أنبياء، وإما قصص يتعلق بحوادث غابرة، وأشخاص لم تثبت نبوتهم، وإما قصص يتعلق بالحوادث التي وقعت في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- وللقصة في القرآن فوائد عديدة، منها:
o إيضاح أسس الدعوة إلى الله، وبيان أصول الشرائع التي بعث بها كل نبي.
o تثبيت قلب النبي – صلى الله عليه وسلم – وقلوب أمته على دين الله.
o تصديق الأنبياء السابقين وإحياء ذكرهم.
o ترسيخ العبرة والعظة في النفس.
أما القصة الفنية فهي شيء آخر؛ إذ لا تتقيد بالحقائق التاريخية، فلكاتب القصة الفنية مطلق الحرية في استلهام الأساطير والخيال، ولا بأس عليه إذا أسند إلى الشخصيات التاريخية ما لم تقله وما لم تفعله.
(*) نظرات شرعية في فكر منحرف، سليمان بن صالح الخراشي، مكتبة التوحيد، القاهرة، ط1، 1427هـ/ 2007م.
[1]. هذه مشكلاتهم، د. محمد سعيد رمضان البوطي، دار الفكر المعاصر، بيروت، ط1، 1990م، ص 115: 113 بتصرف.
[2]. مائة سؤال عن الإسلام، محمد الغزالي، نهضة مصر، القاهرة، ط1، 2004م، ص 156،155.
[3]. تزاور: تطلع على كهفهم ذات اليمين وذات الشمال فلا تصيبهم.
[4]. الملتحد: الملجأ؛ لأن اللاجئ يميل إليه.
[5]. أباطيل الخصوم حول القصص القرآني، د. عبد الجود المحص، الدار المصرية، الإسكندرية، 2000م، ص146: 152.
[6]. يقولون عن الإسلام، د. عبد الحافظ سلامة، مركز الكتاب للنشر، القاهرة، ط 1، 2007م، ص52: 56.
[7]. نكل عن العدو: جبن، ونكله عن الشيء: صرفه عنه، والمعنى: وصرفهم الله عن مكة؛ لأنها محرمة منذ خلقها الله.
[8]. الشعرى: نجم نير كان الكفار في الجاهلية يعبدونه من دون الله.
[9]. يئوبوا: يرجعوا.
[10]. عاد وجرهم: قبيلتان من قبائل العرب القديمة.
[11]. مهاة: يقصد الشمس.
[12]. المغمس: موضع واقع بين الجعرانة والشرايع في طريق السيل إلى الطائف; على ثلثي فرسخ من مكة.
[13]. ملاويث القوم: جمع ملوث، وهو السيد الشريف؛ لأن الأمر يلاث به ويعصب.
[14]. ابذعروا: تفرقوا، يقال: ابذعرت الخيل: إذا ركضت تبادر شيئا تطلبه.
[15]. رزم البعير والرجل: إذا كان لا يقدر على النهوض هزالا، والرازم: الذي قد سقط فلا يقدر أن يتحرك من مكانه.
[16]. المحاجن: جمع محجن، وهي العصا المعوجة.
[17]. الكلم: الجراحة، والجمع كلوم.
[18]. الثؤاج: صوت الغنم.
[19]. أباطيل الخصوم حول القصص القرآني، د. عبد الجواد المحص، الدار المصرية، الإسكندرية، 2000م، ص 84: 93.
[20]. أباطيل الخصوم حول القصص القرآني، د. عبد الجواد المحص، الدار المصرية، الإسكندرية، 2000م، ص 152: 158 بتصرف.
[21]. بحوث منهجية في علوم القرآن الكريم، موسى إبراهيم الإبراهيمي، دار عمار، عمان، ط2، 1996م،ص184.
[22]. موسوعة القرآن العظيم، د. عبد المنعم الحفني، مكتبة مدبولي، القاهرة، ط1، 2003م، ج1، ص831.
[23]. مباحث في علوم القرآن، مناع القطان، مكتبة وهبة، القاهرة، ط13، 1425هـ/2004م، ص302،301.
[24]. الموسوعة القرآنية المتخصصة، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، 2007م، ص 181.
[25]. الموسوعة القرآنية المتخصصة، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، 2007م، ص181: 190 بتصرف.
[26]. أباطيل الخصوم حول القصص القرآني، د. عبد الجواد المحص، الدار المصرية، الإسكندرية، 2000م، ص180 وما بعدها.