دعوى تعارض الأحاديث الواردة في عدد أسماء الله الحسنى
وجوه إبطال الشبهة:
1) ليس ثمة تعارض بين الأحاديث الواردة في عدد أسماء الله الحسنى، فأسماء الله تعالى ليست محصورة بعدد، وهذا هو الصحيح، أما أحاديث تحديدها بتسعة وتسعين، فليس المراد منها اقتصار الأسماء على هذه فقط، كما أن من المعروف في لغة العرب إطلاق هذا العدد على الشيء الذي له أسماء كثيرة.
2) إن عدم تحديد النبي – صلى الله عليه وسلم – لأسماء الله – عز وجل – إنما هو لعلل وغايات جمة، منها الاجتهاد في العبادة، كما أنه دليل على بشرية النبي – صلى الله عليه وسلم – وعدم علمه بالغيب، وكل ما جاء من روايات في تحديدها فهي ضعيفة.
3) إن كلمة “أحصاها” حمالة أوجه عديدة، وحفظها الذي يدخل الجنة ليس هو قراءتها المعروفة بيننا فقط، بل العمل بمقتضاها هو المراد من الإحصاء.
التفصيل:
أولا. لا تعارض بين الأحاديث الواردة في عدد أسماء الله الحسنى، فالأسماء ليست محصورة بعدد، وليس إطلاق النبي – صلى الله عليه وسلم – القول بأنها تسعة وتسعين دليلا على الاقتصار عليها:
لقد نسب الله – عز وجل – لنفسه الأسماء الحسنى في أكثر من آية من القرآن الكريم، منها قوله عز وجل: )ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها( (الأعراف: ١٨٠)، وقوله تعالى: )قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى( (الإسراء: ١١٠)، وقوله سبحانه وتعالى: )له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض( (الحشر: ٢٤)، والواضح هنا أن الأسماء الحسنى ليست إلا لله، والصفات الحسنى ليست إلا لله. وهو قول يفيد الحصر، والبرهان العقلي يدل على صحة هذا المعنى[1] فهي ثابتة لله تعالى، منفية عما سواه، وهي موصوفة بالحسن والكمال، وهذا يفيد أن كل اسم لا يفيد في المسمى صفة كمال وجلال فإنه لا يجوز إطلاقه على الله سبحانه وتعالى، وأسماء الله هي أحسن الأسماء وتنتشر أسماء الله الحسنى في سور القرآن الكريم، فسور القرآن الكريم باستثناء سورة التوبة صدرت بالبسملة، وهي تحوي ثلاث أسماء من أسمائه الحسنى، حتى سورة التوبة التي لم تبدأ بالبسملة يذكر لفظ الجلالة في الآية الأولى منها، ومن السور التي بها أكبر عدد من الأسماء الحسنى سورة الحشر، فقد اجتمع عدد كبير من الأسماء في موضع واحد في ثلاثة آيات، وإضافة إلى ذلك فإن آية الكرسي وحدها بها خمسة أسماء ذكرت صراحة، بالإضافة إلى الصفات المذكورة في الآية.
هذا عن أسماء الله – عز وجل – في القرآن الكريم، أما في السنة فقد أخرج الشيخان من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «إن لله تسعة وتسعين اسما، مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة»[2] وعنه – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: «لله تسعة وتسعون اسما – مائة إلا واحدا – لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر»[3].
إن ظاهر الأحاديث يفيد أن أسماء الله – عز وجل – تنحصر في تسعة وتسعين اسما، ولكن الحقيقة خلاف ذلك؛ فعقيدة أهل السنة والجماعة أن أسماء الله – عز وجل – توقيفية لا مجال للعقل فيها، غير محصورة بعدد معين، فهي كثيرة لا حصر لها، وهذا مما يدل على عظم الله – عز وجل – وكبريائه، وكانت العرب لا تطلق على الشيء أسماء عديدة إلا إذا كان عظيما ذا أهمية مثل السيف، والأسد وغير ذلك.
وهناك حديث آخر فيه أن هذه الأسماء لا حصر لها ولا عدد، وهو ما رواه عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك، وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو علمته أحدا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرجا» [4]، فهذا الحديث يدل على أن أسماء الله – عز وجل – لا حصر لها، فمنها الظاهر لنا الذي سمى الله – عز وجل – به نفسه، أو أنزله في كتابه، أو وضحه لنا النبي – صلى الله عليه وسلم – في سنته، ومنها ما علمه الله – عز وجل – لعبد من عباده فدعاه به، ومنها – وهو ما عليه مدار الحديث – ما احتفظ به الله – عز وجل – واستأثر به في علم الغيب عنده، فلم يطلع عليه لا ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا، وهذا دليل على أن أسماء الله – عز وجل – من أمور الغيب التي لا يصح الجزم بعدد معين لها، بل إن أمرها متروك لله – عز وجل – فهل هناك تعارض بين الأحاديث في هذا الشأن؟
إنه ليس ثمة تعارض في كلام النبي – صلى الله عليه وسلم – وإن كان الظاهر هكذا؛ وليس في نصوص عدد أسماء الله الحسنى أي تعارض، فهي لا تدخل تحت حصر ولا تعد بعدد، وفي عدم حصرها بعدد معين ثلاثة أدلة:
الدليل الأول: حديث عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – وفيه أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو علمته أحدا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك…».
وهذا الحديث يعد عمدة في هذا الباب، وفيه تصريح النبي – صلى الله عليه وسلم – بأن هناك أسماء اختص الله – عز وجل – نفسه بعلمها، فلم يطلع عليها أحدا.
ولأهل العلم تعليقات على هذا الحديث: قال الخطابي – رحمه الله تعالى: “فهذا يدلك على أن لله أسماء لم ينزلها في كتابه، حجبها عن خلقه، ولم يظهرها لهم”[5].
وقال ابن القيم تعليقا على هذا الحديث: “فجعل أسماءه ثلاثة أقسام: قسم سمى به نفسه فأظهره لمن شاء من ملائكته أو غيرهم ولم ينزل به كتابه. وقسم أنزل به كتابه فتعرف به إلى عباده. وقسم استأثر به في علم غيبه فلم يطلع عليه أحدا من خلقه”[6].
وقال الشوكاني عند هذا الحديث: “فيه دليل على أن لله – سبحانه وتعالى – أسماء غير التسعة والتسعين” [7].
الدليل الثاني: حديث عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان يقول في دعائه وهو ساجد: «اللهم أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك» [8].
وقد علق عليه شيخ الإسلام ابن تيمية فقال رحمه الله: “فأخبر أنه – صلى الله عليه وسلم – لا يحصي ثناء عليه، ولو أحصى جميع أسمائه لأحصى صفاته كلها، فكان يحصي الثناء عليه؛ لأن صفاته إنما يعبر عنها بأسمائه”[9].
الدليل الثالث: حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – في الشفاعة، وفيه: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «ثم يفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد قبلي»[10].
ووجه الاستشهاد بهذا الحديث كما يقول ابن القيم: إن حمد النبي – صلى الله عليه وسلم – لربه وثناءه عليه إنما يكون بأسمائه وصفاته[11]، “وقد اختص نبينا – صلى الله عليه وسلم – في هذا المقام بقدر زائد على ما هو معلوم منها، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: “لم يفتحه على أحد قبلي” وهذا يدل على أن أسماء الله تعالى غير محصورة بالتسعة والتسعين”[12].
قال القرطبي: “وقد دل على أن لله – عز وجل – أسماء أخر ما قدمناه من قوله صلى الله عليه وسلم: “فأحمده بمحامد لا أقدر عليها، إلا أن يلهمنيها الله”[13].
تلك أدلة ثلاثة للرد على من حدد أسماء الله – عز وجل – بعدد، أما ما جاء في الحديث بأن عددها تسعة وتسعون فليس من باب الحصر وتحديد العدد، ولأهل العلم أقوال في معنى هذا الحديث، ومن هذه الأقوال ما يلي:
- قال النووي: “واتفق العلماء على أن هذا الحديث ليس فيه حصر لأسمائه – سبحانه وتعالى – فليس معناه: أنه ليس له أسماء غير هذه التسعة والتسعين، وإنما مقصود الحديث أن هذه التسعة والتسعين من أحصاها دخل الجنة، فالمراد الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها لا الإخبار بحصر الأسماء، ولهذا جاء في الحديث الآخر: «أسألك بكل اسم سميت به نفسك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك»[14] [15].
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “والصواب الذي عليه جمهور العلماء أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: “إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة” معناه أن من أحصى التسعة والتسعين من أسمائه دخل الجنة، وليس مراده أنه ليس له إلا تسعة وتسعون اسما” [16].
- قال الخطابي – رحمه الله – عند هذا الحديث: “فيه إثبات هذه الأسماء المحصورة بهذا العدد، وليس فيه نفي ما عداها من الزيادة عليها، وإنما وقع التخصيص بالذكر لهذه الأسماء؛ لأنها أشهر الأسماء وأبينها معاني وأظهرها، وجملة قوله: “إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة” قضية واحدة لا قضيتان، ويكون تمام الفائدة في خبر “إن” في قوله: “من أحصاها دخل الجنة” لا في قوله “تسعة وتسعين اسما”، وإنما هو بمنزلة قولك: إن لزيد ألف درهم أعدها للصدقة، وكقولك: إن لعمرو مائة ثوب من زاره خلعها عليه، وهذا لا يدل على أنه ليس عنده من الدراهم أكثر من ألف درهم، ولا من الثياب أكثر من مائة ثوب، وإنما دلالته: أن الذي أعده زيد من الدراهم للصدقة ألف درهم، وأن الذي أرصده عمرو من الثياب للخلع مائة ثوب”[17].
- يقول ابن القيم رحمه الله: “الأسماء الحسنى لا تدخل تحت حصر، ولا تحد بعدد، فإن لله تعالى أسماء وصفات استأثر بها في علم الغيب عنده لا يعلمها ملك مقرب ولا نبي مرسل، وأما الحديث فالكلام فيه جملة واحدة وقوله: “من أحصاها دخل الجنة” صفة لا خبر مستقل، والمعنى: له أسماء متعددة من شأنها أن من أحصاها دخل الجنة، وهذا لا ينفي أن يكون له أسماء غيرها، وهذا كما تقول: لفلان مائة مملوك قد أعدهم للجهاد؛ فلا ينفي هذا أن يكون له مماليك سواهم معدون لغير الجهاد، وهذا لا خلاف بين العلماء فيه” [18].
- يقول ابن تيمية – رحمه الله: “والله في القرآن قال: )ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها( (الأعراف: ١٨٠) فأمر أن يدعى بأسمائه الحسنى مطلقا ولم يقل: ليست أسماؤه الحسنى إلا تسعة وتسعين اسما”[19]، ولو أن مقصود الحديث حصر الأسماء وعدها لكان نصه «إن أسماء الله تسعة وتسعون اسما من أحصاها دخل الجنة»، ولكن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «أوتيت جوامع الكلم»[20]؛ لذا فقد عبر بنص كلامه؛ لأنه هو المراد الذي يقصده.
- “إن عدد (99) من الأعداد التي يعبر بها العرب عن مطلق التعدد، فهو يطلق – عندهم – على الأشياء التي يصعب حصرها، وقد ورد في الحديث أن الله – عز وجل – خلق مائة رحمة، فمنها رحمة يتراحم بها الخلق فيما بينهم، وأخر تسعة وتسعين إلى يوم القيامة”[21]، وكذلك قول الله – عز وجل – عن الملائكة خزنة النار “تسعة عشر”، فلما استقل المشركون هذا العدد قال عز وجل: )وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا( (المدثر: ٣١)، وقال: )وما يعلم جنود ربك إلا هو( (المدثر: ٣١)، فالأولى أن لا يعلم أسماء الله إلا الله.
- إن ذكر لفظ “مائة إلا واحدا” ليس للتأكيد كما يقولون، ولكنه من باب الإجمال والتفصيل، ومنع التصحيف الخطي والسمعي.
ومعلوم أن كمالاته تعالى لا تتناهى ولا تقف عند حد، ولا يحصيها العد وهي متمايزة فيما بينها، وكل كمال يتميز عن الآخر باسمه الخاص به، فإذا كانت كمالاته تعالى لا تتناهى، فأسماؤها المميزة لها تبع لها في عدم التناهي، والله تعالى لا يعرف قدره أحد من خلقه، ولا خلقه مجتمعين، بل هو وحده تعالى أعرف بقدره. قال تعالى: )وما قدروا الله حق قدره( (الزمر: ٦٧)[22].
وخلاصة القول في هذه المسألة: أنه ليس ثمة تعارض بين الأحاديث التي وردت في شأن أسماء الله الحسنى، فالأسماء توقيفية لا تغيير فيها ولا اختلاف، كما أنها ليست محصورة بعدد؛ لأن منها الغيبي الذي لا نعلمه، فاستأثر الله – عز وجل – بعلمه، ومنها ما علمه أحدا من عباده ليدعوه به، وحديث عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – من أقوى الأدلة على عدم حصر أسماء الله – عز وجل – بعدد معين، ويعضده دليلان آخران.
وأما ما جاء في تحديد الأسماء بتسعة وتسعين اسما مثلما جاء حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – فالحديث متفق عليه، لكنه ليس في معناه الحصر والعد للأسماء، ولكن المراد منه الإخبار عن دخول الجنة لمن أحصى هذه الأسماء التسعة والتسعين، ولهذا الكلام أدلته النقلية والعقلية، التي تثبت عدم حصر أسماء الله – عز وجل – ولو كان من معنى الحديث الحصر والعد لجاء بصيغة: إن أسماء الله – عز وجل – تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة.
ثانيا: إن عدم تبيين النبي – صلى الله عليه وسلم – لأسماء الله – عز وجل – إنما هو لغايات وحكم، وكل ما جاء من روايات في تحديد الأسماء إنما هي ضعيفة، واجتهادات العلماء في ذلك قد تصيب وقد تخطئ:
إن الله – عز وجل – لم يعرفنا من أسمائه تعالى إلا بقدر طاقتنا؛ وإلا فعقولنا المحدودة أضيق من أن تحيط بحقيقته – عز وجل – التي لا تعرف الحدود، ولغاتنا مهما اتسعت فإنها وعاء أضيق من أن يستوعب ويعبر تعبيرا نهائيا عن ذات الله تعالى وكمالاته؛ فالله تعالى عرفنا من أسمائه بالقدر الذي يتلاءم مع عقولنا وألسنتنا، كما أنه تعالى أمدنا من أسمائه بمقدار حاجتنا إليه، فأسماؤه تعالى تأتي تلبية لحاجة الخلق فيما يطلبونه من الرب، فإذا نظرت إلى كل اسم من أسمائه تعالى وجدت فيما يدل عليه هذا الاسم ما يلبي حاجة في عالم النفس البشرية، أو عالم الخلق بأسره، إما اعتقادا أو تدبيرا أو خضوعا أو عبادة، والحكمة من معرفة هذا القدر من الأسماء هي:
- معرفة الله تعالى؛ لذا قال الله: )إنما يخشى الله من عباده العلماء( (فاطر: ٢٨).
- ذكر الله، قال تعالى في محكم كتابه: )واذكر اسم ربك( (المزمل: ٨)، )فاذكروني أذكركم( (البقرة: ١٥٢)، )اذكروا الله ذكرا كثيرا (41)( (الأحزاب).
- الدعاء بهذه الأسماء، قال تعالى: )ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها( (الأعراف:١٨٠)[23].
وإن من رحمة الله – عز وجل – أنه أخفى علينا بعض الأشياء الغيبية لحكم يعلمها، كما أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يعددها لنا، حتى نجتهد في طلبها ونعمل ونستعد لها، ومن ذلك إخفاء ليلة القدر، وإخفاء ساعة الإجابة يوم الجمعة، وكذلك إخفاء بعض أسمائه – عز وجل – في علم الغيب عنده، فلم يطلع عليها لا ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا، فقال عز وجل: )ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها( (الأعراف:١٨٠)، فلفظ الأسماء جمع ومعرفة في نفس الوقت وهذا للعموم والشمول، ولأهل العلم أقوال في هذه الحكمة ومنها:
o يقول الفخر الرازي: “يجوز أن يكون المراد من عدم تفسيرها أن يستمروا على المواظبة بالدعاء بجميع ما ورد من الأسماء رجاء أن يقعوا على تلك الأسماء المخصوصة، كما أبهمت ساعة الجمعة، وليلة القدر، والصلاة الوسطى”[24].
o يقول الإمام النووي: قيل إنها مخفية التعيين كالاسم الأعظم، وليلة القدر ونظائرها [25].
o قال ابن العربي: أخفيت هذه الأسماء المتعددة في جملة الأسماء الكلية، لندعوه بجميعها، فنصيب العدد الموعود به فيها [26].
وهذه الأسماء موجودة في الكتاب والسنة، ولكنها غير محددة بعددها فيهما؛ حتى يجتهد الناس في الدعاء بكل الأسماء الحسنى الموجودة في الكتاب والسنة؛ لكي يكون بذلك قد دعا الله – عز وجل – بالتسعة والتسعين اسما، وشبيه بذلك ساعة يوم الجمعة، وليلة القدر؛ فكذلك لكي ندرك التسعة والتسعين اسما، وندعو الله – عز وجل – بها، ونتعبد لله بها، فالسبيل لذلك أن نتعبد بكل ما ورد في الكتاب والسنة[27].
إن عدم تحديد الأسماء وإخفاءها لهو أعظم دليل على بشرية النبي – صلى الله عليه وسلم – وعدم اطلاعه على الغيب، وأن الله – عز وجل – أخفى عليه أشياء لم يعلمها أحد من الأنبياء ولا الملائكة، فلو كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يعلم هذه الأسماء لدلنا عليها، كما جاء في قول الله – عز وجل – على لسان النبي صلى الله عليه وسلم: )ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير( (الأعراف: ١٨٨)، فالنبي – صلى الله عليه وسلم – لم يترك شيئا يعرفه صالحا لأمته إلا وقد دلها عليه، ولم يعلم شيئا ضارا للأمة إلا وقد حذرها منه.
وما جاء من روايات في تحديد أسماء الله – عز وجل – بتسعة وتسعين من علماء قدامى ومحدثين، ما هي إلا اجتهادات منهم؛ لعلهم يصيبون التسعة والتسعين اسما – التي جاءت في الحديث – والتي جزاء إحصائها دخول الجنة.
فللقدامي الذين حاولوا جمع هذه الأسماء وحصرها ثلاث طرق[28]:
- الطريق الأولى: أخرجها الترمذي في سننه (9/338) برقم (3738)، والبغوي في شرح السنة (5/33،32) برقم (1257)، وابن حبان في صحيحه، والحاكم في مستدركه، والبيهقي في الأسماء والصفات وفي الاعتقاد، وابن منده في كتابه التوحيد، وهي من طريق الوليد بن مسلم، وهي الأسماء المعروفة بيننا الآن، وهي أشهر الطرق، وأجودها سندا، ولذا كثر الكلام حولها حيث صححها بعض الأئمة كالحاكم في مستدركه، وابن حبان في صحيحه، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن، وحسنها النووي في “الأذكار” ومال إلى تصحيحها الإمام الشوكاني في “تحفة الذاكرين”، والحق أن هذه الطريق ضعيفة أيضا، والأسماء فيها مدرجة من بعض الرواة، وهاك أوجه ضعفها:
- الاضطراب في السند، كما أشار إلى ذلك الحافظ ابن حجر، وكذا الاختلاف في المتن، حيث وقع الاختلاف بين روايات هذه الطريق، في سرد الأسماء، وذلك بالزيادة والنقص، والتقديم والتأخير.
قال الحافظ ابن حجر مبينا السبب في عدم إخراج البخاري ومسلم لهذه الرواية التي فيها سرد الأسماء: “وليست العلة عند الشيخين تفرد الوليد فقط، بل الاختلاف والاضطراب، وتدليسه، واحتمال الإدراج” [29].
- تدليس الوليد بن مسلم، وتدليسه من شر أنواع التدليس، وهو تدليس التسوية.
- الإدراج: حيث ذهب جمع من أهل العلم إلى أن الأسماء ليست من كلام النبي – صلى الله عليه وسلم – وإنما هي مدرجة في الحديث، أدرجها الوليد بن مسلم عن بعض شيوخه، وفي هذا يقول البغوي: ” يحتمل أن يكون ذكر هذه الأسامي من بعض الرواة “[30].
ويقول ابن عطية: “في سرد الأسماء نظر، فإن بعضها ليس في القرآن ولا في الحديث الصحيح “،[31] ويقول ابن حزم: “وجاءت أحاديث في إحصاء التسعة والتسعين اسما مضطربة، لا يصح منها شيء أصلا”[32].
وقال أبو زيد البلخي: “أما الرواية التي سردت فيها الأسماء فيدل على ضعفها عدم تناسبها في السياق، ولا في التوقيف، ولا في الاشتقاق” [33].
وقال الغزالي: “الأحاديث الواردة في سرد الأسماء ضعيفة، لا يصح شيء منها أصلا”[34].
وقال ابن القيم: “والصحيح أنه – أي العد – ليس من كلام النبي – صلى الله عليه وسلم – “[35]، وقال ابن كثير: “والذي عول عليه جماعة من الحفاظ، أن سرد الأسماء في هذا الحديث مدرج فيه”[36]، وقال ابن حجر: ورواية الوليد تشعر بأن التعيين مدرج [37]، وقال الصنعاني: والتحقيق أن سردها إدراج من بعض الرواة، [38]، ويقول الشيخ ابن عثيمين: ولم يصح عن النبي – صلى الله عليه وسلم – تعيين هذه الأسماء، والحديث المروي عنه في تعيينها ضعيف [39].
وأخيرا قال ابن الوزير مشيرا إلى ضعف هذا الحديث الذي فيه سرد الأسماء:
“وحسبك أن البخاري ومسلما تركا تخريجه، مع رواية أوله، واتفاقهما على ذلك يشعر بقوة العلة فيه”[40].
والعذر كل العذر في إطالة النفس في الحديث عن هذه الرواية، وما كان ذلك إلا لانتشارها وذيوعها بين عموم الناس، والاعتقاد في أن مجرد ترديدها سبب لدخول الجنة.
- الطريق الثانية: أخرجها الإمام ابن ماجة في سننه (2/1269، 1270) برقم (3861)، من طريق عبد الملك بن محمد الصنعاني، وهي تبدأ بـ “الله الواحد الصمد”، وتنتهي بـ )ولم يكن له كفوا أحد (4)( (الإخلاص)، وهي طريقة ضعيفة؛ لضعف عبد الملك بن محمد الصنعاني، كما يقول البوصيري، وقال عنه ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج بروايته، وقال الذهبي: ليس بحجة، وقال ابن حجر: لين الحديث، وقد نص على ضعف هذه الرواية ابن تيمية في “مجموع الفتاوي”، وضعفها الشيخ الألباني في “ضعيف سنن ابن ماجة” برقم (776).
- الطريق الثالثة: وقد أخرجها الحاكم في مستدركه، والبيهقي في الأسماء والصفات، والاعتقاد من طريق عبد العزيز بن الحصين وهي تبدأ بـ “الله الرحمن”، وتنتهي بـ “الجليل الكريم”، وقد ضعفه الذهبي، والبيهقي، ويحيى بن معين، والبخاري، وقال عنه الإمام مسلم: ذاهب الحديث، وقال ابن حجر: متفق على ضعفه.
والروايتان الأخيرتان ليستا بمشهورتين بين الناس، ولم يكتب لهما الذيوع والانتشار؛ لأنهما لم يصححهما أحد من العلماء، بل الجميع متفق على ضعفهما.
هذا عن روايات الأقدمين في محاولاتهم لجمع الأسماء الحسنى، أما العلماء المعاصرون فقد حاولوا أيضا الوقوف على هذه الأسماء مستدركين في ذلك ما وقع فيه القدامى من تسمية الله – عز وجل – بأسماء لا تليق بذاته – سبحانه وتعالى – فحاولوا تجنيب هذه الأسماء؛ لأنها لم ترد في الكتاب والسنة، أو قد تكون وردت لكنها مخالفة لشروطها، ثم وضعوا بدلا منها أسماء ثابتة في الكتاب والسنة، وممن حاولوا جمع هذه الأسماء الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله، والدكتور محمود عبد الرزاق الرضواني – حفظه الله، والمجتهد إن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر.
وجمع هذه الأسماء يعد محاولة من أهل العلم القدامى والمعاصرين لحصر الأسماء التسعة والتسعين، والصحيح أنه مجرد اجتهاد، ونحن نحاول أن نجتهد في كل الأسماء التي وردت، وندعو الله – عز وجل – بها، فإذا فعلنا ذلك فبإذن الله تبارك وتعالى نكون دعونا الله بالتسعة والتسعين اسما، وأحصينا التسعة والتسعين اسما ضمن هذه الأسماء الحسنى الموجودة في الكتاب والسنة [41].
وخلاصة القول: أن هذا الاختلاف في الروايات التي تبغي تحديد أسماء الله – عز وجل – التسعة والتسعين لهو أقوى دليل على أن أسماء الله – عز وجل – غير محصورة بعدد؛ لأنه ليس هناك قول ثابت في المسألة، والأمر محل اجتهاد فلا مجال للتجريح وادعاء الأخطاء الشرعية، والتطاول على سلف الأمة وخلفها.
وختاما، لا يجوز ولا يحق لأي أحد ألبتة تسمية الله – عز وجل – باسم أو وصفه بصفة لم يثبتها هو – عز وجل – لنفسه أو رسوله – صلى الله عليه وسلم – ولن يتأتى ذلك إلا بشروط ألا وهي:
- ثبوته في القرآن أو صحيح السنة.
- علمية الاسم واستيفاء العلامات اللغوية.
- إطلاق الاسم دون إضافة أو تقييد.
- دلالة الاسم على الوصف.
- دلالة الوصف على الكمال المطلق[42].
والشروط واضحة ولا أظنها تحتاج إلى تفصيل، لذا فيكفي إجمالها هكذا.
ثالثا. إن كلمة “أحصاها” لها معان كثيرة ووجوه متعددة، وما علينا إلا التعبد بهذه الأسماء:
إنه من المعلوم شرعا أن إحصاء الأسماء الحسنى وجمعها من الكتاب والسنة قضية لها من الأهمية والمكانة في قلوب المسلمين ما تتطلع إليه نفوس الموحدين، وتتعلق بها ألسنة الذاكرين، ويرتقي الطالبون من خلالها مدارج السالكين، قال ابن القيم: “فالعلم بأسمائه وإحصاؤها أصل لسائر العلوم، فمن أحصى أسماءه كما ينبغي أحصى جميع العلوم؛ إذ إحصاء أسمائه أصل لإحصاء كل معلوم؛ لأن المعلومات هي من مقتضاها ومرتبطة بها”[43].
ومراتب إحصاء الأسماء الحسنى التي من أحصاها دخل الجنة – وهذا هو قطب السعادة ومدار النجاة والفلاح – ثلاث مراتب ” المرتبة الأولى: إحصاء ألفاظها وعددها، المرتبة الثانية: فهم معانيها ومدلولها، المرتبة الثالثة: دعاؤه بها كما قال تعالى: )ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها( (الأعراف 180)، وهو مرتبتان إحداهما دعاء ثناء وعبادة، والثانية دعاء طلب ومسألة، فلا يثني عليه إلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، وكذلك لا يسأل إلا بها[44].
إن كلمة «أحصاها» في الحديث الشريف ليس معناها حفظها عن ظهر قلب وفقط، وإلا لتواكل الناس على هذا الحديث ولم يعملوا، وكان لسان حالهم نفعل ما نشاء ثم نحفظ هذه الأسماء، أو نحفظها ثم نفعل ما بدا لنا؛ ولهذا فلم تثبت أسماء بعينها، وكل الروايات التي جاءت في تعيينها ضعيفة غير معمول بها، حتى لا يتكل الناس، ولهذا – أيضا – قد جاء لكلمة «أحصاها» عدة معان أوضحها الشراح.
- قال الإمام النووي: وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «ومن أحصاها دخل الجنة»، فاختلفوا في المراد بإحصائها، فقال البخاري وغيره من المحققين: معناه: حفظها، وهذا هو الأظهر؛ لأنه جاء مفسرا في الرواية الأخرى: “من حفظها”، وقيل أحصاها: عدها في الدعاء بها، وقيل: أطاقها: أي أحسن المراعاة لها، والمحافظة على ما تقتضيه، وصدق بمعانيها، وقيل: معناه: العمل بها والطاعة بكل اسمها، والإيمان بها لا يقتضي عملا، وقال بعضهم: المراد حفظ القرآن وتلاوته كله؛ لأنه مستوف لها، وهو ضعيف، والصحيح الأول” [45].
- “وقال الخطابي: “يحتمل وجوها:
أحدها: أن يعدها حتى يستوفيها بمعنى أن لا يقتصر على بعضها فيدعو الله تعالى بها كلها ويثني عليه بجميعها فيستوجب الموعود عليه من الثواب.
وثانيها: من أطاق القيام بحق هذه الأسماء والعمل بمقتضاها، وهو أن يعتبر معانيها فيلزم نفسه بموجبها، فإذا قال: الرزاق وثق بالرزق، وكذا سائر الأسماء.
ثالثها: الإحاطة بمعانيها، وقيل أحصاها عمل بها، فإذا قال: الحكيم سلم لجميع أوامره؛ لأن جميعها على الحكمة، وإذا قال: القدوس، استحضر كونه مقدسا منزها عن جميع النقائص، ومنزها عن الظلم، وعن الرضا بالقبائح وسائر المعاصي، واختاره أبو الوفاء بن عقيل” [46].
- “قال ابن بطال: “هو أن ما كان يسوغ الاقتداء به فيها، كالرحيم والكريم، فيمرن العبد نفسه على أن يصح له الاتصاف بها، وما كان يختص به نفسه، كالجبار والعظيم، فعلى العبد الإقرار بها والخضوع لها وعدم التحلي بصفة منها، وما كان فيه معنى الوعد يقف فيه عند الطمع والرغبة، وما كان فيه معنى الوعيد يقف منه عند الخشية والرهبة، ويؤيد هذا أن حفظها لفظا من دون اتصاف، كحفظ القرآن من دون عمل لا ينفع كما جاء – يقصد عن النبي – صلى الله عليه وسلم – في وصفه أحد الخوارج: «إن هذا وأصحابه يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية»[47]، ولكن هذا الذي ذكره لا يمنع من ثواب من قرأها سردا، وإن كان متلبسا بمعصية، وإن كان ذلك مقام الكمال الذي لا يقوم به إلا أفراد من الرجال”[48].
ويقول أيضا – أي ابن بطال: “الإحصاء يقع بالقول ويقع بالعمل، فالذي بالعمل أن لله أسماء يختص بها كالأحد والمتعال والقدير ونحوها، فيجب الإقرار بها والخضوع عندها، وله أسماء يستحب الاقتداء بها في معانيها: كالرحيم والكريم والعفو ونحوها، فيستحب للعبد أن يتحلى بمعانيها ليؤدي حق العمل بها؛ فبهذا يحصل الإحصاء العملي، وأما الإحصاء القولي: فيحصل بجمعها وحفظها والسؤال بها، ولو شارك المؤمن غيره في العد والحفظ، فإن المؤمن يمتاز عنه بالإيمان والعمل بها”[49].
- ويقول ابن حجر: في قوله: «من أحصاها» أربعة أقوال:
أحدها: من حفظها، فسره به البخاري في صحيحه، وتقدمت الرواية الصريحة به، وأنها عند مسلم.
ثانيها: من عرف معانيها وآمن بها.
ثالثها: من أطاقها بحسن الرعاية لها، وتخلق بما يمكنه من العمل بمعانيها.
رابعها: أن يقرأ القرآن حتى يختمه، فإنه يستوفي هذه الأسماء في أضعاف التلاوة، وذهب إلى هذا أبو عبد الله الزبيري، وقال النووي: الأول هو المعتمد. قلت: ويحتمل أن يراد من تتبعها من القرآن، ولعله مراد الزبيري”[50].
- يقول البغوي في شرح السنة: «أحصاها» قيل: أراد عدها – يعني: يعدها حتى يستوفيها؛ أي لا يقتصر على بعضها، لكن يدعو الله بها كلها، ويثني عليه بجميعها – وقيل: معناه: عرفها، وعقل معانيها، وآمن بها، ويقال: فلان ذو حصاة وأصاة إذا كان عاقلا مميزا، وقوله تعالى: )وأحصى كل شيء عددا (28)( (الجن). أي: علم عدد كل شيء، وقيل من أحصاها: أي أطاقها، كقوله سبحانه وتعالى: )علم أن لن تحصوه( (المزمل: ٢٠) أي: تطيقوه، يقول: من أطاق القيام بحق هذه الأسامي والعمل بمقتضاها، كأنه إذا قال: الرزاق وثق بالرزق، وإذا قال الضار النافع علم أن الخير والشر منه، وعلى هذا سائر الأسماء ” [51].
- يقول المباركفوري: “وقيل أحصاها قرأها كلمة كلمة كأنه يعدها،وقيل أحصاها علمها وتدبر معانيها واطلع على حقائقها، وقيل أطاق القيام بحقها والعمل بمقتضاها”[52].
فليس معنى الحديث الحفظ وفقط، بل معناه أن هذه الأسماء التسعة والتسعين من يحصيها ويقوم بحق كل اسم منها ويتعبد للهـ عز وجل – بمقتضى كل اسم منها، ويدعو الله – عز وجل – بها، مع حفظ هذه الأسماء يدخل الجنة[53].
وخلاصة القول في لفظ الإحصاء ما يلي:
o العد: أي يستوفيها حفظا، فيدعو ربه بها. قال تعالى: )وأحصى كل شيء عددا (28)( (الجن)، ورد على ذلك الأصيلي فقال: ليس المراد بالإحصاء عدها فقط؛ لأنه قد يعدها الفاجر، وإنما المراد العمل بها [54].
وقال أبو نعيم: الإحصاء المذكور في الحديث ليس هو التعداد، وإنما هو العمل والتعقل بمعاني الأسماء والإيمان بها”[55].
o الإطاقة: كقوله سبحانه: )علم أن لن تحصوه( (المزمل: ٢٠)، أي: لن تطيقوه، ويكون معنى الحديث: من أطاقها، وذلك بالمحافظة على حدودها، والقيام بحقها، والعمل بمقتضاها، فإذا قال: السميع البصير، علم أنه لا يخفى على الله خافية، وأنه بمرأى منه ومسمع، فيخافه في سره وعلنه، ويراقبه في كافة أحواله، وإذا قال: الرزاق، اعتقد أنه المتكفل برزقه يسوقه إليه في وقته، فيثق بوعده، ويعلم أنه لا رازق له غيره، وهكذا بقية الأسماء[56].
o العقل والمعرفة: مأخوذ من الحصاة وهي العقل، والعرب تقول فلان ذو حصاة، أي: ذو عقل ومعرفة بالأمور، ويكون معنى الحديث: من عرفها وعقل معانيها مؤمنا بها دخل الجنة، قال الزجاج: ويجوز أن يكون معناه: من عقلها، وتدبر معانيها، من الحصاة التي هي العقل[57].
o قراءة القرآن كاملا حتى يختمه: فيكون بذلك قد استوفى هذه الأسماء كلها في أضعاف التلاوة، فكأنه قال: من حفظ القرآن وقرأه فقد استحق دخول الجنة، وقد ضعف الإمام النووي هذا القول[58].
وهكذا يتبين لنا معاني إحصاء أسماء الله – عز وجل – المختلفة، وأنه ليس المقصود بالحفظ القراءة المعتادة المعروفة، وأن الله – عز وجل – قد أخفى علينا أسماءه هذه لأجل البحث حتى نصل إلى هذه الغاية العظمى، وذلك كإخفاء ليلة القدر، وساعة الإجابة في يوم الجمعة، والساعة التي في الليل، وكذلك ليجتهد الناس في الطلب، وليحرك في النفس الجد في نيل هذا المطلب العظيم، والحرص الشديد على تحقيقه؛ حتى ننال الغاية العظمى التي نعمل لها جاهدين في الدنيا ألا وهي رضا الله – عز وجل – ودخول الجنة.
الخلاصة:
- إن أسماء الله الحسنى أسماء جليلة لا يمكن حصرها بعد، أو إحاطتها بحد، وما جاء عن النبي – صلى الله عليه وسلم – في الصحيحين «أن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة»، ليس معناه الحصر، بل الإخبار بأن من أحصى هذا العدد من أسماء الله كان سببا في دخول الجنة.
- لم يحدد النبي – صلى الله عليه وسلم – التسعة والتسعين اسما؛ لأنها من الغيبيات التي لم يطلع الله – عز وجل – عليها أحدا، كما أن هذا من باب حث الناس والاجتهاد في تحصيل هذه الأسماء لتحقيق هذا الشرف المرجو.
- لم يصح عن النبي – صلى الله عليه وسلم – شيء في تعيين هذه الأسماء، وما ورد من تعيين لها في بعض الروايات فهو مدرج فيها، وليس من كلامه – صلى الله عليه وسلم – وبذلك صرح أهل العلم وردوا هذه الروايات الضعيفة وبينوا ضعفها.
- معاني الإحصاء الواردة في الحديث كثيرة، ومنها عدها، وحفظها، وفهم معانيها، ودعاء الله بها، وعبادته بها، والعمل بمقتضاها، وغير ذلك، والمعنى ليس مقصورا على قراءتها أو حفظها فقط، ولا يصح أن يحفظها المسلم ويفعل ما بدا له من المعاصي ظنا منه أن حفظها يدخل الجنة.
- لا يجوز تسمية الله – عز وجل – أو وصفه إلا بما أثبته – سبحانه وتعالى – لنفسه من أسماء وصفات، وما أثبته له رسوله – صلى الله عليه وسلم – وللأسماء والصفات شروط يجب مراعاتها، وصفات الله – عز وجل – إنما هي صفات كمال، فلا يوصف الله – عز وجل – بالنقص.
(*) أحاديث العقيدة المتوهم إشكالها في الصحيحين، د. سليمان بن محمد الدبيخي، مكتبة دار المنهاج، الرياض، ط1، 1427هـ.
[1]. انظر: مفاتيح الغيب، الرازي، عند تفسيره لهذه الآيات.
[2]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: التوحيد، باب: إن لله مائة اسم إلا واحدة، (13/ 389)، رقم (7392). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الذكر والدعاء، باب: في أسماء الله تعالى، (9/ 3793)، رقم (6684).
[3]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الدعوات، باب: لله مائة اسم غير واحد، (11/ 218)، رقم (6410). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الذكر والدعاء، باب: في أسماء الله تعالى، (9/ 3793)، رقم (6683).
[4]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن مسعود، (5/ 266)، رقم (3712). وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند.
[5]. شأن الدعاء، الخطابي، تحقيق: أحمد يوسف الدقاق، دار الثقافة العربية، بيروت، ط3، 1412هـ/ 1992م، ص25.
[6]. بدائع الفوائد، ابن القيم، تحقيق: هشام عبد العزيز عطا وآخرين، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط1، 1416هـ/ 1996م، (1/ 176).
[7]. تحفة الذاكرين، الشوكاني، دار القلم، بيروت، ط1، 1984م، ص293.
[8]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الصلاة، باب: ما يقال في الركوع والسجود، (3/ 1053)، رقم (1071).
[9]. درء تعارض العقل والنقل، ابن تيمية، تحقيق: محمد رشاد سالم، دار الكنوز الأدبية، الرياض، د. ت، (3/ 332، 333).
[10]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: التفسير، سورة بني إسرائيل، باب: قوله تعالى ) ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا (، (8/ 247)، رقم (4712). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الإيمان، باب: أدنى أهل الجنة، (2/ 677، 678)، رقم (472).
[11]. انظر: بدائع الفوائد، ابن القيم، تحقيق: هشام عبد العزيز عطا وآخرين، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط1، 1416هـ/ 1996م، (1/ 176).
[12]. أحاديث العقيدة المتوهم إشكالها في الصحيحين، د. سليمان بن محمد الدبيخي، مكتبة دار المنهاج، الرياض، ط1، 1427هـ، ص196.
[13] . المفهم، القرطبي، (7/ 16). نقلا عن أحاديث العقيدة، د. سليمان الدبيخي، ص196.
[14]. صحيح: أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، باب: العين، عبد الله بن مسعود، (10/ 169)، رقم (10352). وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (199).
[15]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (9/ 3794).
[16]. مجموع الفتاوى، ابن تيمية، تحقيق: أنور الباز وعامر الجزار، دار الوفاء، مصر، ط3، 1426هـ/ 2005م، (6/ 382) بتصرف.
[17] . شأن الدعاء، الخطابي، تحقيق: أحمد يوسف الدقاق، دار الثقافة العربية، بيروت، ط3، 1412هـ/ 1992م، ص23، 24.
[18] . بدائع الفوائد، ابن القيم، تحقيق: هشام عبد العزيز عطا وآخرين، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط1، 1416هـ/ 1996م، (1/ 177).
[19] . مجموع الفتاوى، ابن تيمية، تحقيق: أنور الباز وعامر الجزار، دار الوفاء، مصر، ط3، 1426هـ/ 2005م، (22/ 486).
[20] . صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أبي هريرة، (13/ 134)، رقم (7397)، وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند.
[21]. أسماء الله الحسنى، د. أحمد مختار عمر، دار عالم الكتب، القاهرة، ط1، 1417هـ/ 1997م، ص13.
[22]. نظرات في أسماء الله الحسنى، د. حبيب الله حسن، مطبعة الحسين، القاهرة، ط، 2001م، ص16.
[23]. نظرات في أسماء الله الحسنى، د. حبيب الله حسن، مطبعة الحسين، القاهرة، ط، 2001م، ص17: 24.
[24] . فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م، (11/ 221).
[25] . شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (9/ 3794).
[26] . أحكام القرآن، ابن العربي، (2/ 257). نقلا عن أحاديث العقيدة، د. سليمان الدبيخي، ص219.
[27] . انظر: المنة شرح اعتقاد أهل السنة، ياسر برهامي، دار الخلفاء الراشدين، الإسكندرية، ط1، 2006م، (1/ 62).
[28] . انظر: أحاديث العقيدة المتوهم إشكالها في الصحيحين، د. سليمان بن محمد الدبيخي، مكتبة دار المنهاج، الرياض، ط1، 1427هـ، ص208: 219 بتصرف.
[29] . فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م، (11/ 219).
[30] . شرح السنة، البغوي، تحقيق: زهير الشاويش وشعيب الأرنؤوط، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2، 1403هـ/ 1983م، (5/ 35).
[31]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م، (11/ 218).
[32]. المحلى، ابن حزم، تحقيق: أحمد محمد شاكر، دار التراث، القاهرة، (8/ 31).
[33]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م، (11/ 221).
[34]. انظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م، (11/ 220).
[35]. انظر: مدارج السالكين، ابن القيم، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 1408هـ/ 1988م، (3/ 433).
[36]. انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، دار المعرفة، بيروت، 1400هـ/ 1980م، (2/ 269).
[37]. انظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م، (11/ 219).
[38]. انظر: سبل السلام، الصنعاني، تحقيق: محمد صبحي حسن حلاق، دار ابن الجوزي، السعودية، ط1، محرم 1418هـ/ 1997م، (8/ 28، 29).
[39]. انظر: القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى، محمد صالح العثيمين، تحقيق: هاني الحاج، مكتبة العلم، القاهرة، ط1، 1419هـ/ 1999م، ص20.
[40]. إيثار الحق على الخلق، ابن الوزير اليماني، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 1407هـ، ص158.
[41]. انظر: المنة شرح اعتقاد أهل السنة، ياسر برهامي، دار الخلفاء الراشدين، الإسكندرية، ط1، 2006م، (1/ 62).
[42]. انظر: أسماء الله الحسنى، د. محمود عبد الرزاق الرضواني، مكتبة سلسبيل، القاهرة، ط1، 1426هـ/ 2005م، ص49: 78.
[43]. بدائع الفوائد، ابن القيم، تحقيق: هشام عبد العزيز عطا وآخرين، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط1، 1416هـ/ 1996م، (1/ 171).
[44]. بدائع الفوائد، ابن القيم، تحقيق: هشام عبد العزيز عطا وآخرين، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط1، 1416هـ/ 1996م، (1/ 171، 172).
[45]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (9/ 3794).
[46]. سبل السلام الموصلة إلى بلوغ المرام، الصنعاني، تحقيق: محمد صبحي حسن حلاق، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، ط1، 1418هـ/ 1997م، (8/ 33).
[47]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الكتاب، باب: ذكر الخوارج وصفاتهم، (4/ 1692)، رقم (2410).
[48]. سبل السلام الموصلة إلى بلوغ المرام، الصنعاني، تحقيق: محمد صبحي حسن حلاق، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، ط1، 1418هـ/ 1997م، (8/ 33، 34).
[49]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م، (13/ 390).
[50] . التلخيص الحبير، ابن حجر، مؤسسة قرطبة، مصر، المكتبة المكية، مكة المكرمة، ط1، 1426هـ/ 2006م، (4/ 340).
[51]. شرح السنة، البغوي، تحقيق: زهير الشاويش وشعيب الأرنؤوط، المكتب الإسلامي، بيروت، ط1، 1403هـ/ 1983م، (5/ 31).
[52]. تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، المباركفوري، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1410هـ/ 1990م، (9/ 338).
[53]. انظر: المنة شرح اعتقاد أهل السنة، ياسر برهامي، دار الخلفاء الراشدين، الإسكندرية، ط1، 2006م، (1/ 61).
[54]. انظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م، (11/ 229).
[55]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م، (11/ 229).
[56] . أحاديث العقيدة المتوهم إشكالها في الصحيحين، د. سليمان بن محمد الدبيخي، مكتبة دار المنهاج، الرياض، ط1، 1427هـ، ص203.
[57] . تفسير أسماء الله الحسنى، أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الزجاج، تحقيق: أحمد يوسف الدقاق، دار الثقافة العربية، دمشق، 1974م، ص24.
[58] . شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (9/ 3794).