دعوى تناقض القرآن الكريم في تحديده مقدار يوم العروج في السماء
وجها إبطال الشبهة:
1) لقد أشارت الآية الأولى إلى حقيقة علمية مذهلة، وهي أن المسافة التي يقطعها الأمر الكوني في الفضاء في يوم أرضي واحد بالسرعة القصوى (سرعة الضوء في الفراغ) تساوي المسافة التي يقطعها القمر في مداره الخاص حول الأرض في ألف سنة قمرية؛ ومن ثم فإن الآية قد أفادت أن قسمة مسافة ألف سنة قمرية على مقدار اليوم (في النظام المعزول في أي وقت منذ النشأة) تساوي (299792,5 كم/ ث)، وهي مساوية لسرعة الضوء في الفراغ كحد أقصى للسرعة الكونية في عالم الشهادة، أما الآية الثانية فتعطي خمسين ضعفًا لهذا الرقم كحد أقصى للسرعة في عالم الغيب، وهذا لا يقع تحت القياس البشري؛ لذلك وردت الآية خالية من عبارة )مما تعدون(.
2) ثبت علميًّا أن الزمن نسبي، وأنه يتناسب عكسيًّا مع القوة؛ فإذا نظرنا إلى القوة في الفعل وإلى المسافات والزمن وجدنا أن القوة إذا ازدادت قل الزمن، وهذه حقيقة أشار إليها القرآن حين ذكر مقدار يوم العروج للأمر وأنه يختلف عن مقدار يوم العروج للملائكة، وهذا الاختلاف في مقدار زمن يوم العروج لا يعني التناقض بحال من الأحوال؛ لأن شرط التناقض هو اتحاد المقام، كما أن حركة الأجسام في السماء لا تكون في خطوط مستقيمة، وإنما لا بد لها من الانحناء، فناسبها وصف العروج.
التفصيل:
أولا-الآية الأولى أعطت سرعة قدرها (299792,5 كم/ ث)، وهي مساوية لسرعة الضوء في الفراغ المعلنة دوليًّا:
1) الحقائق العلمية:
لقد اعتاد العرب منذ القدم التعبير عن المسافة بزمن قطعها؛ فيقال مثلاً: المسافة بين مكة والمدينة نصف شهر بالجمل، ومع التقدم في الوسائل وتنامي سرعة الانتقال أصبحت المسافة نفسها نصف ساعة بسرعة الطائرة؛ وعليه تكون الساعة كشهر، وسرعة القوى الفيزيائية في الفراغ واحدة، ويعبر عنها بقيمة سرعة الضوء في الفراغ، وتعرف فيزيائيًّا بالثابت الكوني للحركة (universal constant of motion).
وفي مقابل تلك القيمة الثابتة نجد قيمة ثابتة في مقام بيان سرعة قصوى يتضمنها قوله تعالى: )في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون (5)((السجدة). ومعلوم أن السنة في عرف العرب منذ القدم مبنية على حركة القمر في 12 دورة حول الأرض، والمقام في الآية قياس لما يقطع في يوم بتلك السرعة البالغة بمقياس سير ألف سنة؛ لأن السياق يتعلق بقطع مسافة([1])، ولما كانت سرعة الضوء هي السرعة القصوى الموجودة في الكون؛ فإن الآية الكريمة تفيد أن القمر يقطع في ألف عام ما يقطعه الضوء في يوم واحد، بدليل أننا لو قسمنا ما يقطعه القمر في رحلته حول الأرض في ألف عام على ثواني اليوم، وهي أربع وعشرون ساعة، تضرب في ستين، لكانت هذه النتيجة هي سرعة الضوء في الثانية، وهي 299792,5 كم/ ث، وهذه النتيجة تتفق تمامًا مع سرعة الضوء المعلنة دوليًّا، طبقًا لبيان المؤتمر الدولي المنعقد في باريس، مع العلم بأن سرعة الضوء هي أهم قانون عرفته البشرية في القرن العشرين، وهذه السرعة هي أعلى سرعة في الكون، فالشيء إذا سار بسرعة الضوء أصبح ضوءًا وأصبحت كتلته صفرًا، وحجمه لا نهاية له، وعندئذٍ يتوقف الزمن، فإذا سبق في سرعته سرعة الضوء تراجع الزمن، وإذا قصر عن الضوء تراخى الزمن.
إن المسافة التي يقطعها القمر في مداره الخاص حول الأرض في ألف سنة قمرية تساوي المسافة التي يقطعها الضوء في يوم أرضي واحد، وهذه هي النظرية النسبية التي يتيه الغرب بها([2]).
أما الآية الثانية، وهي قوله تعالى: )تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة (4)((المعارج)، فليس فيها قوله: مما تعدون؛ لأن هذه سرعة الملائكة، وهي تتجاوز سرعة الضوء([3]).
إن وسيلة القياس هنا هي القمر، وهي المقياس المعياري الذي اختاره الله لتعيين حد السرعة في السماء، والذي يمكن تعيينه الآن كمسافة ألف سنة قمرية مقطوعة كحد أقصى في اليوم الواحد من أيامنا.
وهنا نبدأ -ولأول مرة- في إدراك أساس النسبية الخاصة من آية السجدة، إذ إن حد السرعة في السماء = المسافة/ الزمن = مسافة ألف سنة قمرية/ زمن اليوم الأرضي.
وبهذا وصلنا إلى المعادلة القرآنية الأخيرة، كتعبير رياضي عن منطوق آية السجدة، لنثبت أن هذا الحد هو سرعة الضوء في الهواء وقدره 299792,5 كم/ ث، لنتعرف إلى المعجزة القرآنية في أهم مبدأ فيزيائي في القرن العشرين يتم إعلانه بواسطة “إينشتاين” عام 1905م.
وإذا ما عوضنا عن المسافة بحاصل ضرب السرعة في الزمن نستطيع حساب الحد الأقصى للسرعة (س).
الحد الأقصى للسرعة (س) × زمن اليوم الأرضي = 12000 × طول المدار القمري.
الحد الأقصى للسرعة الكونية (س) = 12000 × طول المدار القمري حول الأرض
زمن اليوم في الأرض
مع ملاحظة أن الرقم 12000 هو عدد الدورات القمرية حول الأرض في 12000 شهر قمري؛ أي: في 1000 سنة قمرية؛ لأن القمر يدور دورة واحدة حول الأرض كل شهر قمري.
وبالتعويض في هذه المعادلة عن طول المدار القمري حول الأرض بحاصل ضرب متوسط السرعة المدارية الخالص للقمر × زمن الشهر القمري
- الحد الأقصى للسرعة الكونية (س) =
12000 × متوسط السرعة المدارية (ع1) × زمن الشهر القمري (ز1)
زمن اليوم الأرضي ن1
س = 12000 ع1 ز1 س = 1200 × ع1 × ز1
ن1 ن1
حيث ع1، ز1، ن1 قيم حقيقية وليست ظاهرية.
ولقد راعينا فيما سبق استخدام اليوم الأرضي النجمي ن1، والشهر القمري النجمي ز1 في حسابات آيتي السجدة والحج، وهذه ضرورة علمية لا مفر منها؛ لأن النظام النجمي يقيس هذين الزمنين بطريقة خالصة نقية دون تداخل مع فلك الأرض حول الشمس.
ولقد ثبت علميًّا أن متوسط نصف قطر مدار القمر حول الأرض ظاهريًّا (نق) يساوي 384264 كم، طبقًا لقياسات ناسا الأمريكية، وما دمنا قد أخذنا المتوسط، فإننا نعتبر المدار دائريًّا تمامًا ومحيطه يساوي 2 ط نق، علمًا بأن القمر يقترب من الأرض، حتى تكون المسافة بين مركزيهما 356000 كم ممثلة لنقطة الحضيض، ويبتعد القمر عن الأرض حتى تكون المسافة بين مركزيهما 40600 كم ممثلة لنقطة الأوج في مسار القمر الأهليجي، الذي يمكن اعتباره دائريًّا بمتوسط نصف قطر نق = 384264 كم.
- متوسط السرعة الظاهرية المدارية المقاسة ظاهريًّا للقمر
متوسط طول المدار الظاهري
ع = الزمن الشهري النجمي
2ط نق
ع (ظاهريًّا) = ز1
حيث (ط) بالنسبة التقريبية (3,14)، (نق) متوسط نصف قطر المدار.
2 × 3,14 × 384264 كم = 3682,07 كم/ ساعة
ع = 655,71986
وهذه القيمة معترف بها من وكالة ناسا الأمريكية كمتوسط السرعة المدارية الظاهرية للقمر، مع ملاحظة أن هذا القياس لمتوسط سرعة القمر المدارية (ع) ونحن راكبين لكوكب الأرض؛ أي: لسفينة فضاء إلهية تتحرك حركة دائرية في انحناء حول الشمس. وبهذا؛ فإن القيمة الظاهرية المرصودة (ع) ستكون أكبر من القيمة الحقيقية (ع1) نتيجة انعطاف نظام الأرض والقمر معًا حول الشمس.
وحيث إن “إينشتاين” أوحى بحذف أثر الجاذبية على سرعة الضوء؛ ومن ثم على النظام المستعمل للقياس في النسبية الخاصة حتى يصبح نظامًا قصوريًّا ذاتيًّا، فلقد لجأنا إلى حذف أثر انحناء الأرض في فلكها على السرعة المدارية المقاسة للقمر (ع) أي: حذف أثر جاذبية الشمس على نظام الأرض والقمر، كما لو كان هذا النظام نظامًا مغلقًا معزولاً.
تحليل متجه السرعة المدارية (ع) المرصودة للقمر في الوضع الثاني عند (أ) بعد أن دارت الأرض ومعها القمر حول الشمس بزاوية قدرها (هـ) في شهر نجمي كامل لإيجاد متوسط المركبة المكافئة للسرعة المدارية (ع1) للقمر عند نقطة مماثلة (أ) وهو يدور حول أرض ساكنة في الوضع الأول (فرضا)
360 × 27,321661 يوما = 26,92848
هـ = 365,25636
ومن هذا الشكل يتضح أن:
ع1 (الحقيقية) = ع الظاهرية مضروبة في جيب تمام الزاوية (هـ) التي يدور بها نظام الأرض والقمر في خلال شهر نجمي كامل.
ع1 = ع جتا هـ
وبالتعويض عن (ع) من المعادلة
ع1= 3682.07 جتا هـ
ولحساب الزاوية (هـ) نعلم أن الأرض تدور حول الشمس بزاوية 360 º دورة كاملة في السنة الشمسية، أي: في زمن قدره 365.2536 يوما؛ وبذلك فإن الأرض تدور زاوية هـ في شهر نجمي قدره (27.321661 يوما) قدرها بالتناسب.
360 × 27.321661 = 26.92848º
هـ = 365.25636
وبالتعويض عن جيب تمام هذه الزاوية في المعادلة تنتج السرعة المدارية للقمر (ع1) خالصة نقية دون تأثير جذب الشمس لنظام الأرض والقمر؛ أي: دون انعطاف هذا النظام تمامًا كما صححنا بأخذ النظام النجمي بدلاً من النظام الاقتراني.
ع1 = 3682,07 × جتا 26,92848
= 682,07 × 0,89157 = 3282,82315 كم/ ساعة
ومع ملاحظة أن زمن اليوم الأرضي حسب النظام الاقتراني ن = 24ساعة، وحسب النظام النجمي ن1 = 23 ساعة و 56 دقيقة و 4,0906 ثانية. وزمن الشهر القمري حسب النظام الاقتراني ز = 29,53059 يوما اقترانيًّا، وحسب النظام النجمي ز1 = 27,321661 يومًا.
وبالنظر في الزيادات الظاهرية في النظام الاقتراني بالمقارنة بالقيم في النظام النجمي ـ نجد أن هذه الزيادات ترجع كلها إلى حركة الأرض في مدار منحنٍ في أثناء حركتها حول نفسها وحركة القمر حولها، ولو تحرك نظام الأرض والقمر بسرعة منتظمة في خط مستقيم، أو كانت الأرض ساكنة تدور حول نفسها ولا تدور حول الشمس، لما حدث هذا الفرق في هذه الكميات الثلاث في النظامين.
وبالتعويض عن القيم الحقيقية ن1، ز1، ع1، نحصل على المطلوب (س).
- الحد الأقصى للسرعة الكونية 12000 × ع1 × ز1
س = ن1
س = 12000 × 3282,82315 × 655,71986
س = 86164,906
س = 299792,5 كم/ ثانية
- الحد الأقصى للسرعة الكونية (س) = سرعة الضوء في الفراغ.
هذه هي المعجزة القرآنية في حساب السرعة الضوئية، وفي تحقيق مبدأ النسبية الخاصة، تبيانًا لقوله تعالى: )يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون (5)( (السجدة).
هذه هي النتيجة القرآنية لسرعة الضوء في الفراغ، كحد أقصى للسرعة الكونية، وتساوي 299792,5 كم/ ث مطابقة تمامًا لقيمتها المعلنة دوليًّا (299792,458)، كما أوضحنامن قبل كحد أقصى للسرعة الكونية.. وهذه حقيقة ثبتت صحتها كمبدأ للنسبية الخاصة التي أصبحت بدورها حقيقة علمية غير قابلة للجدل أو التغير.
وليس هناك تناقض بين آيتي السجدة (5) والمعارج (4)، فإن الأولى أعطت سرعة قدرها 299792,5 كم/ ث، مساوية لسرعة الضوء في الفراغ كحد أقصى للسرعة الكونية في عالم الشهادة، في حين أن الآية الثانية تعطي خمسين ضعفًا لهذا الرقم للحد الأقصى للسرعة في عالم الغيب، وهذا لا يقع تحت القياس البشري؛ ولذلك وردت الآية خالية من عبارة )مما تعدون( ([4]).
ثانيًا -ثبت علميًّا أن الزمن نسبيٌّ، وأنه يتناسب عكسيًّا مع القوة:
1) الحقائق العلمية:
تختلف السرعة من شيء لآخر وفق أسباب، ولقد ضرب الله عز وجل مثلاً على هذا في سورة النمل بقوله تعالى: )قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين (38) قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين (39) قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفكفلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم (40)((النمل).
ومن هنا نعلم أن السرعات تختلف حسب قوة الفاعل، وأن هذه القوة تتناسب عكسيًّا مع زمن الوقوع، فكلما زادت قوة الفاعل تناقص الزمن المطلوب لأداء الفعل.
وهذا أمر معلوم بالبداهة؛ فلو حسبنا مسافة بين نقطتين، ثم حسبنا الزمن الذي يستغرقه إنسان عادي يمشي بين هاتين النقطتين، لاختلف هذا الزمن إذا سارت سيارة بين النقطتين نفسهما؛ إذ إن سرعة السيارة تفوق سرعة الإنسان، ولا يعد قولنا: إن الإنسان استغرق مثلاً خمس ساعات لقطع هذه المسافة، واستغرقت السيارة مثلاً 15 دقيقة ـ لا يعد هذا القول متناقضًا لأنها الحقيقة.
ولقد ثبت علميًّا أن وحدات الزمن التي يستخدمها الناس لتقدير وقتهم في الدنيا تبقى صالحة فقط فوق الأرض، فإذا انتقلنا إلى أي جرم سماوي آخر أو أي نقطة أخرى من هذا الكون الفسيح، اختلفت الوحدات الزمنية طولاً وقصرًا؛ فالجسم كلما ازدادت سرعته أبطأ الزمن، حتى إذا سار الجسم بسرعة الضوء يتوقف الزمن تقريبًا، وهذا ما أثبته العالم “إينشتاين” في نظريته عن النسبية، عندما قال: النقطة الأقرب إلى مركز الأرض تسير ببطء، والنقطة الأبعد عن مركز الأرض تسير أسرع؛ لأن القوس الذي تقطعه الأولى أصغر من القوس الذي تقطعه الثانية من الزمن ذاته([5]).
كما أثبتت الأبحاث العلمية أن الشيء بقدر ما يبتعد عن الأرض بقدر ما ترتفع وتزداد سرعته، وبقدر ما ينقص الزمن الذي يقطعه.
وهكذا يمكن في مدار من المدارات أن يكون اليوم بطول ألف سنة مما نعد نحن على الأرض، ويمكن أن يساوي في مدار آخر أعلى من الأول خمسين ألف سنة على أرضنا، وهكذا يختلف مقدار اليوم من مدار إلى مدار طولاً وقصرًا. فإذا نظرنا إلى القوة في الفعل وإلى المسافات والزمن وجدنا أن الزمن يتناسب مع القوة تناسبًا عكسيًّا؛ بمعنى أن القوة إذا ازدادت قل الزمن([6]).
وعليه فلا تناقض بين الآيتين على الرغم من أن الآية الأولى (آية السجدة) تجعل زمن العروج ألف سنة، وآية المعارج تخبر بأنه خمسون ألف سنة، إذ إنهما عروجان لا عروج واحد، وعارجان لا عارج واحد.
فالعارج في آية السجدة الأمر، والعروج عروج الأمر؛ والعارج في آية المعارج هم الملائكة، والعروج هو عروج الملائكة، فلما اختلف العارج والعروج في الآيتين، اختلف الزمن فيهما قصرًا و طولاً، وشرط التناقض هو اتحاد المقام، وهذا منتفٍ هنا.
وينص قانون العروج على أن كمية التحرك الزاوي([7]) لأي جرم سماوي تقدر على أساس نسبة سرعة دورانه حول محوره إلى نصف قطره على محور الدوران، وتبقى كمية التحرك الزاوي تلك محفوظة في حالة انعدام مؤثرات أخرى، ولكن إذا تعرض الجرم السماوي إلى مؤثرات خارجية أو داخلية فإنه سرعان ما يكيف حركة الزاوية في ضوء التغيرات الطارئة، فعلى سبيل المثال: تزداد سرعة التحرك الزاوي للجرم كلما انكمش حجمه؛ كما أن جميع الأجرام الأولية قد تكثفت مادتها على مراحل متتالية من غلالة الدخان الكوني التي نتجت عن انفجار الجرم الابتدائي الذي حول كل مادة الكون وطاقته، فالسرعات متفاوتة؛ الأمر الذي ينفي عن القرآن التناقض([8]).
2) التطابق بين الحقيقة العلمية والآيات القرآنية:
قال تعالى: ) يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون (5)((السجدة). وفي هذا وصف لحركة أمر ما يملأ ساحة الكون الفيزيائي كله بين الأجرام من السماء إلى الأرض وإن سميناه فضاء (Space)، وبيان أن حركته بانحناء كحركة الأعرج في مشيته، وهو وصف يتفق مع المعلوم فيزيائيًّا اليوم بحركة القوى الفيزيائية (physicalforces)في الفضاء بين الأجرام بانحناء نتيجة لتأثير الأجرام.
ثم إن التعبير المذهل )مما تعدون(يتفق فيزيائيًّا مع نسبية حركة الأجسام واختلاف وصفها تبعًا لموقع الراصد؛ لأن التعبير يقتضي التعيين لمتعدد، ولا يصح رياضيًّا قياس القيمة المطلقة للحركة بحركة نسبية غير ثابتة لجسمين تتغير باطراد إلا في النظام المعزول؛ حيث تصبح الحركة مجردة والعلاقة ثابتة منذ بداية تكون نظام حركة الجسمين([9]).
- من الدلالات اللغوية للآية:
عرج: عرج الشيء عروجًا: ارتفع وعلا فهو عريج. وفلان: أصابه شيء في رجله فغمز كأنه أعرج وليس بخلقة. وعرج في السلم، وعليه: ارتقى وصعد. وبالشيء: صعد بهما، وفي التنزيل العزيز: )تعرج الملائكة والروح إليه((المعارج:4) ([10]).
- من أقوال المفسرين:
باستعراض أقوال المفسرين يتضح أنه لا تناقض بين الآيتين.
يقول القرطبي: “أي إن جبريل لسرعة سيره يقطع مسيرة ألف سنة في يوم من أيامكم، )مما تعدون(أي: مما تحسبون من أيام الدنيا. وهذا اليوم عبارة عن زمان يقدر بألف سنة من سني العالم؛ فمعنى: )يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة((السجدة: ٥)، أي مقدار وقت أو موقف من يوم القيامة. وقال النحاس: اليوم في اللغة بمعنى الوقت؛ فالمعنى: تعرج الملائكة والروح إليه في وقت كان مقداره ألف سنة، وفي وقت آخر كانمقداره خمسين ألف سنة”([11]).
وقال وهب والكلبي ومحمد بن إسحاق: أي عروج الملائكة إلى المكان الذي هو محلهم في وقت كان مقداره على غيرهم لو صعد خمسين ألف سنة([12]).
وقال قتادة: “يقول: مقدار مسيره في ذلك اليوم ألف سنة”([13]).
3) وجه الإعجاز:
يشير قول الله تعالى: )يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون (5)( (السجدة) إلى النتيجة القرآنية لسرعة الضوء في الفراغ، كحد أقصى للسرعة الكونية، وتساوي 299792,5 كم/ ث مطابقة تمامًا لقيمتها المعلنة دوليًّا (299792,458)، كما أوضحنا من قبل.
حقًّا إنه لإعجاز بين من رب العالمين… إنها نتيجة تتحدث عن نفسها قائلة: إن هذه الحسابات حق لو كنتم تعلمون.
وكما هو معلوم؛ فإن الجسم كلما زادت سرعته أبطأ الزمن، حتى إذا سار الجسم بسرعة الضوء أبطأ الزمن تقريبًا، وهذا ما أثبته العالم “إينشتاين” في نظريته عن النسبية عندما قال: “النقطة الأقرب إلى مركز الأرض تسير ببطء والنقطة الأبعد عن مركز الأرض تسير أسرع؛ لأن القوس الذي تقطعه الأولى أصغر من القوس الذي تقطعه الثانية من الزمن ذاته”.
ولما كان الزمن يتناسب مع القوة تناسبًا عكسيًّا؛ بمعنى أن القوة إذا ازدادت قل الزمن، فإن يوم عروج الأمر -بعد تدبيره من السماء إلى الأرض- يتم في زمن يقدر بألف سنة مما نعد على الأرض، وهذا يتفق مع ما أثبته العلماء من أن الزمن نسبي، كما أثبت العلماء أن الحركة في الفضاء لا تكون في خط مستقيم أبدًا، وإنما عروج كما عبر القرآن منذ ما يزيد على ألف وأربع مئة عام.
(*) هل القرآن معصوم؟ عبد الله عبد الفادي، ط1، 1994م.
[1]. سرعة الضوء في القرآن الكريم، د. محمد دودح، الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، السعودية، ط1، 1427هـ/ 2006م، ص10.
[2]. أثبت إينشتاين من خلال النظرية النسبية أن موجات الضوء تستطيع أن تنتشر في الخلاء دون الحاجة إلى وجود وسط أو مجال، وهذا على خلاف الموجات الأخرى المعروفة التي تحتاج إلى وسط تنتشر فيه كالهواء أو الماء؛ وأن سرعة الضوء هي سرعة ثابتة وليست نسبية مع حركة المراقب (الملاحظ).
[3]. موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة: آيات الله في الآفاق، د. محمد راتب النابلسي، دار المكتبي، دمشق، ط3، 1429هـ/ 2008م، ص84.
[4]. انظر: السرعة القصوى بين العلم والدين، د. منصور محمد حسب النبي، بحث منشور بموقع: موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.55a.net. سرعة الضوء في القرآن الكريم، د. محمد دودح، مرجع سابق.
[5]. زمن العروج أو نسبية الزمن، مقال منشور بموقع: عشاق الله www.ushaaqallah.com.
[6]. انظر: من آيات الإعجاز العلمي: السماء في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، دار المعرفة، بيروت، ط4، 1428هـ/ 2007م، ص409: 415.
[7]. دوران الأجرام السماوية حول محاورها ومداراتها تخضع لقانون يعرف باسم قانون بقاء التحرك الزاوي أو قانون العروج، وينص هذا القانون على أن كمية التحرك الزاوي لأي جرم سماوي تقدَّر على أساس نسبة سرعة دورانه حول محوره إلى نصف قطره على محور الدوران، وتبقى كمية التحرك الزاوي تلك محفوظة في حالة انعدام مؤثرات أخرى، ولكن إذا تعرض الجرم السماوي إلى مؤثرات خارجية أو داخلية، فإنه سرعان ما يكيف حركته الزاوية في ضوء التغيرات الطارئة.
[8]. الموسوعة الذهبية في إعجاز القرآن الكريم والسنة النبوية، د. أحمد مصطفى متولي، القاهرة، ط.1، 1425هـ/ 2005م ، ص40.
[9]. سرعة الضوء في القرآن الكريم، د. محمد دودح، مرجع سابق، ص9: 29 بتصرف.
[10]. المعجم الوسيط، مادة: عرج.
[11]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، مؤسسة الرسالة، ط.1، 1427هـ/ 2006م، ج17، ص87- 98.
[12]. المرجع السابق، ج18، ص283.
[13]. الدر المنثور في التفسير بالمأثور، السيوطي، تحقيق: مركز هجر للبحوث، دار هجر، مصر، 1424هـ/ 2003م، عند تفسيره لهذه الآية.