دعوى اقتباس القرآن بعض التعابير من الإنجيل
وجوه إبطال الشبهة:
1) الموضوع الذي سيق لأصله النص الإنجيلي هو عدم دخول الغني ملكوت الله، وهذا حكم كاذب، أما الحكم في الآية القرآنية فيعبر عن عدالة الله وحكمته.
2) ما الذي يمنع أن يكون الحكم الإنجيلي هو المستفاد من القرآن الكريم، والمقتبس من الآية الكريمة بعد تشويهه ووضعه في غير موضعه؟! وما الذي يمنع أن يكون الحكم واحدا في أصل الكتابين خصوصا وأن هذا من أمور العقيدة التي لا تختلف من رسالة لأخرى، ولكن النصارى حرفوها كعادتهم إلى هذا المعنى الجديد.
3) إذا كان دين النصارى يحارب الغنى بهذه الصورة، فلماذا يرفلون في الغنى والثراء؟!
التفصيل:
أولا. الموضوع الذي سيق لأجله النص الإنجيلي هو عدم دخول الغني ملكوت الله، وهذا حكم كاذب، أما الحكم في الآية القرآنية فيعبر عن عدالة الله وحكمته:
إن الموضوع الذي سيق لأجله النص الإنجيلي هو عدم دخول الغني ملكوت الله، فإن كان المراد بـ “ملكوت الله” “ملكه” عز وجل، وهو المتبادر إلى الذهن من “ملكوت الله” فالحكم الإنجيلي كاذب؛ لأن جميع الخلق جزء من “ملكوت الله” وفي “ملكوت الله” )لله ملك السماوات والأرض وما فيهن( (المائدة: 120).
وإن كان المراد – في زعمهم – بـ “ملكوت الله” الحياة الأبدية، أي الفوز بالسعادة يوم القيامة، فالعبارة غير دقيقة، وعلى أية حال، فلماذا يستبعد الغني لمجرد غناه عن السعادة الأخروية، هل ذنبه أنه كدح وتعب واكتسب الحلال؟! إن السعادة مرهونة بالإيمان والعمل الصالح، والغني والفقير سواء في الحصول عليها، كما أن الشقاوة الأخروية ثمرة للكفر والتكذيب والطغيان والتكبر، سواء صدر ذلك من غني أو فقير، فلا الفقر لذاته منقبة،[1] ولا الغني لذاته مثلبة،[2] فالمؤمن راض بقضاء الله وقدره، فهو شاكر إذا اغتنى، صابر إذا افتقر، وكم من غني شاكر يفوق ملء الأرض من فقراء جزعين، وهذا هو حكم الآية القرآنية الذي يعبر عن عدالة ربنا – عز وجل – وحكمه وحكمته.
ثانيا. ما المانع أن يكون الحكم الإنجيلي هو المستفاد من القرآن الكريم؟!
لو أخذنا هذا الحكم الإنجيلي على علاته[3]، فما المانع أن يكون هو المستفاد من القرآن الكريم، أو أنه مقتبس من الآية الكريمة بعد تشويهه ووضعه في غير موضعه، فإن تعاقب الترجمات المختلفة على الأناجيل من لغة إلى لغة، ومن اللغة الثانية إلى الثالثة، وهكذا دواليك على مر القرون والأزمان المتباعدة – يرجح أن يكون مستفادا من التعبير القرآني، إلا إذا أثبت النصارى أن هذا التعبير مثل سائر، وكلمة مأثورة في ثقافة أمة سبقت أمة العرب التي نزل بلغتهم القرآن.
ثالثا. إذا كان دين النصارى يحارب الغنى بهذه الصورة، فلماذا يرفلون في الثراء؟!
إذا كان دين النصارى يحارب الغنى بهذه الصورة المنكرة، فهل اتبعوا دينهم وتركوا المال؟ هذا “النجس” الذي يحجب عن ملكوت الله؟! إن واقع الدين عندهم على النقيض من ذلك، فهم يرفلون في الغنى والثراء، لا من عرق جبينهم، ولكن مما فرضوه على أغنيائهم وكنائسهم، فمجالس الكنائس العالمية أغنى المؤسسات في العالم بفضل ما تبتزه من أموال الناس، ولا هم للكنيسة إلا جباية الأموال. يقول أحد كبار موظفي حكومة غانا: “بعد تفكير عميق قررت ألا تكون لي صلة بأية كنيسة، فالكنائس لا تكاد تساعدني في حل مشكلات غانا الروحية، وكل ما يلوح أن يهمها هو جمع المساعدات المالية” [4].
لا ريب إذن أن زعم اقتباس القرآن من الإنجيل لمجرد التشابه بين كلمتين لهو زعم لا يصدقه العقل، ولا يطمئن إليه قلب أو يقره الضمير، فليبحثوا عن عقول تصدق هذه المزاعم، كتاب كامل شامل بعقائده وأحكامه وكذلك ما فيه من العبادات والمعاملات والسياسات المختلفة، والأخبار الصحيحة وكل شيء فصل فيه تفصيلا، وأعجز العالمين بلغته وشكله ومضامينه – يحكم عليه بأنه مقتبس لمجرد تشابه بين كلمتين، مع أن استخدامهما كان في غرض غير الغرض الذي استخدمه كتابهم، أي عقل يصدق هذا؟!
الخلاصة:
- ما أبعد الفارق بين التعبير القرآني والتعبير الإنجيلي، فتعبير القرآن: )حتى يلج الجمل في سم الخياط( (الأعراف: ٤٠) دقيق رفيع، أما تعبير الإنجيل: “مرور جمل في ثقب إبرة” فهو تعبير سوقي ركيك، وهذا يدركه من له أدنى ذوق أدبي.
- حكم الإنجيل على “مرور الجمل من ثقب الإبرة” بالإمكان وليس بالاستحالة؛ لأنه قال “أيسر” فهو ممكن الحدوث، والآية القرآنية حكمها على “ولوج الجمل في سم الخياط” مستحيل، فإنها علقت دخول المكذبين الجنة على أمر مستحيل.
- الموضوع الذي سيق لأجله النص الإنجيلي هو عدم دخول الغني ملكوت الله، فهذا حكم كاذب، فإن السعادة مرهونة بالإيمان والعمل الصالح، والغني والفقير سواء في الحصول عليها، أم حكم الآية القرآنية فهي تعبر عن عدالة ربنا وحكمه وحكمته عز وجل.
- لو أخذنا هذا الحكم الإنجيلي على علاته، فما المانع أن يكون هو المستفاد من القرآن الكريم، والمقتبس من الآية الكريمة بعد تشويهه ووضعه في غير موضعه.
- مجالس الكنائس العالمية أغنى المؤسسات في العالم، بفضل ما تبتزه من أموال الناس، فأين اتباعهم لدينهم الذي يحارب الغنى بهذه الصورة المنكرة.
(*) مواجهة صريحة بين الإسلام وخصومه، د. عبد العظيم المطعني، مكتبة وهبة، القاهرة، ط2، 1425هـ/ 2005م.
[1]. المنقبة: الميزة.
[2]. المثلبة: العيب.
[3]. العلات: جمع علة، وهي المرض أو الضعف.
[4]. الأساليب الحديثة في مواجهة الإسلام، د. سعيد صالح، ص57.