دعوى الإيمان ببعض الأنبياء والكفر ببعضهم
وجها إبطال الشبهة:
1) الإيمان ببعض الأنبياء دون بعض هو تفريق بين الله ورسله، وهو كفر بالله ورسله؛ لأن:
-
-
- الإيمان واجب بكل نبي أرسله الله.
- من كذب رسولا فقد كذب جميع الرسل؛ إذ كل من عند الله.
-
2) المؤمنون حقا هم من يصدقون بجميع الرسل والكتب المنزلة.
التفصيل:
أولا. إيمان اليهود والنصارى ببعض الرسل دون بعض كفر بالله:
يتوعد الله – عز وجل – الكافرين به وبرسله من اليهود والنصارى الذين فرقوا بين الله ورسله في الإيمان، فآمنوا ببعض الأنبياء وكفروا ببعض بمجرد التشهي والعادة، وما ألفوا عليه آباءهم، لا عن دليل قادهم إلى ذلك، فإنه لا سبيل لهم إلى ذلك إلا الهوى والعصبية، قال سبحانه وتعالى: )أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا (151)( (النساء).
ومن رد القرآن على هؤلاء أن بين لهم أن إيمانهم ببعض الأنبياء وكفرهم ببعض إن هو إلا تفريق بين الله ورسله، فمن كفر بنبي من الأنبياء فقد كفر بسائر الأنبياء، فإن الإيمان واجب بكل نبي بعثه الله إلى أهل الأرض، فمن رد نبوة نبي للحسد أو العصبية، أو التشهي؛ فإن إيمانه بمن آمن به من الأنبياء ليس إيمانا شرعيا، إنما هو عن غرض وهوى وعصبية؛ ولهذا قال سبحانه وتعالى: )إن الذين يكفرون بالله ورسله( (النساء: 150)، فوسمهم بأنهم كفار بالله ورسله، )ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله( (النساء:150) في الإيمان؛ لأن من كذب رسولا فقد كذب الرسل جميعا.
قال سبحانه وتعالى: )وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم وجعلناهم للناس آية( (الفرقان: 37)، وإنما أرسل إليهم نوح – عليه السلام – فقط، وقوم عاد أرسل إليهم هود – عليه السلام – فقط، وقد أخبر الله عنهم فقال: )كذبت عاد المرسلين (123)( (الشعراء)، وقال الله سبحانه وتعالى: )كذبت ثمود المرسلين (141)( (الشعراء)، وقال: )كذبت ثمود بالنذر (23)( (القمر)، وقال سبحانه وتعالى: )كذبت قوم لوط بالنذر (33)( (القمر)، فمن كفر برسول وكذبه فقد كفر بالرسل جميعا وكذبهم؛ لذا أخبر الله عن هؤلاء بقوله: )أولئك هم الكافرون حقا( (النساء: 151) فكفرهم محقق لا محالة؛ لأن إيمانهم ببعض الرسل ليس شرعيا، إذ لو كانوا مؤمنين برسولهم لكونه رسول الله لآمنوا بنظيره، وكل من عند الله.
إن الإيمان وحدة لا تتجزأ.. الإيمان بالله إيمان بوحدانيته، ووحدانيته تقتضي وحدة الدين الذي ارتضاه للناس لتقوم حياتهم كلها – كوحدة – على أساسه، ويقتضي وحدة الرسل الذين جاءوا بهذا الدين من عنده – لا من عند أنفسهم ولا في معزل عن إرادته ووحيه – ووحدة الموقف تجاههم جميعا، ولا سبيل إلى تفكيك هذه الوحدة إلا بالكفر المطلق؛ وإن حسب أهله أنهم يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض! وكان جزاؤهم عند الله أن أعد لهم العذاب المهين أجمعين. قال سبحانه وتعالى: )أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا (151)( (النساء)[1].
ثانيا. المؤمنون يصدقون بجميع الأنبياء والمرسلين دون تفرقة:
لقد أرشد الله عباده المؤمنين إلى الإيمان بما أنزل عليهم بواسطة رسوله محمد – صلى الله عليه وسلم – وما أنزل على الأنبياء المتقدمين، وألا يفرقوا بين أحد منهم بل يؤمنوا بهم جميعا، ولا يكونوا كمن قال الله فيهم: )ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض( (النساء:150)، بل أمرهم كمسلمين فقال سبحانه وتعالى: )قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون (136)( (البقرة)، وقد استجابت أمة محمد – صلى الله عليه وسلم – لما دعاها إليه؛ ولذا مدحهم ربهم بقوله: )آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله( (البقرة: 285).
فالمؤمنون يصدقون بجميع الأنبياء والرسل والكتب المنزلة من السماء، لا يفرقون بين أحد منهم، فالجميع عندهم صادقون بارون راشدون هادون مهديون؛ لذا كان المسلمون هم الذين يشتمل تصورهم الاعتقادي على الإيمان بالله ورسله جميعا بلا تفرقة، فكل الرسل عندهم موضع اعتقاد واحترام، وكل الشرائع السماوية عندهم حق ما لم يقع فيها التحريف، فلا تكون عندئذ من دين الله، وإن بقي فيها جانب لم يحرف، إذ إن الدين وحدة، وهم يتصورون الأمرـ كما هو في حقيقته – إلها واحدا، ارتضى للناس دينا واحدا؛ ووضع لحياتهم منهجا واحدا، وأرسل رسله إلى الناس بهذا الدين الواحد وهذا المنهج الواحد وموكب الإيمان – في حسهم – موصول، يقوده نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وإخوانهم من الرسل – صلوات الله وسلامه عليهم جميعا – ونسبهم هم إلى هذا الموكب الموصول عريق؛ وهم حملة هذه الأمانة الكبرى، وهم ورثة هذا الخير الموصول على طول الطريق المبارك. لا تفرقة ولا عزلة ولا انفصام، وإليهم وحدهم انتهى ميراث الدين الحق، وليس وراء ما عندهم إلا الباطل والضلال.
وهذا هو الإسلام الذي لا يقبل الله غيره من أحد، وهؤلاء هم المسلمون الذين يستحقون الأجر من الله على ما عملوا، ويستحقون منه المغفرة والرحمة فيما قصروا فيه: )أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفورا رحيما (152)( (النساء).
والإسلام إنما يتشدد هذا التشدد في توحيد العقيدة في الله ورسله؛ لأن هذا التوحيد هو الأساس اللائق بتصور المؤمن لإلهه كما أنه هو الأساس اللائق بوجود منظم، غير متروك للتعدد والتصادم؛ ولأنه هو العقيدة اللائقة بإنسان يرى وحدة الناموس في هذا الوجود أينما امتد بصره، ولأنه هو التصور الكفيل بضم المؤمنين جميعا في موكب واحد، يقف أمام صفوف الكفر، وفي حزب واحد يقف أمام أحزاب الشيطان.
ولكن هذا الصف الواحد ليس هو صف أصحاب الاعتقادات المحرفة – ولو كان لها أصل سماوي – إنما هو صف أصحاب الإيمان الصحيح والعقيدة التي لم يدخلها انحراف[2].
الخلاصة:
- إذا كان جميع الأنبياء والرسل من عند الله تعالى، فما العلة وراء الإيمان ببعض والكفر ببعض، طالما أن مصدرهم واحد وهو الله عز وجل.
- المؤمنون حقا هم من يصدقون بجميع الرسل والكتب المنزلة، فمن كذب واحدا منهم فقد كذب جميع الرسل.
- الإيمان واجب بكل نبي أرسله الله.
(*) الآيتان اللتان وردت فيهما الشبهة: (النساء/ 150، الحجر/ 91).
الآيات التي ورد فيها الرد على الشبهة: (النساء/ 151، 152، البقرة/ 136، 285، آل عمران/ 84، 85).
[1]. في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق، مصر، ط13، 1407هـ/ 1987م، ج2، ص798.
[2]. في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق، مصر، ط13، 1407هـ/ 1987م،ج2، ص798.