دعوى تعارض قول النبي – صلى الله عليه وسلم- مع فعله في لبس الحرير والذهب
وجها إبطال الشبهة:
1) إن حديثي لبس النبي – صلى الله عليه وسلم- الحرير والذهب حديثان صحيحان سندا ومتنا، رويا في أصح كتب السنة، ثم إن مسألة لبس النبي – صلى الله عليه وسلم- الحرير وصلاته فيه كانت قبل تحريمه إياه؛ فلما جاءه جبريل ونهاه عن ذلك امتثل لأمر الله -عز وجل- ثم حذر رجال أمته منه.
2) إن أقوال النبي – صلى الله عليه وسلم- وأفعاله كلها وحي، ومحال أن يكون الوحي مناقضا نفسه في القول والفعل، وكون النبي – صلى الله عليه وسلم- خرج إلى مخرمة وابنه وعليه القباء ليس شرطا أن يكون لابسا إياه، كما أن إهداء الثوب المزرر بالذهب (أو إهداء الذهب نفسه) ليس فيه أدنى حرج، وإنما يقع الحرج على المهدى إليه إن استعمله في غير وجهه المشروع.
التفصيل:
أولا. لبس النبي – صلى الله عليه وسلم- الحرير وصلاته فيه كانا قبل نزول تحريمه:
أخرج البخاري ومسلم وغيرهما، عن عقبة بن عامر قال: «أهدي لرسول الله – صلى الله عليه وسلم- فروج حرير فلبسه، ثم صلى فيه، ثم انصرف فنزعه نزعا شديدا – كالكاره له – ثم قال: لا ينبغي هذا للمتقين»[1].
قال النووي في شرحه للحديث: “وهذا اللبس المذكور في هذا الحديث كان قبل تحريم الحرير على الرجال، ولعل أول النهي والتحريم كان حين نزعه، ولهذا قال – صلى الله عليه وسلم- في حديث جابر الذي ذكره مسلم قبل هذا بأسطر حين صلى في قباء ديباج ثم نزعه وقال: «نهاني عنه جبريل» فيكون هذا أول التحريم “[2].
قال ابن حجر: “ويدل على هذا أيضا مفهوم قوله صلى الله عليه وسلم: “لا ينبغي هذا للمتقين”؛ لأن المتقي وغيره في التحريم سواء، ويحتمل أن يراد بالمتقي: المسلم، أي المتقي للكفر، ويكون النهي سبب النزع، ويكون ذلك ابتداء التحريم”[3].
وقال أيضا: قال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة: اسم التقوى يعم على جميع المؤمنين، لكن الناس فيه درجات. قال تعالى: )ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات( (المائدة: ٩٣).
فكل من دخل الإسلام فقد اتقى، أي: وقي نفسه من الخلود في النار، وهذا مقام العموم، وأما مقام الخصوص فهو مقام الإحسان، كما قال صلى الله عليه وسلم: «أن تعبد الله كأنك تراه»[4].
قال ابن بطال: يمكن أن يكون نزعه لكونه كان حريرا صرفا، ويمكن أن يكون نزعه لأنه من جنس لباس الأعاجم [5].
قال الشوكاني: والحديث يدل على تحريم لبس الحرير، ولبس النبي – صلى الله عليه وسلم- لا يكون دليلا على الحل؛ لأنه محمول على أنه لبسه قبل التحريم، بدليل قوله: «نهاني عنه جبريل»، ولهذا حصر الغرض من إعطاء الحرير لعمر – رضي الله عنه- في البيع[6].
ومما يدل على إباحته في أول الأمر ما روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه: «أن أكيدر دومة أهدى إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم- جبة سندس أو ديباج – شك فيه سعيد – قبل أن ينهى عن الحرير، فلبسها، فتعجب الناس منها فقال: والذي نفس محمد بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن منها»[7]، أي: ينظرون إلى لينها ويتعجبون منها؛ إذ ما سبق لهم عهد بمثلها، فخاف عليهم أن يميلوا بذلك إلى الدنيا ويستحسنوها في طباعهم، فزهدهم عنها، ورغبهم في الآخرة وقال لهم: «لمناديل سعد..»، أي: هذا في الدنيا قد أعد للبس الملوك، ومع ذلك لا يساوي مناديل سعد في الآخرة التي أعدت لإزالة الوسخ وتنظيف الأيدي، فأي نسبة بين الدنيا والآخرة؟![8]
على أن تحريم لبس الحرير جاء مقصورا على الرجال دون النساء، وقد جاءت الأحاديث الصحيحة دالة على ذلك:
فعن عمر – رضي الله عنه- أن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال: «من لبس الحرير في الدنيا لن يلبسه في الآخرة»[9].
وفي حديث أبي موسى الأشعري أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قال:«حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي وأحل لإناثهم»[10].
قال ابن قدامة: ” ولا نعلم في تحريم لبس ذلك على الرجال اختلافا، إلا لعارض أو عذر، قال ابن عبد البر: هذا إجماع “[11].
ومما يؤكد إباحة لبس الحرير للرجال عند الضرورة ما رواه مسلم بسنده عن أنس بن مالك، «أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام في القمص الحرير في السفر، من حكة كانت بهما، أو وجع كان بهما»[12].
- الحكمة من تحريم الحرير على الرجال:
قد يقول قائل: معلوم أن الحرير من أحسن الملابس وأوفقها للبدن، فلماذا حرمته الشريعة الإسلامية على الرجال دون النساء؟
قيل: هذا السؤال يجيب عنه كل طائفة من طوائف المسلمين بجواب، فمنكرو الحكم والتعليل لما رفعت قاعدة التعليل من أصلها لم يحتاجوا إلى جواب عن هذا السؤال. ومثبتو التعليل والحكم – وهم الأكثرون – منهم من يجيب عن هذا بأن الشريعة حرمته لتصبر النفوس عنه وتتركه لله فتثاب على ذلك، لا سيما ولها عوض عنه بغيره.
ومنهم من يجيب عنه بأنه خلق في الأصل للنساء كالحلية بالذهب؛ فحرم على الرجال لما فيه من مفسدة تشبه الرجال بالنساء، ومنهم من قال: حرم لما يورثه من الفخر والخيلاء والعجب. ومنهم من قال: حرم لما يورثه بملامسته للبدن من الأنوثة والتخنث وهما ضد الشهامة والرجولة، فإن لبسه يكسب القلب صفة من صفات الإناث، ولهذا لا نكاد نجد من يلبسه في الأكثر إلا وعلى شمائله من التخنث والتأنيث والرخاوة ما لا يخفى، حتى لو كان من أشهم الناس وأكثرهم فحولية ورجولية، فلا بد أن ينقصه لبس الحرير منها، وإن لم يذهبها، ومن غلظت طباعه وكثفت عن فهم هذا فليسلم للشارع الحكيم، ولهذا كان أصح القولين أنه يحرم على الأولى أن يلبسه الصبي لما ينشأ عليه من صفات أهل التأنيث[13].
وعليه، فلا وجه للقول بأن أقوال النبي – صلى الله عليه وسلم- تخالف أفعاله في مسألة لبس الحرير.
ثانيا. كون النبي – صلى الله عليه وسلم- قد خرج وعليه القباء ليس شرطا أن يكون لابسا إياه، كما أن إهداء الذهب لا حرج فيه:
لقد دندن كثير من المشتبهين حول بعض أحاديث النبي – صلى الله عليه وسلم- عامدين إلى التدليس والتلبيس وذلك بضرب الأحاديث بعضها ببعض.
ومن هذه الأحاديث التي طعنوا فيها ما رواه البخاري عن المسور بن مخرمة أن أباه مخرمة قال له: «يا بني إنه بلغني أن النبي – صلى الله عليه وسلم- قدمت عليه أقبية[14] فهو يقسمها، فاذهب بنا إليه، فذهبنا فوجدنا النبي – صلى الله عليه وسلم- في منزله، فقال لي: يا بني ادع لي النبي صلى الله عليه وسلم، فأعظمت ذلك، فقلت: أدعو لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: يا بني إنه ليس بجبار، فدعوته فخرج وعليه قباء من ديباج مزرر بالذهب، فقال: يا مخرمة هذا خبأناه لك، فأعطاه إياه»[15].
قال ابن حجر شارحا قوله: «فخرج وعليه قباء من ديباج مزرر بالذهب»: يحتمل أن يكون قد وقع قبل التحريم، فلما وقع تحريم الحرير والذهب على الرجال، لم يبق في هذا حجة لمن يبيح شيئا من ذلك، ويحتمل أن يكون بعد التحريم فيكون أعطاه لينتفع به بأن يكسوه النساء أو ليبيعه كما وقع لغيره، ويكون معنى «فخرج وعليه قباء» أي: على يده فيكون من إطلاق الكل على البعض، وإنما فعل ذلك النبي – صلى الله عليه وسلم- أراد تطييب قلب مخرمة، فقد كان في خلقه شيء”[16].
قال أبو جعفر الطحاوي: ففي هذا الحديث لبس رسول الله – صلى الله عليه وسلم- لذلك القباء، وهو من ديباج مزرر بذهب، وذلك قبل تحريم لبس الحرير[17].
وقد رجح هذا الرأي؛ لظاهر الحديث، ولولا ذلك ما لبس النبي – صلى الله عليه وسلم- القباء المزرر بالذهب ولا وزعه على صحابته، كما أن مخرمة قد أسلم عام الفتح وذلك بعد ثمان سنين ونصف من الهجرة، فهذا نص على أن الذهب كان مباحا إلى ما قبل وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم [18].
إذا هناك أمران:
- أن لبس النبي – صلى الله عليه وسلم- لهذا القباء المزرر بالذهب كان قبل التحريم، وذلك أن لبس الذهب للرجال كان حلالا ثم نسخ بعد ذلك، ودليل ذلك ما روي عن نافع أنه قال: عن عبد الله رضي الله عنه «أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- اتخذ خاتما من ذهب، وجعل فصه مما يلي كفه، فاتخذه الناس، فرمى به واتخذ خاتما من ورق، أو فضة» [19].
قال الإمام النووي: “لما أراد النبي – صلى الله عليه وسلم- تحريم خاتم الذهب، اتخذ خاتم فضة، فلما لبس خاتم فضة أراه الناس في ذلك اليوم؛ ليعلمهم إباحته، ثم طرح خاتم الذهب، وأعلمهم تحريمه، فطرح الناس خواتيمهم من الذهب”[20].
فهذا يدل على أن حكم لبس الذهب للرجال قد مر بمرحلتين: مرحلة الإباحة، ومرحلة التحريم، وطالما أن النبي – صلى الله عليه وسلم- قد طرح خاتم الذهب، وقال: «لا ألبسه أبدا»[21]، فيحتمل أن يكون لبسه للقباء المزرر بالذهب الذي خبأه لمخرمة – رضي الله عنه- كان قبل تحريم لبس الذهب بالنسبة للرجال، ولا إشكال في ذلك، وهذا قول لبعض أهل العلم كابن حجر، وابن بطال، والألباني، وهو الصحيح؛ لاجتماع الأدلة من ظاهر الحديث، وتأخر إسلام مخرمة.
- يحتمل أن يكون قوله: «فخرج إليه وعليه قباء منها» أنه من باب إطلاق الجزء على الكل، فيكون خرج وهو واضعه على يده، وليس لابسا له – لو كان بعد التحريم – ومن ذلك قول الله سبحانه وتعالى: )يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت( (البقرة: ١٩)، هنا قال: )أصابعهم( والمقصود أناملهم؛ لأنه يستحيل وضع الإصبع كله في الأذن؛ فهو من باب إطلاق الكل وإرادة الجزء، وهذا كثير في القرآن ولغة العرب.
أما إهداء النبي – صلى الله عليه وسلم- الثوب المزرر بالذهب إلى مخرمة – رضي الله عنه- فلا شيء فيه؛ إذ الحرج في ذلك يقع على المهدى إليه إذا استعمله في غير ما أحل له.
إن الأصل في زكاة الذهب والفضة أن تخرج ذهبا وفضة، فإذا أخرج تاجر الذهب ذهبا مصنوعا ليكون زكاة له، وأعطاه لرجل من الرجال الفقراء؛ أيكون عليه من حرج حين يدفع الذهب المصنوع إلى فقير من فقراء المسلمين؟
الجواب: لا حرج في ذلك، والحرج يقع على آخذه إن استعمل الذهب فيما يخالف الشريعة، فإن زين به أهله وبناته، أو باعه وانتفع به فلا بأس، أما إن زين به صدره أو أذنه كان آثما، وكل هذا إن كان التحريم للذهب كان قبل وقوع تلك الحادثة، أما غير ذلك فلا إشكال في كل هذه الاحتمالات”[22].
ومما يؤكد ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه- قال: «كساني النبي – صلى الله عليه وسلم- حلة سيراء، فخرجت فيها، فرأيت الغضب في وجهه، فشققتها بين نسائي»[23].
وزاد مسلم: «إنما بعثت بها إليك لتنتفع بها، ولم أبعث بها إليك لتلبسها»[24].
ونظير ذلك ما رواه الشيخان عن ابن عمر – رضي الله عنهما -: «أن عمر – رضي الله عنه- رأى حلة سيراء تباع فقال: يا رسول الله؛ لو ابتعتها تلبسها للوفد إذا أتوك والجمعة. قال: إنما يلبس هذه من لا خلاق له. وأن النبي – صلى الله عليه وسلم- بعث بعد ذلك إلي عمر حلة سيراء حريرا كساها إياه، فقال عمر: كسوتنيها، وقد سمعتك تقول فيها ما قلت، فقال: إنما بعثت بها إليك لتبيعها أو تكسوها»[25].
على أن ما أعطاه رسول الله – صلى الله عليه وسلم- لمخرمة – رضي الله عنه- كان مما أفاء الله به عليه، “والأفياء التي أفاءها الله -عز وجل- على رسوله – صلى الله عليه وسلم- صنفان: أحدهما الصنف الذي قال الله فيه: )ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل( (الحشر: ٧). والآخر المذكور في الآية التي قبلها في السورة نفسها وهي قوله سبحانه وتعالى: )وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب( (الحشر: ٦)، فكان ما كان من ذلك الفيء لرسول الله – صلى الله عليه وسلم- دون الناس جميعا، فكانت ملكا لا فيئا من ذلك الصنف، وكانت لرسول الله – صلى الله عليه وسلم- دون الناس جميعا، فلم يستأثرها لنفسه وردها في إعزاز الإسلام، وإصلاح قلوب من يخاف فساد قلبه عليهم…، فكان ذلك من رسول الله – صلى الله عليه وسلم- زيادة في فضله، وجلالة لمنزلته، وإعظاما لحقوق الله -عز وجل- عليه، وطلبا منه الألفة بين أمته، ودفع المكروه فيما يخاف من بعضها على بقيتها، فكانت قسمته تلك الأقبية بين من قسمها عليه منهم لذلك، وكان لباسه القباء المذكور لبسه إياه في هذه الأحاديث وهو مملوك له لا شريك له فيه؛ لأنه وإن كان خبأه لمخرمة، فلم يملكه مخرمة بذلك، وإنما ملكه بقبضه إياه منه، وتسليمه إياه إليه[26].
إذا فرسول الله – صلى الله عليه وسلم- كان يعطي من ماله الخاص، الذي خص به من قبل الله سبحانه وتعالى، وظهر هذا فيما أعطاه رسول الله – صلى الله عليه وسلم- لمخرمة – رضي الله عنه- فإنه مما خص به من دون المؤمنين، ولم يكن هذا القباء من ملك المسلمين العام.
ولو فرضنا أن هذا القباء كان من أموال المسلمين، وخبأه له رسول الله – صلى الله عليه وسلم-، فإن النبي – صلى الله عليه وسلم- لم يكن بذلك فاعلا ما لا يليق به؛ وإنما حفظ الحقوق لأهلها في غيابهم، وهذا قمة التحفظ والحرص من رسول الله – صلى الله عليه وسلم- في أداء الأمانات إلى أهلها.
ومما سبق يتبين أن النبي – صلى الله عليه وسلم- لم يكن مخالفا لنهيه عن لبس الذهب؛ لأن هذه الحادثة إما أن تكون قبل التحريم، أو بعده والنبي – صلى الله عليه وسلم- لم يلبس القباء ولكنه كان واضعا إياه على يده؛ ليراه مخرمة، ولا حرج في إهداء المذهب من الثياب بشرط أن يستعمله المهدى إليه في حدود الشرع ولا يتعداه.
- الحكمة من تحريم الذهب على الرجال:
معلوم أن الذهب من أغلى ما يتجمل به الإنسان ويتزين به، فهو زينة وحلية، والرجل ليس مقصودا لهذا الأمر، أي ليس إنسانا يكمل بغيره؛ بل الرجل كامل بنفسه لما فيه من الرجولة، ولأنه ليس بحاجة إلى أن يتزين لشخص آخر لتتعلق به رغبته، بخلاف المرأة فإنها بحاجة إلى التجمل بأغلى أنواع الحلى حتى يكون ذلك مدعاة للعشرة بينها وبين زوجها؛ فلهذا أبيح للمرأة أن تتحلى بالذهب دون الرجل، وهذا واضح من قوله تعالى في وصف المرأة: )أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين (18)( (الزخرف) [27].
قال الكيا – تعليقا على هذه الآية: “فيه دلالة على إباحة الحلي للنساء، والإجماع منعقد عليه والأخبار فيه لا تحصى”[28].
الخلاصة:
- إن كل ما يقوله النبي – صلى الله عليه وسلم- ويفعله وحي من عند الله تعالى، ومحال أن يناقض الوحي نفسه في القول والفعل.
- إن الأحاديث الواردة في لبس النبي – صلى الله عليه وسلم- الحرير والقباء المزرر بالذهب أحاديث صحيحة، وردت في أصح كتب السنة؛ البخاري ومسلم، ولا سبيل إلى ردها أو رفضها بدعوى مخالفتها لما قاله النبي – صلى الله عليه وسلم- فيما بعد.
- إن ما فعله النبي – صلى الله عليه وسلم- من لبس الحرير والقباء المزرر بالذهب لا يعد دليلا على الحل، وإنما هو محمول على أنه – صلى الله عليه وسلم- لبسه قبل التحريم، كما أن العلماء قد ذكروا في حديث القباء المزرر بالذهب أن النبي – صلى الله عليه وسلم- لم يكن لابسا إياه، وإنما كان قد وضعه على يده أو على كتفه، ليراه مخرمة كله، وليس لغرض اللبس.
- كما أن النبي – صلى الله عليه وسلم- إذا أهدى أحد أصحابه قباء مزررا بالذهب أو حلة سيراء فإنه لم يرد بذلك أن يلبسوها، وإنما أراد أن ينتفعوا بها أو يبيعوها، وقد ورد هذا في روايات صحيحة عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم.
- لقد قصد الإسلام بتحريم الحرير والذهب على الرجال هدفا تربويا وأخلاقيا نبيلا، فالإسلام – وهو دين الجهاد والقوة – يحب أن يصون رجولة الرجل من مظاهر الضعف والتكسر والانحلال. والرجل الذي ميزه الله بتركيب غير تركيب المرأة، لا يليق به أن ينافس الغانيات في جر الذيول، والمباهاة بالحلى والحلل.
(*) دفاعا عن رسول الله، محمد يوسف، مكتبة مدبولي، القاهرة، ط1، 2008م. ضلالات منكري السنة، د. طه الدسوقي حبيشي، مكتبة رشوان، القاهرة، ط2، 1427هـ/ 2006م.
[1]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: اللباس، باب: القباء وفروج حرير، (10/ 280)، رقم (5801). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: اللباس، باب: تحريم لبس الحرير، (8/ 3193)، رقم (5328).
[2]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (8/ 3199).
[3]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (1/ 578).
[4]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الإيمان، باب: سؤال جبريل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الإيمان والإسلام (1/ 140)، رقم (50). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الإيمان، باب: بيان الإيمان والإسلام والإحسان، (1/ 292)، رقم (93).
[5]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (10/ 282).
[6]. نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، الشوكاني، تحقيق: عبد المنعم إبراهيم، مكتبة نزار مصطفى الباز، الرياض، ط1، 1421 هـ/ 2001م، (3/ 935).
[7]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أنس بن مالك، رقم (13171). وقال شعيب الأرنؤوط في تعليقه على المسند: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
[8]. حاشية السيوطي والسندي على سنن النسائي، (7/ 55).
[9]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: اللباس، باب: لبس الحرير للرجال، (10/ 296)، رقم (5833).
[10]. صحيح: أخرجه الترمذي في سننه (بشرح تحفة الأحوذي)، كتاب: اللباس، باب: ما جاء في الحرير والذهب للرجال، (5/ 313)، رقم (1774). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي برقم (1720).
[11]. المغني، ابن قدامة، تحقيق: د. عبد الله التركي وعبد الفتاح الحلو، دار هجر، القاهرة، 1413هـ/ 1992م، (2/ 304، 305).
[12]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: اللباس والزينة، باب: إباحة لبس الحرير للرجل، إذا كان به حكة أو نحوها، (8/ 3200)، رقم (5330).
[13]. موسوعة الدفاع عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، علي بن نايف الشحود، (3/ 316).
[14]. القباء: ثوب يلبس فوق الثياب، أو القميص، ويتمنطق عليه، والجمع أقبية.
[15]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: اللباس، باب: المزرر بالذهب، (10/ 327)، رقم (5862).
[16]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (10/ 327).
[17]. شرح مشكل الآثار، الطحاوي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1415هـ/ 1994م، (8/ 51).
[18]. انظر: آداب الزفاف في السنة المطهرة، محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، 1409هـ، ص180بتصرف.
[19]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: اللباس، باب: تحريم خواتيم الذهب، (10/ 328)، رقم (5865).
[20]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (8/ 3217).
[21]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: اللباس، باب: خاتم الفضة، (10/ 330)، رقم (5866).
[22]. ضلالات منكري السنة، د. طه الدسوقي حبيشي، مكتبة رشوان، القاهرة، ط2، 1427هـ/ 2006م، ص 494.
[23]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: اللباس، باب: الحرير للنساء، (10/ 308)، رقم (5840).
[24]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: اللباس والزينة، باب: تحريم لبس الحرير، (8/ 3189)، رقم (5308).
[25]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: اللباس، باب: الحرير للنساء، (10/ 308)، رقم (5841). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: اللباس والزينة، باب: تحريم لبس الحرير، (8/ 3188)، رقم (5307).
[26]. شرح مشكل الآثار، الطحاوي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1415هـ/ 1994م، (8/ 52).
[27]. فتاوى إسلامية، العلماء: عبد العزيز بن باز ومحمد بن صالح العثيمين وعبد الله بن عبد الرحمن الجبرين، تحقيق: محمد بن عبد العزيز المسند،(4/ 318).
[28]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (16/71).