دعوى تباين منهجي المتقدمين والمتأخرين في النقد الحديثي
وجوه إبطال الشبهة:
1) إن دعوى التفريق بين منهج المتقدمين ومنهج المتأخرين في تصحيح الأحاديث وتعليلها دعوى مضطربة، فلم يبين أصحابها مقصدهم باصطلاح المتأخرين، فتارة يسمونهم الفقهاء، وتارة يستدلون بأقوال المحدثين المتأخرين، فلماذا يقحمون الفقهاء والأصوليين في هذه الموازنة في الوقت الذي لا يعتبر فيه خلاف الفقهاء في مجال النقد الحديثي؟!
2) إننا لا نجد أحدا من الحفاظ المتأخرين – أمثال: الذهبي، وابن حجر العسقلاني، والحافظ العلائي، والسخاوي، وغيرهم – قال بوجود تباين بين منهج المتقدمين ومنهج المتأخرين في معايير النقد والحكم على المرويات، وكل ما جاء عنهم هو إثبات فضل المتقدمين، ووجوب اتباعهم في تصحيح الأحاديث وتعليلها، وذلك لما تفوقوا به على المتأخرين من التبحر، وسعة العلم، فلماذا لم يقل هؤلاء الحفاظ المتأخرون بذلك؟
3) إن دعوى تباين منهج النقد بين المتقدمين والمتأخرين إغفال لما مر به النقد الحديثي من مراحل تطور خلال هذه القرون؛ ولذلك فكل دعوى عن اختلاف المنهج، خلال أزمنة أهل المنهج وبين أهله دعوى باطلة، بعيدة كل البعد عن فقه المسألة، وعن التدبر في نشأة المنهج، ودواعيه، وأطواره.
4) وقد نقل عن المحدثين بعض الاختلافات في فروع المسائل، وناقش بعضهم بعضا في كثير من ذلك، فما بال الاختلاف في المنهج لم ينقل عنهم فيه نقاش، ولا اعتراض؟! مع أن نقل اختلاف المنهج أولى وأحرى.
5) إن المسائل الحديثية التي استدل بها لإثبات التباين المنهجي بين المتقدمين والمتأخرين، مثل مسألة الاعتماد على ظاهر الإسناد، والتفرد، وزيادة الثقة، وتقوية الأحاديث بالشواهد والمتابعات – ليست من التباين المنهجي بقدر ما هي تصرف المتأخر – أحيانا – في استعمال القواعد والأصول الثابتة في النقد.
6) ليس في هذا التصرف ما يغض من شأن المتقدم ومنزلته عند الخلف من المتأخرين، بل هكذا تعامل المتقدمون مع من تقدمهم.
التفصيل:
أولا. دعوى تباين منهجي المتقدمين والمتأخرين في النقد الحديثي دعوى مضطربة، وبيان الأدلة على ذلك:
إن أصحاب هذه الدعوى قد اضطربوا في دعواهم، ولم يستطيعوا أن يفصحوا عن مقصدهم بمصطلح “المتأخرين”، فتارة يسمونهم الفقهاء والأصوليين، وتارة يتحدثون عن المتأخرين من نقاد الحديث.
وفي بعض الأحيان يجعلون المتأخرين هم المعنيين بنقاد الحديث، وأحيانا يجعلونهم الفقهاء والأصوليين، وظهر ذلك في صياغتهم الدعوى تحت عنوان “الموازنة بين المتقدمين والمتأخرين في تصحيح الأحاديث وتعليلها”، ومعلوم لدى الجماهير أن المعنيين بالتصحيح والتعليل للأحاديث، هم النقاد من المحدثين دون غيرهم.
ثم يؤكدون هذه الفكرة عندما تعرضوا للتفرقة الزمنية بين المتقدمين والمتأخرين، فيقول أحدهم: “إن المسيرة التاريخية للسنة النبوية يتعين تقسيمها إلى مرحلتين زمنيتين كبيرتين… فأما المرحلة الأولى فيمكن تسميتها بـ “مرحلة الرواية”، وهي ممتدة من عصر الصحابة إلى نهاية القرن الخامس الهجري تقريبا.
وأما المرحلة الثانية فيمكن تسميتها بـ “مرحلة ما بعد الرواية”، وفي ضوء هذه الحقائق العلمية فإننا نخلص إلى أن المعنيين بـ “المتقدمين” هم حفاظ مرحلة الرواية ونقادهم على وجه الخصوص، أما المعنيون بـ “المتأخرين” فهم أهل “مرحلة ما بعد الرواية” فإن كلا من هاتين المجموعتين تنفصل عن الأخرى أصالة وتبعية في مجال الحديث وعلومه، فينبغي ألا نخلط بينهما؛ لأنه ظهر بينهما اختلاف جوهري وتباين منهجي” [1].
ثم أكدوا أن هذا التباين موجود بين نقاد الحديث، متقدمهم ومتأخرهم، فقالوا: “ومن تتبع كتاب “الأحاديث المختارة” للإمام المقدسي، أو تخريجات الإمام السيوطي، أو تحقيق الشيخ أحمد شاكر لسنن الترمذي، أو تحقيقه لمسند الإمام أحمد، أو كتب الشيخ ناصر الدين الألباني، أو الرسائل العلمية المقدمة من طلبة قسم الحديث، على سبيل المثال، ثم قارن ما صححه أحدهم في كتابه مع كتاب “العلل” للإمام الدارقطني، أو علل أبي حاتم، أو سنن الترمذي، أو كتب النقاد عموما، مقارنة علمية؛ يتجلى له هذا التباين المنهجي متجسدا في جملة من الأحاديث” [2].
وفي ضوء ما تقدم يمكن القول: إن مقصدهم من التباين المنهجي ووقوعه كان بين النقاد المحدثين المتقدمين وبين خلفهم من النقاد المتأخرين. بيد أننا نجدهم يضعون القارئ في لبس وحيرة حين يقول أحدهم في نفس المسألة، ولكن في موضع آخر: “وبقي لي شيء آخر يجب ذكره في هذه المناسبة كان علي أن أختار في العنوان “الموازنة بين النقاد وبين الفقهاء وعلماء الأصول” بدلا من صيغة الموازنة بين “المتقدمين والمتأخرين”[3].
أليس في هذا نص على أن المقصود بالمتأخرين هم الفقهاء وعلماء الأصول لا المحدثين كما قالوا في البداية؟!
فإن كان مقصدهم بالمتأخرين الفقهاء وعلماء الأصول، فلماذا شن الغارة – إذن – على المحدثين المتأخرين؟!
ولماذا وضعوا المائة الخامسة حدا فاصلا بين مرحلة الرواية وما بعد الرواية؟ ولماذا وضعوا في العنوان “في تصحيح الأحاديث وتعليلها”؟ فإن المتعارف عليه لدى جميع المشتغلين بالدراسات الحديثية عدم اعتبار مخالفة الفقهاء في مجال التصحيح والتضعيف؛ لأنهم ليسوا من أهل هذه الصناعة، سواء في ذلك المتقدمون منهم والمتأخرون.
وليس أدل على اضطراب هذه الدعوى وبيان تهافتها، من أن تجد الاختلاف والتباين في مقدمتها، ففي الوقت الذي يصدر أصحاب هذه الدعوى دعواهم بقولهم: “فرغم كثرة المشتغلين بالأحاديث في عصرنا بحثا، وتحقيقا، وتخريجا، ودراسة، فإنه لا تكاد توجد أطروحة علمية على مستوى لائق بمكانة السنة من حيث الابتكار، والاستدراك، والانتقاد إلا نادرا؛ إذ إنهم ينقصهم جانب كبير من الفهم، والدقة، والاطلاع، والممارسة” [4].
ثم ما يلبثون أن يناقضوا أنفسهم في أول مناسبة للتفريق بين المنهجين، وذلك حين تعرضوا لتعريف الحديث الصحيح، فقالوا: فقد قال ابن الصلاح: “الصحيح ما اتصل سنده بالعدل الضابط، عن العدل الضابط إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة”، ثم أشار إلى أن هذا التعريف على منهج أهل الحديث… وتبعه في ذلك كل من صنف في مصطلح الحديث عموما، متفقين على أن هذا التعريف إنما هو على منهج المحدثين، دون غيرهم من الفقهاء وعلماء الأصول.
وذلك لأن الفقهاء وعلماء الأصول لم يشترطوا أن يكون الحديث خاليا من أسباب الشذوذ والعلة المتفق عليها عند المحدثين… إذ كان موقف الفقهاء وعلماء الأصول تجاه هذه المسائل هو قبول ما يرده نقاد الحديث[5].
بل إن المرء ليتعجب وتملكه الدهشة حين يستدل أحدهم على دعوى تباين المنهج النقدي قائلا: “قال أبو الوفا ابن عقيل مبينا اختلاف الفقهاء والمحدثين في الحكم على الأحاديث، بعد أن ذكر حديثا ضعفه أحمد، بعد أن سئل عنه، وهو حديث: معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم “أن غيلان أسلم وعنده عشر نسوة”.
قال أحمد: ليس بصحيح (والعمل عليه) كان عبد الرزاق يقول: عن معمر عن الزهري مرسلا. ثم يقول بعد تفسير كلام الإمام أحمد: والشاهد من هذا اختلاف مناهج أهل العلم في الصناعة الحديثية، وأنهم ليسوا على منهج واحد”[6].
فكيف يستقيم هذا الكلام في معرض الحديث عن تباين منهج المحدثين النقاد؟! أما تباين منهج الفقهاء مع منهج المحدثين فهذا معلوم واضح.
قال القاضي: معنى قول أحمد: هو ضعيف على طريقة أصحاب الحديث؛ لأنهم يضعفون بما لا يوجب التضعيف عند الفقهاء[7].
وهذا متفق عليه، فطريقة المحدثين تغاير شيئا ما طريقة الفقهاء في نقد المرويات، والقول في هذا قول المحدثين النقاد؛ لأنهم أهل هذه الصناعة.
ثم إن النقاد المتقدمين لم يجمعوا على تضعيف هذا الحديث؛ فقد صححه يحيى بن سعيد القطان، وذكر طرقه[8]، وما دام المتقدمون قد اختلفوا فللمتأخر أن يختار من أقوالهم بحسب ما يتضح له من قرائن.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق: لماذا يحاول المدعون إقحام الفقهاء وعلماء الأصول في هذه الموازنة، ومعلوم أن الفقهاء لا عبرة بخلافهم في هذا المجال؟! وإذا كان هؤلاء المدعون يريدون أن يبينوا للجماهير صدق دعواهم المزعومة، فالمفترض – درءا للغموض – أن يستخدموا اصطلاحا واحدا.
فمن المهم إذا أردنا أن نقوم بموازنة بين منهج مرحلتين من مراحل النقد الحديثي، أن نلغي تماما ذكر أي جهة خارج أصحاب الصناعة؛ لأن موافقتهم أو مخالفتهم لا عبرة بها في هذا البحث، وإنما نريد أن نعرف ونحقق: هل فعلا هناك تباين منهجي بين المتقدمين والمتأخرين في مجال النقد الحديثي (في تصحيح الأحاديث وتعليلها)؟
وقبل أن نختم كلامنا عن اضطراب هذه الدعوى وخلط الأوراق فيها، ينبغي أن نشير إلى نقطة مهمة، غابت عن أذهان هؤلاء فجعلتهم يتخبطون ويخلطون، وهي أن كثيرا من الفقهاء المتأخرين كتب في مصطلح الحديث وعلومه – من الناحية النظرية – وكان تناولهم للأحاديث على طريقة الفقهاء من الناحية التطبيقية؛ ومن هؤلاء: الإمام النووي، وابن كثير، والبلقيني، وابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وغيرهم ممن لم يختلط النقد الحديثي بشحمه ولحمه، فاغتر المدعون بصنيع هؤلاء الفقهاء، وعدوهم من جملة متأخري المحدثين، ثم نصبوا خلافا منهجيا بين صنيع هؤلاء وبين صنيع أئمة النقد المتقدمين.
فإذا كان المدعون قد عجزوا أن يبلوروا مضمون دعواهم ويصوغوها لنا في سياق سليم، خال من التناقض؛ فهل يستطيعون أن يدللوا على صدق هذه الدعوى المضطربة البنيان، المتصدعة الأركان؟!
هذا هو مضمون الأوجه التالية في إبطال هذه الدعوى إن شاء الله.
ثانيا. هذه الدعوى دعوى لقيطة، ليس لها نسب إلا عقول أصحابها:
إن القول بوجود تباين منهجي بين النقاد القدامى وبين خلفهم من المتأخرين، إنما هي دعوى لقيطة النسب، ليس لها جذور ولا دعائم من كلام الأئمة الحفاظ المتأخرين، اللهم إلا أذهان أصحاب هذه الدعوى وخيالهم.
فلم نجد عن أحد من كبار المتأخرين قولا، أو حتى مجرد إشارة، بوجود تباين في المنهج بين المتقدمين والمتأخرين من حيث معايير النقد والحكم على المرويات، وأن ما ذكره أصحاب هذه الدعوى من نصوص للأئمة الحفاظ المتأخرين، أمثال الحافظ ابن حجر، والسخاوي، والسيوطي، والعلائي، وغيرهم؛ إنما هي أقوال توضح فضل المتقدم على المتأخر، وبيان سعة علم المتقدمين واطلاعهم، وتوجب الإذعان لما حكموا به على الأحاديث تصحيحا وتضعيفا، دون ذكر وجود فرق أو تباين منهجي بين هؤلاء وأولئك.
ومن أجل إيضاح تهافت هذه الدعوى نذكر بعض الشواهد التي أوردها أصحابها، من كلام كبار الحفاظ المتأخرين، ونبين كيف عجز فهمهم أن يصل إلى مغزى كلام هؤلاء الأئمة، اللهم إلا إذا كانت هذه الدعوى صادفت هوى في نفوسهم؛ فعمدوا إلى استقطاب هذه الأسماء الرنانة في ذهن الدارسين، ليرسخوا لديهم فكرة عدم ابتداع هذه الدعوى، وفي الحقيقة أن كل من ذكروهم من الحفاظ المتأخرين ليس في كلامهم أي إشارة إلى ما يعضد دعواهم.
يقول هؤلاء المدعون: “ونحن نطمئن القارئ الكريم بأننا لم نجترح جديدا بمقدار ما حركنا ساكنا، وأنها ليست فكرة وليدة الخواطر والأوهام، أو مجرد خاطرة علقت في ذهننا، ثم جعلناها قاعدة أساسها مثالان أو ثلاثة، بل أساسها ما ورد عن أمثال الحافظ ابن كثير، والحافظ ابن حجر، والسخاوي، والحافظ العلائي، والعلامة ابن دقيق العيد، وغيرهم، ومفاده: إذا اتفق النقاد على تصحيح حديث أو تضعيفه، أو إذا صححه ناقد منهم أو ضعفه، دون اعتراض عليه من ناقد آخر؛ فإن على المتأخرين قبول ذلك.
قال الحافظ ابن حجر:… فمتى وجدنا حديثا قد حكم إمام من الأئمة المرجوع إليهم بتعليله، فالأولى اتباعه في ذلك، كما نتبعه في تصحيح الحديث إذا صححه، وهذا الشافعي مع إمامته يحيل القول على أئمة الحديث في كتبه، فيقول: وفيه حديث لا يثبته أهل العلم بالحديث” [9].
ونلاحظ في هذه الدعوى ما يلي:
- أصحاب هذه الدعوى الزائفة – التباين المنهجي بين المتقدمين والمتأخرين في النقد الحديثي – لا يجيزون الاعتراض على حكم أصدره ناقد متقدم، أليست هذه دعوى للجمود والتقليد، ومنع الاجتهاد والوقوف على أقوال المتقدمين وقوفا حرفيا، دون فهم متسع، أو مجرد مناقشة؟! فلا يجوز في نظر هؤلاء مخالفة المتقدم، حتى لو كان الراجح في نظر المجتهد المتأخر خلاف ذلك.
- لا علاقة لكلام الحافظ ابن حجر هذا بمسألة تباين منهج المتقدمين ومنهج المتأخرين، فالحافظ ابن حجر إنما أورد مسألة اتباع الأئمة المقتدى بهم في هذا الشأن، ولم يشر، ولو من بعيد، إلى أن قوله هذا سببه اختلاف المناهج في التصحيح والتعليل، بدليل أنه استدل بفعل الشافعي، أليس الشافعي من متقدمي الأئمة؟! فكلام ابن حجر وفعل الشافعي إنما هو الاحتجاج والإحالة على ما يرجحه أهل التخصص – أئمة الحديث – وأنت ترى أن ذلك راجع إلى تخصصهم، وتمرسهم، وقوة نظرهم، لا إلى أن منهج المتأخرين غير منهجهم” [10].
ومن الإنصاف ألا نبرح هذه المناسبة – إيراد كلام ابن حجر – دون ذكر موقف ابن حجر من هذه القضية – التباين المنهجي – حتى نستطيع أن نبين هل كلام ابن حجر – وهو من كبار الحفاظ المتأخرين – يعد أساسا لهذه الدعوى، في الوقت الذي استدل به هؤلاء المدعون بكلامه – رحمه الله – على صدق دعواهم؟!
وعليه نقول وبالله التوفيق: إن الحافظ ابن حجر لم يقل ولم يشر إلى أن أهل الحديث خالفوا المتقدمين في منهج النقد، وكل كلامه منصب على أن المتقدمين كانوا أعلى شأنا، وأدق فهما، وأوسع اطلاعا، وأكثر استيعابا، وهذه الصفات توجب للمتقدم فضلا على المتأخر بلا شك، وهذا الأمر لا يماري فيه أحد.
لكن ليس في هذا أن المنهج مختلف بينهم، ولا يلزم من هذا أن يكون للمتأخرين منهج مغاير لمنهج المتقدمين.
والذي يفاجئ أصحاب هذه الدعوى، أن الحافظ ابن حجر نفسه لم يلتزم بحرفية هذا الكلام الذي نقل عنه، فقد رأيناه يحكي تعليلات المتقدمين، ويخالفها بطريقة مطابقة لما ينكره أصحاب هذه الدعوى.
فقال ابن حجر في تخريج حديث أنس في قصة الرجل الذي بال في المسجد: قوله: “ولم يؤمر بنقل التراب “؛ يعني في الحديث المذكور، وهو كذلك، لكن قد ورد أنه أمر بنقله من حديث أنس، بإسناد رجاله ثقات.
قال الدارقطني: حدثنا ابن صاعد، حدثنا عبد الجبار بن العلاء، حدثنا ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن أنس: “أن أعرابيا بال في المسجد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “احفروا مكانه، ثم صبوا عليه ذنوبا من ماء”، وأعله الدارقطني بأن عبد الجبار تفرد به دون أصحاب ابن عيينة الحفاظ، وأنه دخل عليه حديث في حديث، وأنه عند ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس مرسلا، وفيه: “احفروا مكانه”، وعن يحيى بن سعيد عن أنس موصولا، وليست فيه الزيادة، وهذا تحقيق بالغ، إلا أن هذه الطريق المرسلة مع صحة إسنادها إذا ضمت إلى أحاديث الباب أخذت قوة” [11].
فانظر كيف ذكر ابن حجر تعليل الدارقطني للزيادة ثم قواها، والحافظ ابن حجر نفسه يقول في النكت: “لأن كثيرا من الأحاديث التي صححها المتقدمون اطلع غيرهم من الأئمة فيها على علل تحطها عن رتبة الصحة” [12].
وقال أيضا: فكم من حديث حكم بصحته إمام متقدم اطلع المتأخر فيه على علة قادحة، تمنع الحكم بصحته[13].
وهذا يدل على أن كلام الحافظ ابن حجر وأمثاله له موقعه؛ إذ ليس كما يدعي هؤلاء من عدم جواز مخالفة المتقدمين في أحكامهم، ولا أن للمتقدمين منهجا مخالفا للمتأخرين، ولهذا يجب تقليدهم، وإنما أن يعرف المتأخر للمتقدم فضله، فلا يقوم على مخالفته إلا إذا لم يجد بدا من ذلك، بحيث يكون الدليل قويا في مخالفة المتقدم.
ومن جهة أخرى، يجب أن يكون المخالف له من السعة، والقوة، والممارسة بحيث تكون لأحكامه المخالفة لأحد المتقدمين مكانتها ووجاهتها، وهذا كله في حال ما لم يكن لذلك المتقدم مخالف من المتقدمين، ولو كان متساهلا أو غير معدود في النقدة؛ فقضية التساهل لا تتعلق باختلاف المنهج بقدر ما هي تساهل في تطبيق المنهج، وبينهما فرق.
وكذلك ينبغي أن يراعي الفصل بين قضيتين:
الأولى: وجود اختلاف في المنهج بين المتقدمين والمتأخرين.
والثانية: وجوب تقليد المتقدمين في تعليل الحديث[14].
والشواهد التي تقوم عليها هذه الدعوى العريضة سواء من كلام الحافظ ابن حجر، أو الذهبي، أو السخاوي، أو العلائي، وغيرهم، إنما هي من قبيل القضية الثانية التي تشير إلى لزوم اتباع المتقدمين في تصحيح الحديث وتعليله، وبيان فضلهم وسعة علمهم. ولكن للأسف ما كان من أصحاب هذه الدعوى إلا أنهم توسعوا في دلالة كلام الأئمة النقاد، وحملوه ما لا يحتمل.
ويدخل في هذا قول الذهبي أيضا: “وجزمت بأن المتأخرين على إياس من أن يلحقوا بالمتقدمين في الحفظ والمعرفة”[15].
فهذا الكلام ونحوه من الإمام الذهبي جار على الاعتراف بفضل المتقدمين، وتقدمهم على المتأخرين في الحفظ والمعرفة، وليس في النص أي إشارة إلى وجود فرق في منهج النقد بين المتقدمين والمتأخرين، وإنما هو تقدم بالرتبة والمكانة في العلم، وهذا لا يجادل فيه أحد [16].
والحق أن فكرة وجوب اتباع أحكام المتقدمين في التصحيح والتضعيف ترجع جذورها إلى القرن السابع الهجري؛ حيث أراد ابن الصلاح (ت 637) غلق باب الاجتهاد في التصحيح والتضعيف، فتصير أحكام المتقدمين لزاما على من أتى بعدهم دون مناقشة؛ لنقص أهلية المتأخرين، على حد تعبير ابن الصلاح.
قال النووي في التقريب: من رأى في هذه الأزمان حديثا صحيح الإسناد لم ينص على صحته حافظ معتمد، قال الشيخ – يعني ابن الصلاح -: لا يحكم بصحته؛ لضعف أهلية أهل هذه الأزمان.
ثم قال النووي: والأظهر عندي جوازه لمن تمكن وقويت معرفته.
قال العراقي: وهو الذي عليه عمل أهل الحديث، فقد صحح جماعة من المتأخرين أحاديث لم نجد لمن تقدمهم فيها تصحيحا[17].
إذن العلماء لم يوافقوا ابن الصلاح على ذلك، بل أجازوا النظر في الأحاديث والحكم عليها، لمن تمكن من علماء المتأخرين، وقويت معرفته، وأشهر من ناقش ذلك واعتنى بنقضه الحافظ عبد الرحيم العراقي، ثم تلميذه الحافظ ابن حجر العسقلاني.
فقال العراقي: وكذا كان المتقدمون، ربما صحح بعضهم شيئا فأنكر عليه تصحيحه.
وقال ابن حجر: فكم من حديث حكم بصحته إمام متقدم، اطلع المتأخر فيه على علة قادحة تمنع من الحكم بصحته[18].
وهكذا استمدت هذه الدعوى أصولها من مذهب مرجوح ليس عليه العمل عند أهل هذه الصناعة.
وبهذا يصل الناقد المنصف إلى حقيقة جلية، مفادها أن كل النقول التي نقلها أصحاب هذه الدعوى الباطلة، ليستدلوا بها على دعواهم، لا علاقة لها بهذه الدعوى، ويظهر بهذا تقولهم على الأئمة الحفاظ حين يقول قائلهم: “وهذه النصوص واضحة وجلية في مدى احترام أئمتنا فكرة التفريق بين المتقدمين والمتأخرين في مجال الحديث وعلومه، وشعورهم العميق بالفوارق العلمية الآخذة في تبلورها بقدر كبير في معالجة مسائل علوم الحديث، تنظيرا وتطبيقا”[19].
ذلك أن الأئمة الذين جرى في كلامهم لفظة المتقدم والمتأخر لم يقل أحد منهم: إن بينهما تباينا في منهج النقد الحديثي.
اللهم إلا إن كان بين هؤلاء الأئمة فوارق شخصية في المواهب والملكات بين المتقدمين والمتأخرين، كما بينوا بعض الاختلافات في إطلاق الألفاظ أو الاصطلاحات أو طرق التحمل والأداء ونحو ذلك، مما اقتضته الحركة العلمية، واختلاف ظروفها المرحلية، لكن ذلك كما رأينا لا يؤثر في منهج التصحيح والتعليل، بل إن أئمة الحديث كلهم متقدمهم ومتأخرهم كانوا على منهج واحد في نقد الأحاديث، تصحيحا وتعليلا.
مع الأخذ بعين الاعتبار ما بين الواحد والآخر منهم من فرق في التساهل، أو التشدد، أو التوسط في معايير النقد، وهذا ما ينتج عنه الاختلاف في تصحيح وتضعيف المرويات في كثير من الأحيان، وهذا الأمر لا يرجع لاختلاف المنهج.
وهذا بعكس ما كان بين المحدثين والفقهاء من الاختلاف في منهج نقد المرويات، وهو اختلاف منهجي سببه تباين بعض المعايير التي يعتمدها كل من الفقهاء والمحدثين في قبول الروايات وردها، وهو تباين حسمه الأئمة كلهم لصالح أهل الحديث بلا شك؛ لأنهم أهله، وأهل النظر والتخصص فيه، وغيرهم عالة عليهم[20].
ونهاية القول أن دعوى وجود تباين منهجي بين المتقدمين والمتأخرين في نقد الأحاديث والمرويات؛ دعوى ليس لها أي جذور من كلام النقاد المتأخرين أنفسهم، فلم يزد النقاد المتأخرون على بيان فضل النقاد المتقدمين وسعة حفظهم، والإشارة إلى أنهم أولى من غيرهم في التصدي لنقد الأحاديث.
ثالثا. دعوى تباين منهج النقد بين المتقدمين والمتأخرين يرفضها الواقع العلمي، وأحادية المنهج لا تمنع نموه وتطوره، ولو وقع اختلاف حقيقي لعلمناه:
لا يختلف اثنان من أهل العلم على أن منهج نقد السنة خلال القرون الثلاثة الأولى كان كافيا لمعرفة صحيح السنة وثابتها، وتمييزه عن سقيمها وغير الثابت منها؛ لأن الاعتقاد بوقوع خطأ في منهج النقد في القرن الأول مثلا يعني أن الأمة في ذلك قد ضلت دين ربها، فنسبت إلى وحي السنة ما ليس منه، أو ردت هداية من هدايات ربها.
وهذا لا يعني أن علوم الحديث – نقلا ونقدا – لم تمر بمراحل تطور خلال هذه القرون، هذا التطور والانتقال من مرحلة إلى مرحلة لم يكن بسبب قصور في المرحلة الأولى عن القيام بواجب الحفاظ على السنة، ولكن بسبب عوامل جديدة طرأت في المرحلة الثانية تستلزم تطورا في العلم، فالتطور لم يكن لنقص العلم قبل تطوره، وإنما لحدوث أمر لم يكن موجودا يقتضي ذلك التطور…
فمثلا التدليس المذموم، أو الإرسال المردود، لم يكن ليظهر في جيل الصحابة؛ لأن الصحابة كلهم عدول، وإنما ظهر بعدهم، والإعضال لم يكن ليظهر عند من لا يروي عن النبي – صلى الله عليه وسلم – إلا بواسطة واحدة، لكنه يمكن أن يظهر عند من يحدث عنه بواسطتين فأكثر.
ومادامت إصابة الأخبار بآفتيها – الخطأ والكذب – ستزداد بامتداد الزمن، فلا بد أن علماء الأمة ستزداد عنايتهم في إيجاد الوسائل التي تخلص الأخبار من هاتين الآفتين، وهذا هو تطور الميزان النقدي.
لذلك فكل دعوى عن اختلاف المنهج، خلال أزمنة أهل المنهج وبين أهله، دعوى باطلة، بعيدة كل البعد عن فقه المسألة، وعن التدبر في نشأة المنهج ودواعيه وأطواره.
وكيف يتصور حصول اختلاف في المنهج، والمنهج إنما نشأ لحماية المنقولات من آفتي الخطأ والكذب؟! هل هناك من يقبل الخطأ؟! هل هناك من يقبل الكذب؟! هل هناك من يقبل ما يغلب على الظن أنه خطأ أو كذب؟!
أما إن ضربت أمثلة للمسائل التي ادعي فيها الخلاف في المنهج، كالمرسل، والرواية عن أهل البدع، وزيادة الثقة، واشتراط عدم الشذوذ، واشتراط عدم العلة، ونحوها من المسائل التي حكي فيها الخلاف، فيقال: لقد درسنا هذه المسائل وغيرها مسألة مسألة، فتبين لنا عدم صحة وجود ذلك الخلاف المدعى، والذي نقل في أكثره أيضا الإجماع، وإن اشتهر عند المتأخرين القول بالخلاف.
ثم إن الخلاف المنهجي لا يخفى، وهو أولى بالظهور والوضوح من الاختلاف في آحاد المسائل الجزئية، وأولى بالنقل، وأحرى بأن تقوم له المعارك العلمية، وأن تصنف فيه الردود، والردود على الردود. هذا هو المعتاد من سنة العلوم جميعا؛ لأنه اختلاف منهجي، ينبني عليه اختلاف عظيم في كثير من المسائل الجزئية.
وبعد؛ فأين هذا الاختلاف المنهجي في الصور التالية:
أين هو في التوافق العجيب بين نقاد الحديث، من زمن شعبة والقطان وابن مهدي، إلى زمن البخاري ومسلم وأبي حاتم ومن بعدهم، توافق في التصحيح والتضعيف، والتعليل، والجرح والتعديل؟! هل وجد أحد منهم رد حكما من آخر بدعوى اختلاف المنهج؟!
أين هو في ثناء المتأخر منهم على المتقدم، على علمه، واطلاعه، ودقة أحكامه؟! كما فعل ابن أبي حاتم في “تقدمة الجرح والتعديل”، التي عقد فيها أبوابا لبيان عظيم مواقع الأئمة في النقد، ينقل فيها من أحكامهم على الأحاديث والرواة على وجه الإجلال والتعظيم لهم، وهم أئمة مختلفة أعصارهم، متباينة طبقاتهم، ولم يقل مرة واحدة عن منهج فلان: غير مقبول، أو يجب علينا أن ننتبه إلى منهجه الخاص في هذه المسائل أو تلك.
وفعل مثل ابن أبي حاتم جماعة؛ كابن حبان في مقدمة كتاب “المجروحين”، وابن عدي في مقدمة كتاب “الكامل”.
وكيف يقبل بعضهم من بعض الجرح والتعديل في الأعم الأغلب، ولا يختلفون إلا في جزئيات المسائل؟! أولو كان منهج النقد بينهم مختلفا كانوا سيقبلون من بعضهم أحكامهم في الرواة؟! أوليس الحكم على الراوي مرتبطا كل الارتباط بالحكم على حديثه، والحكم على حديثه مرتبطا بالحكم عليه؟!
لقد نقل عن المحدثين اختلاف كثير في آحاد الرواة والأحاديث، وناقش بعضهم بعضا في كثير من ذلك، فما بال الاختلاف في المنهج لا ينقل عنهم فيه نقاش ولا اعتراض؟! والحاصل أن نقل اختلاف المنهج أولى وأحرى.
وكل هذا وغيره يقطع باتحاد المنهج، وإنما يدعي الاختلاف من لم يراع تلك الكليات، ووقف عند بعض العبارات المشتبهة، ليبني عليها مذاهب ومناهج!! ولو ردوا تلك المشتبهات إلى هاتيك المحكمات وأمثالها لتبين لهم الحق بلا ارتياب[21].
وبناء على ما سبق نستطيع القول: إن الخلاف الجزئي الذي وقع بين المتأخرين وبين سلفهم من المتقدمين في أفراد المسائل الجزئية، إنما هو من قبيل الفرعيات الناتجة عن عدم الاطلاع على بعض أدلة البحث، وملاحظة جميع معطياته من قبل الناقد، وهذا الاختلاف يعد من الاجتهاد المتفق في المنهج، المختلف في النتائج، وزوال هذا الاختلاف إنما يكون باستكمال البحث في أدلة المسألة المختلف فيها، وسبر أقوال المتقدمين فيها. على عكس الاختلاف المنهجي الذي هو متعلق بأصول التأمل والنظر في قواعد الفن؟!
وذلك لأن العلم المكتمل القواعد والأصول، المقرر بألفاظ وتعابير اصطلاحية، لا يحق لأحد أن يحاول تأصيل غير ما اكتمل من قواعده.
رابعا. المسائل الحديثية التي يدعي هؤلاء الواهمون وجود تباين منهجي فيها بين المتقدمين والمتأخرين ليست من التباين المنهجي بقدر ما هي تصرف من المتأخر في استعمال القواعد والأصول الثابتة في النقد، وبيان ذلك:
يزعم أصحاب دعوى التباين المنهجي بين المتقدمين والمتأخرين في تصحيح الأحاديث وتعليلها، أن هذا التباين المنهجي تجلى في مسائل حديثية بعينها، هذه المسائل هي التفرد، وزيادة الثقة، والاعتماد على ظاهر الإسناد في التصحيح والتضعيف، وتقوية الحديث بالشواهد والمتابعات.
والحق الذي لا مراء فيه أن الاختلاف في هذه المسائل ليس من التباين المنهجي بقدر ما هو تصرف المتأخر – أحيانا – في استعمال القواعد والأصول الثابتة في النقد، أو هو نوع من الاختلاف النوعي في فرعيات العلم، بعيدا عن أصول المنهج.
وفيما يلي نعرض لهذه المسائل التي استدل بها المدعون على وجود التباين المنهجي بين النقاد القدامى والمتأخرين.
المسألة الأولى: دعوى اعتماد المتأخرين على ظواهر الإسناد دون الالتفات إلى القرائن والملابسات التي تحيط بالحديث على عكس صنيع المتقدمين.
فقد زعم أصحاب هذه الدعوى أن المتأخرين يعتمدون في التصحيح على ظواهر الإسناد، وأن ما يحف بالحديث من قرائن وملابسات لا يحظى باهتمامهم، في الوقت الذي كانت فيه هذه القرائن والملابسات هي المعول عليها عند النقاد القدامى في حكمهم على الحديث، بغض النظر عن أحوال رواته العامة غير المتروكين [22].
وفي الحقيقة إن هذا الكلام منصب على نقاد الحديث دون غيرهم.
“كأنهم – من خلال هذا الاستدلال – جعلوا صحة الحديث على ظاهر الإسناد هو الاستثناء، فصحة الحديث عندهم لا تثبت إلا بعد استيفاء الملابسات والقرائن التي يمكن أن تحيط بالإسناد، وهذا الاستدلال يضعهم في إشكال، فلسائل أن يسأل:
- لماذا يبحث الناقد عن القرائن في حديث ظاهره الصحة؟
o هل لأن الحديث لا يثبت عند الأئمة إلا بقرينة؟ أو للتأكد أنه لم يقع به خطأ؟!
o وهل الأصل عندهم قبل التفتيش عن القرائن، مبني على القبول، أو الرد، أو التوقف؟!
o وإذا كان التوقف، فلماذا يأخذ به بناء على ظاهر الحال، إذا لم يجد قرائن؟ كل هذه الأسئلة تدل على إشكالية ما ذكره هؤلاء.
فلو صرح المدعي وقال: إن الحديث لا يثبت إلا بقرينة تدل على أن الراوي قد حفظ؛ لكان هذا لب من يرد خبر الواحد من أهل البدع؛ لأنه لا يفيد إلا الظن.
وإن قال المدعي: إنما هو للتأكد من عدم الخطأ، دل هذا على أن أصل الحكم بصحة الحديث متوقف على الحال العام للرواية؛ أي على ظاهر الإسناد، وإن كان للناقد أن يفتش ليثبت هذا الأصل.
وإن قال: إن الحديث إذا كان ظاهره الصحة، فهو على القبول حتى يظهر خطؤه؛ فهو حكم منه بأن الأحوال العامة للرواة تعد معايير للحكم على الحديث، وأن القرائن تثبت هذا الأصل أو تنقضه، وهذا القول يهدم كلامه.
وإن قال: إن الحديث على الرد أو التوقف قبل التفتيش؛ فقد خالف السلف بلا شك[23].
ثم هو في آخر كلامه ينقض دعواه حين قال: “فإن كان ثقة فالأغلب في روايته الصواب، وبالتالي يكون حديثه صحيحا، وإن كان ضعيفا، فالأصل في حاله أن يكون مخطئا، ويكون حديثه ضعيفا، وأما إن كان صدوقا، فيكون حديثه حسنا، مع تفاوت مراتبه دون شك؛ ولذا فإن هذه الأحكام لا تفيد في الواقع إلا الظن الغالب، لكونها مبنية على الأصل في حال الراوي”[24].
وهذا هو صنيع الأئمة المتأخرين الذين عيب عليهم في هذا، وشنع عليهم بسببه، فإن تعبيراتهم هي نهاية حكمهم على الحديث وخاتمته.
فهم حين اطمأنت نفوسهم لصحة حديث ما، بينوا أن الأصل كان سليما في غالب الظن إن كانت الرواية خالية من قرائن، أو جزموا به إن كانت القرائن تدل على صحته[25].
وبهذا يتضح أن التباين المنهجي بين المتقدمين والمتأخرين في هذه المسألة لا يوجد إلا في تصور هؤلاء المدعين وخيالهم، وأن واقع الأئمة والنقاد لا يعترف بهذا الهراء الذي لا طائل من ورائه.
المسألة الثانية: دعوى أن الأئمة المتقدمين قد يصححون حديث الضعيف إذا انفرد.
فقد قيل في هذا: “ليس هناك – إذن – حكم مطرد بقبول تفرد الثقة، أو رد تفرد الضعيف، بل تتفاوت أحكامهم، ويتم تحديدها وفهمها على ضوء المنهج النقدي النزيه”[26].
وقالوا: “ويتحقق هذا العنصر إما بموافقة ما رواه الراوي الأمر الواقع في رواية هذا الحديث، أو تفرد بما له أصل في الواقع، ويعد هذا من أهم عناصر التصحيح؛ إذ يعتبر الحديث صحيحا بمجرد تحقق هذا العنصر، وإن كان راويه ضعيفا، بشرط ألا يكون متروكا”[27].
وهذا كلام في منتهى التهافت، فلا بد أن يعلم جيدا أن أصل كلام الأئمة عن تعريف الحديث الصحيح وتحديده، والحسن، والضعيف، إنما هو بالنظر إليه مجردا من كل ما يحف به، وهذا هو شأن القواعد؛ لأنها في الحقيقة تجريد عقلي يوضح الأمور المتصلة من الأمور المنفصلة التي تتحكم في النتيجة النهائية.
فالحديث الصحيح كما عرفه الأئمة: هو الحديث الذي يرويه ثقة – عدل ضابط – عن مثله، متصلا، بلا شذوذ، ولا علة.
هذا هو النظر الأصلي للسند والمتن، من حيث القاعدة والأصل، فإذا نظرنا إلى التطبيق فقد يحكم المحدث (الناقد) على حديث الثقة الضابط بالحسن؛ لأنه مثلا يرويه عن شيخ يضعف فيه نسبيا، كما أن الناقد قد يحكم على ما يرويه الثقة بالضعف لأن راويه وإن كان ثقة فهو مدلس وقد رواه بالعنعنة.
وقد يحكم الناقد على حديث تخلف فيه شرط من شروط الصحة، لمجيئه من طريق آخر مثله، أو أعلى منه فيكون صحيحا لغيره.
وكل هذا الذي ذكرناه لا يتعارض مع تعريف الصحيح؛ لأن التطبيق الاستثنائي لا يتعارض مع أصل التقعيد. ثم إن الأئمة يحكمون على ما جاء به الضعيف بأنه ضعيف لا يحتج به، وقد يقبلونه إذا تقوى بمجيئه من طريق آخر مثله أو أقوى منه، على تفصيل معروف في مظانه.
لكن الطامة التي يحاول هؤلاء الوصول إليها وتأصيلها، أن الأئمة المتقدمين قد يقبلون ما تفرد به الضعيف، وذلك من خلال شعور الناقد وإحساسه بأن الضعيف قد حفظ الحديث.
وللأسف يستدلون على هذا الكلام بأدلة يضعونها في غير مواضعها، فإذا قال الإمام أحمد في حديث الجمع بين الظهر والعصر: إنه من حديث داود بن قيس وليس من حديث ابن أبي ذئب، فليس مرد ذلك إلى معرفة عامة بالضرورة، بل إما أن يكون الإمام أحمد له معرفة خاصة بهذه الرواية أنها ليست من حديث وكيع شيخه، وإما أن يكون وكيع ذكر له أنه لم يسمع هذا الحديث من ابن أبي ذئب، أو أن ابن أبي ذئب صرح أنه لم يرو هذا الحديث مثلا؛ فيصدر من الإمام أحمد مثل هذه العبارة في حق الحديث.
وله وجه آخر: هو أن يكون الشيخ الراوي لا يحدث إلا من كتاب، ويكون الناقد قد عرف كتابه معرفة تامة، فيستطيع حينئذ تمييز ما نسب للشيخ من خطأ.
ومع هذا فليس لدينا دليل على أن كل عبارات الأئمة صدرت اعتمادا على نصوص وأدلة قاطعة، ونضرب مثلا بالإمام أحمد نفسه، قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قال لي أبي في مرضه الذي مات فيه: اضرب على هذا الحديث[28] فإنه خلاف الأحاديث عن النبي – صلى الله عليه وسلم – يعني قوله صلى الله عليه وسلم: «اسمعوا وأطيعوا» [29].
فهذا الحديث أمر الإمام أحمد بالضرب عليه من المسند، مع أنه في الصحيحين وغيرهما، وهو صحيح عند الأئمة. وبين الإمام أحمد نفسه سبب هذا، وهو أن لفظه خلاف المشهور من النصوص في السمع والطاعة.
وكما ترى فإن هذا الحكم من الإمام أحمد بسبب ظنه أنه يخالف المشهور الثابت عنه – صلى الله عليه وسلم – وليس عن دليل قطعي يصار إليه، فلعل الحديث لم يصح عنده، أو أنه رأى أنه لا يمكن أن يجمع بينهما فعمل بالترجيح، ولا شك أن الأمر بالسمع والطاعة متواتر اتفق أهل العلم عليه.
وعلى هذا فإن ما يصدر عن الأئمة ليس بالضرورة أن يكون عن علم خاص مستنده الخبر، يجب فيه تقليده، بل قد يكون مصدره اجتهادا خاصا ونوعا من النظر الذي لا يجب علينا تقليده، وإنما الحادي هو الدليل الحسي، ولم يلزمنا الله تعالى تقليد أحد اعتمادا على معرفته، وعلمه، ونظره، وتقواه، وورعه، كائنا من كان.
بالإضافة إلى أن مخالفة الرواية للمشهور عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أو عن الصحابي نفسه من قوله وعمله، هي قرائن أو ملابسات تثير الباحث للتفتيش والبحث، وليست – بالضرورة – سببا عند الأئمة في نقد الرواية وإعلالها بالشذوذ[30].
والأئمة قد رووا أخذ ابن عمر من لحيته، ولم يجعل أحد منهم ذلك قدحا في صحة حديث «أعفوا اللحى»[31]، وهو من رواية ابن عمر نفسه.
وأكثر من هذا أن الأئمة إذا جاءت الأحاديث التي يوهم ظاهرها التعارض جمعوا بينها، وإن كان أحدها من رواية ضعيف أو ثقة في روايته مدخل؛ أعلوا هذا بهذا، والسبب في هذا كله ما ذكرناه آنفا من أن الإسناد هو الركيزة الأساس في الحكم على الحديث.
والقول بأن ليس هناك حكم مطرد في قبول تفرد الثقة أو رد تفرد الضعيف عجيب جدا ممن يزعمون أن المتأخرين أفسدوا منهج نقد الحديث، وأن عملهم هذا تسبب في دخول الأحاديث الضعيفة على الأئمة.
والحق الذي لا مرية فيه أن أصل نظر الأئمة النقاد هو إلى الإسناد، فإذا صح الإسناد نظر في المتن والقرائن الأخرى، وإذا كان فيه ضعف أعرضوا عنه، حتى لو وافق ما يسمونه الواقع الحديثي والعملي؛ لأن الأمر ليس تجويزا عقليا كما يرددون، وإنما الأمر في نسبة القول إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – وكتب أهل الحديث مليئة بالأمثلة على أن الأئمة ردوا ما ضعف، ولو كان موافقا للواقع، ومتصل السند، ورواته عدول في دينهم.
قال محمد بن يحيى الذهلي: ولا يجوز الاحتجاج إلا بالحديث الموصول غير المنقطع الذي ليس فيه رجل مجهول، ولا رجل مجروح.
وقال أيضا: “لا يثبت الخبر عن النبي – صلى الله عليه وسلم – حتى يرويه ثقة، عن ثقة، حتى يتناهى الخبر إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – بهذه الصفة، ولا يكون فيهم رجل مجهول، ولا رجل مجروح، فإذا ثبت الخبر عن النبي – صلى الله عليه وسلم – بهذه الصفة وجب قبوله والعمل به وترك مخالفته” [32].
ومن الأمثلة التطبيقية التي تدل على أن الأئمة يعتمدون في الأصل على السند، وأن الحديث الذي ينفرد به الضعيف مردود – ما رواه ابن ماجه، قال: حدثنا محمود بن خالد، والعباس بن الوليد الدمشقيان قالا: حدثنا مروان بن محمد، حدثنا رشدين، أنبأنا معاوية بن صالح، عن راشد بن سعد، عن أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه» [33].
فهذا الحديث تتوافر فيه الشروط التي يزعمون أن المتقدمين يعتبرونها لتصحيح ما ينفرد به الضعيف، فالسند متصل، والرواة عدول، وهو لا يعارض الواقع الحديثي ولا العملي، بل معناه محل إجماع، وله شاهد صححه عدد من الأئمة، من حديث أبي سعيد الخدري، وهو حديث بئر بضاعة[34]المشهور، ومع هذا كله ماذا قال الأئمة؟!
قال الحافظ ابن حجر بعد أن ساق مرويات الحديث، مسندها، ومرسلها: “قال الدارقطني: ولا يثبت هذا الحديث. وقال الشافعي: ما قلت من أنه إذا تغير طعم الماء وريحه ولونه كان نجسا يروى عن النبي – صلى الله عليه وسلم – من وجه لا يثبت أهل الحديث مثله، وهو قول العامة لا أعلم بينهم خلافا.
وقال النووي: اتفق المحدثون على تضعيفه، وقال ابن المنذر: أجمع العلماء على أن الماء القليل والكثير إذا وقعت فيه نجاسة فغيرت له طعما، أو لونا، أو ريحا، فهو نجس”[35]، وإذا فتشت عن أمثلة أخرى فلن تعدم لذلك في كتب السنة.
والعجيب أنهم استدلوا على دعواهم بأن الإمام البخاري – رحمه الله – أخرج لبعض الضعفاء كفضيل بن سليمان، وإسماعيل بن أويس، وغيرهما، ومثله الإمام مسلم، وهذا لا يتم لهم بلا شك؛ لأن الكلام على انفراد الضعيف، والضعفاء الذين يزعمون أنهم في الصحيحين قد بين الأئمة أن مثل هؤلاء لم ينفردوا، بل تابعهم غيرهم، فضلا عن كونهم ذكروا في المتابعات، ولم يذكروا في أصول الكتابين، بالإضافة إلى أنهم ممن اختلف فيه النقاد، لا من المجمع على ضعفه، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن الصحيحين لهما مكانة خاصة؛ إذ إن أحاديثهما تأيدت بتلقي الأمة لها بالقبول، وهذا ما جعل النقاد يتوقفون في تضعيف ما جاء به الضعيف في الصحيحين؛ ولهذا لا نجد هذا التعامل مع ما أخرجه غير صاحبي الصحيحين [36].
وعلى اعتبار أن المتقدمين من نقاد الحديث كانوا يقبلون تفرد الضعيف بعد إعمال القرائن والمرجحات التي تثبت عدم خطأ الضعيف في هذا الحديث – وهذا على الاستثناء – فإن ذلك يعد خصيصة للمتقدمين دون غيرهم، لكونهم عاينوا أحوال الرواة حال روايتهم عنهم، وغالب ما يذكر من أمثلة في شأن قبول تفرد الضعيف، أن يكون هذا الضعيف شيخ الناقد الذي قبل حديثه، أو على الأقل قد عاصره، ليدلك هذا على أن الناقد الذي قبل هذا التفرد ترجح لديه عدم خطأ الضعيف في هذه الرواية، كقول سفيان الثوري: “اتقوا الكلبي. فقيل: فإنك تروي عنه؟! قال: أنا أعرف صدقه من كذبه”[37].
وهذا الأمر إذا تيسر للنقاد المتقدمين أمثال سفيان الثوري، فأنى للمتأخرين ذلك؟! فليس للمتأخر سوى الحكم على الرواية بمقتضى القواعد التي أرساها أهل هذا الفن من المتقدمين، والتي تنص على أن الأصل في حديث الثقة القبول، ما لم تقم قرينة تدل على أنه أخطأ، والأصل في رواية الضعيف الرد، ما لم يتابع، أو تقم قرينة على أنه لم يخطئ في هذا الحديث. وتصير أقوال النقاد المتقدمين في حق هؤلاء الرواة حال تفردهم هي القرينة لدى المتأخر، وإلا فهناك أصل عام بقبول رواية الثقة ورد رواية الضعيف.
وهذا ظاهر لا إشكال فيه، وليس فيه ما يدل على تباين منهج النقد بقدر ما يوضح فضل المتقدم، وسعة علمه بأحوال الرواة، لكونه معاينا لهم، وهذا بدوره لا يقدح في المتأخر ولا يشينه، فهذا فضل الله يؤتيه من يشاء.
فليس من الحكمة إذن أن يقال: “ليس هناك حكم مطرد بقبول تفرد الثقة، أو رد تفرد الضعيف”[38]؛ لأن إطلاق الكلام بهذه الطريقة يعد قدحا في منهج النقد الحديثي عند المتقدمين والمتأخرين على حد سواء.
وإنما ينبغي أن يراعى أن هناك أصلا يرجع إليه، وهو قبول رواية الثقة، فإن قامت قرينة على خطأ الثقة فترد روايته على الاستثناء، وكذلك فإن الأصل في رواية الضعيف الرد، ما لم تقم قرينة تستوجب قبولها. فقبول روايته بناء على القرائن خلاف الأصل؛ لأن “الحديث الذي يتفرد به الراوي الضعيف ولا يوجد له أصل من غير طريقه، فهذا منكر لمجرد تفرد الضعيف، وإن لم يخالف”[39].
ومن هذا نخلص إلى أن دعوى تصحيح المتقدمين حديث الضعيف حال تفرده مردودة، ومنشؤها إنما هو خيال هؤلاء المدعين الذين عجزوا عن أن يأتوا بشاهد أو قول لأحد المتقدمين يثبت صحة ما ذهبوا إليه، فلم يفعلوا ولن يفعلوا؛ لأن قواعد النقاد ثابتة وواضحة يعلمها كل من له دراية بهذا الفن، والاستثناء لا يقدح في أصل القاعدة، ولا يقاس عليه، ولا يؤخذ منه حكم عام. وهذا واضح كما بينا.
المسألة الثالثة: دعوى قبول المتأخرين زيادة الثقة على الإطلاق على خلاف صنيع المتقدمين.
زعم هؤلاء المتوهمون أن حكم زيادة الثقة في كتب المصطلح متفاوت؛ حيث يوافق حينا منهج المحدثين النقاد في التصحيح والتضعيف، وحينا طريقة الفقهاء والمتأخرين، وربما اتخذ منهجا متوسطا بينهما.
مما نجم عن ذلك آثار سلبية – على حد زعمهم – تعاني منها الأمة الإسلامية في كثير من المجالات الشرعية، ومن أخطرها ما نلمسه في كتب بعض المعاصرين من إطلاق القول بأن زيادة الثقة مقبولة، كما هو مقرر في كتب المصطلح، ليتخذوا ذلك ذريعة لتصحيح ما أعله نقاد الحديث من زيادات الثقات؛ إذ يكمن في ذلك طمس تدريجي لأهم معالم النقد عند المحدثين[40].
والحق أن استغلال مثل هذه المسائل في إيضاح التباين المنهجي بين النقاد المتقدمين، وبين من خلفهم من المتأخرين، نوع من الوهم الذي لا يعتمد إلا على خلط الأوراق وعدم استيعاب كلام الأئمة النقاد.
فمعلوم أن الفقهاء لا عبرة بخلافهم في هذا المجال؛ لأنهم ليسوا من أهل تلك الصناعة سواء في ذلك متقدمهم ومتأخرهم.
وقد تقدمت الإشارة إلى أن كثيرا من الفقهاء المتأخرين كتب في مصطلح الحديث من الناحية النظرية، وظل تناولهم للمرويات على طريقة الفقهاء من ناحية التطبيق، ومن هؤلاء النووي، وابن كثير، والبلقيني، وابن دقيق العيد، والمناوي، وغيرهؤلاء.
فوقع الخلط وسوء الفهم[41]، واعتبر المدعون أن هذا الصنيع حجة على قواعد النقد الحديثي، حتى جعلوا فعل هؤلاء الفقهاء نوعا من التباين في المنهج، وكيف يستقيم هذا، والقول في أصول هذا الفن لا يؤخذ إلا من محدث صرف، فهم أهل المنهج، ولا عبرة بخلاف من ليس منهم؟!
“ومن المعلوم أيضا لدى المتخصصين في هذا العلم أن علوم الحديث وأنواعها بينها تداخل ونقاط اشتراك، فإذا قيل: “زيادة الثقة”؛ فإن من زيادة الثقة ما يكون داخلا في الشاذ، وإذا قيل: “منكر”؛ فإن من المنكر ما تكون نكارته زيادة في السند، ونحو هذا معلوم، وليس في هذا عجب، فكل العلوم كذلك، وإنما يلجأ أئمة الفن المعين إلى التقسيم والتنويع لتسهيل فهم كلام الأئمة، وليس تقصير الدارسين في فهم كلام الأئمة حجة عليهم، بل ما شرحت المتون، والمختصرات، والمقدمات إلا من أجل حسن فهم كلام الأئمة وتنزيله منزلته، وإلا فهم يعلمون حقيقة التداخل والاشتراك بين أنواع الحديث، وإنما كان تقسيمهم وتنويعهم بحسب ما يظنون أنهم يميزون ويشرحون دقائق الفن.
وانظر إلى ابن الصلاح حين قال في مقدمته بعد ذكر أنواع الحديث: “وذلك آخرها وليس بآخر الممكن في ذلك، فإنه قابل للتنويع إلى ما لا يحصى؛ إذ لا تحصى أحوال رواة الحديث وصفاتهم، ولا أحوال متون الحديث وصفاتها، وما من حالة منها ولا صفة إلا وهي بصدد أن تفرد بالذكر وأهلها، فإذا هي نوع على حياله”[42].
وقال ابن كثير: “ونحن نرتب ما نذكره على ما هو الأنسب، وربما أدمجنا بعضها في بعض؛ طلبا للاختصار والمناسبة، وننبه على مناقشات لا بد منها” [43].
وقال الحافظ ابن حجر: “اعترض عليه – يعني ابن الصلاح – بأن كثيرا من هذه الأنواع متداخل، لصدق رجوع بعضها إلى بعض، كالمتصل بالنسبة إلى الصحيح، وكالمنقطع والمعضل والمعنعن والمرسل والشاذ والمنكر والمضطرب، وغيرها من أقسام الضعيف، والجواب عن هذا: أن المصنف لما كان في مقام تعريف الجزئيات انتفى التداخل، لاختلاف حقائقها في أنفسها بالنسبة إلى الاصطلاح، وإن كانت قد ترجع إلى قدر مشترك” [44].
فكما نلاحظ أن مسألة التداخل، والاشتراك، ووحدة الموضوع، لم تكن غائبة عن أئمة الفن، ولكنهم في مقام تفصيل وبيان للأنواع بسماتها الأساسية التي لم تبين حقائقها مجردة، وهذا كله أمر ذهني لا يؤثر في التطبيق، اللهم إلا عند المبتدئ، أما الممارس الناقد – كهؤلاء الأئمة أنفسهم – فأعمالهم تشهد بذلك[45].
ثم إن الادعاء بأن الأمة الإسلامية تعاني في كثير من المجالات الشرعية من أثر الغموض في زيادة الثقة، زعم لم يتكلم بمثله أحد من الأئمة ولا العلماء أهل الثقة في هذا العلم.
أما ما يتعلق بمسألة زيادة الثقة، وأن المتأخرين والمعاصرين يقبلونها على الإطلاق، على عكس المتقدمين الذين قيدوا قبولها بالقرائن والملابسات، فيقال: لا بد من معرفة أن المتقدمين نقلت عنهم أقوالهم في النقد من طريقين:
الأولى: من أقوالهم المبثوثة في كتب الجرح والتعديل، والعلل والسؤالات، أو الأجزاء الحديثية.
والأخرى: من طريقتهم العملية في نقد الأحاديث.
والمتقدم في مسألة زيادة الثقة – كسائر الأنواع – يسير على أصول وقواعد، والأصل عنده هنا أن زيادة الثقة مقبول؛ لأن مدار الرواية أصلا على الراوي، ومدار القبول في الرواة من عدمه هو الثقة في الراوي، فهذا أصل في كل ما يرويه الثقة، سواء كان حديثا مستقلا، أو زيادة في حديث، وكل ما يقال من أسباب في زيادة الثقة يمكن أن يقال في الحديث الذي ينفرد به، وإن كانت زيادة الثقة أمرها أدق.
فالنقاد من المحدثين كانوا لا يسيرون على ظاهر الرواية ويكتفون بها، بل لا بد من أن يقوموا بعملية سبر للمرويات والطرق، ومقارنة بعضها ببعض للتأكد من كون الحكم المتبادر من ظاهر الرواية غير مطعون فيه بعلة خفية، وأن الأصل الذي يبنون عليه سليم من الخطأ الذي لا يرى من ظاهر الحال، وهذا الأمر يفعلونه مع الراوي الثقة إذا انفرد بحديث، أو انفرد بزيادة.
وقد صرح بعضهم بقبول زيادة الثقة في مواضع، كقول الإمام البخاري: “الزيادة من الثقة مقبولة”[46].
وقول الإمام مسلم: “والذي نعرف من مذهبهم في قبول ما يتفرد به المحدث من الحديث أن يكون قد شارك الثقات من أهل العلم والحفظ في بعض ما رووا، وأمعن في ذلك شيئا ليس عند أصحابه قبلت زيادته”[47].
فهذه النصوص الصريحة تدل على أن الأصل عندهم هو قبول زيادة الثقة، لا سيما كلام الإمام مسلم، فإنه قاله في معرض التأصيل، لا في سياق الحكم على حديث.
والذي أوجب لهؤلاء الواهمين هذا الخلط ما ورد عن النقاد من أنهم يجرون بحثهم في القرائن المحتفة بالرواية، فتارة يقبلون زيادة الثقة، وتارة يردونها، وهذا لا يناقض ما ذكرناه عنهم.
فالمتقدمون حيث يجدون ما يرجح كون الزيادة خطأ يردونها، ولو من ثقة حتى لو لم تكن مخالفة لحديث الثقات، وإن وجدوها صحيحة سالمة من العلة حكموا بصحتها جريا على الأصل.
وإذا كان الأمر كذلك، فمقولة: “الزيادة من الثقة مقبولة” هي بهذا القيد الذي ذكرناه: أي بعد التأكد من سلامتها من العلة. فقول المعاصرين ومن قبلهم من أئمة المصطلح: “إن زيادة الثقة مقبولة”، لا يخالف قول أئمة النقد المتقدمين، ولا طريقتهم العملية في نقد الحديث، والتقعيد والتأصيل يستلزم هذا بلا شك.
والعجب العجاب أن يتهم المتأخرون في هذا بسبب قراءتهم المتعجلة لكتب المتقدمين!
والسؤال الآن: من هم هؤلاء الأئمة المتأخرين الذين قرءوا كتب المتقدمين قراءة متعجلة؟!
هل يقصد بهم الإمام الذهبي أعجوبة زمانه، أو ابن الصلاح أو الحافظ ابن حجر، أو السخاوي، أو العراقي، أو العلائي، أو غيرهم من أئمة هذا الفن، انتهاء بأبي الأشبال الشيخ أحمد شاكر، والشيخ الألباني، مـحدثي العصر؟!
فهل نترك فهم هؤلاء الأكابر – رحمهم الله – من أجل فهم هؤلاء الأصاغر المدعين ممن أعمارهم كاملة قد لا تساوي مدة الدراسة العلمية التي قضاها أحد هؤلاء الأئمة في البحث العلمي في التخصص ذاته؟!
“إنهم العلماء الذين صنفوا في الاصطلاح، ونقلوا لنا ما فهموه من نصوص العلماء السابقين، وصاغوه قواعد في النقد، هي بداية المجتهد، ونهاية المقتصد لمن وعى منهم”[48].
وخلاصة القول أن هؤلاء الواهمين قد وقعوا أسرى للفهم الخاطئ، وهو ظنهم أن وضع القواعد يلزم منه الاطراد مطلقا، وهذا خطأ؛ فإن قواعد المصطلح كسائر القواعد في العلوم الأخرى، إنما تضبط الأصل، وتجمع المتشابه تحت عناوين متوافقة، لكن العمل التطبيقي يضطر الباحث إلى الخروج عن القاعدة لمعنى خاص بمسألة معينة، وهذا الخروج الجزئي لا يلغي صحة القاعدة وانضباطها، والأمر هنا كذلك[49].
ولا يخفى على أحد أن المتأخرين الذين أصلوا وقعدوا هذه القواعد إنما قعدوها من خلال نظرتهم في كلام المتقدمين من أئمة الحديث، وأخذهم من أقوالهم وأحكامهم على الروايات ونقدهم لها، مجموعة من القواعد والأصول التي يرجع إليها طالب الحديث كأصل ينطلق منه في تصوره لمعايير النقد وضوابطه، وهذه الأصول – بلا شك – متفقة من حيث النظرية مع منهج المتقدمين، وإلا كان ذلك تهمة للمتقدمين أنفسهم.
والذي يوحي بمخالفتهم لهم في التأصيل، هو الجمود على القاعدة والتحاكم والإلزام بها، وهو خطأ في التطبيق، وإلا – كما هو معروف – فإن القواعد يلزم بها المبتدئ القاصر غير المتمرس، أما المتمرس ومن تكونت له ملكة النقد والذوق العلمي فديدنه أن لكل قاعدة استثناء، والاستثناء الذي يكون لمعنى وقرينة راجحة لا يعارض الأصل.
وهذا هو الخطأ الذي يقع فيه من يفصل ويفرق بين المنهجين، فإذا نظرنا إلى تعامل المتقدمين مع زيادة الثقة من خلال العمل بالقرائن المحتفة بتضعيف زيادة الثقة؛ يظن أن ذلك يعارض وضع المتأخرين لقاعدة “زيادة الثقة مقبولة”، والأمر ليس كذلك؛ لأن المتأخرين يضعفون زيادة الثقة إذا قامت القرينة على خطأ الثقة وضعف زيادته، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن المتقدم في تضعيفه لهذه الزيادة يعتبر نفسه خارجا عن القاعدة لمعنى، بدليل أنه في زيادة الثقة لا يبحث عن قرينة لصحة الزيادة، وإنما يبحث عن قرينة تضمن أن الثقة لم يخطئ في زيادته هذه، أو قرينة تدل على أنه أخطأ فعلا، فإذا لم يجد ما يدل على خطئه، أو حفظه لها؛ مشى على الأصل وهو قبول الزيادة؛ ولهذا يعلل الحفاظ المتقدمون قبول زيادة الثقة بكونه ثقة، هذا إذا قبلها، وإلا بين خطأها، فهل وجدنا حافظا أو إماما توقف في زيادة ثقة لكونها زيادة فحسب؟! وهذا يعني أن المتقدم كان لديه أصل، لا يحكم به إلا إذا عرف أن هذا الأصل سالم من علة قادحة[50].
وليس أدل على صدق هذا القول مما ذكره الخطيب البغدادي (ت463هـ) في معرض حديثه عن خبر العدل إذا انفرد برواية فيها زيادة لم يروها غيره؛ حيث قال: “قال الجمهور من الفقهاء وأصحاب الحديث: زيادة الثقة مقبولة إذا انفرد بها”. ثم حكى بعض الأقوال وعقب عليها قائلا: “والذي نختاره من هذه الأقوال: أن الزيادة الواردة مقبولة على كل الوجوه، ومعمول بها إذا كان راويها عدلا حافظا، ومتقنا ضابطا، أحد هذه الوجوه: اتفاق جميع أهل العلم على أنه لو انفرد الثقة بنقل حديث لم ينقله غيره لوجب قبوله، ولم يكن ترك الرواة لنقله إن كانوا عرفوه، وذهابهم عن العلم به معارضا له، ولا قادحا في عدالة راويه، ولا مبطلا له، فكذلك سبيل الانفراد بالزيادة… ويدل أيضا على صحة ما ذكرناه أن الثقة العدل يقول: سمعت وحفظت ما لم يسمعه الباقون، وهم يقولون: ما سمعنا ولا حفظنا، وليس ذلك تكذيبا له، وإنما إخبار عن عدم علمهم بما علمه، وذلك لا يمنع علمه به؛ ولهذا المعنى وجب قبول الخبر إذا انفرد به دونهم، ولأجله أيضا قبلت الزيادة…” [51].
وهذا القول هو قول أحد أئمة المتقدمين المرجوع إليهم في قواعد هذا الفن وأصوله.
فزيادة الثقة عند المتقدمين مقبولة؛ أي إذا سلمت من الشذوذ والعلة، فهي إذن قاعدة مقيدة يعمل بها في ضوء شروط الصحيح، ومنها عدم الشذوذ والعلة.
وإذا خالف بعض المتأخرين هذا في بعض المواضع، فذلك راجع إلى التساهل في النقد، تماما كما يتساهلون في تصحيح الأحاديث التي ينفرد بها الثقة، مع أنهم يشترطون خلوها من الشذوذ والعلة[52]، وليس هذا من قبيل التباين المنهجي في شيء.
المسألة الرابعة: الادعاء أن منهج المتأخرين ليس موافقا لعمل المتقدمين في مجال تقوية الحديث بالشواهد والمتابعات.
توهم بعض هؤلاء أن “ما أعله النقاد المتقدمون من الأحاديث يكون في نظر المعاصرين صحيحا لغيره، وإن كان راوي هذا الحديث صدوقا، أو حسنا في حال كون راويه ضعيفا غير متروك، وعلى هذا جرى كثير من المتأخرين أيضا، لا سيما فقهاؤهم”[53].
والحق أنه قد وقع نوع من الإسراف لدى المتأخرين، والمعاصرون منهم على وجه الخصوص، وذلك عند بعض الباحثين والمعلقين على كتب التراث، في إعمال القواعد النظرية في هذا الباب، دونما نظر في الشرائط المعتبرة التي وضعها أهل العلم لهذه القواعد.
فمنشأ الخلل فيه من قبل بعض الباحثين هو ممارسة الجانب العملي فيه استقلالا دون الرجوع إلى أئمة العلم لمعرفة كيفية ممارساتهم العملية.
فكما أن القواعد النظرية لهذا العلم تؤخذ من أهله المتخصصين فيه، فكذلك ينبغي أن يؤخذ الجانب العملي منهم، لا أن تؤخذ منهم فقط القواعد النظرية، ثم يتم إعمالها من غير معرفة بطرائقهم في إعمالها وتطبيقها وتنزيلها على الأحاديث والروايات[54].
فنحن نتفق في كل هذا مع من عاب على بعض المتأخرين المتساهلين في هذا الجانب، ولكن، وحتى لا نلقي الكلام على عواهنه، ينبغي أن نضع علامات فاصلة لنزيل اللبس، ونمنع الخلط، ونضرب على يد كل من أراد بهذا الكلام تشويه صورة المتأخرين النقاد، محاولا إظهار اضطراب منهجهم النقدي، ومخالفتهم لأسلافهم من النقاد المتقدمين.
والسؤال الآن: هل كل المتأخرين تساهلوا في هذا الباب، حتى صار لهم منهجا وعلامة؟ أو أن هذا التساهل كان سمة بعض المعاصرين – لا نقول المتأخرين – الذين لم يتأهلوا تأهيلا كاملا، ولم يتمرسوا على قواعد هذا الفن تمرس الخريت الذي يعلم دقائقه وأغواره؟!
إن وصف جمهور المتأخرين بالتساهل في هذا الجانب مغالطة كبيرة؛ لأن لفظة المتأخرين تشمل ابن الصلاح، والحافظ العلائي، والحافظ الذهبي، والحافظ ابن حجر، والعراقي، والسخاوي، والسيوطي، وغيرهم من أساطين هذا الفن، وكذلك لو نظرنا إلى النقاد المعاصرين وجدناهم قد تنبهوا إلى هذا التساهل، ومن هؤلاء الشيخ المعلمي اليماني، والشيخ أحمد شاكر، والشيخ الألباني، فحذروا من هذا التساهل، ومن الاغترار به.
يقول الشيخ أحمد شاكر: “أما إذا كان ضعف الحديث لفسق الراوي أو اتهامه بالكذب، ثم جاء من طرق أخرى من هذا النوع، فإنه لا يرقى إلى الحسن، بل يزداد ضعفا إلى ضعف، إذ إن تفرد المتهمين بالكذب أو المجروحين في عدالتهم بحديث لا يرويه غيرهم، يرجح عند الباحث التهمة، ويؤيد ضعف روايتهم” [55].
ويقول الشيخ الألباني: “لا بد لمن يريد أن يقوي الحديث بكثرة طرقه أن يقف على رجال كل طريق منها، حتى يتبين له مبلغ الضعف فيها، ومن المؤسف أن القليل جدا من العلماء من يفعل هذا، ولا سيما المتأخرين منهم؛ فإنهم يذهبون إلى تقوية الحديث لمجرد نقلهم عن غيرهم أن له طرقا، دون أن يقفوا عليها ويعرفوا ماهية ضعفها! والأمثلة على ذلك كثيرة…” [56].
وذكر الدكتور المرتضى الزين أحمد في كتابه “مناهج المحدثين في تقوية الأحاديث الحسنة والضعيفة” أنه استشار الشيخ الألباني عن الكتابة في هذا الموضوع، فقال له الشيخ الألباني: “هذا موضوع مهم إذا أتقن؛ لأن الناس يضطربون في هذا الباب كثيرا”[57].
ومن هذا يتبين لنا أن كثيرا من النقاد المتأخرين والمعاصرين تنبهوا إلى هذا التساهل والاضطراب في هذا الباب.
فهل من العدل أن نصف كل المتأخرين أو أكثرهم بأنهم كانوا من المتساهلين أوالمضطربين في تقوية الحديث بالشواهد والمتابعات؟! لكن السؤال الذي يعنينا الآن: هل اضطراب بعض المعاصرين وتساهلهم في تقوية الأحاديث بالشواهد والمتابعات ومخالفتهم لأحكام المتقدمين من نقاد الحديث يعد من مفارقات المنهج التي نعتبرها من التباين المنهجي بين المتقدمين والمتأخرين في النقد الحديثي؟!
ولكي نكون منصفين في الإجابة عن هذا السؤال لا بد أن نقر بأنه في بعض الحالات يجنح الناقد إلى غض الطرف أو التساهل في نقد الحديث إذا كان الحديث موافقا لمذهبه، وفي هذا يكمن الخلل الذي غفل عنه من ادعى اختلاف المناهج.
أما المحدثون الذين عرف إنصافهم واتباعهم الدليل، والتحري الفاحص القائم على الاجتهاد الحر، واقتفاء أثر الأسلاف من النقاد؛ فلا يعرف عنهم مثل هذا التساهل.
أما مسألة تسليم المتأخر دون نقاش بكلام المتقدم في مجال النقد لكون المتقدم أوسع حفظا وأكثر فهما، فهذا موجود لدى المتأخرين النقاد، لكنه ليس على الإطلاق.
فالدارقطني تتبع الشيخين، ولم يجابه الدارقطني بأن الشيخين لهما شعور نقدي يجب التسليم لهما به، وإنما جلالة الصحيحين وتلقي الأمة لهما بالقبول هو الذي قام في وجه الدارقطني.
وإن كان الأمر كذلك فلا ضير في نقد المتقدم ومخالفته ممن تأخر، سواء كان ذلك من متأخر قريب منهم كالدارقطني، أو من جاء بعده، فكلاهما سواء، والحجة قائمة على الخلق كلهم بالدليل والبرهان؛ “لأن كثيرا من الأحاديث التي صححها المتقدمون اطلع غيرهم من الأئمة فيها على علل تحطها عن رتبة الصحيح” [58].
علينا – إذن – أن ننظر بشمولية أكثر لتاريخ العلوم وتطورها في شتى المجالات، وليس في هذا ما يغض من شأن المتقدم ومنزلته، بل هكذا تعامل المتقدمون مع من تقدمهم.
وأخيرا نقول: إن هذا الذي ذكرناه في نفي شبهة التباين المنهجي بين المتقدمين والمتأخرين في معايير النقد والحكم على المرويات، ورددنا به هذه الدعوى في وجه أصحابها، لا ينفي أن أصحاب هذا الاتجاه إنما قالوا ما قالوا لأنهم مخلصون للسنة وأهلها، حريصون على السنة من أن تشوبها شائبة، وهو نفس الحرص الذي حدا ببعض الفقهاء والنقاد – كابن الصلاح – إلى غلق باب الاجتهاد، وإلزام الناس بتقليد المتقدمين من الأئمة، ولكن هذا مع الأسف لا يصح، نعم نقول: إذا دار الأمر بين الانفلات وبين التقليد، فتقليد المتقدمين أولى – خصوصا في الحديث – ولكن هذا لا يعني إلزام طلبة العلم – مثلا – بتقديم قول المتقدم مطلقا.
ونؤكد كذلك على أن المتقدمين أصل في كل شيء، في الحديث، وفي الفقه، وفي المنهج…، ولكن هذا يعد قاعدة كلية، ومنطلقا للدراسة والبحث، أما في التطبيق والجزئيات، فقد تختلف الأنظار؛ فيسوغ الاختلاف، وتصح المقارنة[59].
مثال تطبيقي:
ونذكر هنا مثالا واحدا من الأمثلة التي استدل بها أصحاب هذا الاتجاه على التباين المنهجي بين المتقدمين والمتأخرين في معايير النقد والحكم على المرويات[60]؛ لنثبت أن هذا ليس من الاختلاف المنهجي بينهما، وإنما هو من الخلاف النوعي.
وهذا المثال هو حديث عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – في تطليق امرأته وهي حائض. وهذا الحديث رواه عن ابن عمر عدد من الأئمة بألفاظ متقاربة، أنه قال: «طلقت امرأتي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم – وهي حائض – فذكر ذلك عمر لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: مره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء» [61].
والخلاف الذي وقع بين الأئمة إنما سببه، هل هذه الطلقة حسبت أو لم تحسب؟ فلهذا الحديث روايات متعددة، وألفاظ كثيرة في كتب السنة، وقع في بعض طرقها الموقوفة أن ابن عمر صرح بأنها حسبت عليه تطليقة، ثم إن هناك رواية من طريق ابن جريج عن أبي الزبير أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن يسأل ابن عمر عن ذلك، وأن ابن عمر أخبره أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أمره بمراجعتها، وقال عبد الله: «فردها علي ولم يرها شيئا»[62].
والزيادة التي في آخر الحديث “فردها علي ولم يرها شيئا” أنكرها علماء الحديث المتقدمون على أبي الزبير، في الوقت الذي ثبتت فيه ثقة أبي الزبير وتثبته، وتصريحه بالسماع في هذه الرواية.
وهو الأمر الذي جعل بعض المتأخرين يذهب إلى إثبات هذه الزيادة، ومن هؤلاء: شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وابن حزم الظاهري، والشيخ أحمد شاكر، وغيرهم.
وسبب الطعن هنا هو مخالفة هؤلاء الأئمة المتأخرين للمتقدمين النقاد الذين أعلوا هذا الحديث، واعتبر المدعون أن من خلال هذه الموازنة بين النصوص يتجلى الفارق المنهجي بين المتقدمين والمتأخرين في التصحيح والتضعيف[63].
والذي يهمنا في مثل هذا المثال أن نبين أن الأئمة المتأخرين الذين خالفوا من أعل الحديث من المتقدمين لم يخالفوهم بناء على النظر السطحي كما يزعم المدعون بالاختلاف المنهجي، بل المطلع على كلام ابن القيم، وشيخ الإسلام ابن تيمية، والشيخ الألباني؛ يعلم تماما أنهم ناقشوا نقاشا يدل على تضلع وممارسة ونقد.
والنقد ليس فقط هو الذي ينتهي بصاحبه إلى التعليل، وبيان الخطأ والشذوذ، بل النقد هو عرض الرواية على ميزان النظر والتحليل المبني على منهج متبع، من خلال تصرف الأئمة المحدثين، فربما تكون نتيجة إيجابية؛ أعني أن يجد الناقد من القرائن والأدلة ما يجعله يجزم أو يغلب على ظنه أن الرواية صحيحة محفوظة، أو ضعيفة معلولة.
وقد تكون نتيجة النقد سلبية، وهو أن يقف الناقد عاجزا عن إعمال القرائن، أو كشف الملابسات لخلو الحال منها، فحينئذ يعتمد على الأصل، وهو سلامة الظاهر؛ أي ثقة الرواة، واتصال السند، لكن الغلط حصل من توهم أن المتأخرين حكموا على رواية أبي الزبير أو غيرها مما يخالفون فيه بناء على ظاهر السند، وأنهم يعملون الأصل قبل النظر في القرائن والملابسات. وهذا التوهم مبني على مقدمة، وهي أن قول المتقدم على رواية ما إنها خطأ يعني أنها خطأ فعلا. وهذا موضع الإشكال.
فإن الذي خالف المتقدم من المتأخرين يعتقد أن قول المتقدم ما هو إلا قوله، ولا يعني أن الرواية خطأ، وبناء على ذلك يعمل نظره هو باستقلالية، فينظر في الرواية: هل هي خطأ أو لا؟ فقد يوافق المتقدم وقد يخالفه، وفي النهاية هو لم يخالف المتقدم في منهج النقد[64].
ولو نظرنا نظرة إنصاف في موقف المتأخرين؛ لوجدناه متنوعا إلى حد ما، فابن القيم يصحح حديث أبي الزبير ويبني عليه حكما شرعيا، وهو متابع فيه شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله[65].
“أما الشيخ ناصر – أي الألباني – فإنه وإن صحح حديث أبي الزبير؛ فهو مبني على أكثر من مقدمة؛ فهو أولا: نظر إلى معنى حديث أبي الزبير فرأى أنه ليس صريحا في عدم إيقاع الطلاق. وثانيا: أن إسناد حديث أبي الزبير صحيح على شرط الصحيح، كما قال ابن حجر أيضا”[66].
وإسناد “بهذه القوة، ورجل مثل أبي الزبير إذا استطاع الناقد أن يجد لقوله محملا سائغا، فهو أولى من الحكم عليه بالخطأ والشذوذ. ومن هنا خرج الشيخ – أي الألباني – بنتيجة مؤداها أن روايات إيقاع الطلاق هي المعتمدة لوجود ما يدعمها من الموقوفات عن ابن عمر، وهي في حكم المرفوع عند الشيخ، ولأن رواية أبي الزبير – وهي المهمة هنا – لا تخالف من حيث المعنى، بل هي قابلة للتأويل، كما جاء عن الإمام الشافعي، بمعنى أنه لم يرها شيئا صوابا[67].
أما كلام ابن القيم، وشيخ الإسلام ابن تيمية من قبله، فترجيحهم لرواية أبي الزبير ليس – كما قيل – قائما على ظاهر أحوال الرواة، بل هو قائم على نظر عميق في روايات الحديث.
فابن القيم نظر إلى الروايات ورأى أنها ثلاثة أقسام:
- مبهمة لا يفهم من ظاهرها وقوع الطلاق.
- ورواية صريحة بوقوع الطلاق.
- ورواية صريحة بعدم الوقوع، وهي رواية أبي الزبير.
فوجد ابن القيم أن الروايتين الصريحتين متعارضتان ومن ثم يحتاج إلى الترجيح من خارج، ثم توسع في بيان رجحان عدم الوقوع من خلال النظر في مدلولات النص، مما يدلك على أن تصحيح ابن القيم قائم على نظر ونقد حديثي وفقهي، وهو في النهاية اجتهد وأخطأ على أسوء تقدير، أما أن يقال عن كلامه: إنه مجرد اعتماد على ظاهر السند مع ما في هذا الحديث من لغط، فهذا بخس لابن القيم – رحمه الله[68].
ومن هنا وقع الخطأ على الأئمة المتأخرين حين قيل: إنهم خالفوا الأئمة المتقدمين في منهج النقد، فالصحيح أنهم خالفوهم في أحكامهم في بعض المسائل، ولم يخالفوهم في منهج النقد نفسه، والخلاف إنما هو في اعتبار المرجحات والقرائن بين قبولها وردها، وليس في قواعد النقد وأصوله، والأمر في النهاية دائر على الاجتهاد السائغ، وصاحبه معذور فيه.
ولله در ابن القيم حين قال: “ولكل من الناس مورد لا يتعداه، وسبيل لا يتخطاه، ولقد عذر من حمل ما انتهت إليه قواه، وسعى إلى حيث انتهت خطاه” [69].
ثم قال في خاتمة المسألة: “فهذا منتهى أقدام الطائفين في هذه المسألة الضيقة المعترك، الوعرة المسلك، التي يتجاذب أعنة أدلتها الفرسان، وتتضاءل لدى صولتها شجاعة الشجعان، وإنما نبهنا على مأخذها وأدلتها؛ ليعلم الغر الذي بضاعته من العلم مزجاة، أن هناك شيئا آخر وراء ما عنده، وأنه إذا كان ممن قصر في العلم باعه، فضعف خلف الدليل، وتقاصر عن جني ثماره ذراعه، فليعذر من شمر عن ساق عزمه، وحام حول آثار رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وتحكيمها، والتحاكم إليها بكل همة، وإن كان غير عاذر لمنازعه في قصوره ورغبته عن هذا الشأن البعيد، فليعذر منازعه في رغبته عما ارتضاه لنفسه من محض التقليد، ولينظر مع نفسه أيهما هو المعذور، وأي السعيين أحق بأن يكون هو السعي المشكور، والله المستعان، وعليه التكلان، وهو الموفق للصواب الفاتح لمن أم بابه، طالبا لمرضاته من الخير كل باب”[70].
ولعله قد استبان بوضوح من هذا المثال أن دعوى تباين النظر بين بعض المتأخرين وبعض المتقدمين صحيحة، أما كونه تباينا في المنهج النقدي فلا دلالة فيه ألبتة إلا على أوهام قائمة في ذهن هؤلاء ومن تبنى معهم هذا الفكر.
الخلاصة:
- إن المتأمل في مسيرة السنة النبوية منذ عصر الرواية إلى وقتنا الحاضر، لا بد أن يلاحظ وجود نوع من الاختلاف في الأحكام النهائية على بعض الأحاديث بين نقاد الحديث في عصور الرواية، وبين من تلاهم في هذا الفن بعد هذه العصور إلى وقتنا الحاضر.
- إن هذا الأمر أثار في نفوس كثير من العلماء والباحثين السؤال التالي: هل هذا الاختلاف سببه اختلاف الاجتهاد في تطبيق قواعد متفق عليها بين الجميع، أو أن سبب هذا الاختلاف مبني على اختلافهم في تقرير القواعد والضوابط التي على أساسها تصحح الأحاديث وتضعف، وأن المتقدمين كانوا يسيرون على قواعد، ما لبثت أن أغفلت عند المتأخرين، أو هذبت حتى لم يبق فيها روح، وحل محلها قواعد جديدة؟
- لقد أجاب قوم عن هذا الخلاف وقالوا: إن سبب ذلك راجع إلى اختلاف اجتهاد الأئمة في تطبيق قواعد لا يختلفون عليها، وإنما وقع الاختلاف في الاجتهاد في تطبيقها، وباب الاجتهاد لا يصح إغلاقه، بل قد يكون مع المتأخر زيادة علم.
- لقد رفض بعض المنتسبين لهذا العلم هذا الجواب، وقالوا: إن الأمر راجع في حقيقته إلى اختلاف في القواعد، إما عن عمد؛ كأن يقول المتأخر: ذهب المحدثون إلى كذا، والصواب خلافه، وإما عن غير عمد، بحيث يسير على قاعدة يظن أن المتقدم يسير عليها أيضا.
- ارتكز هؤلاء الواهمون في دعواهم على نصوص ونقولات كثيرة إنما هي من أقوال المتأخرين، ثم استدلوا بهذه النصوص على أن هؤلاء المتأخرين خالفوا المتقدمين في المنهج.
- إنه من العجيب أن الواهمين أوردوا أكثر من أربعين قولا ليدللوا على أن استخدام لفظة المتقدمين والمتأخرين شائعة في كتب المصطلح وعلوم الحديث وغيرها، وإنما مجال الاعتراض هو ابتكار فكرة التباين المنهجي بين المتقدمين والمتأخرين واختراعها.
- لقد وقع الواهمون في تناقض واضطراب في اصطلاحهم وتفريقهم هذا، فإنهم يقولون إن مرادهم بالمتأخرين إنما هم الفقهاء والأصوليون، فإن كان قصدهم كما زعموا فلماذا شنوا الغارة على المحدثين المتأخرين؟! ولماذ وضعوا المائة الخامسة حدا فاصلا بين مرحلة الرواية ومرحلة ما بعد الرواية؟!
- لقد كان غالب النصوص التي استدل بها الواهمون تتعلق بالرواية والتحمل والأداء، وهذه الأمور اختص بها المحدثون، فلماذا كان ذلك؟!
- إن كلام الأئمة الذي جاء فيه لفظة “المتأخرين” كانوا يعنون بها أهل الحديث لا الفقهاء.
- إذا حاولنا أن نقيم موازنة بين مرحلتين من مراحل النقد الحديثي فلا بد أن نلغي تماما ذكر أي جهة خارج أصحاب الصناعة؛ لأن موافقتهم ومخالفتهم لا عبرة لها في هذا البحث.
- لقد عجز هؤلاء المدعون أن يجدوا سلفا من أقوال الحفاظ المتأخرين يثبتون به حقيقة دعواهم؛ ذلك لأن الأئمة الذين جرى في كلامهم لفظة المتقدم والمتأخر لم يقل أحد منهم إن بينهما تباينا في منهج النقد والحكم على المرويات.
اللهم إلا ما كان بين هؤلاء الأئمة من فوارق شخصية في المواهب والملكات، كما أنهم قاموا ببيان بعض الاختلافات في إطلاق الألفاظ، أو الاصطلاحات، ونحو ذلك، مما اقتضته الحركة العلمية واختلاف ظروفها المرحلية.
- إن هذا التوافق بين المحدثين أنفسهم عكس ما كان بين المحدثين والفقهاء من الاختلاف في المنهج من حيث نقد المرويات، وهذا اختلاف منهجي سببه تباين بعض المعايير التي يعتمدها الفقهاء والمحدثون في قبول المرويات وردها، وهذا تباين محسوم لصالح أهل الحديث؛ لأنهم أهل النظر والتخصص، وغيرهم عالة عليهم في هذا الفن.
- كل هذا وغيره يقطع باتحاد المنهج النقدي عموما، وإنما يدعي الخلاف من لم يراع القواعد الكلية التي التقى عليها النقاد – سلفهم وخلفهم – ووقف عند بعض العبارات المشتبهة ليبني عليها مذاهب ومناهج، ومن هنا وقع الخلط وظهرت دعوى التفريق بين القدامى والمحدثين.
- إن الخلاف الجزئي الذي وقع بين المتأخرين وبين سلفهم من المتقدمين في أفراد المسائل الجزئية، إنما هو من قبيل الفرعيات التي لا تقدح في وحدة الأصل المتفق عليه. كما أن التطبيق الاستثنائي لا يتعارض مع أصل التقعيد.
- إن المسائل الحديثية التي استدل بها لإثبات الاختلاف المنهجي بين المتقدمين والمتأخرين، مثل التفرد، وزيادة الثقة، وتقوية الأحاديث بالشواهد والمتابعات؛ ليست من التباين بقدر ما هي تصرف المتأخر – أحيانا – في استعمال القواعد والأصول الثابتة في النقد، أو هي نوع من الاختلاف النوعي في استعمال القاعدة، فالخلاف في اعتبار القرائن والمرجحات بين قبولها وردها وليس في قواعد النقد وأصوله المتفق عليها.
- كما يلاحظ أن كثيرا من الفقهاء المتأخرين كتب في مصطلح الحديث وعلومه، في الوقت الذي ظل فيه تناولهم للأحاديث – من الناحية التطبيقية – على طريقة الفقهاء التي تختلف عن طريقة المحدثين، فوقع الخلط عند من قال بالتباين المنهجي بين المتقدمين والمتأخرين، وظنوا أن هؤلاء الفقهاء من جملة المحدثين المعتبرة أقوالهم في هذا المضمار.
- يدل على هذا أن نقاط الاختلاف بين المحدثين والفقهاء هي بعينها المسائل التي أثير حولها الخلاف المزعوم بين المتقدمين والمتأخرين؛ وهي الشذوذ، والعلة، وزيادة الثقة، والتفرد، والحكم على الإسناد بظاهره، ونحو هذا.
(*) الموازنة بين المتقدمين والمتأخرين في تصحيح الأحاديث وتعليلها، د. حمزة بن عبد الله المليباري، دار ابن حزم، بيروت، ط2، 1422هـ/ 2001م.
[1]. نظرات جديدة في علوم الحديث، د. حمزة المليباري، دار ابن حزم، بيروت، ط2، 1423هـ/ 2003م، ص13.
[2]. الموازنة بين المتقدمين والمتأخرين في تصحيح الأحاديث وتعليلها، د. حمزة بن عبد الله المليباري، دار ابن حزم، بيروت، ط2، 1422هـ/ 2001م، ص11.
[3]. الموازنة بين المتقدمين والمتأخرين في تصحيح الأحاديث وتعليلها، د. حمزة بن عبد الله المليباري، دار ابن حزم، بيروت، ط2، 1422هـ/ 2001م، ص24.
[4]. الموازنة بين المتقدمين والمتأخرين في تصحيح الأحاديث وتعليلها، د. حمزة بن عبد الله المليباري، دار ابن حزم، بيروت، ط2، 1422هـ/ 2001م، ص26.
[5]. الموازنة بين المتقدمين والمتأخرين في تصحيح الأحاديث وتعليلها، د. حمزة بن عبد الله المليباري، دار ابن حزم، بيروت، ط2، 1422هـ/ 2001م، ص37.
[6]. منهج المتقدمين في التدليس، ناصر بن حمد الفهد، مكتبة أضواء السلف، الرياض، ط1، 1422هـ/ 2001م، ص11، 12، من مقدمة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن السعد لهذا الكتاب.
[7]. المسودة في أصول الفقه، آل تيمية، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة المدني، القاهرة، د. ت، ص247.
[8]. انظر: المسند، الإمام أحمد بن حنبل، تحقيق: أحمد شاكر، دار المعارف، القاهرة، 1377هـ/ 1958م، هامش (6/ 277)، في تعليق الشيخ أحمد شاكر على حديث رقم (4609).
[9]. الموازنة بين المتقدمين والمتأخرين في تصحيح الأحاديث وتعليلها، د. حمزة بن عبد الله المليباري، دار ابن حزم، بيروت، ط2، 1422هـ/ 2001م، ص18. وكلام ابن حجر المذكور من كتابه: النكت على كتاب ابن الصلاح، تحقيق: ربيع بن هادي عمير، دار الراية، الرياض، ط4، 1417هـ، (2/ 711).
[10]. نقد مجازفات الدكتور حمزة المليباري وبيان بطلان الفرق بين منهج المتقدمين والمتأخرين، أحمد بن صالح الزهراني، دار الإمام مالك، أبو ظبي، ط1، 1425هـ/ 2004م، ص38.
[11]. التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: أبو عاصم حسن بن عباس بن قطب، مؤسسة قرطبة، القاهرة، ط2، 1426هـ/ 2006م، (1/ 57).
[12]. النكت على كتاب ابن الصلاح، تحقيق: ربيع بن هادي عمير، دار الراية، الرياض، ط4، 1417هـ، (1/ 270).
[13]. تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، السيوطي، تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف، مكتبة دار التراث، مصر، ط2، 1392هـ/ 1972م، (1/ 270).
[14]. نقد مجازفات الدكتور حمزة المليباري وبيان بطلان الفرق بين منهج المتقدمين والمتأخرين، أحمد بن صالح الزهراني، دار الإمام مالك، أبو ظبي، ط1، 1425هـ/ 2004م، ص38: 48 بتصرف.
[15]. الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المصنفة، محمد بن جعفر الكتاني، تحقيق: محمد المنتصر الكتاني، دار البشائر الإسلامية، بيروت، ط4، 1406هـ/ 1986م، (1/ 27).
[16]. نقد مجازفات الدكتور حمزة المليباري وبيان بطلان الفرق بين منهج المتقدمين والمتأخرين، أحمد بن صالح الزهراني، دار الإمام مالك، أبو ظبي، ط1، 1425هـ/ 2004م، ص35 بتصرف.
[17]. تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، السيوطي، تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف، مكتبة دار التراث، مصر، ط2، 1392هـ/ 1972م، (1/ 143).
[18]. منهج النقد في علوم الحديث، نور الدين عتر، دار الفكر، دمشق، ط3، 1427هـ/ 2006م، ص281، 282.
[19]. الموازنة بين المتقدمين والمتأخرين في تصحيح الأحاديث وتعليلها، د. حمزة بن عبد الله المليباري، دار ابن حزم، بيروت، ط2، 1422هـ/ 2001م، ص36.
[20]. نقد مجازفات الدكتور حمزة المليباري وبيان بطلان الفرق بين منهج المتقدمين والمتأخرين، أحمد بن صالح الزهراني، دار الإمام مالك، أبو ظبي، ط1، 1425هـ/ 2004م، ص88 بتصرف.
[21]. إضاءات بحثية في علوم السنة النبوية، الشريف حاتم بن عارف العوني، تحقيق: هاني بن منير السويهري، دار الصميعي، الرياض، ط1، 1428هـ/ 2007م، ص264: 277 بتصرف.
[22]. انظر: الموازنة بين المتقدمين والمتأخرين في تصحيح الأحاديث وتعليلها، د. حمزة بن عبد الله المليباري، دار ابن حزم، بيروت، ط2، 1422هـ/ 2001م، ص11، 12.
[23]. نقد مجازفات الدكتور حمزة المليباري وبيان بطلان الفرق بين منهج المتقدمين والمتأخرين، أحمد بن صالح الزهراني، دار الإمام مالك، أبو ظبي، ط1، 1425هـ/ 2004م، ص13، 14.
[24]. الموازنة بين المتقدمين والمتأخرين في تصحيح الأحاديث وتعليلها، د. حمزة بن عبد الله المليباري، دار ابن حزم، بيروت، ط2، 1422هـ/ 2001م، ص12.
[25]. انظر: نقد مجازفات الدكتور حمزة المليباري وبيان بطلان الفرق بين منهج المتقدمين والمتأخرين، أحمد بن صالح الزهراني، دار الإمام مالك، أبو ظبي، ط1، 1425هـ/ 2004م، ص13، 14.
[26]. الموازنة بين المتقدمين والمتأخرين في تصحيح الأحاديث وتعليلها، د. حمزة بن عبد الله المليباري، دار ابن حزم، بيروت، ط2، 1422هـ/ 2001م، ص12.
[27]. علوم الحديث في ضوء تطبيقات المحدثين النقاد، د. حمزة المليباري، ص53، نقلا عن: نقد مجازفات الدكتور حمزة المليباري وبيان بطلان الفرق بين منهج المتقدمين والمتأخرين، أحمد بن صالح الزهراني، دار الإمام مالك، أبو ظبي، ط1، 1425هـ/ 2004م، ص96.
[28]. يقصد حديث« يهلك الناس هذا الحي من قريش. قالوا: فما تأمرنا؟ قال: لو أن الناس اعتزلوهم »، وهو حديث صحيح، أخرجه البخاري في صحيحه (بشرح فتح الباري)، كتاب: المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام، (6/ 708)، رقم (3604). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الفتن وأشراط الساعة، باب: لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل، (9/ 4014)، رقم (7192).
[29]. طبقات الشافعية، السبكي، (2/ 32)، نقلا عن: نقد مجازفات الدكتور حمزة المليباري وبيان بطلان الفرق بين منهج المتقدمين والمتأخرين، أحمد بن صالح الزهراني، دار الإمام مالك، أبو ظبي، ط1، 1425هـ/ 2004م، هامش ص101. وحديث: “اسمعوا وأطيعوا” حديث صحيح، فقد أخرجه البخاري في صحيحه (بشرح فتح الباري)، كتاب: الأذان، باب: إمامة العبد والولي، (2/ 216)، رقم (693).
[30]. نقد مجازفات الدكتور حمزة المليباري وبيان بطلان الفرق بين منهج المتقدمين والمتأخرين، أحمد بن صالح الزهراني، دار الإمام مالك، أبو ظبي، ط1، 1425هـ/ 2004م، ص104 بتصرف.
[31]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: اللباس، باب: إعفاء اللحى، (10/ 363)، رقم (5893). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الطهارة، باب: خصال الفطرة، (2/ 799)، رقم (589).
[32]. الكفاية في معرفة أصول علم الرواية، الخطيب البغدادي، تحقيق: أبي إسحاق إبراهيم بن مصطفى آل بحبح الدمياطي، مكتبة ابن عباس، مصر، 2002م، (1/ 93).
[33]. ضعيف: أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب: الطهارة وسننها، باب: الحياض، (1/ 174)، رقم (521). وضعفه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه برقم (521).
[34]. صحيح: أخرجه أبو داود في سننه (بشرح عون المعبود)، كتاب: الطهارة، باب: ما جاء في بئر بضاعة، (1/ 88، 89)، رقم (66). وصححه الألباني في صحيح أبي داود برقم (59).
[35]. التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: أبي عاصم حسن بن عباس بن قطب، مؤسسة قرطبة، القاهرة، ط2، 1426هـ/ 2006م، (1/ 16).
[36]. انظر: نقد مجازفات الدكتور حمزة المليباري وبيان بطلان الفرق بين منهج المتقدمين والمتأخرين، أحمد بن صالح الزهراني، دار الإمام مالك، أبو ظبي، ط1، 1425هـ/ 2004م، ص106.
[37]. ميزان الاعتدال في نقد الرجال، الذهبي، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار المعرفة، بيروت، د. ت، (3/ 557).
[38]. الموازنة بين المتقدمين والمتأخرين في تصحيح الأحاديث وتعليلها، د. حمزة بن عبد الله المليباري، دار ابن حزم، بيروت، ط2، 1422هـ/ 2001م، ص26.
[39]. تحرير علوم الحديث، عبد الله الجديع، مؤسسة الريان، بيروت، ط3، 1428هـ/ 2007م، (2/ 1034).
[40]. انظر: نظرات جديدة في علوم الحديث، د. حمزة المليباري، دار ابن حزم، بيروت، ط2، 1423هـ/ 2003م، ص151، 152. وكذلك: بحث بعنوان: زيادة الثقة في كتب مصطلح الحديث: دراسة موضوعية نقدية، د. حمزة المليباري، ملتقى أهل الحديث، www.Ahlalhadeeth.com.
[41]. ظهر هذا الفهم الخاطئ من قولهم: “… إطلاق القول بأن زيادة الثقة مقبولة، كما هو مقرر في كتب المصطلح”، فدل على أنه لم يستطع أن يفرق بين كتابات المحدثين الصرف الذين غلبت عليهم الصناعة الحديثية، وبين كتابات الفقهاء منهم في مصطلح الحديث.
[42]. علوم الحديث، ابن الصلاح، تحقيق: د. نور الدين عتر، المكتبة العلمية، بيروت، 1401هـ/ 1981م، ص10.
[43]. الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث، أحمد شاكر، مكتبة دار التراث، مصر، ط3، 1399هـ/ 1979م، ص16.
[44]. النكت على كتاب ابن الصلاح، تحقيق: ربيع بن هادي عمير، دار الراية، الرياض، ط4، 1417هـ، (1/ 232).
[45]. نقد مجازفات الدكتور حمزة المليباري وبيان بطلان الفرق بين منهج المتقدمين والمتأخرين، أحمد بن صالح الزهراني، دار الإمام مالك، أبو ظبي، ط1، 1425هـ/ 2004م، ص151.
[46]. الكفاية في معرفة أصول علم الرواية، الخطيب البغدادي، تحقيق: أبي إسحاق إبراهيم بن مصطفى آل بحبح الدمياطي، مكتبة ابن عباس، مصر، 2002م، (2/ 503).
[47]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م.
[48]. نقد مجازفات الدكتور حمزة المليباري وبيان بطلان الفرق بين منهج المتقدمين والمتأخرين، أحمد بن صالح الزهراني، دار الإمام مالك، أبو ظبي، ط1، 1425هـ/ 2004م، ص153.
[49]. نقد مجازفات الدكتور حمزة المليباري وبيان بطلان الفرق بين منهج المتقدمين والمتأخرين، أحمد بن صالح الزهراني، دار الإمام مالك، أبو ظبي، ط1، 1425هـ/ 2004م، ص157 بتصرف.
[50]. نقد مجازفات الدكتور حمزة المليباري وبيان بطلان الفرق بين منهج المتقدمين والمتأخرين، أحمد بن صالح الزهراني، دار الإمام مالك، أبو ظبي، ط1، 1425هـ/ 2004م، ص158 بتصرف.
[51]. الكفاية في معرفة أصول علم الرواية، الخطيب البغدادي، تحقيق: أبي إسحاق إبراهيم بن مصطفى آل بحبح الدمياطي، مكتبة ابن عباس، مصر، 2002م، (2/ 538: 544) بتصرف.
[52]. الكفاية في معرفة أصول علم الرواية، الخطيب البغدادي، تحقيق: أبي إسحاق إبراهيم بن مصطفى آل بحبح الدمياطي، مكتبة ابن عباس، مصر، 2002م، ص159.
[53]. انظر: الموازنة بين المتقدمين والمتأخرين في تصحيح الأحاديث وتعليلها، د. حمزة بن عبد الله المليباري، دار ابن حزم، بيروت، ط2، 1422هـ/ 2001م، ص102.
[54]. الإرشادات في تقوية الأحاديث بالشواهد والمتابعات، طارق عوض الله، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، ط1، 1417هـ/ 1998م، ص34 بتصرف.
[55]. شرح ألفية السيوطي في علم الحديث، أحمد محمد شاكر، المكتبة العلمية، بيروت، د. ت، ص10.
[56]. تمام المنة في التعليق على فقه السنة، محمد ناصر الدين الألباني، دار الراية للنشر، الرياض، ط3، 1409هـ، ص31، 32.
[57]. الإرشادات في تقوية الأحاديث بالشواهد والمتابعات، طارق عوض الله، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، ط1، 1417هـ/ 1998م، ص40.
[58]. النكت على كتاب ابن الصلاح، تحقيق: ربيع بن هادي عمير، دار الراية، الرياض، ط4، 1417هـ، (1/ 270).
[59]. نقد مجازفات الدكتور حمزة المليباري وبيان بطلان الفرق بين منهج المتقدمين والمتأخرين، أحمد بن صالح الزهراني، دار الإمام مالك، أبو ظبي، ط1، 1425هـ/ 2004م، ص391، 392 بتصرف.
[60]. الموازنة بين المتقدمين والمتأخرين في تصحيح الأحاديث وتعليلها، د. حمزة بن عبد الله المليباري، دار ابن حزم، بيروت، ط2، 1422هـ/ 2001م، ص102.
[61]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الطلاق، باب: قوله تعالى: ) يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن (، (9/ 258)، رقم (5251). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الطلاق، باب: طلاق الحائض بغير رضاها، (6/ 2290)، رقم (1471).
[62]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن عمر، (7/ 249، 250)، رقم (5524). وصحح إسناده أحمد شاكر في تعليقه على المسند.
[63]. انظر: الموازنة بين المتقدمين والمتأخرين في تصحيح الأحاديث وتعليلها، د. حمزة بن عبد الله المليباري، دار ابن حزم، بيروت، ط2، 1422هـ/ 2001م، ص175.
[64]. نقد مجازفات الدكتور حمزة المليباري وبيان بطلان الفرق بين منهج المتقدمين والمتأخرين، أحمد بن صالح الزهراني، دار الإمام مالك، أبو ظبي، ط1، 1425هـ/ 2004م، ص364، 365 بتصرف.
[65]. انظر: زاد المعاد في هدي خير العباد، ابن قيم الجوزية، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وعبد القادر الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (5/ 218).
[66]. انظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (9/ 266).
[67]. نقد مجازفات الدكتور حمزة المليباري وبيان بطلان الفرق بين منهج المتقدمين والمتأخرين، أحمد بن صالح الزهراني، دار الإمام مالك، أبو ظبي، ط1، 1425هـ/ 2004م، ص367 بتصرف.
[68]. نقد مجازفات الدكتور حمزة المليباري وبيان بطلان الفرق بين منهج المتقدمين والمتأخرين، أحمد بن صالح الزهراني، دار الإمام مالك، أبو ظبي، ط1، 1425هـ/ 2004م، ص368 بتصرف.
[69]. زاد المعاد في هدي خير العباد، ابن قيم الجوزية، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وعبد القادر الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (5/ 221).
[70]. زاد المعاد في هدي خير العباد، ابن قيم الجوزية، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وعبد القادر الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (5/ 240، 241).