دعوى تعليق الإيمان بالرسل حتى يتحقق ما وعدوا به من العذاب وقيام الساعة
وجها إبطال الشبهة:
1) استبعاد المشركين والكافرين وقوع العذاب ومجيء يوم القيامة.
2) الآيات والساعة والعذاب أمور مردها إلى الله – عز وجل – فقط، وإذا أتى العذاب لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل، وعدم وقوع العذاب بقوم النبي – صلى الله عليه وسلم – لرحمة الله بهم ولوجود رسول الله فيهم.
التفصيل:
أولا. استبعاد المشركين والكافرين وقوع العذاب وقيام الساعة:
يستبعد المشركون والكفار يوم القيامة، ويقولون لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – ومن اتبعه من المؤمنين: متى يقع هذا الوعد الذي تعدوننا به إن كنتم صادقين في قولكم أن الله – عز وجل – سينتقم لكم منا وينصركم علينا، وهكذا كان أقوام الرسل من المكذبين يقولون لرسلهم: )ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين (48)( (يونس)، ويقولون كما قال قوم عاد لنبي الله هود عليه السلام: )فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين (70)( (الأعراف)، وكما قال قوم نوح – عليه السلام – له: )فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين (32)( (هود(، وكما قال قوم صالح – عليه السلام – له: )ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين (77)( (الأعراف)، وكما قال أصحاب مدين لشعيب عليه السلام: )فأسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين (187)( (الشعراء)، وكما قال قوم لوط – عليه السلام – له: )ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين (29)( (العنكبوت)، كذلك قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم: )اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم (32)( (الأنفال).
ثانيا. الآيات والساعة أمور يعلمها الله، ويوم أن تأتي لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل، وعدم وقوع العذاب بقوم سيدنا محمد كرامة من الله له:
وقد لقن الله – عز وجل – نبيه – صلى الله عليه وسلم – الجواب عليهم في مواطن عدة من كتابه، ومن ذلك:
- قوله سبحانه وتعالى: )قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله( (يونس: 49)، أي: إنني بشر رسول لا أملك لنفسي – فضلا عن غيرها – شيئا من التصرف في الضر فأدفعه عنها ولا النفع فأجلبه لها من غير طريق الأسباب التي يقدر غيري عليها، وليس منها إنزال العذاب بالكفار المعاندين، ولا هبة النصر للمؤمنين، لكن ما شاء الله من ذلك كان متى شاء فلا شأن لي فيه؛ لأنه خاص بالربوبية دون الرسالة التي وظيفتها التبليغ لا التكوين، وهكذا قال نوح – عليه السلام – لقومه: )إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين (33)( (هود)، أي: إنما الذي يعاقبكم ويعجل لكم العقوبة والنقمة والعذاب هو الله الذي لا يعجزه شيء.
ومثل ذلك قوله سبحانه وتعالى: )قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون (188)( (الأعراف).
- ومن رد القرآن أيضا على سؤالهم هذا أن بين أن الآيات الخارقة للعادة أمرها لله وحده، لا مما يملكه رسله، وأن لكل أمة من الأمم أجلا لبقائها وهلاكها علمه الله وقدره لها لا يعلمه ولا يقدر عليه أحد غيره، قال سبحانه وتعالى: )لكل أمة أجل إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون (49)( (يونس).
- ثم يخبر الله – عز وجل – أن عذابه إذا أتاهم فسوف يأتيهم بغتة فيبهتهم، ولذا يأمر رسوله أن يقول لهم: أخبروني عن حالكم وما يمكنكم فعله إن أتاكم عذابه الذي تستعجلون به في وقت مبيتكم في الليل، أو وقت اشتغالكم بأمور معاشكم بالنهار؟! ثم أي نوع يستعجل منه المجرمون المكذبون الآن؟ أعذاب الدنيا أم قيام الساعة؟ وأيا ما استعجلوا فهو حماقة وجهالة، قال سبحانه وتعالى: )قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون (50)( (يونس)، وقال – عز وجل – أيضا: )ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون (8)( (هود).
- كما يخبر الله – عز وجل – أنه إذا ما وقع العذاب آمنوا به إذ لا ينفع الإيمان حينئذ؛ لأنه صار ضروريا بالمشاهدة والعيان؛ لا تصديقا للرسول عليه السلام؛ ولذا يقال لهم على سبيل التبكيت والتقريع: )أثم إذا ما وقع آمنتم به آلآن وقد كنتم به تستعجلون (51) ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون (52)( (يونس)، وهذا كقوله سبحانه وتعالى: )فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين (84) فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنت الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون (85)( (غافر).
- وأما قول كفار قريش: )اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم (32)( (الأنفال)، فهذا من كثرة جهلهم وشدة تكذيبهم وعنادهم وعتوهم وسفههم، وهذا مما عيبوا به؛ إذ كان الأولى بهم أن يقولوا: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا إليه ووفقنا لاتباعه، ولكنهم استفتحوا على أنفسهم واستعجلوا العذاب وتقديم العقوبة، كما قال سبحانه وتعالى: )ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون (53) يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين (54)( (العنكبوت).
وقد بين الله – عز وجل – أن هؤلاء أهل لأن يعذبهم، ولكنه لم يوقع ذلك بهم لبركة مقام الرسول – صلى الله عليه وسلم – بين أظهرهم، قال سبحانه وتعالى: )وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون (33)( (الأنفال)، وقد أخبر الله – عز وجل – أنه قد أوقع عذابه ونقمته بالأمم الخالية التي كذبت رسلها، وكفرت بآيات الله – عز وجل – وجعلهم عبرة وعظة لمن اتعظ بهم، وأنه – عز وجل – لولا حلمه وسعة رحمته ومغفرته وصفحه وعفوه لعاجل هؤلاء بالعقوبة، قال سبحانه وتعالى: )ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة وقد خلت من قبلهم المثلات وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم( (الرعد: 6)، وقال أيضا: )ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى( (فاطر:45).
الخلاصة:
- لم يكتف المشركون والكافرون – كغيرهم من كفار الأمم السابقة – بالإعراض عن دعوة الحق، بل قالوا لرسولهم – صلى الله عليه وسلم – الذي حذرهم من عذاب الله إذا ما استمروا في كفرهم: متى يقع علينا هذا العذاب الأليم الذي تهددنا به؟ إننا نتعجله فأت به إن كنت من الصادقين في دعواك أن هناك عذابا ينتظرنا، وهذا القول منهم يدل على توغلهم في الكفر والجحود وعدم اكتراثهم بما يخبرهم به الرسول صلى الله عليه وسلم.
- لقن الله نبيه – صلى الله عليه وسلم – الجواب على هؤلاء المشركين في مواطن عدة من كتابه؛ منها: أنه – صلى الله عليه وسلم – بشر لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا، والضر والنفع بيد الله عز وجل، ويوم أن تقع الساعة لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا، ويخبرهم الله تعالى أنه لا يعذبهم والرسول – صلى الله عليه وسلم – بينهم؛ كرامة منه – سبحانه وتعالى – لنبيه صلى الله عليه وسلم.
(*) الآيات التي وردت فيها الشبهة: (يونس/ 48، النمل/ 71، الأعراف/ 70، 77، الأنفال/ 32، الأحقاف/ 22، هود/ 8، 32، الرعد/ 6، الإسراء/ 92، الشعراء/ 187، العنبكوت/ 29، 53، 54، يس/ 48، الأنبياء/ 38، سبأ/ 29، الملك/ 25، المعارج/ 1، الجن/ 24، ص/ 16).
الآيات التي ورد فيها الرد على الشبهة: (يونس/ 49: 51، النمل/ 72، الأحقاف/ 23، هود/ 8، 33، الرعد/ 6، فاطر/ 45، الإسراء/ 93، طه/ 134، القصص/ 47، الشورى/ 18، الجن/ 25، 26، غافر/ 84، 85، الأنفال/ 33، النحل/ 61).