دعوى إنكار السنة التفصيلية في الحج والعمرة
وجوه إبطال الشبهة:
1) إن السنة النبوية الصحيحة هي المصدر الثاني للتشريع، فلا يمكن لمؤمن أن ينكرها، وإلا خرج عن حدود الإيمان كما أقر بذلك القرآن، كما أن السنة النبوية قد جاءت مفصلة لما أجمله القرآن الكريم، فقد اقتصر القرآن على بيان القواعد الكلية، وترك البيان والتفصيل للسنة النبوية، وبالتالي فلا يمكن الإلمام بأصول الدين وفروعه إلا عن طريق فهم الكتاب والسنة معا، وقد جاء ذكر الحج والعمرة بإجمال في القرآن الكريم، وفصلت السنة أحكامهما، أما ما ابتدعه هؤلاء المغرضون فليس من السنة في شيء.
2) لقد ذكرت العمرة في القرآن مقرونة بالحج، ثم بينت السنة النبوية الشريفة المقصود من العمرة، وبينت أحكامها ومناسكها، وبالتالي فليس لمدع أن يبتدع لها مقصودا ومعنى مخالفا لما حدده الشرع، فإن قيل: إن معنى العمرة في اللغة هو الإعمار والتعمير، قلنا: إن من معانيها – أيضا – الزيارة؛ أي: زيارة الكعبة للنسك، وهو الطواف والسعي، وكلا المعنيين لا يتضادان، ولا يغني الحج عن العمرة وإن اشتمل على مناسكها، وقد أكد علماء التفسير على أن القرآن الكريم قد ذكر العمرة بمعناها السابق (الزيارة) في أكثر من آية.
3) إننا نؤمن بما جاء في الكتاب والسنة من مناسك الحج والعمرة وغيرهما، سواء أكنا علمنا الحكمة مما أمرنا به أو لم نعلمها، ومع ذلك فقد أدلى كثير من العلماء بدلوهم في ذكر الحكمة من بعض مناسك الحج والعمرة.
التفصيل:
أولا. السنة النبوية هي المصدر الثاني للتشريع، وهي المفصلة لما أجمله القرآن من أحكام وشرائع، كمناسك الحج والعمرة التي أشير إليها في القرآن وفصلتها السنة:
إن السنة النبوية الصحيحة هي المصدر الثاني للتشريع الإسلامي، ولا يستطيع أحد أن ينكر ذلك؛ فقد أقر القرآن بذلك، وبين أن محمدا – صلى الله عليه وسلم – إنما أرسل ليبين للناس ما نزل إليهم، ولكي يكون أسوة حسنة تجب طاعته، وليكون مرشدا ومشرعا للأحكام.
فالله – سبحانه وتعالى – يقول في كتابه العزيز: )وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون (44)( (النحل)، فهذه الآية الكريمة تنص على أن وظيفة الرسول – صلى الله عليه وسلم – أن يبين للناس ما أشكل عليهم من مراد ربهم في كتابه بشرحه لهم، وأن يبين لهم ما أجمله الله تعالى في كتابه من الأحكام – وهي معظم الأحكام الواردة فيه – بتفصيلها، فالبيان شيء زائد على التلاوة، وليس المراد منه هو الترجمة بعبارة أوضح أو بلغة أخرى، فإن الناس كانوا عربا فصحاء فاهمين للقرآن الكريم الوارد بلغتهم وعلى أساليبهم فهما جيدا، ولم يكونوا بحاجة إلى هذا النوع من البيان، فالقرآن واضح الدلالة على معانيه، خال من الركاكة والتعقيد المنافيين لبلاغة الكلام، والنبي – صلى الله عليه وسلم – لم يكن عالـما بغير لغة العرب من اللغات حتى يكون المراد من البيان الترجمة بلغة أخرى؛ إذ ليس المراد من البيان هذا النوع منه، بل المراد منه ما كان الناس يحتاجون إليه من البيان، وهو أمران:
الأول: بيان المراد فيما أشكل المراد منه من القرآن، فإن الكلام مع كونه في أعلى طبقات البلاغة، قد يشكل المراد منه ويخفى على كثير من الناس، فيحتاج إلى البيان والإيضاح.
الثاني: تفصيل المجمل الوارد في القرآن من متعلق الأحكام، كالصلاة والزكاة والصيام والحج وغير ذلك، وذلك ببيان كيفياتها وأوقاتها وأعدادها ومقاديرها وأركانها وشرائطها وآدابها وسائر معتبراتها، فثبت بهذه الآية الكريمة حجية قسم كبير من السنة، وهو ما كان إيضاحا لمشكل أو تفصيلا لمجمل.
ووظيفة البيان وظيفة قلدها الله رسوله محمدا – صلى الله عليه وسلم – وأمانة ائتمنه عليها، فهل بالإمكان تجريده – صلى الله عليه وسلم – منها؟ وهل يتفق رفض ما هو بيان للكتاب من السنة – وهو قسم كبير منها – بالإيمان بالكتاب؟ أليس هذا ردا للكتاب نفسه؟!
والله – سبحانه وتعالى – يقول أيضا عن نبيه: )لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر( (الأحزاب: ٢١)، فجعله الله تعالى أسوة حسنة، وأطلق ولم يقيد، وهذا أمر منه تعالى بالائتساء به واتخاذه قدوة في كل شئونه من: أقواله وأفعاله وهديه، وهذا دليل على حجية السنة كلها بأقسامها.
والله – سبحانه وتعالى – يقول: )وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله( (النساء:٦٤)، ويقول: )يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله( (الأنفال: ٢٠)، ويقول: )من يطع الرسول فقد أطاع الله( (النساء: ٨٠)… إلى غير ذلك من الآيات العديدة التي تحث المسلمين على طاعة نبيهم، لدرجة أن الله – سبحانه وتعالى – قد حكم بالكفر على من لم يطع الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو لم يرض بحكمه أو قضائه، فالله – سبحانه وتعالى – يقول: )فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما (65)( (النساء).
ويؤكد الله – سبحانه وتعالى – على سلطة نبيه – صلى الله عليه وسلم- التشريعية، فيقول: )الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون (157)( (الأعراف)، فالقرآن الكريم يدل على أن الوحي قسمان: وحي متلو، ووحي غير متلو، وأن بعض الأحكام ثبتت بالوحي غير المتلو على سبيل الاستقلال، وهناك أمثلة قرآنية عديدة على ذلك، كتحديد القبلة، وإخبار الله لنبيه بإنباء بعض أزواجه بما أسره إليها، وجمع القرآن وترتيبه… إلى غير ذلك من الأمثلة[2].
فإن قيل: إن القرآن قد اشتمل على كل شيء وحوى كل شيء؛ لقولـه تعـالى: )ما فرطنا في الكتاب من شيء( (الأنعام: ٣٨)، وقوله تعالى: )ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء( (النحل: ٨٩)، وبالتالي فلا حاجة لنا – في زعمهم – إلى السنة – فإننا نرد على ذلك بأن المراد من الكتاب في الآية الأولى: اللوح المحفوظ، وليس المراد منه القرآن الذي بين أيدينا؛ لأن اللوح المحفوظ هو الذي حوى كل شيء، واشتمل على جميع أحوال المخلوقات؛ كبيرها وصغيرها، جليلها ودقيقها، ماضيها وحاضرها ومستقبلها، على التفصيل التام، كما قال صلى الله عليه وسلم: «… قد جف القلم بما هو كائن…»[3]، وهذا هو المناسب لذكر هذه الجملة عقب قوله تعالى: )وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم( (الأنعام: ٣٨)، فإن أظهر الأقوال – في معنى المثلية هنا – أن أحوال الدواب من خلال العمر والرزق والأجل والسعادة والشقاء، موجودة في الكتاب المحفوظ، مثل أحوال البشر في ذلك كله.
ولو سلمنا أن المراد به القرآن – كما هو في الآية الثانية – فلا يمكن حمل الآيتين على ظاهرهما من العموم، وأن القرآن اشتمل على بيان وتفصيل كل شيء، وكل حكم، سواء أكان ذلك من أمور الدين أم من أمور الدنيا، وأنه لم يفرط في شيء منها جميعها، وإلا للزم الخلف في خبره -عز وجل، كما هو ظاهر بالنسبة للأمور الدنيوية.
وكما يعلم مما سبق بيان أن القرآن يتعذر للعمل به وحده بالنسبة للأحكام الدينية، فيجب العدول عن ظاهرهما وتأويلهما، وللعلماء في تأويلهما وجوه:
الوجه الأول: أن المراد: أنه لم يفرط في شيء من أمور الدين وأحكامه، وأنه بينها جميعها دون ما عداها؛ لأن المقصود من إنزال الكتاب: بيان الدين، ومعرفة الله، ومعرفة أحكام الله، إلا أن هذا البيان على نوعين:
o بيان بطريق النص: وذلك مثل: بيانه أصول الدين وقواعده، وبيانه وجوب الصلاة والزكاة والصوم والحج، وحل البيع والنكاح، وحرمة الربا والفواحش، وحل أكل الطيبات وحرمة أكل الخبائث.
o وبيان بطريق الإحالة على دليل من الأدلة الأخرى، التي اعتبرها الشارع في كتابه أدلة وحججا على خلقه، فكل حكم – مما بينته السنة، أو الإجماع، أو القياس، أو غير ذلك من الأدلة المعتبرة – فالقرآن مبين له؛ لأنه بين مدركه، ووجهنا نحوه، وأرشدنا إليه، وأوجب علينا العمل به، ولولا إرشاده لهذا المدرك وإيجابه العمل بمقتضاه، لما علمنا ذلك الحكم وعملنا به؛ فالقرآن إذن هو أساس التشريع، وإليه ترجع جميع أحكام الشريعة الإسلامية بهذا المعنى.
الوجه الثاني: أن المراد: أن الكتاب لم يفرط في شيء من أمور الدين على سبيل الإجمال، وبين جميع كليات الشريعة، دون النص على جزئياتها وتفاصيلها، ومن المعلوم أن ذلك لا يكفي في استنباط المجتهد ما يقوم به العبادة، ويحرر به المعاملة، فلابد له من الرجوع إلى ما يبين له المجمل ويفصله له، ويبين جزئيات هذه الكليات.
الوجه الثالث: وقد حكاه الألوسي[4] عن بعضهم: أن الأمور إما دينية أو دنيوية، والدنيوية لا اهتمام للشارع بها: إذ لم يبعث لها، والدينية إما أصلية أو فرعية، والاهتمام بالفرعية دون الاهتمام بالأصلية: فإن المطلوب أولا بالذات من بعثة الأنبياء هو التوحيد وما أشبهه، بل المطلوب من خلق العباد هو معرفته تعالى، كما يشهد له قوله -سبحانه وتعالى: )وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون (56)( (الذاريات)… والقرآن العظيم قد تكفل بالأمور الدينية الأصلية على أتم وجه، فليكن المراد من (كل شيء) ذلك[5].
ومما سبق يتضح أن القرآن لم يذكر دقائق الأمور وفروعها، وإنما اقتصر على بيان الأمور العامة والقواعد الكلية، التي تنير الطريق وتوضح معالمه، وترك للسنة أن تفصل ما أجمله، وتطبق ما نظره؛ فالله – سبحانه وتعالى – أمر بالصلاة في الكتاب، فقال: )وأقيموا الصلاة( (البقرة: ٤٣) من غير بيان لمواقيتها وأركانها وعدد ركعاتها، فبينت السنة العملية ذلك، وأن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «… صلوا كما رأيتموني أصلي…»[6]، وورد في الكتاب وجوب الزكاة؛ حيث قال: )وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة( (البقرة: ٤٣) من غير بيان لما يجب فيه، وما المقدار الواجب، فبينت السنة الأنواع التي يجب فيها الزكاة، ومقدار أنصبتها، وشروط إخراجها، كقوله – صلى الله عليه وسلم – في زكاة الغنم: «… في كل أربعين شاة شاة…»[7]، وورد في القرآن الكريم وجوب الحج من غير بيان لمناسكه، فبينت السنة ذلك حيث قال صلى الله عليه وسلم: «… لتأخذوا مناسككم؛ فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه»[8]، ومثل الأحاديث التي فصلت صحيح البيع من فاسده، وأنواع الربا، وتفسير الظلم في قوله تعالى: )الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون (82)( (الأنعام)، وتفسير الحسـاب اليسير في قوله تعالى: )فأما من أوتي كتابه بيمينه (7) فسوف يحاسب حسابا يسيرا (8) وينقلب إلى أهله مسرورا (9)( (الانشقاق)، وبينت أن الخيط الأبيض والأسود هما: بياض النهار، وسواد الليل في قوله تعالى: )وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر( (البقرة: ١٨٧)[9].
وعلى هذا، فإننا لا نستطيع فهم الدين فهما صحيحا، ولا نستطيع الإلمام بأصول الدين وفروعه إلا عن طريق الجمع بين مصدري التشريع معا، وهما: الكتاب والسنة؛ ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «خلفت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي، ولن يفترقا حتى يردا على الحوض»[10].
ومن المعروف لدينا أن القرآن الكريم قد أشار في مواضع عدة إلى الحج والعمرة، وأشار إلى بعض أحكامهما ومناسكهما، لكن القرآن قد ترك للسنة النبوية تفصيل ما أجمله، وتطبيق ما نظره؛ لا سيما والنبي – صلى الله عليه وسلم – قد مدحه ربه -عز وجل- قائلا: )وما ينطق عن الهوى (3) إن هو إلا وحي يوحى (4)( (النجم)، فمن الآيات التي ذكرها القرآن في الحـج والعمرة، قولـه سبحانه وتعالى )وأتموا الحج والعمرة( (البقرة: ١٩٦)، وقولـه سبحانه وتعالى: )ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا( (آل عمران: ٩٧)، وقوله سبحانه وتعالى: )وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق (27) ليشهدوا منافع لهم( (الحج)، وقوله: )فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم (158)( (البقرة)، وقوله أيضا: )الحج أشهر معلومات( (البقرة: ١٩٧).
ثم جاءت السنة النبوية وفصلت هذه الآيات، وبينت المناسك بيانا تطبيقيا، من خلال قيام النبي – صلى الله عليه وسلم – نفسه – بالحج والعمرة، وشرح مناسكهما للمسلمين، وأيضا من خلال أقواله – صلى الله عليه وسلم – أو إقراراته، ثم يأتي المغرضون لينكروا هذه المناسك والأحكام، فمن أين لهم بها إذا تركوا سنة النبي صلى الله عليه وسلم؟ إن هؤلاء لم يكتفوا بإنكار هذه المناسك، وإنما ابتدعوا بعقولهم بعض المناسك المعارضة للسنة النبوية، وفيما يأتي نعرض لأهم ما أنكره المغرضون أو ابتدعوا فيه من المناسك والأحكام المتعلقة بالحج والعمرة:
- الميقات الزماني للحج:
زعم المغرضون أن الميقات الزماني للحج يبدأ من هلال شوال في يومه الأول، لينتهي برؤية هلال صفر، فميقات الحج عندهم يستغرق أربعة أشهر كاملة، هي: شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم، مستندين في ذلك إلى أن الميقات الزماني للحج هو الأشهر الحرم الأربعة، وأن هذه الأشهر الأربعة السابقة هي الأشهر الحرم الصحيحة؛ لأنها متوالية بتوالي أهلتها.
وقد خالف هؤلاء المغرضون قول جمهور العلماء في الميقات الزماني للحج، وخالفوا المتفق عليه في تحديد الأشهر الحرم، وخالفوا ما ورد عن النبي – صلى الله عليه وسلم – في ذكر شهر رجب من الشهور الحرم، ووضعوا مكانه شهر شوال دون دليل أو برهان، فقد ورد عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم: ثلاثة متواليات – ذو القعدة وذو الحجة والمحرم – ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان»[11] ورغم تأكيد النبي – صلى الله عليه وسلم – على شهر رجب، فقد أنكره هؤلاء المغرضون، ووضعوا مكانه شهر شوال دون دليل أو حجة، وادعى هؤلاء أن الأشهر الأربعة التي ذكروها هي الأربعة الحرم؛ لأنها متوالية بتوالي أهلتها، وهذا زعم باطل؛ لأنهم ادعوا أن الأشهر الحرم الأربعة متوالية – وهذا مخالف للحديث السابق ذكره، والذي يثبت التوالي في ثلاثة فقط – ثم بنوا على هذا الادعاء إدخال شهر شوال مكان شهر رجب في الأشهر الحرم، كما أن المرجعية الصحيحة التي ينبغي أن نعرف بها الأشهر الحرم – هي الكتاب والسنة، فمن أين جاء هؤلاء بشرط توالي الشهور الحرم الأربعة، ولو كان التوالي شرطا – كما يزعم هؤلاء – لكان قولهم يصدق على أية أربعة أشهر متوالية يمكن أن نختارها عشوائيا[12].
أما عن الميقات الزماني – الصحيح – كما اتفق عليه جمهور الفقهاء وكما فهموه من الآيات، والأحاديث الشريفة، وأقوال الصحابة والتابعين – فسوف نوضحه فيما يأتي:
للحج – كما نعلم – وقت معين، أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى: )يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج( (البقرة: ١٨٩)، وقوله تعالى: )الحج أشهر معلومات( أي: معظمه في أشهر معلومات.
وقد اتفقت الحنفية والحنابلة والشافعية على أن أشهر الحج هي: شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة؛ لما روي عن العبادلة الأربعة (ابن مسعود، وابن عباس، وابن عمر، وابن الزبير)، وللأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك، كالحديث الذي رواه أبو هريرة قال: «بعثني أبو بكرـ رضي الله عنه – فيمن يؤذن يوم النحر بمنى: لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ويوم الحج الأكبر يوم النحر، وإنما قيل: (الأكبر) من أجل قول الناس: (الحج الأصغر) فنبذ أبو بكر إلى الناس في ذلك العام، فلم يحج عام حجة الوداع الذي حج فيه النبي – صلى الله عليه وسلم – مشرك»[13]، وكذلك ما روي عن ابن عمر «أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج، فقال: أي يوم هذا؟ قالوا: يوم النحر، قال: هذا يوم الحج الأكبر»[14]… ولأن يوم النحر فيه ركن الحج، وهو طواف الزيارة، وفيه كثير من أفعال الحج، كرمي جمرة العقبة، والنحر، والحلق، والطواف، والسعي، والرجوع إلى منى، ولأن الحج يفوت بمضي عشر ذي الحجة، ومع بقاء الوقت لا يتحقق الفوات، وهذا يدل على أن المراد من قوله تعالى: )الحج أشهر معلومات(شهران وبعض الثالث، لا كله، وما بعد عشر ذي الحجة ليس من أشهره؛ لأنه ليس بوقت لإحرامه ولا لأركانه، فهو كالمحرم، ولا يمتنع التعبير بلفظ الجمع عن شيئين وبعض الثالث، كالقروء الثلاثة يحتسب منها الطهر الذي طلقها فيه، وقوله -سبحانه وتعالى: )فرض فيهن الحج( (البقرة: ١٩٧) أي: في أكثرهن.
لكن المالكية ترى أن الأشهر الثلاثة كلها، وهي: شوال وذو القعدة وذو الحجة – محل للحج؛ لعموم قوله سبحانه: )الحج أشهر معلومات(فوجب أن يطلق على جميع أيام ذي الحجة؛ لأن أقل الجمع ثلاثة[15].
فلا خلاف – كما رأينا – بين الفقهاء في أن الميقات الزماني للحج يكون في هذه الأشهر الثلاثة، وهي: شوال وذو القعدة وذو الحجة، فالمالكية لا يخالفون المذاهب الثلاثة الأخرى المشهورة إلا في أنهم يمتدون بالميقات إلى نهاية ذي الحجة، ولا يقفون عند العشر.
أما هؤلاء المبتدعة فقد جعلوا الميقات أربعة أشهر كاملة، وهي: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، وينتهي برؤية هلال صفر، لكن لا حجة ولا دليل لهم فيما ذهبوا إليه، أما أقوال الفقهاء السابقة الذكر فهي معتمدة على أدلة سبق أن ذكرناها، ويؤيد أقوالهم أيضا الأثر الذي ذكره البخاري في تبويبه: قال ابن عمر – رضي الله عنهما: «أشهر الحج: شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة»[16].
- محظورات الإحرام:
لقد ترخص هؤلاء المغرضون في كل محظورات الإحرام، وأباحوا للمحرمين أمورا جاءت النصوص الصحيحة الصريحة بحظرها، فمن هذه الأمور:
o ملابس الإحرام: فقد ترخصوا في ملابس الإحرام، وأباحوا للناس لبس المخيط وغيره، مما وردت الأحاديث الصحيحة بحظره، ومن هذه الأحاديث ما روي عن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – «أن رجلا قال: يا رسول الله، ما يلبس المحرم من الثياب؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يلبس القمص، ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا البرانس[17]، ولا الخفاف، إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس خفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين…»[18].
o التطيب: فقد ترخصوا فيه، بالرغم مما ورد عنه – صلى الله عليه وسلم – من أحاديث في حظر التطيب للمحرم، سواء لبدنه أو لثوبه، كالحديث الذي روي عن ابن عباس – رضي الله عنهما: «أن رجلا وقصه بعيره، ونحن مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو محرم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اغسلوه بماء وسدر[19]، وكفنوه في ثوبين، ولا تمسوه طيبا، ولا تخمروا رأسه؛ فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبيا»[20]، وكقوله – صلى الله عليه وسلم – لمن سأله: ما يلبس المحرم من الثياب؟:«لا يلبس القمص… ولا تلبسوا من الثياب شيئا مسه زعفران أو ورس[21]»[22].
o تقليم الأظافر، وتغطية الرأس وحلقها:
أما تقليم الأظافر: فقد اختلف فيه الفقهاء؛ لعدم ورود نص قرآني ولا نبوي يتعلق بالمسألة، ورغم أن ابن قدامة قد نقل الإجماع عن أهل العلم في أن المحرم ممنوع من أخذ أظفاره، وعليه الفدية بأخذها في قول أكثرهم – فإننا لا نلوم كثيرا على هؤلاء المغرضين في ترخصهم في تقليم الأظافر للمحرم؛ لما سبق أن ذكرناه من عدم ورود نص قرآني ولا نبوي في تلك المسألة.
وأما تغطية الرأس: فقد ورد النص الصريح – الذي سبق ذكره – في حظر ذلك للمحرم، وهذا ظاهر من قوله صلى الله عليه وسلم «ولا تخمروا رأسه» أي: لا تغطوها؛ لأنه سيبعث – كما قال النبي صلى الله عليه وسلم – ملبيا، فلا ينبغي لأحد أن يفسد عليه إحرامه؛ لكي يلقى به الله تعالى يوم القيامة.
والعجب كل العجب من هؤلاء المغرضين الذين يدعون أنهم ينكرون هذه المناسك لعدم ورودها في القرآن، فما الذي جعلهم يترخصون في حلق الرأس أو أخذ الشعر منها، بعدما ورد النص الصريح في القرآن بعدم تجويز ذلك؛ فالله – سبحانه وتعالى – يقول في محكم كتابه: )ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله( (البقرة: ١٩٦) فلا يجوز إذن للمحرم أن يأخذ من شعر رأسه شيئا حلقا أو تقصيرا[23].
o الخطبة ومباشرة عقود الزواج: فقد ترخصوا أيضا في أمر الخطبة ومباشرة عقود الزواج؛ فجوزوا للمحرم أن يخطب أو يتولى عقد الزواج لنفسه أو لغيره، وخالفوا بذلك النص الصريح في السنة النبوية، كقوله صلى الله عليه وسلم: «لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب»[24].
ومما سبق عرضه يظهر جليا أن السنة النبوية الصحيحة قد فصلت ما أجمله القرآن من أحكام الحج والعمرة، وأن ما أنكره هؤلاء المغرضون من أحكام الحج والعمرة، وكذلك ما ابتدعوه – مخالف تماما لما جاءت به السنة الصحيحة، ولا يجوز مخالفة السنة الصحيحة من أجل ادعاءات ما أنزل الله بها من سلطان، وقد أثبتنا مسبقا أن القرآن الكريم قد أكد على وجوب اتباع السنة والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن السنة هي المصدر الثاني للتشريع، وهي المفصلة لمجمل القرآن، بل هي التطبيق العملي للقرآن الكريم، وعلى هذا فلا يمكن مخالفة نصوص السنة النبوية أو الاقتصار على النص القرآني في فهم هذا الشرع الحنيف.
- مناسك الحج والعمرة:
o الطواف:
يرى هؤلاء المغرضون أنه لا مانع من أن يؤدي الحاج شوطا واحدا؛ لعدم وجود نص قرآني يحدد عدد الأشواط، فلا مانع من الترخص في عدد الأشواط؛ لاقتصار تحديدها بسبعة على السنة النبوية، لكننا قد سبق لنا بيان حجية السنة النبوية ومصدريتها التشريعية؛ وعلى هذا فيجب الأخذ بما جاءت به السنة في ذلك، فمن المعلوم جيدا لدى كل المسلمين أن الطواف في الحج سبعة أشواط لا تقل ولا تزيد على ذلك؛ لما رواه البخاري في صحيحه من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – أنه قال:«قدم النبي – صلى الله عليه وسلم – فطاف بالبيت سبعا، وصلى خلف المقام ركعتين، ثم خرج إلى الصفا، وقد قال الله -سبحانه وتعالى: )لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة( (الأحزاب: ٢١)» [25] فقد ذكر الله – سبحانه وتعالى – الطواف في القرآن الكريم، فقال: )وليطوفوا بالبيت العتيق (29)( (الحج)، وجاء النبي – صلى الله عليه وسلم – مفصلا هذا الحكم بأن الطواف سبعة، ونقل ذلك عن النبي – صلى الله عليه وسلم – غير واحد من الصحابة، فوجب علينا أن نتمسك بهدي النبي – صلى الله عليه وسلم – في مناسك الحج جميعها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «… لتأخذوا مناسككم؛ فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه».
ـ أما إطلاقهم مسمى (الدوران) على الطواف – فهذا مما يكشف سوء نيتهم، وعداوتهم الشديدة، وسخريتهم من المناسك والشعائر الدينية – وكل هذا لا يتفق مع ما يظهرونه من محافظة على الدين والتزام بالنص القرآني، ولو كانوا يلتزمون بالنص القرآني لما عدلوا عن لفظة (الطواف) في قوله تعالى: )وليطوفوا بالبيت العتيق (29)( إلى لفظة الدوران التي توحي بشيء من السخرية من مناسك الحج والعمرة، كما أن الله – سبحانه وتعالى – لا يريد من هذا الطواف أن يتعب الحجاج أو أن يشق عليهم؛ كما يقول سبحانه وتعالى: )ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما (147)( (النساء)، وسوف نعرض – في الوجه الثالث من وجوه الإبطال – للحكمة من هذا الطواف وغيره من المناسك.
ـ أما مخالفتهم لسنة النبي – صلى الله عليه وسلم – في الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى – فلا دليل لديهم فيما ذهبوا إليه في ذلك؛ وذلك لأن الأحاديث الواردة في ذلك صحيحة ولا يمكن ردها؛ فقد ورد عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: «سعى النبي – صلى الله عليه وسلم – ثلاثة أشواط، ومشى أربعة في الحج والعمرة»[26]، وقد وردت أحاديث أخرى صحيحة في ذلك، وعلى هذا فلا يصح لهم ما ذهبوا إليه، كما أن الرمل قد شرع لحكمة – سوف نعرض لها في الوجه الثالث من وجوه الإبطال – ثم استمر بعد حادثة تشريعه اقتداء واتباعا للنبي – صلى الله عليه وسلم – كما أن فيه حكما أخرى سوف نعرض لها، كما أنه لا يجوز لنا أن نرفض أمرا فعله النبي – صلى الله عليه وسلم – بحجة أن عقلنا لا يستطيع استشفاف الحكمة من فعله صلى الله عليه وسلم.
o استلام الركنين اليمانيين، والتهليل والتكبير، وتقبيل الحجر الأسود:
وقد أنكر هؤلاء المغرضون استلام الركنين اليمانيين، والتهليل والتكبير، وتقبيل الحجر الأسود، وغير ذلك من أفعال النبي – صلى الله عليه وسلم – التي وردت النصوص الصحيحة الصريحة بالتأكيد عليها، وبيان استحبابها وندبها.
وعلى هذا فلا يجوز إنكارها؛ لما سبق أن ذكرنا من حجية السنة ومصدريتها التشريعية، وقد وردت الأحاديث في استلام النبي – صلى الله عليه وسلم – الركنين اليمانيين، منها ما رواه البخاري من حديث سالم بن عبد الله عن أبيه، قال: «لم أر النبي – صلى الله عليه وسلم – يستلم من البيت إلا الركنين اليمانيين»[27]، وكذلك ما رواه مسلم من حديث عبد الله بن عمر، أنه قال: «لم أر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يمسح من البيت إلا الركنين اليمانيين»[28]، وقد وردت كذلك الأحاديث الصحيحة في التهليل والتكبير من قبل الإهلال بالحج وحتى التحلل؛ فعن أنس – رضي الله عنه – «قال صلى الله عليه وسلم – ونحن معه بالمدينة -: الظهر أربعا، والعصر بذي الحليفة ركعتين، ثم بات بها حتى أصبح، ثم ركب حتى استوت به على البيداء، حمد الله وسبح وكبر، ثم أهل بحج وعمرة، وأهل الناس بهما، فلما قدمنا أمر الناس فحلوا، حتى كان يوم التروية أهلوا بالحج…»[29] الحديث.
وعن ابن عمرـ رضي الله عنهما – قال: «أهل النبي – صلى الله عليه وسلم – حين استوت به راحلته قائمة»[30]، وكذلك وردت الأحاديث الصحيحة في استلام الحجر الأسود وتقبيله؛ فقد روى البخاري من حديث سالم عن أبيه – رضي الله عنه – قال: «رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حين يقدم مكة إذا استلم الركن الأسود أول ما يطوف يخب[31] ثلاثة أطواف من السبع»[32]، وقد روى البخاري أيضا من طريق الزبير بن عربي قال: «سأل رجل ابن عمر – رضي الله عنهما – عن استلام الحجر، فقال: رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يستلمه ويقبله، قال، قلت: أرأيت إن زحمت، أرأيت إن غلبت؟ قال: اجعل (أرأيت) باليمن، رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يستلمه ويقبله»[33].
o ركعتان خلف المقام:
وينكر هؤلاء المغرضون موضع مقام إبراهيم الذي يعرفه الناس اليوم، مدعين أن موضعه الصحيح عند مدخل باب الكعبة؛ حيث كان يجلس فيه ويصلي إن أراد أن يصلي لربه، ويهدفون من وراء ذلك إلى التضييق على الناس في أمر هاتين الركعتين، رغم صحة الأحاديث الواردة في أن النبي – صلى الله عليه وسلم – صلى ركعتين خلف المقام بعد أن طاف سبعا؛ فقد روى البخاري عن عمرو بن دينار قال: «سمعت ابن عمر – رضي الله عنهما – يقول: قدم النبي – صلى الله عليه وسلم – فطاف بالبيت سبعا، وصلى خلف المقام ركعتين، ثم خرج إلى الصفا، وقد قال الله تعالى: )لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة( (الأحزاب: ٢١)»، فتأمل معي أيها القارئ الكريم، هل يمكن لهذا العدد الهائل من الحجاج أن يصلوا ركعتين عند مدخل باب الكعبة؟! إن ما ادعاه هؤلاء المغرضون ليس له تفسير إلا أنهم أرادوا التضييق والتعسير على الناس؛ ليتركوا مناسك الحج التي وردت في ثبوتها الأحاديث النبوية الصحيحة كالحديث السابق الذي ذكره البخاري في صحيحه، كما أن هذا الادعاء ليس له دليل من كتاب أو سنة أو تاريخ، فكيف اهتدى هؤلاء المغرضون إلى الموضوع الصحيح للمقام؟ ومن الذي قال لهم أن موضعه الذي هو عليه ليس بموضعه الصحيح ليفكروا في الموضع الصحيح له؟
o السعي بين الصفا والمروة:
فقد اعتبر هؤلاء المغرضون السعي بين الصفا والمروة من قبيل المباحات أو على الأقل من باب الأمور التي يثاب عليها فاعلها، ولا يعاقب تاركها، ولا ندري من أين أتوا بهذا الادعاء وما هو مرجعهم في ذلك؛ فلم يقل أحد من أهل العلم بذلك، وإننا إذا استعرضنا أقوال الفقهاء وجدناها تدور على كونه واجبا أو ركنا، ولم يجعل منهم أحد السعي على الإباحة؛ “فالسعي واجب عند الحنفية، ركن عند باقي الأئمة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «اسعوا؛ فإن الله كتب عليكم السعي»[34]، و «كتب عليكم السعي فاسعوا»[35].
“وأما قوله تعالى: )إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما( (البقرة: ١٥٨) فهو لرفع الإثم على من تطوف بهما، ردا على ما كان في الجاهلية من التحرج من السعي بينهما؛ لأنه كان عليهما صنمان”[36].
فالراجح من أقوال أهل العلم – كما رأينا – أن السعي ركن، وهذا واضح من الأدلة التي سبق ذكرها من الكتاب والسنة، ويؤيد ذلك – أيضا – الحديث الذي رواه البخاري من حديث هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: «قلت لعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم – وأنا يومئذ حديث السن – أرأيت قول الله -سبحانه وتعالى: )إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما(، فلا أرى على أحد شيئا ألا يطوف بهما، فقالت عائشة: كلا، لو كانت كما تقول كانت (فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما)، إنما أنزلت هذه الآية في الأنصار، كانوا يهلون لمناة، وكانت مناة حذو قديد، وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة، فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن ذلك، فأنزل الله -عز وجل: )إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما(»، زاد سفيان وأبو معاوية عن هشام «ما أتم الله حج امرئ ولا عمرته لم يطف بين الصفا والمروة»[37][38].
ويترخص هؤلاء أيضا في عدد أشواط السعي، ويعاندون بذلك الأحاديث الصحيحة التي نصت على أنها سبعة، كالحديث الذي رواه البخاري من حديث عمرو بن دينار قال: «سألنا ابن عمر – رضي الله عنه – عن رجل طاف بالبيت في عمرة ولم يطف بين الصفا والمروة أيأتي امرأته؟ فقال: قدم النبي – صلى الله عليه وسلم – فطاف بالبيت سبعا، وصلى خلف المقام ركعتين، فطاف بين الصفا والمروة سبعا: )لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة(» [39].
ويرى هؤلاء المغرضون – أيضا – أن الكيفية الصحيحة للسعي هي أن نطوف خارج الصفا والمروة (حولهما)، وعليه فإن البناء القائم على الجبلين الآن خطأ شرعي ينبغي إصلاحه؛ لأنه يعوق الطواف حول الصفا والمروة، ويجعل الحاج يسعى بينهما، وهذا الذي ادعاه هؤلاء المغرضون لا أساس له من الصحة؛ فقد تواتر هذا الفعل منذ زمن إبراهيم الخليل – عليه السلام – وزوجته السيدة هاجر، ثم بعث محمد – صلى الله عليه وسلم – وأقر ذلك وفعله، وكذلك الصحابة – رضي الله عنهم – واستقر الأمر على ما هو عليه حتى هذا الوقت الذي نحن فيه، ولم يخالف في ذلك أحد ولم ينكر، فكيف لهؤلاء المغرضين أن يدعوا كيفية أخرى للسعي لم يسبق لها وجود في تاريخ الإسلام كله، فمن أين أتوا بهذه الكيفية؟! لقد دلت الآيات والأحاديث – لمن يحسن التدبر – على هذه الكيفية، فالله – سبحانه وتعالى – يقول: )إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما(، فالله – سبحانه وتعالى – يقول: )بهما(، ولم يقل (حولهما)، ولا شك أن الباء في )بهما(تفيد أن السعي داخل المنطقة التي بين الجبلين وليس خارجها كما هو معلوم لغة، فأنا أقول إذا كنت في البيت: أنا بالبيت، ولا أقول: أنا حول البيت، كما أن الأحاديث الصحيحة تثبت أن السعي بين الجبلين وليس خارجهما، ففي الحديث الذي رواه البخاري من حديث عروة، لما سأل عائشة عن قوله تعالى: )إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم (158)( (البقرة)، فقالت عائشة – رضي الله عنها – في نهاية الحديث:«وقد سن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الطواف بينهما، فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما…»[40]، وواضح لنا من هذا الحديث تكرار كلمة (بينهما) مما يؤكد الكيفية الصحيحة للسعي، وهي أن تكون بين الجبلين وليست حولهما، ويؤكد ذلك أيضا ما رواه ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: «قدم النبي – صلى الله عليه وسلم – مكة فطاف بالبيت، ثم صلى ركعتين، ثم سعى بين الصفا والمروة، ثم تلا: )لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة(» [41].
o الوقوف بعرفة:
فقد زعم هؤلاء المغرضون أن الوقوف بعرفة غير مؤقت وغير محدد بيوم واحد، وإنما يجوز الوقوف في أي يوم من أيام الميقات الزماني، الذي سبق أن ذكرنا أنه يمتد عندهم من شهر شوال إلى شهر المحرم، وينتهي برؤية هلال صفر، وخالفوا بهذا النصوص الصحيحة الصريحة التي دلت على أن الوقوف بعرفة مؤقت ومحدد بأنه اليوم التاسع من ذي الحجة.
ويقول د. طه حبيشي: “وهنا يتبين لك القصد: إنهم يريدون أولا: أن تفوت فريضة الحج الشرعية على جميع المسلمين، أو على أغلبهم على الأقل. وهم يريدون ثانيا: ألا يجتمع المسلمون في صعيد واحد في وقت واحد؛ إذ إن هذا الاجتماع قد يؤدي – ولو بالاحتمال – إلى اتحاد إرادة المسلمين، وهو أمر لا يريده سادتهم أن يقع على أي نحو من الأنحاء”[42].
فلا يخفى على أحد ما سيؤدي إليه هذا الجمع الكبير يوم عرفة من اتحاد وقوة ومنعة، وفي هذا اليوم يباهي الله – سبحانه وتعالى – ملائكته بهذا الجمع الكبير، فقد ورد عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه كان يقول:«إن الله – عز وجل – يباهي ملائكته – عشية عرفة – بأهل عرفة، فيقول: انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبرا»[43].
وقد اتفق الفقهاء على أن الحاج يقف من حين زوال الشمس يوم عرفة إلى طلوع الفجر الثاني من يوم النحر؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – وقف بعرفة بعد الزوال، وكان يرمي جمرة العقبة وهو على راحلته يوم النحر، ويقول: «لتأخذوا مناسككم؛ فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه»[44].
فهدي النبي – صلى الله عليه وسلم – هو الواجب بالاتباع، وما هو سوى ذلك كذب وضلال، وقد روى البخاري قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد»[45].
وهذا اليوم – يوم عرفة – فرصة عظيمة للمسلم يحضرها مع إخوانه المسلمين؛ إظهارا لعزة الإسلام، وإعلانا لكمال التوحيد والقصد لله – سبحانه وتعالى – وهذا هو اليوم الذي أنزل الله فيه على نبيه – صلى الله عليه وسلم – قوله: )اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا( (المائدة: ٣).
وقد أجمع العلماء على أن الوقوف بعرفة هو الركن الأصلي من أركان الحج؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «… الحج عرفة…»[46]، فمن فاته فعليه حج من عام قابل، والهدي في قول أكثرهم[47].
وقد وردت النصوص الدالة على أن الوقوف بعرفة محدد بيوم واحد، وليس متروكا دون تحديد، فقد وردت أحاديث كثيرة صحيحة في ذكر يوم عرفة، ويلاحظ على هذه الأحاديث كلها أنها تخصص عرفة بكلمة (يوم)، وهذا يدل دلالة قاطعة على أن يوم عرفة يوم محدد وليس متروكا دون تحديد كما يزعمون، فمن هذه الأحاديث ما روي عن أبي قتادة أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «… صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده…»[48]، وما روي عن جبير بن مطعم قال: «أضللت بعيرا لي، فذهبت أطلبه يوم عرفة، فرأيت النبي – صلى الله عليه وسلم – واقفا بعرفة، فقلت: هذا والله من الـحمس[49]، فما شأنه ها هنا»[50]؟
وقد ذهب كثير من المفسرين والفقهاء إلى أن يوم عرفة هو يوم الحج الأكبر الوارد في قوله عز وجل: )وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم (3)( (التوبة).
ويقول الطاهر ابن عاشور: “ويوم الحج الأكبر: قيل هو يوم عرفة؛ لأنه يوم مجتمع الناس في صعيد واحد، وهذا يروى عن عمر، وعثمان، وابن عباس، وطاوس، ومجاهد، وابن سيرين، وهو قول أبي حنيفة، والشافعي في الحديث «الحج عرفة»[51].
ونقل هذا القول أيضا ابن القيم في “زاد المعاد”، فقال: “وقيل: يوم عرفة أفضل منه – أي: من يوم النحر – وهذا هو المعروف عند أصحاب الشافعي، قالوا: لأنه يوم الحج الأكبر، وصيامه يكفر سنتين، وما من يوم يعتق الله فيه الرقاب أكثر منه في يوم عرفة، ولأنه – سبحانه وتعالى – يدنو فيه من عباده، ثم يباهي ملائكته بأهل الموقف”[52].
ويؤيد ذلك ما رواه عطاء عن ابن عباس قال: «إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قسم يومئذ في أصحابه غنما، فأصاب سعد بن أبي وقاص تيسا فذبحه عن نفسه، فلما وقف رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بعرفة أمر ربيعة بن أمية بن خلف فقام تحت ثدي ناقته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اصرخ، أيها الناس هل تدرون أي شهر هذا؟ قالوا: الشهر الحرام، قال: فهل تدرون أي بلد هذا؟ قالوا: البلد الحرام، قال: فهل تدرون أي يوم هذا؟ قالوا: الحج الأكبر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد حرم عليكم دماءكم وأموالكم، كحرمة شهركم هذا، وكحرمة بلدكم هذا، وكحرمة يومكم هذا، فقضى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حجه، وقال حين وقف بعرفة: هذا الموقف، كل عرفة موقف، وقال حين وقف على قزح[53]: هذا الموقف، وكل مزدلفة موقف»[54].
فالتجمع يوم عرفة في مكان واحد لفرض واحد يكسب الأمة الإسلامية قوة واتحادا أمام أعدائها، أما ما ذهبوا إليه من توزعة الحجاج كل حسب ظروفه وأحواله، فهذا يؤدي إلى الفرقة والتشتت، ومن المعلوم أن في الاتحاد القوة والعزة – وما أحوجنا إليها الآن – علاوة على أن القرآن الكريم قد أشار إلى أن هناك يوما للحج يسمى “يوم الحج الأكبر”، وقد قال كثير من المفسرين والفقهاء هو يوم عرفة، وجاءت الأحاديث الصحيحة تؤكد ذلك؛ فإذا كان القرآن قد أشار إلى ذلك، فلا شك أن شبهتهم داحضة باطلة.
o المرور بالمزدلفة والمبيت بها:
فقد ضيق هؤلاء المغرضون على الناس في المرور بالمزدلفة والمبيت بها، وقالوا: إن المشعر – المزدلفة – مسجد غير مسقوف، وهذا هو المسجد الذي بني بعد وفاة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بسنوات طويلة، وقد أوجبوا على المسلمين جميعا أن يقفوا بهذا المسجد الذي لا يتسع إلا لعدة مئات.
لكن المتأمل في السنة النبوية الشريفة يجد أن الأمر ميسر للحجاج وليس فيه تعنت، فقد بين النبي – صلى الله عليه وسلم – أن المزدلفة كلها موقف، ففي حديث جابر – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «نحرت ها هنا، ومنى كلها منحر، فانحروا في رحالكم، ووقفت ها هنا، وعرفة كلها موقف، ووقفت ها هنا، وجمع[55] كلها موقف»[56]، ووردت أحاديث أخرى صحيحة في ذلك، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وفطركم يوم تفطرون، وأضحاكم يوم تضحون، وكل عرفة موقف، وكل منى منحر، وكل فجاج مكة منحر، وكل جمع موقف»[57]، وعن جابر – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «منى كلها منحر، وكل فجاج مكة طريق ومنحر، وكل عرفة موقف، وكل المزدلفة موقف»[58]، وفي هذا يقول الإمام النووي في تعليقه وشرحه للحديث الأول الوارد في صحيح مسلم: “قالوا: ويجوز الوقوف بعرفات في أي جزء منها، وكذا يجوز الوقوف على المشعر الحرام، وفي كل جزء من أجزاء المزدلفة لهذا الحديث”[59].
وعلى هذا، فلا ينبغي التضييق على المسلمين بعدما وسع عليهم الشرع الحكيم، وقد ورد الأمر في القرآن الكريم بالوقوف بالمزدلفة، فقال عز وجل: )فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام( (البقرة: ١٩٨)، وقد شرحت السنة وبينت ما يجب على المسلم إزاء هذا الأمر، كما سبق أن بيناه في الأحاديث السابقة الذكر، “فالمشعر الحرام” في الآية: جبل صغير بالمزدلفة، وقد وقف عنده النبي – صلى الله عليه وسلم – لكن لا يشترط الوقوف عنده، ففي أي موضع من المزدلفة وقف الحاج أجزأه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: “… وقفت ها هنا، وجمع كلها موقف”[60].
o الذهاب إلى منى ورمي الجمرات والذبح والتقرب بالهدي والمبيت فيها:
فقد زعم هؤلاء المغرضون أن الذهاب إلى منى ورمي الجمرات والذبح والتقرب بالهدي، والمبيت فيها – بدعة شيطانية ألقى بها الشيطان في روع النبي صلى الله عليه وسلم أو في تاريخ الأمة، ولا يجوز لأحد أن يتبع بدعة شيطانية، حتى ولو توارثتها الأمة على منهج وأسلوب التواتر. ولا ندري كيف تجاهل هؤلاء الآيات والأحاديث النبوية الصحيحة أو اعتبروها بدعة شيطانية؟! فالله -عز وجل- يقول في كتابه العزيز: )واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون (203)( (البقرة).
ويقول القرطبي في تفسير هذه الآية: “ولا خلاف بين العلماء أن الأيام المعدودات في هذه الآية هي أيام منى، وهي أيام التشريق، وأن هذه الثلاثة الأسماء واقعة عليها، وهي أيام رمي الجمار، وهي واقعة على الثلاثة الأيام التي يتعجل الحاج منها في يومين بعد يوم النحر، فقف على ذلك”[61].
ويقول ابن كثير: “قال ابن عباس: الأيام المعدودات أيام التشريق، والأيام المعلومات أيام العشر، وقال عكرمة )واذكروا الله في أيام معدودات( يعني: التكبير في أيام التشريق بعد الصلوات المكتوبات: الله أكبر الله أكبر”[62].
وقد روى البخاري من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: «استأذن العباس بن عبد المطلب – رضي الله عنه – رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته، فأذن له»[63]. وعلق ابن حجر على هذا الحديث فقال: وفي الحديث دليل على وجوب المبيت بمنى، وأنه من مناسك الحج؛ لأن التعبير بالرخصة يقتضي أن مقابلها عزيمة، وأن الإذن وقع للعلة المذكورة، وإذا لم توجد (أو) أو ما في معناها – يعني: تبويب البخاري للحديث بقوله: هل يبيت أصحاب السقاية أو غيرهم بمكة ليالي منى – لم يحصل الإذن، وبالوجوب قال الجمهور، وفي قول للشافعي، ورواية عن أحمد، وهو مذهب الحنفية أنه سنة، ووجوب الدم بتركه مبني على هذا الخلاف، ولا يحصل المبيت إلا بمعظم الليل[64].
ويؤيد ذلك أيضا ما رواه الإمام أحمد عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: «أفاض رسول صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حين صلى الظهر ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق يرمي الجمرة إذا زالت الشمس كل جمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ويقف عند الأولى وعند الثانية فيطيل القيام ويتضرع ويرمي الثالثة لا يقف عندها»[65].
وبعد أن ذكرنا الأدلة – على الذهاب إلى منى والمبيت بها – نعود لنسأل القارئ الكريم: كيف تجرأ هؤلاء المغرضون وأنكروا الذهاب إلى منى والمبيت بها، رغم أن ذلك ثابت في القرآن والسنة كما سبق أن ذكرنا في السطور السابقة، وإذا تمكن هؤلاء من التجرؤ على السنة والكذب عليها أو إنكارها، فلا ندري كيف ينكرون هذه الآيات الصريحة في القرآن الكريم؟!
أما رمي الجمرات فقد وردت فيها أحاديث كثيرة صحيحة، لا نريد أن نحصرها حتى لا نطيل، وإنما نكتفي بذكر بعض الشواهد الواردة في صحيح البخاري، فقد روى البخاري من حديث عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله رضي الله عنه «أنه انتهى إلى الجمرة الكبرى، جعل البيت عن يساره، ومنى عن يمينه، ورمى بسبع، وقال: هكذا رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة صلى الله عليه وسلم»[66].
وروى البخاري أيضا من حديث عبد الرحمن بن يزيد «أنه حج مع ابن مسعود – رضي الله عنه – فرآه يرمي الجمرة الكبرى بسبع حصيات، فجعل البيت عن يساره، ومنى عن يمينه، ثم قال: هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة»[67].
وروى البخاري أيضا من حديث سالم بن عبد الله «أن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات، ثم يكبر على إثر كل حصاة، ثم يتقدم فيسهل[68]، فيقوم مستقبل القبلة قياما طويلا، فيدعو ويرفع يديه، ثم يرمي الجمرة الوسطى كذلك، فيأخذ ذات الشمال فيسهل، ويقوم مستقبل القبلة قياما طويلا، فيدعو ويرفع يديه، ثم يرمي الجمرة ذات العقبة من بطن الوادي ولا يقف عندها، ويقول: هكذا رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يفعل»[69].
“وقد اتفق جمهور العلماء على أن رمي الجمار واجب – أي الجمرة الصغرى والوسطى والكبرى (جمرة العقبة) – وأنه إذا ترك رمي الجمرات يكون عليه دم”[70].
أما الذبح وتقديم الهدي فقد وردت فيه النصوص الصريحة من القرآن والسنة، وهو نوعان: واجب، وتطوع، أما هدي التطوع: فهو ما يقدمه الإنسان قربة إلى الله تعالى بدون إيجاب سابق، ويستحب لمن قصد مكة حاجا أو معتمرا أن يهدي إليها من بهيمة الأنعام، وينحره ويفرقه؛ لما روي أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أهدى مائة بدنة، فقد روى البخاري من حديث ابن أبي ليلى أن عليا – رضي الله عنه – حدثه قال: «أهدى النبي – صلى الله عليه وسلم – مائة بدنة، فأمرني بلحومها فقسمتها، ثم أمرني بجلالها فقسمتها، ثم بجلودها فقسمتها»[71]، والمستحب أن يكون ما يهديه سمينا حسنا؛ لقوله عز وجل: )ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب (32)( (الحج)، قال ابن عباس في تفسيرها: “الاستسمان والاستحسان والاستعظام”.
والهدي الواجب نوعان: واجب بالنذر – في ذمته – للمساكين أو على الإطلاق، فإن نذر وجب عليه؛ لأنه قربة، فلزمه بالنذر.
وواجب بغير النذر، كدم التمتع والقران. والدماء الواجبة تكون بترك واجب أو فعل محظور[72]. وهناك آيات عديدة في القرآن الكريم في شأن الهدي، فإن من قتل صيدا فعليه هدي؛ لقوله -عز وجل: )يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام (95)( (المائدة).
وكذلك تكلم القرآن عن الهدي للإحصار أو للتمتع في قوله -عز وجل: )وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب (196)(
(البقرة)، ولا نريد أن نجمع كل أحكام الهدي في القرآن الكريم، فحسبنا أننا أشرنا إلى نماذج دالة على معالجة القرآن لمسألة الذبح والتقرب بالهدي، والتي أنكرها المغرضون رغم وجودها في القرآن والسنة، كما لا نريد أن نسترسل في ذكر الأحاديث النبوية الصحيحة الواردة في الهدي، وحسبنا أن نذكر بعض الشواهد الدالة على المراد، وقد ذكر البخاري أحاديث كثيرة في ذلك، منها حديث علي الذي سبق أن ذكرناه، ومنها ما روي عن عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت: «أهدى النبي – صلى الله عليه وسلم – مرة غنما»[73]، وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي – رضي الله عنه – قال: «أمرني رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن أتصدق بجلال البدن التي نحرت وبجلودها»[74]، وعن نافع «أن ابن عمر – رضي الله عنهما – كان يبعث بهديه من جمع من آخر الليل حتى يدخل به منحر النبي – صلى الله عليه وسلم – مع حجاج فيهم الـحر والمملوك»[75].
ومما سبق نخلص إلى أن القرآن الكريم قد ذكر أحكام الحج والعمرة، وأن السنة النبوية الشريفة جاءت لتفصل هذه الأحكام وتبينها، ومن ثم فلا ينبغي لعاقل أن يترك سنة النبي – صلى الله عليه وسلم – ويقتصر على القرآن الكريم في معرفة الأحكام، لا سيما وأن القرآن الكريم قد أثبت حجية السنة ومصدريتها التشريعية.
o التحلل:
إن التحلل لا يكون إلا من تقييد وحظر، ولا ندري ما الإحرام الذي تحلل الإنسان منه عند هؤلاء؟! وليس هناك شيء – فيما يرى هؤلاء – كان محظورا على الحاج أن يفعله؛ ولذا فقد جاء التحلل أمرا مضحكا.
إن التحلل عندهم أن يذهب المرء إلى الحلاق، أو ما نعرفه في بلادنا باسم “المزين”، واسم صاحب المهنة – كما نعرفه نحن – يصور مقصد هؤلاء أكثر مما يصوره الاسم الذي يطلقه عليه غيرنا، فإن المناسب أن يقبل هذا الحاج على أهله وأولاده بملبس نظيف وشعر مرتب، بدلا من أن يأتيهم وعليه وعثاء السفر وغبرة الطريق[76].
وهذا أمر طبيعي عندهم؛ فالحاج عندهم ليس محظورا عليه أي شيء على الإطلاق؛ فلم يجدوا أي شيء ليسدوا به هذا الفراغ – التحلل – غير هذا القول الواهن.
أما التحلل في الحج الذي كان عليه النبي – صلى الله عليه وسلم – فهو التحلل من محظورات الإحرام وممنوعاته، وهي ما يحرم على الـمحرم بحج أو عمرة حتى يحلق رأسه بمنى، وهي أنواع كثيرة ترجع إلى أصول أربعة: هي لبس المخيط، وترفيه البدن وتنظيفه، والصيد، والنساء، فالحاج عندما يتحلل من الحج يباح له إتيان تلك المحظورات ولا حظر عليه في ذلك، أما ما ذهب إليه هؤلاء المغرضون فما هو إلا بدعة ضالة تصيب المسلمين في أصول دينهم؛ لأغراض خبيثة، ولا شك بعد هذا أنها دعوى داحضة فاسدة.
ثانيا. من معاني العمرة لغة: الزيارة، وهي الزيارة للبيت الحرام بقصد الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة، وقد أشار القرآن الكريم إلى العمرة في أكثر من آية بنفس المعنى السابق:
لقد شرع الله – عز وجل – العمرة للمسلمين كما شرع الحج، وقد أشار القرآن إلى ذلك في أكثر من آية، فقال عز وجل: )وأتموا الحج والعمرة لله(، وقال عز وجل: )فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما( (البقرة: ١٥٨).
والعمرة من العمارة، ومنها الإعمار، جاء في لسان العرب: عمرت الخراب عمارة، فهو عامر؛ أي معمور. وجاء في اللسان أيضا: أن العمرة: طاعة الله – عز وجل – والعمرة في الحج معروفة، وقد اعتمر، وأصله من الزيارة، والجمع العمر، قال الله عز وجل: )وأتموا الحج والعمرة لله(، قال الزجاج: معنى العمرة في العمل: الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة فقط، والفرق بين الحج والعمرة: أن العمرة تكون للإنسان في السنة كلها, والحج وقت واحد في السنة[77].
والعمرة واجبة على المسلم – على الرأي الراجح – لظاهر قوله عز وجل: )وأتموا الحج والعمرة لله( أي: ائتوا بهما تامين، ومقتضى الأمر الوجوب، وهي أيضا واجبة لخبر عائشة – رضي الله عنها – قالت: «قلت: يا رسول الله، هل على النساء جهاد؟ قال: نعم، جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة»[78].
وجاء في تفسير الآية السابقة لدى ابن كثير: “وعن سفيان الثوري أنه قال: في هذه الآية إتمامهما؛ أن تحرم من أهلك لا تريد إلا الحج والعمرة، وتهل من الميقات ليس أن تخرج لتجارة، ولا لحاجة، حتى إذا كنت قريبا من مكة قلت: لو حججت أو اعتمرت، وذلك يجزئ، ولكن التمام أن تخرج له، ولا تخرج لغيره…
وقال السدي في قوله: )وأتموا الحج والعمرة لله(: أي: أقيموا الحج والعمرة، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: )وأتموا الحج والعمرة لله(، يقول: من أحرم بحج أو بعمرة فليس له أن يحل حتى يتمهما تمام الحج يوم النحر، إذا رمى جمرة العقبة، وطاف بالبيت، وبالصفا والمروة، فقد حل”[79].
وذهب الطاهر ابن عاشور في تفسير هذه الآية إلى أن: “المقصود من هذه الآية إتمام العمرة التي خرجوا لقضائها..، وأما العمرة؛ فهي مشتقة من التعمير وهو شغل المكان ضد الإخلاء؛ ولكنها بهذا الوزن لا تطلق إلا على زيارة الكعبة في غير أشهر الحج، وهي معروفة عند العرب، وكانوا يجعلون ميقاتها ما عدا أشهر ذي الحجة والمحرم وصفر”[80].
أما ما يدعيه بعضهم من أن العمرة لا تدل إلا على أننا يجب علينا أن نعمر المساجد على أي أرض وجدت أو في أي زمان كانت، ويكون التعمير بالفرش والإضاءة والصلاة والذكر؛ فكلها وسائل تعمير عندهم، أما أن تكون هناك عمرة لها أركان مخصوصة أو واجبات وسنن معينة – فيزعمون أن هذا أمر لم يرد به نص قرآني، وإنما اقتصرت معرفتنا بهذه الأركان على السنة النبوية، وتلك مسألة لا نقر المسلمين عليها، ويزعمون أن ما قام به النبي – صلى الله عليه وسلم – من أفعال العمرة – هو من قبيل الظن الذي لا يغني من الحق شيئا.
فهذه الادعاءات ليس لها أساس من الصحة، ولا تقوم على أي دليل؛ فمما سبق قد اتضح لنا أن العمرة كما أنها تعني الإعمار والتعمير؛ فإنها أيضا تعني زيارة الكعبة في غير أشهر الحج، وهي معروفة عند العرب، والعمرة هي: الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، كما أن القرآن الكريم قد أشار إلى العمرة بمعناها السابق، وجاءت أقوال المفسرين مؤكدة لذلك.
أما إنكارهم لمناسك العمرة التي لم ترد في القرآن فهذا زعم باطل؛ لأن القرآن – كما ذكرنا – لم يذكر كل تفصيلات الأحكام، فبيان السنة المطهرة لمناسك العمرة كاف للاتباع والتأسي، وقد بين النبي – صلى الله عليه وسلم – ذلك في الحديث، فقال: «… لتأخذوا مناسككم؛ فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه»[81].
وأما قولهم: إن هذا من قبيل الظن، وإن الظن لا يغني من الحق شيئا – فهو ادعاء باطل، ولو كان صحيحا لكان علينا أن ننكر جميع ما جاء به النبي – صلى الله عليه وسلم – ولم يرد له ذكر في القرآن؛ بحجة أن هذا من قبيل الظن، وهذا أمر مستحيل؛ لأن السنة قد فصلت ما أجمله القرآن وبينته بيانا شافيا، ولولا بيان السنة للقرآن لما أمكننا معرفة كيفية أداء تلك الفرائض، كالصلاة والزكاة والصوم والحج والعمرة وغيرها، فالفلاح والنجاح والصلاح في اتباع سنة النبي – صلى الله عليه وسلم – لا في اتباع الأهواء والشهوات، فنحن لا ندري من أين جاءوا بتلك الادعاءات المزعومة، التي تصيب الإسلام في أركانه وأصوله.
فإذا عرفنا أن العمرة لغة تعني – في معنى من معانيها – زيارة البيت الحرام، والطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة؛ تقربا لله – عز وجل – وإذا كان القرآن الكريم قد أشار إلى العمرة إجمالا بنفس المعنى السابق، ثم جاءت أقوال علماء التفسير تؤكد ذلك، وإذا أمرنا الله عز وجل بوجوب اتباع النبي – صلى الله عليه وسلم – في كل ما يقوله ويفعله – فقد وجب علينا الإيمان بأن هناك عمرة تجب على المسلم، ولو مرة واحدة في العمر، على أن يتمسك المعتمر بالمناسك والآداب التي صحت نسبتها للنبي – صلى الله عليه وسلم – والتي حرص الصحابة والتابعون وتابعوهم عليها إلى يومنا هذا، وبهذا تسقط تلك الدعوى وتزول.
ثالثا. الحكمة من مشروعية بعض مناسك الحج والعمرة:
نؤمن – نحن المسلمين – بما جاء في الكتاب والسنة من مناسك الحج والعمرة وغيرهما، سواء أكنا علمنا الحكمة مما أمرنا به أو لم نعلمها، وقد أدلى كثير من العلماء بدلوهم في ذكر الحكمة من بعض مناسك الحج والعمرة.
إن الله -عز وجل- قد من علينا بهذا الدين القيم، وراعى فيه مصالح البشر، فأمرهم بما يصلحهم وينفعهم، ونهاهم عما يفسدهم ويضرهم، ولهذا فقد أوجب علينا الشرع الحكيم أن نطبق ما أمرنا به وما نهانا عنه، سواء أعلمنا الحكمة من ذلك أو لم نعلمها، فالله – عز وجل – يقول: )وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا (36)( (الأحزاب)، ويقول عز وجل: )فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما (65)(
(النساء)، ومع ذلك فإن كثيرا من علماء المسلمين – قديما وحديثا – قد اجتهدوا في معرفة الحكمة من كثير من الأوامر والنواهي، ففي باب الحج والعمرة نجد أقوالا كثيرة لأهل العلم في الحكمة من كثير من مناسكه وأحكامه.
فعن ملابس الإحرام يقول العالم عبد الباسط محمد سيد – عضو هيئة الإعجاز العلمي للقرآن والسنة بمكة المكرمة: “هي رمز للتجرد من كل شيء، ورحلة من البدايات إلى النهايات، فقد ولدنا كلنا عرايا، ويدنا مضمومة، وكأن الإنسان يريد أن يتسول على الدنيا وما فيها، ثم يلف في قطعة قماش ويعود إلى التراب، فالإنسان يولد على الفطرة ويداه مضمومتان، ويموت الإنسان ويداه مبسوطتان، لم يجمع فيها إلا ما قسمه الله له… فعندما ترتدي ملابس الإحرام تعيد البدايات والنهايات، تتجرد من كل شيء، ويتساوى الغني مع الفقير، الرفيع مع الوضيع، والكل سواسية أمام الله، يرتدون الإزار والبشكير وتعبر عن هذا آية قرآنية؛ حيث يقول -عز وجل: )كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون (28)( (البقرة)[82].
أما عن الطواف، فيقول د. زغلول النجار: “قال -عز وجل: )وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم (3)( (التوبة)، فرض الله الحج والعمرة بمكة المكرمة؛ إكراما لهذا المكان، ولحكمة جعلها الله تعالى فيه، ومن كرامات هذا المكان: أن الله قد اختصه بأن يكون أول مكان يعبد فيه الله على الأرض، وتقام فيه كلا الشعيرتين.
في الحج والعمرة يطالب المسلم بالطواف حول البيت الحرام سبعة أشواط، بدءا من الحجر الأسود وانتهاء به أيضا، وهذا الطواف يتم في عكس عقارب الساعة، وهو نفس اتجاه الدوران الذي تتم به حركة الكون من أدق دقائقه إلى أكبر وحداته، فالإلكترون يدور حول نفسه، ثم يدور حول نواة الذرة في نفس اتجاه الطواف عكس عقارب الساعة، والذرات تتحرك في داخل السوائل المختلفة حركة موجبة، حتى في داخل كل خلية حية تتحرك حركة دائرية، البروتوبلازم يتحرك حركة دائرية في نفس الاتجاه، والأرض تدور حول الشمس، والقمر يدور حول الأرض، والمجموعات الشمسية تدور حول مركز المجرة، والمجرة تدور حول مركز تجمع مجري، والتجمع المجري يدور حول مركز الكون – الذي لا يعلمه إلا الله – عكس عقارب الساعة.
وكذلك البويضة عندما تخرج من المبيض إلى قناة الرحم – قناة فالوب – في رحلتها إلى الانغراس في بطانة الرحم – تدور حول محورها بعكس اتجاه عقارب الساعة، والحيوانات المنوية تحيطها في دوران عكس اتجاه عقارب الساعة، مثل دوران الحجيج أو الطواف حول الكعبة، ومن الغريب أيضا في كافة أجسام الكائنات الحية أنها تتكون من البروتينات – وهي جزيئات معقدة للغاية، لبناتها الأحماض الأمينية، وهي مكونة من خمسة عناصر (الكربون – الهيدورجين – الأكسجين – الكبريت – النيتروجين)، وهذه العناصر تترتب حول ذرة الكربون ترتيبا يساريا؛ أي نفس اتجاه الطواف حول الكعبة[83].
أما بالنسبة للرمل في الأشواط الثلاثة الأولى، فقد ادعى هؤلاء انتفاء الحكمة منه، لكن السنة النبوية الصحيحة قد أشارت إلى الحكمة من تشريعه، وهي إظهار القوة أمام الأعداء، فقد روى البخاري من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – قال:«قدم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه، فقال المشركون: إنه يقدم عليكم وقد وهنهم حمى يثرب، فأمرهم النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يرملوا الأشواط الثلاثة، وأن يمشوا بين الركنين، ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم»[84]، وقد استمر هذا التشريع وصار سنة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – ولم يقتصر فعله على وجود الأعداء أو انعدامهم، فقد وردت الأحاديث الدالة على أن هذا الفعل قد أصبح سنة متبعة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – ودائمة، فقد روى البخاري من حديث سالم عن أبيه – رضي الله عنه – قال: «رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حين يقدم مكة إذا استلم الركن الأسود أول ما يطوف يـخب ثلاثة أطواف من السبع»[85]، وقد استمرت هذه السنة؛ لأن لها فوائد عديدة غير ما ذكرنا من إظهار القوة وإرهاب الأعداء، فمن هذه الفوائد: شحذ الهمم، وحث الأنفس على بذل الجهد في تحقيق العبادة والطاعة لله عز وجل وعدم التواني عن فعل الطاعات والفروض والأوامر الإلهية، كما أن فيه توحيدا للمسلمين والحجاج على طريقة واحدة في إقامة الشعائر والمناسك، وغير ذلك من الفوائد.
أما بالنسبة للسعي بين الصفا والمروة، ففيه من مظاهر الإعجاز ما يعجب له كل إنسان، وهذا ما أوضحه العالم عبد الباسط محمد سيد، فقال: “الصفا من الصفاء، ومعناه: الأزل، والمروة من الري، ومعناه: الحياة، فأنت تسعى من الأزل إلى الحياة، نفس صورة الخلق والوجود البشري حتى النهاية، يقول عز وجل: )كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون (28)(، هنا تفسير علمي لهذه المسألة فالبعض أشار إلى أن الأرض عبارة عن قطبين مغناطيسيين: شمالي وجنوبي، وذكر في هيئة الإعجاز بعض العلماء أن الصفا والمروة هما المغناطيس المصغر للكرة الأرضية، وأنه يشحن الإنسان الذي يسعى بين الصفا والمروة؛ أي أن القوة المغناطيسية في الكرة الأرضية هي نفس القوة الموجودة بين الصفا والمروة، لكنها مصغرة، فأنت تشحن مغناطيسيا بالسعي بين الصفا والمروة، ثم تهرول عند منطقة الزوال المغناطيسي التي تقبل القوة المغناطيسية، أو تنعدم بين القطبين المغناطيسيين، وبعد هذا الشحن الذي اكتسبه المسلم من السعي بين الصفا والمروة، فإما أن تحلق، وإما أن تقصر، وسأقدم لك دليل العلماء الذين قالوا بمغناطيسية الصفا والمروة، فقد قالوا: إن المسيح الدجال عندما يظهر على الأرض لا يستطيع أن يدخل مكة، ويقف على مشارف المدينة لسببين: أنه يسبق عصره بمائة سنة، ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – قد تحدث عن سرعة المسيح الدجال فقال: مثل الغيث تستدبره الرياح؛ أي: يسير حسب مقاييس العلم بسرعة 18 ألف كيلو متر في الساعة، وينتقل من مكان إلى مكان آخر في نفس الوقت، ويصبح في بلد وبعد قليل يكون في بلد آخر، ويقول العلماء في هيئة الإعجاز العلمي للقرآن والسنة: إن المسيح الدجال يقيم عند التقاء الماء البارد مع الماء الساخن، وقيل: إنه في مثلث برمودا، حيث يحصل على الطاقة اللازمة لشحنه، لكنه يفقد طاقته وقوته هذه بسبب الشعاع الصادر من الكعبة، وبسبب المجال المغناطيسي الموجود في الصفا والمروة[86].
وقد أكد د. يحيى وزيري على العلاقة الهندسية بين الطواف والسعي، وها هو ملخص ما توصل إليه، يقول: “أوضحت الدراسة أنه توجد علاقة هندسية حسابية ما بين الطواف حول الكعبة المشرفة والسعي بين جبلي الصفا والمروة، وهو ما يعني أن الوصف القرآني للسعي بأنه طواف أيضا لا يقتصر على اشتراك السعي والطواف في المعنى اللغوي، ولكن لأن القرآن الكريم يلفت الأنظار لوجود علاقة ما بين الطواف حول الكعبة والطواف بين الصفا والمروة، وهو ما أثبتناه في بحثنا.
كما أوضحت الدراسة أيضا أنه توجد علاقة هندسية أخرى ما بين الكعبة المشرفة والمسعى بين الصفا والمروة؛ حيث أن قطر الكعبة الأصلي – الواصل بين الركنين اليماني والعراقي – يوازي الخط الواصل بين جبلي الصفا والمروة (المسعى)، وكلاهما يشير إلى جهة الشمال والجنوب الحقيقيين.
إن النتائج التي تم التوصل إليها في هذه الدراسة يمكن اعتبارها من الآيات البينات، التي ورد ذكرها في إحدى آيات سورة آل عمران، في سياق الحديث عن أول بيت وضع للناس، ولا شك أنه توجد العديد من الآيات البينات الأخرى، والتي سوف تكتشف على مر الزمن بإذن الله”[87].
وقد ذكر كثير من العلماء بعض ملامح الإعجاز عن الحجر الأسود، وذكروا أنه يسجل أسماء من قبله أو استلمه، ويشفع له يوم القيامة، وتحدثوا عن بعض خواصه الإعجازية، ومنها أنه يطفو على الماء، ولو سخنته بأي نار لا يسخن، وغير ذلك من نواحي إعجازه، ولا نريد أن نطيل بذكر أقوال هؤلاء العلماء، وإنما أردنا الاقتصار على ملخص أقوالهم، والذي يحصل به الفائدة، كما أنهم قد أفاضوا أيضا في الحديث عن ملامح الإعجاز في ماء زمزم والوقوف بعرفة وغير ذلك، وكما ذكرنا لا نريد الإطالة، وتكفينا الإشارة الدالة على الفائدة والمقصود[88].
مما سبق يتضح أن أحكام الحج والعمرة ومناسكهما ليستا مقصورتين على الناحية التعبدية، بل تحويان الكثير من الحكم والفوائد التي تعجز قوى البشر عن الإحاطة أو الإلمام بها مهما توصلوا في بحثهم إلى اكتشافات وفوائد.
الخلاصة:
- إن السنة النبوية الصحيحة هي المصدر الثاني للتشريع الإسلامي، وبالتالي فلا يمكن إنكارها؛ لأنها هي المفصلة لما أجمله القرآن، وقد جاء في القرآن ما يدعو إلى وجوب اتباع السنة؛ كقوله -عز وجل: )وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا( (الحشر: ٧).
- لقد جاء ذكر الحج والعمرة بإجمال في القرآن الكريم، وفصلت السنة أحكامهما، وتواتر فعل السلف والخلف طبقا لما جاءت به السنة المصدر الثاني للتشريع، وعلى هذا فلا يمكن مخالفتها.
- إن قوله تعالى: )ما فرطنا في الكتاب من شيء( (الأنعام: ٣٨)، وقوله تعالى: )ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء( (النحل: ٨٩) لا يتعارضان مع وجوب اتباع السنة النبوية، ولا يتعارضان مع كون السنة مفصلة لما أجمله القرآن.
- إن ما ابتدعه هؤلاء المغرضون من أحكام ومناسك للحج والعمرة لا يتفق مع ما ذكرته السنة النبوية، كما أنه لا دليل عليه من القرآن، وبهذا يبطل زعمهم، ولا يصح إلا ما ورد به نص في القرآن أو السنة الصحيحة.
- إن جمهور أهل العلم – قديما وحديثا – على أن الميقات الزماني للحج يبدأ بشوال، ويمر بذي القعدة، وينتهي عند العاشر من ذي الحجة، وقد وردت الأدلة على ذلك، كما وردت الأدلة الصحيحة بأن الأشهر الحرم هي (ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب)، كما أنها ليست متوالية كما يدعي هؤلاء المغرضون.
- لقد ترخص هؤلاء المغرضون في كل محظورات الإحرام، وأباحوا للمحرمين أمورا جاءت النصوص الصحيحة الصريحة بحظرها، فقد ترخصوا في ملابس الإحرام، وأباحوا لبس المخيط، وترخصوا في التطيب وأجازوه للمحرم، وكذلك بالنسبة لتقليم الأظافر، وتغطية الرأس وحلقها، وكذلك أباحوا الخطبة ومباشرة عقود الزواج، ولم يأت هؤلاء بدليل من القرآن الكريم والسنة النبوية على ادعاءاتهم، وإنما خالفت أقوالهم ومزاعمهم نصوص القرآن والسنة الصحيحة.
- من المعلوم لدى كل المسلمين أن الطواف في الحج سبعة أشواط، لا تقل ولا تزيد على ذلك؛ لما رواه البخاري في صحيحه من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – أنه قال: «قدم النبي صلى الله عليه وسلم، فطاف بالبيت سبعا، وصلى خلف المقام ركعتين، ثم خرج إلى الصفا».
- أما إنكارهم استلام الركنين اليمانيين، والتهليل والتكبير، وتقبيل الحجر الأسود، وغير ذلك – فلا دليل عليه، كما أنه يخالف ما جاءت به النصوص النبوية الصحيحة الصريحة في هذا الشأن.
- وأما إنكارهم موضع مقام إبراهيم -عليه السلام- الذي يعرفه الناس اليوم، مدعين أن موضعه الصحيح عند مدخل باب الكعبة، حيث كان يجلس فيه إبراهيم الخليل – عليه السلام – ويصلي إن أراد أن يصلي لربه – فلا معنى له؛ لأنهم قصدوا بذلك أن يضيقوا على الناس في أمر هاتين الركعتين، رغم صحة الأحاديث الواردة في أن النبي – صلى الله عليه وسلم – صلى ركعتين خلف المقام بعد أن طاف سبعا.
- أما السعي بين الصفا والمروة فقد ادعى هؤلاء أنه من قبيل المباحات أو على الأقل من باب الأمور التي يثاب عليها فاعلها، ولا يعاقب تاركها، لكن أقوال الفقهاء في المسألة تدور على كون السعي واجبا أو ركنا، ولم يجعل أحد منهم السعي على الإباحة، وقد استدل الفقهاء بأدلة من الكتاب والسنة تخالف ادعاءات المغرضين الذين ليس لهم شاهد أو دليل إلا ما ابتدعته عقولهم وما ارتاحت له أهواؤهم.
- ويترخص هؤلاء في عدد أشواط السعي، ويعاندون بذلك الأحاديث الصحيحة التي نصت على أنها سبعة، والتي تدحض كل ادعاء لهم في ذلك، كما يبتدعون في كيفية السعي ما يخالف النصوص الصحيحة الثابتة في الكتاب والسنة، ويخالف ما تواتر عن السلف والخلف في اتباع هذه السنة النبوية الشريفة.
- أما دعواهم أن الوقوف بعرفة غير مؤقت وغير محدد بيوم واحد، وإنما يجوز الوقوف في أي يوم من أيام الميقات الزماني الذي ادعوه – فهو مخالف بذلك للنصوص الصحيحة الصريحة التي دلت على أن الوقوف بعرفة مؤقت ومحدد بأنه اليوم التاسع من ذي الحجة، وقد أراد هؤلاء أن يفسدوا على الحجاج حجهم، ويفوتوا عليهم فريضتهم التي لن تتم إلا بحضور ذلك اليوم العظيم كما صرحت السنة بذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: «الحج عرفة».
- أما المرور بالمزدلفة والمبيت بها، فقد ضيق هؤلاء المغرضون على الناس في ذلك، وقالوا إن المشعر – المزدلفة – مسجد غير مسقوف، وهذا هو المسجد الذي بني بعد وفاة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بسنوات طويلة، وقد أوجبوا على المسلمين جميعا أن يقفوا بهذا المسجد الذي لا يتسع إلا لعدة مئات، وهذا الذي ادعوه يخالف ما ورد عن النبي – صلى الله عليه وسلم – في قوله “وجمع (أي المزدلفة) كلها موقف” فهنا تيسير منه – صلى الله عليه وسلم – على الحجاج حتى لا يزدحموا في مكان ضيق.
- أما زعمهم أن الذهاب إلى منى ورمي الجمرات والذبح والتقرب بالهدي، والمبيت بها – بدعة شيطانية ألقى بها الشيطان في روع النبي – صلى الله عليه وسلم – أو في تاريخ الأمة، ولا يجوز لأحد أن يتبع بدعة شيطانية حتى ولو توارثتها الأمة على منهج وأسلوب التواتر – فهو ادعاء باطل ليس له أصل أو شاهد من كتاب أو سنة، وإنما تعددت الشواهد على عكس ما ذهبوا إليه، فقد ورد قوله -عز وجل: )واذكروا الله في أيام معدودات( (البقرة: ٢٠٣) إشارة إلى أيام منى، كما وردت الأحاديث الصحيحة الكثيرة في ذكر منى والمبيت بها، وكذلك كثرت الأحاديث الصحيحة الواردة في رمي الجمرات وكيفية الرمي، وفي الذبح والتقرب بالهدي، مما لا يدع مجالا للشك في صحة ذلك أو يسمح بالطعن فيها.
- أما التحلل فقد جاء عندهم بلا معنى؛ لأن التحلل لا يكون إلا من تقييد وحظر، وهؤلاء ترخصوا في كل مناسك الحج والعمرة، ثم شددوا في القليل من المناسك، ولم يكن ترخصهم أو تشددهم إلا لهدف واحد، وهو إفساد الحج على الحجاج وتضييع فريضتهم، وهؤلاء يرون أن التحلل ما هو إلا الذهاب إلى الحلاق للتزين، لكن التحلل المراد في الكتاب والسنة هو التحلل من محظورات الإحرام وممنوعاته، وهي ما يحرم على المحرم بحج أو عمرة حتى يحلق رأسه بمنى.
- وأما دعواهم أن العمرة لا تدل إلا على أننا يجب علينا أن نعمر المساجد، على أي أرض وجدت أو في أي زمان كانت، ويكون التعمير بالفرش والإضاءة والصلاة والذكر – فكلها وسائل تعمير عندهم، وقد أنكر هؤلاء شعائر العمرة ومناسكها التي دلت عليها نصوص الكتاب والسنة، وتواتر عليها السلف والخلف حتى يومنا هذا، وقد أوضحنا بما لا يدع مجالا للشك أن العمرة كما تعني التعمير، فإنها تعني أيضا الزيارة للبيت لأداء الشعائر والمناسك، وقد وردت بذلك الأدلة من الكتاب والسنة الصحيحة وأقوال السلف وأهل العلم، وتواتر على ذلك فعل المسلمين.
- إنه من الواجب على كل مسلم أن يؤمن بما جاء في الكتاب أو السنة الصحيحة، سواء علم الحكمة مما جاء فيهما أو لم يعلمها، وقد أشار كثير من العلماء إلى الحكمة من كثير من شعائر الحج والعمرة ومناسكهما، فقد أشار بعض العلماء إلى الحكمة من ملابس الإحرام فقالوا: إنها رمز للتجرد من كل شيء، ورحلة من البدايات إلى النهايات.
- أما الطواف الذي يتم في عكس اتجاه عقارب الساعة فهو نفس اتجاه حركة الكون من أدق دقائقه إلى أكبر وحداته. أما بالنسبة للرمل في الأشواط الثلاثة الأولى فهو إظهار للقوة، وإرهاب للأعداء، وشحذ للهمم، وحث للنفوس على الطاعة وعدم التواني عن أداء العبادة، وتنفيذ الأوامر الإلهية، وتوحيد للمسلمين على طريقة واحدة؛ لإقامة الشعائر والمناسك.
- أما السعي بين الصفا والمروة فكأنه سعي من الأزل إلى الحياة، كما أشار بعض العلماء إلى أن الصفا والمروة هما المغناطيس المصغر للكرة الأرضية، وأنه يشحن الإنسان الذي يسعى بين الصفا والمروة، وغير ذلك من الحكم وأوجه الإعجاز، كما أشار بعض العلماء إلى العلاقة الهندسية بين الطواف والسعي، وأشار آخرون إلى ملامح الإعجاز في الحجر الأسود، وماء زمزم، والوقوف بعرفة، وغير ذلك.
(*) اللعاب الأخير في مجال إنكار سنة البشير النذير صلى الله عليه وسلم، د. طه الدسوقي حبيشي، مكتبة رشوان، القاهرة، ط2، 1427هـ/ 2006م. شبهات وأباطيل منكري السنة، أبو إسلام أحمد عبد الله، مركز التنوير الإسلامي، القاهرة، ط2، 2006م.
[1]. يرمل: يهرول في مشيه.
[2]. السنة النبوية حجية وتدوينا، محمد صالح الغرسي، مؤسسة الريان، بيروت، ط1، 1422هـ/ 2002م، ص91: 97 بتصرف.
[3]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند بني هاشم، مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب عن النبي صلى الله عليه وسلم، (1/ 307)، رقم (2804). وصححه شعيب الأرنؤوط في تعليقه على المسند.
[4]. روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، الألوسي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، د.ت، (10/ 278).
[5]. الرد على من ينكر حجية السنة، د. عبد الغني عبد الخالق، مكتبة السنة، القاهرة، ط2، 1428هـ/ 2007م، ص417: 421 بتصرف.
[6]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الأذان، باب: الأذان للمسافرين ـ إذا كانوا جماعة ـ والإقامة…، (2/ 131، 132)، رقم (631).
[7]. صحيح: أخرجه أبو داود في سننه (بشرح عون المعبود)، كتاب: الزكاة، باب: في زكاة السائمة، (4/ 306: 308)، رقم (1565). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (1568).
[8]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الحج، باب: استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا، (5/ 2037)، رقم (3079).
[9]. في السنة النبوية ومصطلح الحديث، د. حسين سمرة، دار الهاني، القاهرة، 1427هـ/ 2006م، ص32 بتصرف. انظر: المدخل لدراسة السنة النبوية، د. يوسف القرضاوي، مكتبة وهبة، القاهرة، ط5، 1425هـ/ 2004م، ص70.
[10]. صحيح: أخرجه الدارقطني في سننه، كتاب: الأحباس، باب: في المرأة تقتل إذا ارتدت، (4/ 245)، رقم (149). وصححه الألباني في صحيح وضعيف الجامع الصغير برقم (5543).
[11]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: بدء الخلق، باب: ما جاء في سبع أرضين…، (6/ 338)، رقم (3197).
[12]. انظر: اللعاب الأخير في مجال إنكار سنة البشير النذير صلى الله عليه وسلم، د. طه حبيشي، مكتبة رشوان، القاهرة، ط2، 1427هـ/ 2006م، ص56، 57.
[13]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الجزية والموادعة، باب: كيف ينبذ إلى أهل العهد؟، (6/ 322)، رقم (3177).
[14]. صحيح: أخرجه أبو داود في سننه (بشرح عون المعبود)، كتاب: المناسك، باب: يوم الحج الأكبر، (5/ 293)، رقم (1943). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (1945).
[15]. الفقه الإسلامي وأدلته، د. وهبة الزحيلي، دار الفكر، دمشق، ط3، 1417هـ/ 1996م، (3/ 63: 65) بتصرف.
[16]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الحج، باب: قوله تعالى: ) الحج أشهر معلومات (،، (3/ 490) معلقا.
[17] . البرانس: جمع برنس، وهو: كل ثوب يتصل به غطاء الرأس (قبعة طويلة).
[18]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الحج، باب: ما لا يلبس المحرم من الثياب، (3/ 469)، رقم (1542).
[19] . السدر: شجر ينبت قرب العيون والأنهار، قليل الشوك.
[20]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الجنائز، باب: كيف يكفن المحرم؟، (3/ 164)، رقم (1267).
[21] . الورس: نبت أصفر طيب الرائحة، يصبغ به.
[22]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الحج، باب: ما لا يلبس المحرم من الثياب، (3/ 469)، رقم (1542).
[23]. انظر: تمام المنة في فقه الكتاب وصحيح السنة، عادل يوسف العزازي، دار العقيدة، القاهرة، ط3، 1427هـ/ 2006م، (2/ 349: 353) بتصرف.
[24]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: النكاح، باب: تحريم نكاح المحرم وكراهة خطبته، (5/ 2174)، رقم (3385).
[25]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الحج، باب: من صلى ركعتي الطواف خلف المقام، (3/ 570), رقم (1627).
[26]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الحج، باب: الرمل في الحج والعمرة، (3/ 550)، رقم (1604).
[27]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الحج، باب: من لم يستلم إلا الركنين اليمانيين، (3/ 553)، رقم (1609).
[28]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الحج، باب: استحباب استلام الركنين اليمانيين في الطواف دون الركنين الآخرين، (5/ 2007)، رقم (3008).
[29]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الحج، باب: التحميد والتسبيح والتكبير قبل الإهلال، (3/ 481)، رقم (1551).
[30]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الحج، باب: من أهل حين استوت به راحلته قائمة، (3/ 482)، رقم (1552).
[31] . يخب: يسرع في المشي.
[32]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الحج، باب: استلام الحجر الأسود…، (3/ 549)، رقم (1603).
[33]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الحج، باب: تقبيل الحجر، (3/ 555)، رقم (1611).
[34]. حسن: أخرجه أحمد في مسنده، مسند القبائل، حديث حبيبة بنت أبي تجزئة رضي الله عنها، رقم (27407). وحسنه شعيب الأرنؤوط في تعليقه على المسند.
[35]. حسن: أخرجه أحمد في مسنده، مسند القبائل، حديث امرأة رضي الله عنها، رقم (27503). وحسنه شعيب الأرنؤوط في تعليقه على المسند.
[36]. الفقه الإسلامي وأدلته، د. وهبة الزحيلي، دار الفكر، دمشق، ط3، 1417هـ/ 1996م، (3/ 169، 170).
[37]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: العمرة، باب: يفعل بالعمرة ما يفعل بالحج، (3/ 719)، رقم (1790).
[38]. تمام المنة في فقه الكتاب وصحيح السنة، عادل يوسف العزازي، دار العقيدة، القاهرة، ط3، 1427هـ/ 2006م، (2/ 368، 369) بتصرف.
[39]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الحج، باب: ما جاء في السعي بين الصفا والمروة، (3/ 586)، رقم (1645).
[40]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الحج، باب: وجوب الصفا والمروة، (3/ 581، 582)، رقم (1643).
[41]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الحج، باب: ما جاء في السعي بين الصفا والمروة، (3/ 586)، رقم (1647).
[42]. اللعاب الأخير في مجال إنكار سنة البشير النذير، د. طه حبيشي، مكتبة رشوان، القاهرة، ط2، 1427هـ/ 2006م، ص58.
[43]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، (12/ 41، 42)، رقم (7089)، وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند.
[44]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الحج، باب: استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا، (5/ 2037)، رقم (3079).
[45]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الصلح، باب: إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، (5/ 355)، رقم (2697). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الأقضية، باب: نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، (6/ 2677، 2678)، رقم (4412).
[46]. صحيح: أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب: المناسك، باب: من أتى عرفة قبل الفجر ليلة جمع، (2/ 1003)، رقم (3015). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه برقم (3015).
[47]. الفقه الإسلامي وأدلته، د. وهبة الزحيلي، دار الفكر، دمشق، ط3، 1417هـ/ 1996م، (3/ 174) بتصرف.
[48]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الصيام، باب: استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر وصوم يوم عرفة…، (4/ 1816)، رقم (2700).
[49]. الحمس: الشجاعة.
[50]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الحج، باب: الوقوف بعرفة، (3/ 602)، رقم (1664).
[51]. التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، (10/ 108).
[52]. زاد المعاد في هدي خير العباد، ابن قيم الجوزية، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وعبد القادر الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط8، 1405هـ/ 1985م، (1/ 54، 55).
[53]. قزح: اسم جبل بالمزدلفة.
[54]. حسن: أخرجه ابن خزيمة في صحيحه، كتاب: المناسك، باب: صيام المتمتع إذا لم يجد الهدي، رقم (2927). وحسنه الألباني في تعليقه على صحيح ابن خزيمة.
[55]. جمع: المزدلفة.
[56]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الحج، باب: ما جاء في أن عرفة كلها موقف، (5/ 1958)، رقم (2903).
[57]. صحيح: أخرجه أبو داود في سننه (بشرح عون المعبود)، كتاب: الصيام، باب: إذا أخطأ القوم الهلال، (6/ 316، 317)، رقم (2321). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (2324).
[58]. حسن صحيح: أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب: المناسك، باب: الذبح، (2/ 1013)، رقم (3048). وقال الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه برقم (3048): حسن صحيح.
[59]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (5/ 1958).
[60]. تمام المنة في فقه الكتاب وصحيح السنة، عادل يوسف العزازي، دار العقيدة، القاهرة، ط3، 1427هـ/ 2006م، (2/ 381).
[61]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (3/ 1).
[62]. تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، دار المعرفة، بيروت، 1400هـ/ 1980م، (1/ 244).
[63]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الحج، باب: سقاية الحاج، (3/ 573، 574)، رقم (1634).
[64]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م، (3/ 676، 677) بتصرف.
[65]. حسن: أخرجه أحمد في مسنده، باقي مسند الأنصار، حديث السيدة عائشة رضي الله عنها، رقم (24636). وحسنه شعيب الأرنؤوط في تعليقه على المسند.
[66]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الحج، باب: رمي الجمار بسبع حصيات، (3/ 679)، رقم (1748).
[67]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الحج، باب: من رمى جمرة العقبة فجعل البيت عن يساره، (3/ 679)، رقم (1749).
[68]. يسهل: ينزل إلى مكان منخفض.
[69]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الحج، باب: رفع اليدين عند جمرة الدنيا والوسطى، (3/ 682)، رقم (1752).
[70]. تمام المنة في فقه الكتاب وصحيح السنة، عادل يوسف العزازي، دار العقيدة، القاهرة، ط3، 1427هـ/ 2006م، (2/ 392، 393).
[71]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الحج، باب: يتصدق بجلال البدن، (3/ 651)، رقم (1718).
[72]. الفقه الإسلامي وأدلته، د. وهبة الزحيلي، دار الفكر، دمشق، ط3، 1417هـ/ 1996م، (3/ 297) بتصرف.
[73]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الحج، باب: تقليد الغنم، (3/ 639)، رقم (1701).
[74]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الحج، باب: الجلال للبدن، (3/ 642)، رقم (1707).
[75]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الحج، باب: النحر في منحر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمنى، (3/ 645)، رقم (1711).
[76]. اللعاب الأخير في مجال إنكار سنة البشير النذير، د. طه حبيشي، مكتبة رشوان، القاهرة، ط2، 1427هـ/ 2006م، ص62 بتصرف.
[77]. انظر: لسان العرب، مادة: عمر.
[78]. صحيح: أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب: المناسك، باب: الحج جهاد النساء، (2/ 968)، رقم (2901). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه برقم (2901).
[79]. تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، دار المعرفة، بيروت، 1400هـ/ 1980م، (1/ 230).
[80]. التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، (2/ 219).
[81]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الحج، باب: استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا، (5/ 2037)، رقم (3079).
[82]. حوار مع العالم: عبد الباسط محمد سيد، مقال منشور بموقع فرسان السنة.
[83]. الطواف حول الكعبة، د. زغلول النجار، مقال بموقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة بتصرف.
[84]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الحج، باب: كيف كان بدء الرمل؟ (3/ 548، 549)، رقم (1602).
[85]. صحيح البخاري بشرح فتح الباري، كتاب: الحج، باب: استلام الحجر الأسود حين يقدم مكة أول ما يطوف ويرمل ثلاثا، (3/ 549)، رقم (1603).
[86]. حوار مع العالم: عبد الباسط محمد سيد، مقال منشور بموقع فرسان السنة.
[87]. العلاقة الهندسية بين الطواف والسعي، د. يحيى وزيري، مقال منشور بموقع ملتقى المهندسين العرب.
[88]. انظر: حوار مع العالم: عبد الباسط محمد سيد، مقال منشور بموقع فرسان السنة.