دعوى تعارض السنة النبوية فيما يتعلق بزواج الأقارب
وجها إبطال الشبهة:
1) لا تعارض بين قول النبي -صلى الله عليه وسلم- وفعله في مسألة زواج الأقارب؛ فلم يصح عنه -صلى الله عليه وسلم- شيء في النهي عنه أو كراهته؛ والمشهور أن زواج الأقارب مباح؛ لدلالة القرآن الكريم والسنة العملية على ذلك.
2) لا تعارض بين حقائق العلم وما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فقد دلت الدراسات الطبية الحديثة أنه لا دخل لزواج الأقارب بالأمراض الوراثية في الذرية ما دام أفراد العائلة أنقياء وراثيا.
التفصيل:
أولا. لم يصح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن زواج الأقارب، بل ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- خلاف ذلك:
ليس صحيحا ما يشاع بين الناس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد نهى عن زواج الأقارب أو كرهه؛ فزواج الأقارب كأبناء العمومة والخؤولة ونحوهم مما أباحه الله تعالى في قوله: )وأحل لكم ما وراء ذلكم( (النساء: ٢٤)، وفي قوله تعالى: )يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك( (الأحزاب: ٥٠). فجواز نكاح هؤلاء مما لا خلاف فيه بين المسلمين.
ولم يكن النبي – صلى الله عليه وسلم- ينهى عن شيء ويأتي بمثله، فقد تزوج النبي – صلى الله عليه وسلم- من أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها والمعروف أن جد جدها هو قصي، الذي هو من أجداد النبي صلى الله عليه وسلم، كما تزوج رسول الله – صلى الله عليه وسلم- من أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها وهي ابنة عمته صلى الله عليه وسلم، وأيضا تزوج – صلى الله عليه وسلم- من أم المؤمنين أم حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله عنها وهي كسائر بني أمية تجتمع مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم- في عبد مناف.
كما أنه – صلى الله عليه وسلم- لم يزوج واحدة من بناته إلا من الأقارب؛ زينب – رضي الله عنها – تزوجها أبو العاص القاسم بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف، وهو ابن أخت أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها.
كما زوج النبي – صلى الله عليه وسلم- ابنته رقية رضي الله عنها – بعدما طلقها عتبة بن أبي لهب قبل دخوله بها – لعثمان بن عفان رضي الله عنه، وعثمان يشترك في النسب القريب مع النبي – صلى الله عليه وسلم- في عبد مناف بن قصي وأم عثمان هي: أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، فهي تشترك في النسب مع النبي – صلى الله عليه وسلم- في عبد مناف كذلك. بل إن قرابة أمه من النبي – صلى الله عليه وسلم- أقرب من ذلك بكثير؛ لأنها هاشمية النسب من جهة أمها، فهي بنت البيضاء أم حكيم بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي،… فأم ذي النورين بنت عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأيضا أم كلثوم رضي الله عنها؛ فقد تزوجها ابن عم النبي – صلى الله عليه وسلم- عتيبة بن أبي لهب، ثم طلقها، فتزوجها عثمان – رضي الله عنه- بعد أن ماتت أختها رقية رضي الله عنها[2]. وأما فاطمة فقد تزوجت من علي رضي الله عنهما، وهو ابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
أما ما يشاع – خطأ – عند بعض الناس أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قال:«اغتربوا لا تضووا»[3]. فنسبوا هذا القول إلى الرسول – صلى الله عليه وسلم-، ثم بنوا عليه أحكاما!! فقالوا إن زواج الأقارب منهي عنه من واقع قول النبي – صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث.
ومعنى «اغتربوا لا تضووا» أي: انكحوا الغرائب دون القرائب؛ فإن ولد الغريبة أنجب وأقوى، وولد القرائب أضعف وأضوى، ومنه قول الشاعر:
فتى لم تلده بنت عم قريبة
فيضوى وقد يضوى رديد القرائب
وقيل معنى «اغتربوا لا تضووا»أي: تزاوجوا في الأجنبيات ولا تتزوجوا في العمومة؛ وذلك أن العرب تزعم أن ولد الرجل من قرابته يجيء ضاويا نحيفا غير أنه يجيء كريما على طبع قومه[4].
في الحقيقة، إن هذا القول ليس من كلام النبي – صلى الله عليه وسلم- على الإطلاق، فليس للحديث ذكر في كتب السنة المعروفة، ولا يعرف له راو.
قال الدكتور أحمد علي السالوس: “أخذت أبحث عن الحديث فلم أجد إشارة إليه في معجم ألفاظ الحديث النبوي، ولا في مفتاح كنوز السنة، ولم أجده في الكتب التالية: المقاصد الحسنة للسخاوي، كشف الخفاء للعجلوني، فيض القدير للمناوي، شرح الجامع الصغير للسيوطي، بل لم أجده في الجامع الكبير (جمع الجوامع) الذي جمعه السيوطي في ثلاثة وثمانين كتابا، وأراد به جمع الأحاديث النبوية، ولا في كتاب ” الجامع الأزهر في أحاديث النبي الأنور” الذي ألفه المناوي حيث رأى أن السيوطي في جمعه فاته الثلث فأكثر، والكتابان يضمان ثمانين ألف حديث تقريبا”.
وقال أيضا: ” رجعت إلى ما يتصل بمعنى الحديث في أبواب النكاح، فلم أجده في الكتب التالية: نيل الأوطار، سبل السلام، الفتح الرباني ترتيب مسند الإمام أحمد، منحة المعبود في ترتيب مسند الطيالسي، كشف الأستار عن زوائد البزار، سنن الدارقطني، كنز العمال، مسند الإمام زيد، شرح معاني الآثار للطحاوي، المطالب العالية، وغيرها من مراجع البحث.
ونظرت في الكتب التي تخرج أحاديث كتب الفقه، فرجعت إلى “نصب الراية” فلم أجد الحديث”[5].
أما الحديث فقد ورد ذكره في كتاب “غريب الحديث لابن قتيبة”، بعد أن ذكر أحاديث الصحابة فالتابعين ومن بعدهم، قال: “أحاديث سمعت أصحاب اللغة يذكرونها ولا أعرف أصحابها”.
وكل ما ذكره ابن قتيبة عن الحديث أنه ساقه هكذا دون سند، ثم بين معناه، ثم قال: ” وقد أكثرت الشعراء في هذا المعنى “، وذكر أبيات من ذلك، فابن قتيبة نفسه لا يعرف صاحب هذا الحديث.
فالحديث بذلك لم يروه إلا أصحاب اللغة في كتبهم، وبالطبع لا يؤخذ الحديث من كتب اللغة، فليس من وظيفة أصحابها النظر في الإسناد، والجرح والتعديل، وغير ذلك مما يعد من اختصاص أهل الحديث.
وخبرهم الثاني في ذلك هو ما جاء في ” تلخيص الحبير ” لابن حجر العسقلاني، قال: حديث: ” لا تنكحوا القرابة القريبة؛ فإن الولد يخلق ضاويا “[6].
ثم قال: ” هذا الحديث تبع في إيراده إمام الحرمين هو والقاضي الحسين، وقال ابن الصلاح: لم أجد له أصلا معتمدا.
ثم قال: وروى إبراهيم الحربي في غريب الحديث عن عبد الله بن المؤمل عن أبي مليكة قال: “قال عمر لآل السائب: «قد أضوأتم فانكحوا في النوابغ». قال الحربي: “يعني تزوجوا الغرائب”[7].
وذكر هذا الحديث الغزالي في “إحياء علوم الدين”، ثم تعقبه الحافظ العراقي في تخريجه بذكر قول ابن الصلاح السابق، وعقب عليه، فقال: ” إنما يعرف من قول عمر أنه قال لآل السائب: «قد أضويتم فانكحوا النوابغ» – رواه إبراهيم الحربي في غريب الحديث… “[8]. وقد ذكره السبكي عند تخريجه لأحاديث الإحياء التي لا أصل لها[9].
قال الدكتور أحمد علي السالوس: ” ولا يغرنك رواية الغزالي، وإمام الحرمين، وغيرهما ممن ليسوا من علماء الحديث”، قال الشوكاني في ” نيل الأوطار “: ” والجويني وإن كان من أكابر العلماء فليس هو من علماء الحديث، وكذلك الغزالي والقاضي حسين؛ وإنما هم من الفقهاء الذين لا يميزون بين الموضوع وغيره، كما يعرف ذلك من له أنسة بعلم السنة…”[10][11].
وبهذا يتضح أن تلك الأقوال ليست من كلام النبي – صلى الله عليه وسلم- ولم يصح عنه أنه نهى عن زواج الأقارب، بل إن صح شيء منها فهو قول لعمر رضي الله عنه.
ولكن هذا الأثر عن عمر – رضي الله عنه-لا يخلو من نظر أيضا؛ لأمرين:
الأول: أن الحربي يرويه عن عبد الله بن المؤمل كما هو ظاهر، ومعلوم أن ابن المؤمل مات قبل ولادة إبراهيم الحربي بنصف قرن تقريبا.
جاء في “تهذيب الكمال” للمزي” أن: “عبد الله بن المؤمل بن وهب الله القرشي، والمخزومي العائذي، المدني، ويقال: المكي… وقال أبو يعلى الخليلي: ” مات قبل الستين ومئة”[12].
وفي “تذكرة الحفاظ” للذهبي: “الإمام الحافظ شيخ الإسلام أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق البغدادي أحد الأعلام، ولد سنة ثمان وتسعين ومائة “[13].
الثاني: أن عبد الله بن المؤمل ضعيف؛ كما نرى من ترجمته في “تهذيب التهذيب”.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه: “أحاديثه منكرة”. وقال عثمان بن سعيد الدارمي وأبو بكر بن أبي خيثمة ومعاوية بن صالح، عن يحيى بن معين: “ضعيف”. وقال أبو زرعة وأبو حاتم: “ليس بقوي”. وقال أبو داود: “منكر الحديث”. وقال النسائي: “ضعيف”. وقال أبو أحمد بن عدي: “أحاديثه عليها الضعف بين”[14]. وقال عنه ابن حبان في كتاب “المجروحين”: قليل الحديث، منكر الرواية، لا يجوز الاحتجاج بخبره إذا انفرد؛ لأنه لم يتبين عندنا عدالته فيقبل ما انفرد به”[15].
ووثقه ابن سعد وابن نمير، ولكن توثيقهما لا يثبت أمام تضعيف أولئك الأئمة، ولذلك قال الإمام الذهبي في ” الميزان “: “ضعفوه”[16]. ومع كل هذا، فلو افترضنا صحة الإسناد، فإن القول ليس للمعصوم، فهو إذا يمكن أن يكون خطأ.
ثم إن الخبر لو صح عن عمر، فإنه نصيحة لقبيلة معينة، يحتمل أنها كانت تحمل أمراضا وراثية؛ فخير لها أن تغترب، فتكون النصيحة خاصة لا عامة[17].
وخلاصة القول؛ أنه لا يصح القول بتعارض قول النبي – صلى الله عليه وسلم- مع فعله؛ فالنبي – صلى الله عليه وسلم- لم يقل أبدا بكراهة زواج الأقارب، فزواجهن مما أباحه الله وأحله في كتابه العزيز، وكل ما جاء من آثار أو أحاديث في ذلك لا أصل لها مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يصح الاستشهاد بها لإثبات حكم كهذا، فالدليل قائم من سنة النبي – صلى الله عليه وسلم- العملية على جواز ذلك، فقد تزوج النبي – صلى الله عليه وسلم- من أقاربه، وزوج بناته أيضا من أقاربه.
ثانيا. لا تعارض بين السنة الصحيحة وما ثبت علميا فيما يتعلق بزواج الأقارب:
لقد شاع في العصر الحاضر أن زواج الأقارب هو سبب لكثير من الأمراض الوراثية، وأن العلم الحديث أثبت هذه الفكرة، وقد ثبت أن هذا الأمر ليس من العلم اليقين المقطوع به، وإنما يبنى على تجارب ودراسات تؤدي إلى نتائج ظنية يمكن بطلانها في وقت آخر، بل لقد انتهى بالفعل أحد أساتذة علم الوراثة – وغيره من العلماء – من تجاربه ودراساته إلى القول ببطلان هذه الفكرة الشائعة.
ومع هذا فما يكاد يذكر اسم العلم الحديث حتى وجدنا الفكرة تسيطر على معظم الكتابات المعاصرة في الزواج بالتحذير من زواج الأقارب ثم ينسبون إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- حديثا يستدلون به على صحة ما يذهبون إليه، لقد وصل الأمر إلى درجة عظيمة من الخطورة، فإذا ما ذكر زواج الأقارب في عصرنا ذكر أن الرسول – صلى الله عليه وسلم- قال: «اغتربوا لا تضووا» [18].
مع أن هذا ليس من كلام النبي – صلى الله عليه وسلم- ولم تثبت نسبته أصلا إلى النبي – صلى الله عليه وسلم-، وقد قامت الأدلة على نكارته بالسنة الفعلية للنبي – صلى الله عليه وسلم- وأيضا صحابته الكرام رضي الله عنهم.
وقد أظهرت نتائج الأبحاث العلمية الحديثة خطأ الاعتقاد الشائع بأن زواج الأقارب يؤدي إلى ظهور نسل حامل للأمراض الوراثية، وأن الأجيال الناتجة عن زواج الأقارب تكون هزيلة وضعيفة كما دلت الدراسات الصحية على أن زواج الأقارب ليس وحده المسئول عن الأمراض الوراثية في الذرية، وهناك أدلة كثيرة على ذلك منها:
- أن ظهور الأمراض الوراثية في الذرية بسبب انتقال الصفات الوراثية المرضية المتنحية من كلا الأبوين ليست في زواج الأقارب فقط، ولكنها تعتمد أساسا على مدى انتشار العامل الوراثي المرضي المتنحي بين أفراد الأسرة من ناحية، وأفراد المجتمع من ناحية أخرى.
فإذا كانت تلك العوامل منتشرة في أفراد الأسرة أعلى من انتشارها في أفراد المجتمع يكون الزواج من الأباعد أفضل، وإذا كانت تلك العوامل منتشرة في أفراد المجتمع أكثر من انتشارها بين أفراد الأسرة فإن زواج الأقارب يكون أفضل.
- أنه في بعض الأحيان تكون في الأسرة صفات وراثية مرغوبة، مثل الذكاء أو الجمال أو القوة… حينئذ يكون زواج الأقارب أفضل من زواج الأباعد لضمان ظهور تلك الصفات المرغوبة في الذرية، والعكس صحيح أيضا إذا كانت بالأسرة عوامل مرضية وراثية، هنا يكون زواج الأباعد أفضل من زواج الأقارب.
- أن الأمراض التي تنتقل بالعوامل المتنحية لا تشكل إلا نسبة صغيرة من الأمراض الوراثية، أما غالبية الأمراض الوراثية فلا دخل لزواج الأقارب أو الأباعد بها… مثل الأمراض التي تنتقل بعامل وراثي سائد واحد من الأب أو من الأم، مثل مرض التعظم الغضروفي Achandro Plasia، ومرض التصلب الدرني Epilaia، ومرض الداء البوليبي المعوي Polyposis… وغير ذلك من الأمراض الوراثية.
- أن هناك أمراضا يولد بها الطفل وليس لها أية علاقة بزواج الأقارب أو الأباعد بصفة مطلقة، مثل الأمراض الناتجة عن اختلاف عامل ريسوس (PH) بين الزوجين، وأمراض ناتجة عن تكسر الصبغيات، ما يسمى ” بالطفل المنغولي ” وقد ثبت إحصائيا أن طفلا واحدا ما بين مائتي طفل يولد حيا به خلل كروموسومي.
فزواج الأقارب إذا ليس سببا على الإطلاق في الغالبية العظمى من الأمراض الوراثية.
- ليست كل الأمراض التي يولد بها الطفل أمراضا وراثية؛ فقد لوحظ أن كثيرا من الأطفال يولدون بتشوهات خلقية، بعضها غير وراثي، وبعضها الآخر وراثي، فبعض الأطفال يولدون بتشوه في إحدى الذراعين مثلا، وهذا لا يكون وراثيا، وإنما هو بسبب خلل أثناء تكوين هذه الذراع أثناء فترة الحمل، كما تحدث تشوهات خلقية بالأجنة بسبب تعرض الأم أثناء الحمل لعوامل مهددة لصحتها، وصحة الجنين مثل: الحصبة الألمانية، أو شرب الكحول، أو تعاطي المخدرات، أو التعرض لأشعة الميكروويف… إلخ.
أما التشوه الوراثي، فسببه حدوث تغير في أحد العوامل الوراثية التي من وظيفتها تكوين الذراعين مثلا، فيولد الطفل بتشوه في الذراعين معا، وليس في ذراع واحدة[19].
مما سبق ندرك أنه لا ضرر إطلاقا من زواج الأقارب طالما أن أفراد العائلة أنقياء وراثيا، كما يجب أن نعلم أن معظم الأمراض الوراثية لا علاقة لها بزواج الأقارب أو الأباعد، وبهذا يتضح أن زواج النبي – صلى الله عليه وسلم- من الأقارب، وكذلك تزويجه – صلى الله عليه وسلم- بناته من الأقارب ليس فيه ما يخالف العلم الذي أثبت أنه لا ضرر من ذلك مطلقا، خاصة أنه لم يثبت عنه – صلى الله عليه وسلم- ولم يصح نسبة كلام إليه يحذر فيه، أو ينهى عن زواج الأقارب أبدا[20]. (النجم).
الخلاصة:
- لقد شاع بين الناس أن زواج الأقارب يؤدي إلى نسل ضاو، كما شاع عند البعض منهم أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: «اغتربوا لا تضووا» أي تزوجوا من الأباعد كي لا يضعف نسلكم بزواج الأقارب، وهذا القول لم يثبت أصلا عن النبي – صلى الله عليه وسلم- فهو ليس بحديث.
- إن قولهم «اغتربوا لا تضووا»ومثله«لا تنكحوا القرابة القريبة فإن الولد يخلق ضاويا» لم يرد في كتب السنة الصحيحة، ولا الفقه، ولم يصح أي منهما عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلا يصح أن تبنى عليهما الأحكام لعدم وجود دليل على نسبتهما للنبي صلى الله عليه وسلم.
- إن الأثر المنسوب إلى سيدنا عمر بن الخطاب يبدو فيه الانقطاع، وعلى فرض صحته – برغم ما ثبت من ضعف في رواته – فقد يكون لقبيلة معينة، يحتمل أنها تحمل أمراضا وراثية، فخير لها أن تغترب؛ فيكون هذا القول نصيحة خاصة لهذه القبيلة لا حكما عاما.
- إن فعل النبي – صلى الله عليه وسلم- من تزويج بناته من الأقارب، وتزوجه أيضا من الأقارب لهو دليل واضح على نكارة هذا القول وبطلان نسبته إليه صلى الله عليه وسلم.
- لقد أثبت علماء الوراثة أن زواج الأقارب لا يؤدي إلى ظهور نسل حامل للأمراض الوراثية، وأنه لا يشترط أن ينتج عن زواج الأقارب أجيال هزيلة وضعيفة كما كان البعض يعتقد.
- ليست كل الأمراض التي يولد بها الطفل أمراضا وراثية؛ فقد لوحظ أن كثيرا من الأطفال يولدون بتشوهات خلقية، بعضها غير وراثي وبعضها الآخر وراثي.
- لم تخالف السنة الفعلية الصحيحة الثابتة عن النبي – صلى الله عليه وسلم- أي نصوص صحيحة ولا أي حقائق علمية، فلا يخالف وحي صحيح حقيقة علمية ثابتة، وقد قال تعالى في وصف النبي – صلى الله عليه وسلم-: )وما ينطق عن الهوى (3) إن هو إلا وحي يوحى (4)( (النجم).
(*) موسوعة الإعجاز العلمي في سنة النبي الأمي صلى الله عليه وسلم، حمدي عبد الله الصعيدي، مكتبة أولاد الشيخ للتراث، مصر، ط1، 2007م.
[1]. الضوى بمعنى الضعف، ومعناه: أنكحوا الغرائب لئلا يضعف نسلكم.
[2]. ذو النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه، محب الدين الخطيب، ص 5. نقلا عن موسوعة الإعجاز العلمي في سنة النبي الأمي صلى الله عليه وسلم، حمدي عبد الله الصعيدي، مكتبة أولاد الشيخ للتراث، مصر، ط1، 2007م، ص920، 921.
[3]. ذكره ابن قتيبة في غريب الحديث، (3/ 737).
[4]. لسان العرب، ابن منظور، مادة: (ضوا).
[5]. موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة، د. علي أحمد السالوس، مكتبة دار القرآن، مصر، ط8، 1426هـ / 2005م، ص 972، 973.
[6]. ضعيف: ذكره ابن حجر في التلخيص الحبير، كتاب: النكاح، باب: ما جاء في استحباب النكاح (3/ 308)، رقم (5). وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة وقال: لا أصل له مرفوعا برقم (5365).
[7]. التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، ابن حجر العسقلاني، مؤسسة قرطبة، القاهرة، ط2، 1426هـ / 2006م، (3/ 308).
[8]. إحياء علوم الدين، أبو حامد الغزالي، المطبعة النموذجية، القاهرة، د. ت، (2/ 300).
[9]. أحاديث الإحياء التي لا أصل لها، السبكي، دار الهجر، القاهرة، د. ت، (1/ 18).
[10]. نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، الشوكاني، تحقيق: عبد المنعم إبراهيم، مكتبة نزار مصطفى الباز، الرياض، ط1، 1421 هـ / 2001م، (7/ 3263).
[11]. انظر: موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة، د. علي أحمد السالوس، مكتبة دار القرآن، مصر، ط8، 1426هـ / 2005م، ص 974، 975.
[12]. تهذيب الكمال في أسماء الرجال، المزي، تحقيق: بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1413هـ/ 1992م، (16/ 190).
[13]. تذكرة الحفاظ، الذهبي، دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت، (2/ 285).
[14]. تهذيب الكمال في أسماء الرجال، الحافظ المزي، تحقيق: د. بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1413هـ/ 1992م، (16/ 189،190).
[15]. كتاب المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين، ابن حبان، تحقيق: محمود إبراهيم زايد، دار الوعي، حلب، ط2، 1402هـ، (2/ 28).
[16]. ميزان الاعتدال في نقد الرجال، الذهبي، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار المعرفة، بيروت، د. ت، (2/ 510).
[17]. انظر: موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة، د. علي أحمد السالوس، مكتبة دار القرآن، مصر، ط8، 1426هـ / 2005م، ص971: 975.
[18]. ذكره ابن قتيبة في غريب الحديث، (3/ 737).
[19]. موسوعة الإعجاز العلمي في الحديث النبوي الشريف، عبد الرحيم مارديني، (1/ 118: 120). نقلا عن: موسوعة الإعجاز العلمي في سنة النبي الأمي صلى الله عليه وسلم، حمدي عبد الله الصعيدي، مكتبة أولاد الشيخ للتراث، مصر، ط1، 2007م، ص923: 925.
[20]. موسوعة الإعجاز العلمي في سنة النبي الأمي صلى الله عليه وسلم، حمدي عبد الله الصعيدي، مكتبة أولاد الشيخ للتراث، مصر، ط1، 2007م، ص 924، 925 بتصرف.