دعوى اتخاذ الله – عز وجل – الولد
وجوه إبطال الشبهة:
1) الله منزه عن اتخاذ الولد، ولا يليق بجلاله ذلك؛ لانتفاء إمكان المشاركة في الألوهية.
2) كيف يكون لله ولد ولم يكن له زوج ينشأ الولد عن ازدواجه بها؟! وكيف يكون له ولد وهو لا كفء له، والولد كفء لوالده؟!
3) الله غني عن الولد بذاته فلا حاجة له إلى الولد كحاجة المخلوقين.
4) ليس هناك دليل ولا برهان لأولئك المفترين على دعواهم.
5) لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى من يشاء، وما جعل ذلك إليهم.
التفصيل:
أولا. الله – عز وجل – منزه عن الولد:
إن الله – سبحانه وتعالى – تقدس وتنزه عن اتخاذ الولد وتعالى عن ذلك علوا كبيرا، فهو – سبحانه وتعالى – له ما في السماوات وما في الأرض، وما بين ذلك من الأشياء، وهو الواحد الأحد الفرد الصمد، كل شيء عبد لديه وفقير إليه، وهو الغني عما سواه، فلا يصلح له ولا يليق به أن يتخذ ولدا لجلاله وعظمته؛ لأنه لا كفء له من خلقه، قال سبحانه وتعالى: )وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا (92)( (مريم)، وقال )سبحانه بل له ما في السماوات والأرض كل له قانتون (116)( (البقرة)، وقال سبحانه وتعالى: )سبحانه وتعالى عما يصفون (100)( (الأنعام)، وقال سبحانه وتعالى: )سبحان الله عما يصفون (159)( (الصافات)، وقال سبحانه وتعالى: )قل هو الله أحد (1) الله الصمد (2) لم يلد ولم يولد (3) ولم يكن له كفوا أحد (4)( (الإخلاص)، وقال سبحانه وتعالى: )سبحان الله عما يصفون (91) عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون (92)( (المؤمنون)، وقال سبحانه وتعالى: )هو الله الواحد القهار (4)( (الزمر)، وقال سبحانه وتعالى أيضا: )سبحان رب السماوات والأرض رب العرش عما يصفون (82)( (الزخرف).
وكلمة )سبحانه( التي تكررت في الآيات السابقة تفيد التنزيه مع التعجب مما ينافيه، فالذي يعرف الله – عز وجل – حق المعرفة ينبغي ألا يصدر عنه مثل هذا القول الذي يفيد بأن لله – عز وجل – جنسا يماثله – حاشا لله – فإن قائل ذلك لا يكون على أدنى علم بالله عز وجل، وإنما يكون زاعما فيه المزاعم، وظانا فيه الظنون بغير الحق، فإنه سبحانه لا جنس له فيكون له ولد منه، وهذا الولد الذي نسبوه إليه – عز وجل – لا بد أن يكون من العالم العلوي وهو السماء، أو من العالم السفلي وهو الأرض، ولا يصلح شيء منهما أن يكون مجانسا له عز وجل؛ لأن جميع ما في السماوات والأرض ملك له، قانت لعزته وجلاله، خاضع لقهره مسخر لمشيئته، فإذا كانوا سواء في كونهم مسخرين له بفطرتهم، منقادين لإرادته بطبيعتهم واستعدادهم، فلا معنى حينئذ لتخصيص واحد منهم بالانتساب إليه وجعله ولدا مجانسا له عز وجل، قال سبحانه وتعالى: )إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا (93)( (مريم). نعم، إن له – سبحانه وتعالى – أن يختص من شاء من خلقه بما شاء، كما اختص الأنبياء بالوحي، ولكن هذا التخصيص لا يرتقي بالمخلوق إلى مرتبة الخالق، وفي هذا رد على اليهود والنصارى في دعواهم أن عزيرا أو المسيح ابن الله؛ إذ كيف يكون ولدا لله، وهو لا يخلو إما أن يكون في السماوات أو في الأرض، ولله ملك ما فيهما، ولو كان كما يزعمون لم يكن كسائر ما في السماوات والأرض من خلقه وعبيده من حيث ظهور آيات الصنعة الربانية فيه.
ثانيا. كيف يكون لله ولد ولم يكن له زوج ينشأ الولد عن ازدواجه بها؟! وكيف يكون له ولد وهو لا كفء له، والولد كفء لأبيه؟!
إن الله – عز وجل – بديع السماوات والأرض، ولا شبه له ولا نظير، وإذا كان هو المبدع للسماوات والأرض، ولم يوصفا بكونهما من ولده وإنما هما من خلقه وكذلك الملائكة، وأولى بهذا وأجدر ألا يكون خلقه للمسيح من أم بغير أب مسوغا لجعله ولدا؛ إذ قصارى ذلك أن يكون إبداعا ما، وأثر هذا الإبداع وهو المبدع لا يسمى ولدا؛ إذ الولد ما كان ناشئا عن ازدواج بين ذكر وأنثى من جنس واحد، وليس له – عز وجل – جنس فيكون له منه زوج، ولذلك قال سبحانه وتعالى: )بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة( (الأنعام: ١٠١).
فكيف يكون له ولد وهو المبدع لكل شيء؟! والحال أنه لم يكن له زوج ينشأ الولد من ازدواجه – عز وجل – بها، ولا معنى للولد إلا ما كان كذلك، وإنما صدور جميع الكائنات السماوية والأرضية عنه صدور إيجاد إبداعي، فهو خلق كل شيء خلقا ولم يلده ولادة، فما خرقتم له من الولد مخلوق له لا مولود منه، فإن خرجتم عن وضع اللغة وسميتم صدور المخلوقات عنه ولادة، فكل ما في السماوات والأرض يكون من ولده، وحينئذ يفوتكم ما أردتم من تخصيص بعض المخلوقات بهذه المرتبة تفضيلا لها على غيرها، ولا يقول أحد منهم بهذا، وعلى هذا فآية سورة الأنعام السالفة فيها استدلال على نفي الولد من وجوه:
- أن من مبدعاته – عز وجل – السماوات والأرضين، وهي مبرأة عن الوصف بالولادة لاستمرارها وطول مدتها، فهو أولى بأن يتعالى عنها.
- أن الولد هو ما يتولد من ذكر وأنثى متجانسين، والله – عز وجل – منزه عن المجانسة.
- أن الولد كفء للوالد، ولا كفء له سبحانه؛ وذلك لوجهين:
- أن كل ما عداه – عز وجل – مخلوق فلا يكافئه.
- أنه – سبحانه وتعالى – عليم بكل شيء، وغيره ليس كذلك بالإجماع.
ثالثا. الله – سبحانه وتعالى – غني بذاته عن الولد:
وذلك لأن كل ما في الوجود من العالم العلوي والسفلي ملك وعبيد له، لا يحتاج منها إلى شيء، ويحتاج إليه كل شيء، ولا يشبهه أو يجانسه منها شيء، قال سبحانه وتعالى: )سبحانه هو الغني له ما في السماوات وما في الأرض( (يونس: ٦٨)، فالإنسان قد يحتاج إلى الولد لأمور؛ منها بقاء ذكره به وبذريته، ومنها أنه قوة وعصبة له يعتز به هو وعشيرته، ومنها أن وجوده زينة له في داره يلهو به في صغره، ويفاخر به أقرانه في كبره، ومنها أنه يحتاج إليه ربما لقضاء مصالحه وقضاء حوائجه، وقد يحتاج إلى بره ورفده عند عجزه أو فقره، والله – عز وجل – لا يحتاج إلى شيء من هذه المنافع؛ لأنه هو الغني عن كل شيء بذاته لذاته؛ أزلا وأبدا.
رابعا. بطلان دعوى هؤلاء المفترين لعدم قيام دليل عليها:
إن الدعوى الخالية من الدليل والعارية عن البرهان زعم وافتراء باطل لا أساس له من الصحة، وفي هذا من الجهل ما فيه، فهؤلاء المفترون ليس عندهم أي أثارة من دليل أو برهان أو سلطان أو حجة على ما يدعون، فلا دليل من علم أو وحي إلهي أو عقل يعارض تنزيه الله – عز وجل – وغناه المطلق عن الولد وغيره، قال سبحانه وتعالى: )إن عندكم من سلطان بهذا أتقولون على الله ما لا تعلمون (68)( (يونس)، وهذا استفهام تبكيت وتوبيخ على ما يزعمون بسبب الجهل والكفر، وفي هذا دليل على أن كل قول لا دليل عليه فهو جهالة وافتراء، وبهذا رد الله عليهم دعواهم هذه في مواطن عدة من كتابه، ثم أمرهم الله بأن يجيئوا ببرهان يكون مستندا إلى كتاب منزل من السماء يبين صدق ما ادعوه، فقال سبحانه وتعالى: )فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين (157)( (الصافات)، ولا يمكنهم أن يأتوا بشيء من ذلك دون شك؛ لأنه لا يستند إلى عقل ولا علم، بل لا يجوزه العقل بالكلية، وما هو إلا كذب عظيم، قال سبحانه وتعالى: )ما لهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا (5)( (الكهف)، وقال سبحانه وتعالى: )لقد جئتم شيئا إدا (89)( (مريم)، وقال أيضا: )ألا إنهم من إفكهم ليقولون (151) ولد الله وإنهم لكاذبون (152)( (الصافات).
خامسا. استحالة إرادته – سبحانه وتعالى – للولد:
بين الله – عز وجل – لهؤلاء المفترين أنه لو أراد أن يتخذ ما تقولوه عليه لاصطفى من شاء من عباده، وما جعله – عز وجل – إليهم، ولكنه سبحانه منزه عن الولد، وهذا شرط لا يلزم وقوعه ولا جوازه بل هو محال، وإنما قصد تجهيلهم فيما ادعوه وزعموه، قال سبحانه وتعالى: )لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار (4)( (الزمر)، فهذا الشرط مستحيل وقوعه لمقصد المتكلم،فجوابه ممتنع لامتناع شرطه، فتنزه وتقدس سبحانه أن يكون له ولد، وهو قد قهر الأشياء فدانت له وذلت وخضعت، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
الخلاصة:
- الله – عز وجل – منزه عن اتخاذ الولد، ولا يليق بجلاله ذلك؛ لانتفاء المشاركة في الألوهية.
- المشاهد والمعقول أن الولد ينشأ عن ازدواج بين ذكر وأنثى من جنس واحد، والله ليس كمثله شيء حتى يكون له منه زوج.
- المولى – عز وجل – لا كفء له، وهو غني عن الولد بذاته، فلا حاجة له إلى الولد كحاجة المخلوقين إليه.
- لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى من يشاء، وما أوكل ذلك إلى هؤلاء الجاحدين.
(*) الآيات التي وردت فيها الشبهة: (البقرة/ 116، الأنعام/ 100، يونس/ 68، الكهف/ 4، مريم/ 88، 91، الصافات/ 151، 152، التوبة/ 30، النحل/ 57، الأنبياء/ 26).
الآيات التي ورد فيها الرد على الشبهة: (البقرة/ 116، 117، النساء/ 171، 172، الأنعام/ 100، 101، يونس/ 68، الكهف/ 4، 5، مريم/ 30، 35، 89، 95، الصافات/ 149: 153، الزمر/ 4، التوبة/ 30، الإخلاص/ 1: 4، المؤمنون/ 91، 92، النحل/ 57، الطور/ 39، الزخرف/ 16، 81، الإسراء/ 111، الأنبياء/ 26، الفرقان/ 2، الجن/ 3).