دعوى المساواة الكاملة بين الذكر والأنثى
وجه إبطال الشبهة:
لقد أشار القرآن الكريم في قوله سبحانه وتعالى: )وليس الذكر كالأنثى((آل عمران: ٣٦)، إلى وجود اختلافات عديدة بين الجنسين، فالذكر والأنثى غير متساويين، وإنما لكل واحد منهما طبيعته ومهمته في الحياة، حتى يكمل أحدهما الآخر، ولا يعني هذا الاختلاف تمييز أحدهما عن الآخر، بل هو مراعاة للفروق الهائلة بين الجنسين، والتي كشف العلم الحديث عنها؛ حيث أثبتت الدراسات العلمية أن الفروق بين الجنسين تشمل كل النواحي: التشريحية والوراثية، وبنية الدماغ والناحية النفسية، وغير ذلك على جميع المستويات؛ مما يؤكد أن دعاوى المساواة بين الرجل والمرأة دعاوى منحرفة، لا تتناقض مع الدين فحسب، بل مع العلم والفطرة الإنسانية كذلك.
التفصيل:
1) الحقائق العلمية:
- اختلاف الذكر عن الأنثى:
لمئات السنين لم يكن للمرأة حظٌّ كبيرٌ في مشاركة الرجل في العمل، ولكن في القرن الثامن عشر الميلادي تبلورت حركة الديمقراطية، وحركة مساواة المرأة بالرجل في أوربا وأمريكا، فتصاعدت صيحات واسعة النطاق بأن موقع المرأة ليس البيت لإدارة الأسرة فحسب، إنما في مواقع أخرى من المجتمع تشترك فيها مع الرجل على حدٍّ سواء، بحيث اشتدَّت تلك المناداة في دول أوربية حتى حلَّت المرأة محل الرجل في العمل في مواقع عديدة؛ فانعكست الصورة، فصار موقع بعض الرجال البيت، وموقع غالبية النساء العمل.
ونحن في هذا الصدد لا نعالج قضية مساواة المرأة بالرجل من حيث الواجبات والحقوق، وإنما نقدِّم الثوابت العلمية، والأدلة على أن المرأة كائن آدمي من نوع، والرجل كائن آدمي من نوع آخر، وإن كانا يمثِّلان كلاهما الجنس البشري، ويكمل أحدهما الآخر([1]).
وفي بداية الأمر يمكن القول بأن الرجل والمرأة يختلفان كل الاختلاف في نوعية كفاءتهما الطبيعية، وفي خصائصهما النفسية، واعتبارهما متساويين مساواة مطلقة ـ إنما هو مخالفة كبرى لسنن الله في خلقه؛ فقد أثبتت مجموعة من الدراسات الطبية المتعددة أن كيان المرأة النفسي والجسدي قد خلقه الله سبحانه وتعالى على هيئة تخالف تكوين الرجل، وقد بُني جسم المرأة ليتلاءم مع وظيفة الأمومة ملاءمة كاملة، كما أن نفسيتها قد هُيِّئت لتكون ربة الأسرة وسيدة البيت([2]).
ونحن فيما يلي نتعرض بالتفصيل لأهم الفروق الخلقية والعقلية والنفسية بين الرجل والمرأة، لعل دعاة المساواة المطلقة بين الجنسين يجدون في حقائق العلم وأدلة العقل ما يدلهم على صدق حقائق الشرع وأدلته.
- الاختلاف بين الذكر والأنثى في الشكل الخارجي:
من الثابت علميًّا أن الأنثى البالغة من بنات حواء ـ بصفة عامة ـ أصغر حجمًا من نظيرها الذكر؛ فهي أقصر في الطول، وأقل في الوزن بنحو (10 : 15 %) في المتوسط، وهما كذلك يختلفان في منابت الشعر، وأحجام كل من الرأس والعنق والذقن والصدر، وطول كل من الأطراف والأصابع والجذع الأعلى، وفي قوة الاحتمال بصفة عامة([3]).
هذا بالإضافة إلى أن جسم المرأة له قابلية أكثر لتخزين الشحم؛ إذ إن كل جسمها قابل لتجميع الدهون على صورة شحم، في حين أنه يتجمع في مناطق معينة عند الرجل في البطن والأرداف، وتبلغ نسبة الشحم عند الرجل (18%) من وزنه وعند المرأة (28%).
ويمكننا أن نلاحظ العلاقة بين النسيج العضلي والنسيج الدهني؛ فعضلات المرأة تقلُّ في القوة عن عضلات الرجل بمقدار (25%)، كما أن الرجل بمقدوره زيادة قوة عضلاته بممارسة الألعاب الرياضية بنسبة (8%)، في حين أن المرأة لا يمكنها ذلك إلا بمقدار (4%) فقط([4]).
- الاختلافات في الصفات التشريحية:
يختلف كل من الذكر والأنثى البالغين في صفاتهما التشريحية اختلافًا بيِّنًا، خاصة في تركيب الجهاز البولي التناسلي، ومما يستتبعه في الأنثى البالغة من الدورة الشهرية، والحمل، والوضع، والنفاس، والإرضاع، وغير ذلك من مسئوليات الأمومة.
ويختلف الجنسان كذلك في حجم كل من المعدة والكليتين، والزائدة الدودية، وكلها أكبر حجمًا في الأنثى البالغة عنها في نظيرها الذكر البالغ، بينما يتفوَّق هو في حجم كل من الرئتين، والقلب، والكبد، والعضلات؛ فالقلب في الأنثى البالغة أصغر حجمًا عن نظيرها الذكر بنحو 25%، وعدد ضرباته أسرع بنحو 10%، وضغطه أقل بنحو 10مم زئبق.
ويختلف الجنسان أيضًا في تركيب الدم وصفاته الطبيعية والكيميائية، ورئتا الأنثى البالغة أقل حجمًا من رئتي نظيرها الذكر بنحو 25: 30%، وحجم كبدها أصغر بنحو 20%، وكتلة عضلاتها تبلغ نصف كتلة عضلات نظيرها الذكر، كما أن عدد كُريَّات الدم الحمراء تقل بنسبة 20% في الإناث عن نظائرها من الذكور([5]).
فلقد أثبتت الفحوصات المخبرية أن التركيز العددي للخلايا الدموية الحمراء عند الرجال (4,5 ـ 6 مليون/مم3)، بينما عند النساء (3,9 ـ 5,6 مليون/مم3)، كما أن التركيز العددي للخلايا الدموية البيضاء عند الرجال (4000 ـ 8000 كُرية / مم3)، وعند النساء (4000 ـ 7000 كرية/مم3)، أما نسبة الهيموجلوبين عند الرجال (13,5 ـ 18 جم/سم3)، وعند النساء (11,5 ـ 16,5 جم/سم3)، والكسر الحجمي عند الرجال (40 ـ 54%)، وعند النساء (36 ـ 47%)، وغير ذلك من الفحوص المختبرية التي تظهر التفرقة بين الذكور والإناث في كل ورقة فحص مختبري([6]).
- الاختلافات في تركيب الدماغ وبقية الجهاز العصبي:
الذكر والأنثى ليسا مختلفين في الخصائص البنيوية الجسدية فحسب؛ وإنما فيالخصائص البنيوية العقلية أيضًا، والتي من شأنها تقرير أنماط سلوك كل من الجنسين فيمختلف مجالات الحياة، حتى إن المكتشفات العلمية الحديثة أظهرت أن دماغ الأنثى أقلُّ وزنًا من دماغ الذكر؛ حيث يزن دماغ الأنثى في المتوسط (44 أونس)، أو ما يعادل (2‚1245جرام)، بينما يزن دماغ الذكر في المتوسط (49 أونس)؛ أي ما يعادل (7‚1386 جرام).
بيَّنت الدراسات أن حجم دماغ الرجل أكبر من حجم دماغ المرأة عند العمر نفسه، وذلك بعشرة إلى عشرين بالمئة، وهذه الزيادة عند الرجل في حجم دماغه تجعله مختلفًا عن المرأة في الكثير من العمليات الدماغية
هذه البحوث المتطورة حديثة العهد لم تظهر إلى الوجود سوى في العقود الثلاثة الأخيرة؛فباحثون أطباء، وعلماء، ونفسانيون، واجتماعيون، عملوا على تقديم مجموعة نتائج كوَّنت معًا صورة متساوقة لافتة النظر عن اللاتماثل بين الجنسين من حيث بنية الدماغ؛ إذ أفرزت بحوثهم أدلة قوية على الاختلاف الحاصل بين بنية دماغالمرأةوبنية دماغالرجل من ناحية، وبين عمليات تفاعل الهرمونات مع دماغالمرأةوعمليات تفاعلالهرمونات مع دماغ الرجل من ناحية أخرى؛ حيث يأخذ هذا الاختلاف مأخذه منذ بداية حياة الإنسان، وهو في رحم أمه جنينًا.
وبكلمة مقتضبة، تبيَّن أن دماغ الرجل مُصمَّم للتعامل مع معلومات بصرية ومكانية؛ وللتعليل في الرياضيات أي في التحليل والتنظير،ويتميز بالتركيز في وقت ما على أمر واحد، أما دماغالمرأةفمصمم للتعاملمع مهارات متضمنة تفاصيل، كالطلاقة الشفهية، ونشاطات تعاقبية متوالية، ونشاطات اجتماعية أُلفية، ويتميز بالتفكير في وقت ما على عدة أمور؛ أي التشتت في التفكير.
ولكن ما السرُّ البيولوجي المسبِّب لهذا التبابين بين المرأة والرجل؟
إن السر يكمن في هذا الهرمون المُسمَّى “هرمون الذكورة التستسترون” (Testosterone)، فهو المسبب الرئيسللاختلافات البيولوجية بين الجنسين؛ فخَلْق الرجل يحمل هرمون التستسترون عشرةأضعاف الذي تحمله المرأة.
فمن جرَّاء التباين الجوهريفي الدماغ، وعمليات الهرمونات لكل من الجنسين،تبدأ الفوارق بين الذكر والأنثى في رحمالأم، وتظهر للعالم منذ الولادة، تقول الباحثة “آن موير”Anne Moir([7]):
“إنها إحدى القصص الآسرة للحياة والخلق؛ قصة مطوَّية على نطاق واسع؛ولكن الآن وأخيرًا بدأت تتجلَّى في كُليتها، نحن نعرف أن الجينات تحمل مخططًامرموزًا لخصائصنا في الحمض النووي (D.N.A)، التي تجعل منا ذكرًا أو أنثى؛ فأي خلية مجهرية من جسم رجل تختلف عن أي خلية مجهرية من جسم امرأة؛ لأن كل خلية من كياننالها مجموعة مختلفة من الصبغيات/الكروموزومات من داخلها، متوقفًا على كوننا ذكرًا أم أُنثى”.
الهرمون الذكري التستسترون وتعيين جنس الدماغ:
الهرمونالذكري التَّستسترونTestosteroneأو هرمون منشط الذكورة هو المؤثِّر الأكبر علىالدماغ وبقية الجهاز العصبي المركزي، فيقوم بدور تحديد جنس الدماغ ابتداء من طور الجنين في رحم أمه وحتى تدفق هرمونات الحُلُم في سن البلوغ؛ حيث تتحدَّد مستويات الجنس لدماغ الجنين نسبة إلى كمية هذا الهرمون في الرحم، والذي تفرزه الخصية أصلًا، ومن ثم تتحدد الاختلافات في السمات العقلية بين الجنسين؛ كنمط الإدراك، والقابلية والاستعداد، والاهتمام، ونحو ذلك.
وقد قام عالما الوراثة “موير”Moir و”جيسيل” Jessel بإجراء 65 دراسة حول الدور الذي يقوم بههرمون التَّستسترون في تحديد الجنس؛ إذ أعطت تلك الدراسات برهانًا حاسمًا على أنهذا الهرمون هو المفتاح في تطوُّر جنس الدماغ إلى ذكري أو أنثوي؛ ففي الأسبوع السادسالذي يلي الحمل، يتحدد نهائيًّا نوع الجنس بكمية الهرمون الذكري التستسترون فيالرحم، فإذا كانت المُضغة أنثى(XX)ولا تتعرض لكمية كبيرة من هذا الهرمون فيالرحم، فسيكون الجنين أنثى من حيث المظهر والدماغ معًا، أما إذا تعرضت المضغة الأنثوية إلى كمية قليلة من هذا الهرمون، فستكون النتيجة بدن أنثوي بدماغ ذكري، على حين يؤدي تعرض المضغة إلى كمية كبيرة من الهرمون الذكري إلى أن يكون بدن الجنينذكراً ودماغه ذكرًا أيضًا، حتى لو كانت الكروموسومات أصلًا أنثوية (XX)، ذلك بإطلاقهذا الهرمون تعليمات إلى بدن الجنين بعدم تطوير جهاز تناسلي أُنثوي.
فهرمون التستسترون المفتاح في تطوُّر دماغ أيٍّ من الجنسين إلى دماغ ذكري أو دماغ أنثوي أو ما بين الجنسين؛ فنجد نساء ذوات دماغ ذكري؛ لارتفاع هذا الهرمون عندهن عن المستوىالمعتدل.
التفاوت بين دماغ الذكر والأنثى:
أظهر البحث العلمي الحديث التفاوت في تطوُّر الدماغ بين الجنسين خلال السنين الأولى من عمر الطفل (من الأشهر الأولى وحتى سن الخامسة)، فتبيَّن في تجربة أُجريت على 200 طفل أن دماغ البنينيتطور أسرع من دماغ البنات في التخصص، وفي القدرة على إنجاز أعمال ذات طابع مكاني، وأظهرت التجربة فيما يتعلق باللغة أن البنات تتفوق على البنين في تعلُّمها، كما تتعلم البنات اللغة أبكر من البنين، وعلى وجه العموم، البنين أبطأ منالبنات في فهم اللغة واستعمالها.
وأظهرت دراسة أخرى أن البنات أقل استعدادًا من البنين في تعلم الرياضيات واستيعابها في مستويات عليا من الدراسة؛ لذلك وُجد المعدل 13 ذكورًا إلى 1 إناث في صفوف الدراسات العليا للرياضيات الأمريكية.
والتباين ليس في تطور الدماغ بين الجنسين فحسب؛ إنما في انحلال خلاياه أيضًا، فدماغالإناث يمتد أطول عمرًا من الذكور في المطاوعة أو الليونة Plasticity، أي بقاء دماغالإناث مفتوحًا للنمو والتغيير لسنين أكثر في النساء من الرجال، ويسبق الذكورالإناث في انحلال أو تفسُّخ الخلايا العصبية بعشرين سنة، على الرغم من أن معدل فقدانتلك الخلايا أعظم في الإناث منه في الذكور.
دماغ الذكر والأنثى مختلفان بنيويًّا:
تمكَّنت مجموعة من علماء الجهازالعصبي في أمريكا بعد سنين من البحث من التوصُّل إلى استنتاجات عميقة؛ فتبيَّن أن دماغالذكر ودماغ الأنثى مختلفان، ليس من حيث أداء عمليات عقلية فحسب، إنما هما مختلفانبوضوح أيضًا من حيث بنيتيهما.
وأضيفت إلى بحوث الأمريكان للجهاز العصبي بحوث كنديينأمثال “ستيوارت” من جامعة كونكورديا بمونتريال، و”كولب” من جامعة ليثبريدج في ألبرتا، جميعهم اتفقوا على أن بنية الدماغ تأخذ خطوطًا متباينة بين الذكر والأنثى منذالأيام الأولى من حياتهما، إلى أن تظهر بكل وضوح عند بلوغ سن الرشد، فتفسِّر هذه الفوارق البيولوجية بجلاء العمليات المنهجية المختلفة التي يقوم بها كلٌّ من دماغ الذكر والأنثى؛ فدرجة التركيز Concentration أو عكسه؛ أي: التشتُّتDispersion فيالتفكير لدماغيالمرأة والرجل مختلفة فيما يتعلق بأداء عمل ما؛ فالرجال يركِّزون على أداء عمل معين، ولا يصرف انتباههم عن ذلك معلومات طارئة أو زائدة؛ عكس النساء، فقابلية التركيز أقل منها في الرجال،فيغلب التشتت على تفكيرهن.
وثبت لعدة باحثين نفسانيين أن الرجال يفوقون النساء في القابلية المكانية؛ أي: المكان جزء مهم من أداء الأعمال، فتبين لهم أيضًا أن هذه القابلية عند النساء يسيطر عليها جانبا الدماغ معًا؛ مما يزيد درجة التشتت ويقلِّل مندرجة التركيز، ويزيد من درجة النسيان،لذا تجد مثلًا مهندسات معماريات أقل منالرجال.
فالخلاصة إذًا أن دماغ الرجل يعطيه قابلية متميزة عنالمرأةفي التركيز علىالشيء المراد إنجازه، بينما دماغالمرأةلا يساعدهاكثيرًا على التركيز بل التشتت في الأفكار([8]).
اختلاف تنظيم الدماغ عند كل من الرجل والمرأة:
إن الأبحاث العلمية خلال العشرين سنة الماضية تشير إلى أن الجانب الأيسر من دماغ الرجل مخصَّص للغة والمخاطبة، بينما الجزء الأيمن من هذا الدماغ متخصص في التخيُّل والتأمل، ونتيجة لهذه التجزئة فإن حصول جلطة في الجانب الأيسر من دماغ الرجل يشلُّ في الغالب قدرته على التحدث، أو القدرة على المخاطبة، بينما حصول هذه الجلطة في الجانب الأيمن من دماغه لا يعطِّل قدرة المخاطبة، وهذا يؤكد أن الجانب الأيسر من دماغ الرجل مهم جدًّا للمخاطبة والتحدث، بينما الجانب الأيمن ليس بهذه الأهمية للتحدُّث، ولكن هل ينطبق هذا التصنيف الدماغي على المرأة؟
إن تنظيم دماغ المرأة مختلفٌ عن الرجل؛ وذلك لأن التجزئة المشاهَدة في دماغ الرجل ـ والتي ذكرناها سابقًا ـ غير موجودة عند المرأة التي تتصف وظائف الدماغ عندها بالانتشار في كل الدماغ وعدم التركيز، ونتيجة لذلك فقد لُوحظ أن حدوث جلطة في الجزء الأيمن من دماغ المرأة يقلِّل من قدرتها على التخاطب بنسبة قليلة جدًّا، وكذلك الحال لو حصلت الجلطة في الطرف الأيسر من دماغها، وهذا سببه أن المرأة تستخدم جانبي الدماغ في المخاطبة وليس جانبًا واحدًا كما هو الحال في الرجل.
كما أن هناك تفاوتًا في نمو أجزاء المخ في الجنسين؛ حيث إن بعض هذه الخلايا ينمو وينضج بمعدلات أكبر عند الإناث كخلايا اللغة، بينما هناك خلايا تنمو وتنضج بمعدلات أكبر لدى الذكور كخلايا التصويب.
ومن انعكاسات هذا الاختلاف في تنظيم الدماغ هو كون الأولاد أكثر ميلًا للمخاطرة من البنات؛ وذلك لأن الأولاد لديهم ميل للمبالغة في قدراتهم، بينما العكس هو الصحيح في حالة البنات، ومن أمثلة ذلك أن كثيرًا من الذين يغرقون في المياه هم من الذكور وليس من الإناث؛ لأن الذكور يبالغون في تقديرهم لقدرتهم على السباحة, ويعزو العلماء هذا السلوك إلى فوارق في تركيبة نظام الأعصاب لدى الجنسين([9]).
الجسم الجاسئ:
“وثمة فرق بنيوي أساسي آخر اكتُشف بعد اختبارات على 14 امرأة أجراها علماء أعصاب، يتعلق بالجسم الجاسئ CorpusCallosum، وهو كتلة ألياف عصبية موصلة تربط شطري الدماغ نصف الكرويين، فتبيَّن اختلاف واضح في هذا الجسم الموصل عند دماغي الجنسين؛ ففي الإناث (الصورة العليا) هو أسمك، وأكثر انتفاخًا ووزنًا، وبصلي الشكل منه في الذكور (الصورة السفلية)، حيث يعمل على نقل معلومات وتبادلها مروريًّا بين نصفي الدماغ بكميات أكبر في الإناث مما في الذكور.
هذا الفرق البنيوي بين دماغي الإناث والذكور من شأنه أن يمدَّ قدرات واستعدادت إضافية للإناث، وينقصها قدرات أخرى، فيجعل هذا الفارق الأساسي المرأة أكثر طلاقة ووضوحًا من الرجل في التعبير الملفوظ، يساعدها في أعمال تتطلب التقريب بين يديها والتنسيق بينها كما في الحياكة والتطريز والأعمال المنزلية، على حين ينقصها القدرة على التركيز في الأداء، الذي يُعزَى إلى الانتشار والتشتت في أفكارها، كما يعزِّز ازدياد سمك الجسم الجاسئ ووزنه قابلية المرأة على الربط الذهني بين الأشياء والأفكار، وعلى الإدراك والتواصل بصورة ملفوظة ممزوجة بانفعالات ومشاعر؛ هذا الفرق ربما يدلُّنا على مفتاح سر غامض للمرأة هو تفوقها على الرجل في الحدس أو البديهة.
ولما كان الجسم الجاسئ أشبه بجسر يحمل معلومات مارة بين شطري الدماغ، فيجعل هذا الجسر دماغ المرأة وكأنما يتكلم مع ذاته Talk to itself بدرجة أعلى من دماغ الرجل؛ حيث يُحدث التحاور التلقائي لدماغ المرأة خلفية مُشوَّشة لا سيطرة لها عليها، مما يجعل الانتشار أو التشتُّت خاصية لتفكيرها، ويعيقها من التركيز على تأدية عمل واحد في آن واحد.
وهناك فوارق بنيوية أخرى بين دماغي الذكر والأنثى عبَّرت عنها عالمة الأعصاب “كيميورا” Kimura بقولها: عند اعتبار الفوارق مجتمعة تعطينا بيناتها بأن أدمغة الرجال والنساء كانت انتظمت على خطوط مختلفة منذ السنين الأولى من العمر”([10]).
- الفروق الوراثية بين الذكر والأنثى:
يختلف الجنسان ـ الذكر والأنثى ـ اختلافًا بيِّنًا على مستوى الخلية؛, ففي حالة الذكر تحتوي كل خلية جسدية على (44) صبغيًّا جسديًّا + (صبغيين) تناسليين هما (X) الذي يحمل صفات مؤنثة, (Y) الذي يحمل صفات الذكورة, وذلك فيما عدا خلايا التكاثر ـ الحيامِن ـ التي يحمل كل منها: (22) صبغيًّا + (X) أو (22) صبغيًّا + (y).
وفي المقابل تحمل كل خلية جسدية في الأنثى (44) صبغيًّا + صبغيين تناسليين (X) و(X)، بينما تحمل البييضة نصف هذا العدد (22) صبغيًّا + (X).
والحيمن الذي يحمل شارة التذكير (Y)يختلف في شكله ومميزاته عن ذلك الذي يحمل شارة التأنيث (X),؛ فالأول أكثر لمعانًا ووميضًا، وإن كان أصغر حجمًا، وهو مُدبَّب الرأس, والثاني أكبر حجمًا, وأقل ضخامة في الرأس([11]).
ليس هذا فحسب، ولكن الحيوان المنوي الذي يحمل شارة الذكورة أسرع حركة، وأقوى شكيمة في الغالب من الحيوان المنوي الذي يحمل شارة الأنوثة، فالحيوان المنوي المذكر يسير حثيثًا حتى يصل إلى موضع البويضة في 6 ساعات تقريبًا.
وأما الحيوان المنوي الذي يحمل شارة الأنوثة فيسير بطيئًا في الغالب، ولا يصل إلى موضع البويضة إلا بعد أكثر من اثنتي عشرة ساعة، وربما وصل في أربع وعشرين ساعة([12]).
وهذا الاختلاف ـ بين الحيوانات المنوية التي تحمل شارة الذكورة، والأخرى التي تحمل شارة الأنوثة ـ هو ما يفسِّر اختلاف جسدي كل من الذكر والأنثى من الوجهة الشكلية والتشريحية والوظيفية، على مستوى كل من الخلية والنسيج والعضو والجهاز والجسد كله, كما يفسِّر التباين في القدرات العقلية والعاطفية والسلوكية وغير ذلك([13]).
- تباين أجهزة الحواس بين الذكور والإناث:
بالعودة إلى اختلاف تكوين أجهزة الحواس بين الجنسين، يؤكِّد الباحثون أن حواس الإناث والذكور تعمل أحيانًا بأشكال متباينة، والدراسة التي قام بها الطبيب والمعالج النفسي الأميركي “ليونارد ساكس”، تشير إلى وجود صلة وثيقة بين تكوين أجهزة الحواس، وبين نمو القدرات الإدراكية والسلوك والفكر التحليلي، وهذا يعود إلى أن المرأة قد ترى في المشهد نفسه أو اللوحة ألوانًا لا يراها الرجل، وتسمع في الأغنية نفسها ألحانًا تختلف أصداؤها وإيقاعاتها عن تلك التي تصل إلى أذنيه، وقد تستمتع بروائح لا تصل إلى أنفه، ومن ثم تكوِّن معلومات تختلفعن المعلومات التي يتلقاها دماغه، واللافت أن آخر الدراسات التي أُجريت على ذكور الفئران وإناثها، أفادت أن شبكية أعين الذكور مزوَّدة بخلايا كثيفة لمراقبة سرعة الحركة، بينما ثبت أن شبكية أعين الإناث هي أكثر فعالية لجمع المعلومات المتعلقة بالأشكال والألوان، وإذا ما أخذنا بالحقيقة العلمية التي تؤكِّد على الشبه الشديد بين سلوك الفئران والبشر، ندرك سبب انجذاب الأطفال الذكور إلى الدُّمَى المتحركة أكثر منالأطفال الإناث، واللواتي يجدن متعة في اقتناء الدمى الملونة.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن اضطراب الحركة الزائدة المرتبط بنقص التركيز عند صغار الذكور ـ وخصوصًا خلال سنوات الدراسة الأولى ـ تنجم عمومًا عن ضعف حاسة السمع، والتي تقوى تدريجيًّا مع تطوُّر النمو. ويشير “ساكس” إلى أن الطرق التربوية القديمة التي كانت تقضي بفصل الذكور عن الإناث في المدارس، وخصوصًا في المراحل الابتدائية، كانت تراعي بالفطرة المعطيات العلمية لهندسة أدمغة الجنسين وأجهزة حواسهم([14]).
وإليك موجز للفوارق بين الذكر والأنثى من هذا الجانب:
السمع: تتفوَّق الإناث على الذكور في حاسة السمع، بما يعادل الضِّعف تقريبًا؛ ولذلك تجد الأطفال الإناث يتعلمن النطق قبل الذكور، كما تتعلم الإناث اللغات أســرع من الذكور بسببتفوقهن في الســمع، وفي الذاكـرة اللفظية Verbal memory؛ ومن ثم فثلاثة أرباع طلاب اللغات الأجنبية في جامعات أمريكا هم من الإناث.
الإبصار: يتفوق الذكور على الإناثفي الإبصار لمسافات بعيدة، وفي الإدراك البصري العميق، كما أن إبصار الذكور في النهار أفضل من الليل، وإبصار الإناث في الليل أفضل من النهار، وتتفوق الإناث في “الإبصار الحولي أو المحيطي” (Peripheral vision)؛ أي الإبصار حول الشيء المرئي، الذي يعينهاعلى تقدير المسافات بدقة، ومن ذلكيمكنالقول أن هذا التفوق في الإبصار الليلي والحولي يعين الأم على رعاية أطفالها ليلًا، وتتفوق الإناث على الذكور في الذاكرة الصورية، لذلك هن أعلى قابلية في التعرف على وجوه وأسماء الآخرين.
اللمـس: اللمس اليدوي عند الإناث أكثر حساسية وانتشارًا عنه في الذكور،ويظهر ذلك منذ الولادة، لذلك يتفوقن على الذكور حِذقًا وبراعة في إنجاز أعمال يدويةدقيقة، ويشعرن بالألم أسرع من الذكور؛ ويتحملنه لمدة أطول منهم.
الشم والذوق: للنساء حاسة شم أقوى من الرجال، وهن أكثر حساسية للرائحة والعبير ولأي تغيُّر رقيق فيهما؛ إذًا يظهر من هذه الفوارق الحسِّيَّة أن الذكور في عالم، والإناث في عالم آخر، والله سبحانه وتعالى خلقالمرأةوزوَّدها بحواس أقوى نسبيًّا من حواس الرجل، لتمكِّنها من أداء وظائف الأمومة، وأخرى منزلية رقيقةدقيقة([15]).
- الفروق في معدلات النمو والبلوغ والشيخوخة:
يتباين الجنسان: الذكر والأنثى تباينًا واضحًا في معدلات النمو والبلوغ؛ فالذكور أسرع في النمو في مرحلة الطفولة المبكرة من الإناث بصفة عامة, ويبدأ الذكور في البلوغ من سن (10 ـ 14) سنة, بينما تبدأ الإناث في البلوغ من سن (11 ـ 15) سنة, والرجل يصل إلى الشيخوخة بين (55، 65), وتبدأ المرأة طور الشيخوخة بين (45، 55) سنة بصفة عامة.
- الفروق بين الجنسين في النواحي النفسية:
يختلف التكوين النفسي لكل من الذكر والأنثى اختلافًا كبيرًا؛ ففي الوقت الذي يتميز فيه الذكور ـ بصفة عامة ـ بشيء من الخشونة, وبسيادة العقل للعاطفة, وبالواقعية في التفكير بعيدًا عن الخيال, وبالفاعلية في الأعمال بعيدًا عن السلبية, فإننا نجد الإناث ـ بصفة عامة ـ يتميَّزن بالحساسية المفرطة ورقة المشاعر, وبسيادة العاطفة للعقل, وهيمنة المشاعر الشخصية، واتساع الخيال على الأمور الواقعية والمنطقية، وبروز ملكة الحدس والبداهة الفطرية, والتميز بالغيرة الشديدة, وحب التملُّك, والوهم, والخوف, والتشاؤم, واختيار الأشياء بغير موضوعية وبغير منطق في أغلب الأحيان, وعدم القدرة على الانسلاخ من الذاتية الشخصية، وعن التقاليد الموروثة، والتنشئة في مراحل الطفولة.
تحمُّل الآلام والضغوط النفسية:
والأكثر من ذلك أنه اتضح من بعض التجارب المختبرية والدراسات أن هناك تفاوتًا بين الأولاد والبنات في تحمل الألم والضغوط النفسية، سواءً كان هذا الألم نتيجة صدمة كهربائية، أو تعرض للهيب الحرارة، أو أي مصدر آخر, وهذا ما قد يفسِّر ميل الأولاد إلى المخاطرة أكثر من البنات؛ مما دفع كثيرًا من العلماء في السنوات الأخيرة إلى محاولة تطوير عقاقير مختلفة لمعالجة الآلام في كل من الجنسين، كما أن تجارب وكالة الفضاء الأمريكية تؤكد على أن أغلب النساء عندما يعُدن من رحلة فضائية يشعرن بدَوَخان وانخفاض في ضغط الدم لعدة أيام بعد الهبوط على الأرض، ولم تُشاهد هذه الآثار على الرجال إلا في حالات نادرة([16]).
- فروق أخرى بين الجنسين:
وجدت الباحثة كيميورا (Kimura) ـ وهي رائدة منذ عدة سنين في البحث عن الاختلافات البِنيوية والوظيفية بين الجنسين ـ أن الإناث يتفوقن على الذكور في الإنجاز في المجالات الآتية: الأعمال الدقيقة والتنسيق الحركي الدقيق، الطلاقة التصوُّرية، نشاط البحث عن أشياء، الاستعانة بعلامات دالَّة على مواقع مطلوبة وفي استعمال الخرائط.
وعلى هذا الأساس تتفوق الإناث على الذكور في أداء الأعمال الآتية: أعمال التجميع، أشغال الإبرة بخاصةٍ التطريز، حِرَف يدوية تتطلب غاية الدقةوالإتقان، الإنتاج المجهري، أشغال شبكات الاتصال، الخياطة، التمريض، الصيدلة،الفنون الجميلة.
أما الذكور، فوجدت كيميورا أنهم يتفوقون على الإناث في المجالات الآتية: مهارات بدنية هادفة، والتي تتطلب التركيز، كما في ألعاب الرياضة البدنية،مثل الرماية بالسهام، وكرة القدم، ولعبة المضرب (Cricket)، ولعبة السهام المَرِيشة (Darts)، ونحوها، نشاطات ترتبط بمكان ومسافة، التركيز على أجسام دوَّارة، أشكال ومخططات متداخلة، المحاجَّة والاستنتاج في الرياضيات، أشغال جسمانية ثقيلة.
وعلى هذا الأساس تبيَّن أن الذكور يتفوقون على الإناث في أداء الأعمال الآتية: النشاطات الحركية المُجهدة، والميكانيكا، والمحاسبة، والهندسة، والرياضيات، والبناء والإنشاء، والنحت.
بالإضافة إلى أن الرجال يفوقون النساء في السعي لممارسة نشاطات محفوفة بالإثارة والمخاطر، مثل ألعاب الرياضة الخطرة، والهبوط بالباراشوت، والنساء أقلُّ تأثُّرًا بالسَّأَم من الرجال من جرَّاء ممارسة أعمال رتيبة، الفرق معدوم تقريبًا بين النساء والرجال في السعي لاكتساب خبرات مثيرة الإحساس كالموسيقى والفنون والسفر.
وتبين لك اللوحة بعض الإحصاءات التي قدمتها آن موير في نسبة الرجال والنساء لبعض المهن في بريطانيا، والتي تعزِّز النتائج أدناه التي توصَّل إليها البحث العلمي في هذا الخصوص، أضف إلى ذلك آخر إحصاءات الأمم المتحدة عن منظمة العمل الدولية التابعةلها؛ حيث تبين النسبة الضئيلة جدًّا للنساء اللاتي يشغلن مناصب الإدارة العليا للشركات فيأوربا ودول أخرى؛ ففي مجالس إدارة الشركات في أوربا نسبتهن فقط (5%)، وفي المناصبالعليا لإدارة الشركات: أستراليا (3‚1%)، فرنسا (2%)، إنجلترا (6‚3%)([17]).
نسب الرجال والنساء لبعض المهن في بريطانيا
نسبة تفوُّق الرجال
نسبة تفوُّق النساء
100% من البنَّائين
99% من كاتبات الآلة الطابعة
100% من الكاسيين بالسجاد
98% من عاملي الاستقبال والاستعلامات
100% من عاملي تمريض الأسنان
88% من عاملي المكتبات
99% من المهندسين الميكانيكيين
87% من عاملي الخدمات الاجتماعية
98% من المسَّاحين الكطيين
69% من العلماء النفسانيين
97% من مهندسي التلفاز
ــ ــ ــ
تقلُّب نشاط ومزاج المرأة خلال دورة الطمث:
أثبتت عدة بحوث تخص التأثير الهرموني على دماغالمرأةخلال 28 يومًا لدورة طمثها، منها بحوث فريق الباحثة كيميورا وإليزابث هامبسون؛ فتبين أنالمرأةتختلف عن الرجل تمامًا في تحديد نشاطها بتأثيرات هرمونية سببها دورة الطمث؛ حيث أثبتت تلك البحوث أن المرأةأكثر نشاطًا وحيوية خلال الأربعة عشر يومًا الأولى من دورة الطمث، أو النصف الأول من الدورة؛ ذلك لتواجد هرمون ستروجين (Estrogen) بمفرده، فهو هرمون مثير للدورة النزوية، ويرفع مننشاط خلايا الدماغ فيزيد من يقظته ويقظة الحواس معًا، فبتدفُّق هذا الهرمون إلى دماغ المرأةفي فترة الطمث الأولى، يشعرها بالابتهاج، الإثارة الجنسية، الحماس، الغرور؛ على عكس النصف الثاني لفترة الطمث.
فلما كان سلوك المرأةفي النصف الأول من دورة الطمث يتصف بالنشاط والإيجابية، ففي النصف الثاني من دورة الطمث يتصف بالركود والسلبية، ويُعزى هذا الانعكاس في سلوكالمرأةإلى إفراز هرمون آخر هو الجسْفرون (Progesterone) علاوة على هرمون ستروجين، والوظيفة الأساسية للهرمون المُضاف تهيئة الرحم لقبول البويضة المُلقَّحة، ولكن يعمل الهرمون المضاف أيضًا على خفض تدفق الدم إلى الدماغ، واستهلاك الأكسجين والجلوكوز؛ مما يسبِّب سلوكًا راكدًا غير متحفزٍ عند المرأة. ويدعو الهرمون المُضافالمرأةإلى الإحساس بوضعية سكون وهدوء واستسلام، بعد وضعية الشعور بالحماس والغرور والسعادة في النصف الأول من الطمث.
وفي الأيام الخمسة الأخيرة قبل بدء الحمل، ينخفض مستويا الهرمونين فيقلُّ تأثيرهما على سلوك المرأة، والمصطلح “الأعراض المتزامنة قبل الطمث” ((P3)Pre -menstrualSyndrome ) صار اليوم متعارفًا عليه في دوائر الطب والصيدلة، والبحوث جارية للتوصُّل إلى علاج يخفِّف من الأعراض السلبية التي تعانيالمرأةمنها في النصف الثاني من دورة الطمث، ونتيجة لهذه الحقيقة التي أقرَّها وقضاها سبحانه للنصف الآخرمن خلقه، تجد مزاجيةالمرأةغالبًا متأرجحة متقلبة من حالة إلى أخرى: من نشاط إلى ركود، من حماس إلى انسحاب، من تعاون إلىعدوانية، من ابتهاج إلى كآبة، من غرور إلى استسلام، ونحو ذلك([18]).
2) التطابق بين الحقائق العلمية وما أشارت إليه الآية الكريمة:
قال سبحانه وتعالى: )وليس الذكر كالأنثى((آل عمران: ٣٦)، ، وردت هذه الآية الكريمة البليغة من بين آيات أخر في قوله سبحانه وتعالى: )إذ قالت امرأت عمران رب إني نذرت لك ما في بطنِي محررًا فتقبل منِي إنك أنت السميع العليم (35) فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم (36)( (آل عمران).
ومجمل آراء المفسرين في هاتين الآيتين الكريمتين أن حنة امرأة عمران لما أسنت واشتاقت للولد، دعت ربها أن تجعل ما في بطنها عتيقًا خالصًا لخدمة بيت الله المقدس، ولكنها ولدت أنثى، فقالت معتذرة: )رب إني وضعتها أنثى((آل عمران: ٣٦)، ، وكانت ترجو أن يكون غلامًا؛ إذ لم يكن يخدم في الهيكل إلا الغلمان.
ويقول الإمام القرطبي في تفسير الآية: الأنثى لا تصلح للخدمة لضعفها وعورتها، وما يعتريها من الحيض ونحوه([19]).
ويقول الإمام جمال الدين بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ) في زاد المسير في شرحه للآية: “ومعناه: لا تصلح الأنثى لما يصلح له الذكر، من خدمته المسجد، والإقامة فيه، لما يلحق الأنثى من الحيض والنفاس”([20]).
إن في قوله سبحانه وتعالى:)وليس الذكر كالأنثى((آل عمران: ٣٦)، يخبرنا سبحانه وتعالى بحقيقة خلقية هي أن الذكر بكُلِّيته عقلًا وبدنًا مختلفًا عن الأنثى بكليتها عقلًا وبدنًا، فالمعنى في هذه الآية الكريمة واضح وضوح الشمس، وهو أن الذكر والأنثى غير متساويين؛ فالذكر لا يماثل الأنثى، والأنثى لا تماثل الذكر، هذه الحقيقة الإلهية التي أقرَّها القرآن منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا ـ جاءت نتائج العلوم المكتسبة في قمة عطاءاتها العلمية والتقنية لتؤكد الفروق المماثلة بين الجنسين على جميع المستويات، من الموروثات والهرمونات، إلى كل من الخلايا الجسدية والتكاثرية، إلى الفروق النفسية والشخصية المميزة، والتي تتضح بجلاء في طرائق التفكير والميول، والرغبات والسلوك، كل ذلك يقف في وجه الدعاوى المنحرفة المنادية بالمساواة الكاملة بين الذكر والأنثى، ويؤكد أن ما أقرَّه القرآن الكريم هو الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
تفريق القرآن بين الذكر والأنثى لا يعني تفضيله الرجل على المرأة:
المتأمِّل في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة يجد أن الإسلام لم يفرق بين الذكر والأنثى من حيث ما عليهما من واجبات وما لهما من حقوق، مثل قوله سبحانه وتعالى: )ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف((البقرة: ٢٢٨)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «النساء شقائق الرجال».
ورغم هذه المساواة في الحقوق العامة والواجبات نجد أن الإسلام يعلن في القرآن أن الجنسين متفاوتان في المقدرات )وليس الذكر كالأنثى((آل عمران: ٣٦)، ، فكل من الجنسين يكمل أو يتكامل مع الجنس الآخر حتى تسير الحياة.
وكلٌّ من الجنسين له دوره المخصص له في أداء المتطلبات الكاملة للحياة، وهذا التفاوت بين مقدرات الجنسين ـ وهو واقع لا مفر منه ـ ضرورة لقيام كل منهما بدور يختلف عن الآخر حسب المتطلبات المتنوعة للحياة.
على أننا نشير إلى أن هذا الاختلاف والتفاوت بين الذكر والأنثى ـ الذي أقره الإسلام ـ هو بكل المقاييس في صالح المرأة، وليس تمييزًا للرجل عليها؛ لأنه راعى الفروق المختلفة بين الجنسين، والظلم البيِّن هو تجاهل هذه الفروق؛ فإن مساواة الأنثى بالذكر وتناسي ما بينهما من فروق ـ كفيل بأن يحدث في المجتمعات أمراضًا تنعكس أضرارها على الأنثى بالدرجة الأساس، فضلًا عما تحدثه في المجتمعات من اختلالات، فقد خلق الله الإنسان ذكرًا وأنثى من أجل تكامل خلق الإنسان، وبهذا الخلق التكاملي تبرز أهمية دور كل من الرجل والمرأة على حدٍّ سواء.
فالفرق كبير بين قولهم: المرأة تتساوى مع الرجل، وقول الإسلام: المرأة تتكامل مع الرجل.
لا دخل للبيئة أو عادات المجتمع في الفروق بين الجنسين:
أما ما يدَّعيه بعضهم من أن الفروق بين الجنسين وَهْمٌ صنعته المجتمعات الإنسانية، ونتيجة مباشرة لعوامل البيئة المحيطة، والعادات والتربية التي تلقياها في الصغر ـ فهذا ادعاء لا يقوم على أي أساس علمي، بل إن النهضة العلمية في العصر الحديث أثبتت أن دعوى المساواة بين الجنسين تتناقض مع معطيات العلم الذي أثبت أن الجنسين متباينان؛ لأن دماغ كلٌّ منهما يختلف عن الآخر؛ فكما أن للمرأة جسدًا أنثويًّا لها دماغ أنثوي، وكما أن للرجل جسدًا ذكريًّا فله دماغ ذكري، فيصاغ دماغ الجنين الذكر إلى بنية ذكرية لتعرُّضه في الرحم إلى جرعات كبيرة من هرمونات منشطة الذكورة التستسترون؛ فالجنين الذكر يحتاج إلى نسبتين من الهرمون مقابل نسبة واحدة للأنثى، ولو حدث عكس ذلك فإن أثره يبدو واضحًا في تصرفات الصبي أو الفتاة؛ فالصبي الذي يحمل نسبة واحدة من هذا الهرمون يأتي بحركات أنثوية بحتة بمجرد ولادته، وكذلك تتصرف الفتاة التي تحمل نسبتين من الهرمون، فهل بعد حديث العلم التجريبي قول لمدَّعٍ بأن البيئة والعادات هي التي فرَّقت بين الذكر والأنثى، وأين أثر البيئة والعادات والتربية على الجنين في رحم أمه، أو الطفل حديث الولادة؟ لا شك أن هذه دعاوى لا تتعارض مع الدين فحسب، بل مع الفطرة والعلم كذلك.
3) وجه الإعجاز:
مع النهضة العلمية الحديثة صار بالإمكان التعرُّض للجنس البشري بشيء من اليسر؛ من حيث إمكانية التشريح والدراسة والتشخيص، وصار بالإمكان أن يتدخَّل العلم ليقول كلمة الحق في مجال الفروق المختلفة بين الذكر والأنثى، والتي كانت تنحصر في الماضي في البيئة الجسدية فحسب، فأكَّدت الدراسات الحديثة أن هذه الفروق هائلة، وهي على جميع المستويات من الموروثات والهرمونات، إلى كل الخلايا التكاثرية، إلى سائر الفروق النفسية، وغير ذلك كثير مما لا يتطرَّق إليه شكٌّ، وكل هذا يؤكد المعجزة القرآنية الواردة في قوله سبحانه وتعالى:)وليس الذكر كالأنثى((آل عمران: ٣٦)،تلك المعجزة التي أُنزلت على نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا، وجاء العلم يشهد بأنه الحق من عند خالق السماوات والأرض، وكما حفظ الله عز وجل كتابه الكريم سخَّر له من العلماء من يشهد بأنه من عند الله العليم الخبير.
(*) هل أسَّس القرآن لدونية ووضاعة الأنثى، طريف سردست، موقع: الحوار المتمدن www.ahewar.org.
[1]. معجزات القرآن العلمية في الإنسان مقابلة مع التوراة والإنجيل، عبد الوهاب الراوي، مرجع سابق، ص76 بتصرف.
[2].)وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى( (آل عمران: ٣٦)،د. رشيد كهوس أبو اليسر، مقال منشور بموقع: سر السعادةwww.ser8.org.
[3]. من آيات الإعجاز العلمي: الإنسان من الميلاد إلى البعث في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ص246 بتصرف.
[4].)وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى((آل عمران: ٣٦)، د. رشيد كهوس أبو اليسر، مقال منشور بموقع: سر السعادة www.ser8.org.
[5]. من آيات الإعجاز العلمي: الإنسان من الميلاد إلى البعث في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ص247 بتصرف.
[6].)وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى( (آل عمران: ٣٦)،د. رشيد كهوس أبو اليسر، مقال منشور بموقع سر السعادةwww.ser8.org.
[7]. (:(Anne Moir حاصلة على بكالوريوس العلوم مع مرتبة الشرف وشهادة الدكتوراه في علم الوراثة من جامعة أكسفورد، ولها كثير من البرامج التليفزيونية والبحوث المتعلقة بالصحة والقضايا الاجتماعية والفوارق بين الجنسين، وأشهر أعمالها كتاب: جنس الدماغ الفارق الحقيقي بين الرجل والمرأة.
[8]. معجزات القرآن العلمية في الإنسان مقابلة مع التوراة والإنجيل، عبد الوهاب الراوي، مرجع سابق، ص77: 83 بتصرف.
[9]. ليس الذكر كالأنثى، قسطاس إبراهيم النعيمي، موقع: جامعة الإيمان www.jameataleman.org.
[10]. معجزات القرآن العلمية في الإنسان مقابلة مع التوراة والإنجيل، عبد الوهاب الراوي، مرجع سابق، ص84، 85.
[11]. من آيات الإعجاز العلمي: الإنسان من الميلاد إلى البعث في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ص248، 249.
[12]. خلق الإنسان بين الطب والقرآن، د. محمد علي البار، مرجع سابق، ص135 بتصرف.
[13]. من آيات الإعجاز العلمي: الإنسان من الميلاد إلى البعث في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ص249.
[14]. هل الرجل أذكى من المرأة، غريس فرج، مجلة الجيش، موقع: الجيش اللبنانيwww.lebarmy.gov.lb.
[15]. معجزات القرآن العلمية في الإنسان مقابلة مع التوراة والإنجيل، عبد الوهاب الراوي، مرجع سابق، ص85، 86.
[16]. ليس الذكر كالأنثى، قسطاس إبراهيم النعيمي، موقع: جامعة الإيمان www.jameataleman.
[17]. معجزات القرآن العلمية في الإنسان مقابلة مع التوراة والإنجيل، عبد الوهاب الراوي، مرجع سابق، ص86، 87 بتصرف.
[18]. المرجع السابق، ص88، 89.
[19]. انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، مرجع سابق، ج4، ص66.
[20]. زاد المسير في علم التفسير، ابن الجوزي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط3، 1404هـ، عند تفسيره للآية.