دعوى خطأ القرآن في ذكر عدد مرات مجيء إخوة يوسف – عليه السلام – لمصر وسجنه أخاه بنيامين
وجوه إبطال الشبهة:
1) لم يخطئ القرآن في سرد الوقائع التاريخية، فقد صوب الخطأ وأضاف الكثير من الحقائق؛ لأنه الكتاب الخاتم، أما التوراة فقد حرفت، فلا يعتد بما جاء فيها.
2) أخذ سيدنا يوسف – عليه السلام – أخاه لحيلة دبرها معه ليسعد بمجاورته ويعيد جمع أسرته بعد أن نزغ الشيطان بينه وبين إخوته.
3) عدد مرات مجيء إخوة يوسف – عليه السلام – لمصر أربع مرات، كما يقتضي المنطق، وسياق الأحداث، وليس ثلاثة، كما نصت التوراة فقد تناقضت في هذا الشأن كما تناقضت في غيره.
التفصيل:
أولا. لم يخطئ القرآن في سرد الوقائع التاريخية، فقد صوب وأضاف؛ لأنه الكتاب الخاتم أما التوراة فقد حرفت، فلا يعتد بما جاء فيها:
لم يخطئ القرآن الكريم في سرد الوقائع التاريخية فقد صوب وأضاف؛ لأنه الكتاب الخاتم، الذي لم يحرف كما حرف غيره من الكتب السماوية السابقة، أما التوراة المحرفة فلا يصدق ما جاء بها؛ لأنها قول بشر والأدلة على ذلك كثيرة منها:
- إغفال التوراة لبعض أحداث قصة سيدنا يوسف – عليه السلام – مثل قصة وليمة امرأة العزيز للنسوة وقد تحدث عنها القرآن.
- أطلقت التوراة على حاكم مصر آنذاك – فرعون – وهو اسم مصري قديم مكون من جزئين “بر” أي: بيت، و”عما” أي: عالي، فيكون المعنى للاسم “البيت العالي”، وهو أشبه بلقب “البيت الأبيض” عند الأمريكان في العصر الحاضر.
أما القرآن الكريم فلم يستخدم هذا الاسم للدلالة على حاكم مصر أيام يوسف – عليه السلام – وإنما لقبه بـ “الملك”، وهذا هو الصحيح تاريخيا وعلميا، فقد ثبت صدق القرآن الكريم في هذه التسمية؛ إذ إن حاكم مصر قبل يوسف – عليه السلام – وبعده كان يلقب بـ “فرعون”، أما في زمن يوسف فقد حكم الهكسوس بعد أن انتصروا على الفراعنة، حتى تجمع الفراعنة وطردوهم منها.
ومما يؤكد هذا أن القرآن الكريم قد سرد بدقة بالغة قصة كل حاكم في زمنه – وصف حكام مصر بأنهم الفراعنة، ثم جاء الهكسوس فلم يكن هناك فرعون، ولكن كان هناك ملك، أطلق عليه القرآن الكريم لقب “العزيز”، وعندما جاء موسى – عليه السلام – كان الفراعنة قد عادوا لحكم مصر. فإذا كان هذا الأمر لم نعرفه إلا في مطلع القرن الخامس عشر عندما اكتشف الفرنسيون حجر رشيد، ولكن القرآن أرخ له التأريخ الصحيح منذ أربعة عشر قرنا من الزمان – وهذه معجزة تضم لمعجزات كثيرة في القرآن – ووضعه في موضعه الصحيح والسليم[2]. وبناء عليه فإن ما جاء به القرآن هو الصواب قطعا، وما عداه هو الباطل.
ثانيا. أخذ سيدنا يوسف – عليه السلام – أخاه لحيلة دبرها معه؛ ليسعد بمجاورته ولعودة التئام شمل الأسرة بعد أن نزغ الشيطان بينه وبين إخوته:
لقد أكرم سيدنا يوسف – عليه السلام – إخوته أيما إكرام وأحسن وفادتهم [3]، وقد ذكر القرآن إكرامه وفادة إخوته على هذا النحو: قال سبحانه: )ولما جهزهم بجهازهم قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين (59) فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون (60) قالوا سنراود عنه أباه وإنا لفاعلون (61) وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون (62)( (يوسف).
وعلى ذلك فإن يوسف – عليه السلام – يجبرهم على العودة باحتجاز أخيه الأكبر رهينة كما تصور التوراة خطأ وزورا، بل أكرم وفادتهم، وهذا يتفق مع خلقه الكريم، وقد بالغ في إغرائهم بالرجوع إليه، فأمر فتيانه أن يجعلوا بضاعتهم التي جاءوا بها في رحالهم، حتى إذا وجدوها هموا بردها عليه، لظنهم أنه نسيها في رحالهم، أو الطمع في المزيد من هذا الإكرام الذي فاق تصورهم، وحاز إعجابهم، فقد وجدوا فيه الإحسان ماديا ومعنويا، فلماذا لا يرجعون إليه ومعهم أخوهم بنيامين، وكانت حجتهم لأبيهم حتى نوسع على أهلنا ونزداد كيل بعير.
إذن فما كان ليوسف أن يتخذ منهم رهائن، فهو يثق في نصر الله وإكرامه إياه بالتئام شمل الأسرة ثانية، ورؤية أخيه وأبيه، وللعاقل أن يقارن بين أسلوب القرآن الكريم الذي يذكر إكرامه وفادتهم، وتصوير التوراة المخزي لنبي من أنبياء الله – عز وجل – فتجعله سجانا لأخيه دون شفقة أو رحمة لصغره، وبراءته من أي ذنب، كما تجعله متخذا للرهائن من أقرب الناس إليه.
والسؤال المطروح الآن: لماذا يسجن يوسف أخاه، وقد أراد أن يسعد بجواره؟ وهل يتفق هذا مع خلق الأنبياء، وعصمتهم وعدلهم؟
لم يتخذ يوسف – عليه السلام – أخاه – شمعون – رهينة إلى حين مجيء إخوته ومعهم بنيامين، فهذا يجافي الواقع، فأخو يوسف – عليه السلام – الأكبر هو بنفسه – رفض أن يرجع مع إخوته إلى أبيهم، كما قص القرآن الكريم، تمسكا بما شاهد، وحفاظا على عهد أبيه، قال سبحانه وتعالى: )قال كبيرهم ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله ومن قبل ما فرطتم في يوسف فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين (80)( (يوسف).
كما أن التوراة تتناقض فيما بينها في هذا الشأن فتارة تقول شمعون، وتارة تقول رأوبين.
واستنادا إلى ما سبق فإن الخلاف بين التوراة وبين القرآن في سرد حوادث القصة، لا يدل على عيب في القرآن بل يدل على ما في التوراة من زيادة ونقص في النسخة الواحدة، وفي النسخ الثلاث، ومع هذا ففي التوراة ما يدل على ما جاء في القرآن، ومن ذلك[4]:
- “وولد ليوسف في أرض مصر: منسى وأفرايم، اللذان ولدتهما له أسنات بنت فوطي فارع كاهن أون”. (التكوين46: 20)، ويعقوب – عليه السلام – أبوه من الأنبياء الملهمين ويدل على ذلك قوله: )إني لأجد ريح يوسف (94)( (يوسف)، وقوله: )يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون (87)( (يوسف). إذن فقوله تعالى في الآية التي احتجوا بها: )عسى الله أن يأتيني بهم جميعا( (يوسف: 83) هكذا بضمير الجمع “بهم” وقد صرح من بعد بفقد اثنين هما: يوسف، وأخيه فقط؛ لا يدل على ولد ثالث محبوس في مصر، وإنما يدل على ولدي يوسف.
- أن التوراة ليس فيها ما يدل على سجن بنيامين، وهو أنه لما دبر حيلته في استبقائه وتمت الحيلة، طلبوا منه أن يطلقه فرد عليهم بقوله: “حاشا لي أن أفعل هذا! الرجل الذي وجد الطاس في يده هو يكون لي عبدا، وأما أنتم فاصعدوا بسلام إلى أبيكم”. (التكوين 44: 17). إذن فقوله: “هو يكون عبدا لي” معناه: أنه استبقاه في مصر، وليس سجنه فهذا تناقض، وفهم خطأ لتوراتهم المحرفة، فضلا عن فهمهم الخاطئ للقرآن الكريم، وهذا ديدنهم.
- في التوراة ما يدل على بقاء كبيرهم في مصر، مع يوسف وبنيامين، وكبيرهم هو رأوبين وليس شمعون، ولا يهوذا كما قال كاتب التوراة. ومما يدل على بقاء كبيرهم: أنه استعطف يوسف – عليه السلام – بقوله: “فالآن ليمكث عبدك عوضا عن الغلام، عبدا لسيدي، ويصعد الغلام مع إخوته. لأني كيف أصعد إلى أبي والغلام ليس معي؟ لئلا أنظر الشر الذي يصيب أبي”. (التكوين 44: 33، 34) [5].
ثالثا. عدد مرات مجيء إخوة – عليه السلام – مرات كما يقتضي المنطق وسياق الأحداث وليس ثلاثة كما نصت التوراة:
ذكر القرآن الكريم أن إخوة يوسف – عليه السلام – جاءوا مصر للمرة الأولى طلبا للميرة والطعام حيث قال تعالى: )وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون (58)( (يوسف)، وكما تقص الآية الكريمة أن سيدنا يوسف – عليه السلام – عرف إخوته غير أنهم له منكرون، ولذا أمر فتيانه بوضع بضاعتهم التي جاءوا بها إلى مصر للمقايضة والبيع، حتى يعطيهم الأمل في العودة مرة أخرى وكذلك أعلن لهم صراحة أن يأتوا بأخ لهم من أبيهم حيث يرون كرمه وفضله، وعندما عادوا إلى بلدهم وجدوا بضاعتهم، لذلك قرروا العودة إما ردا للتجارة أو طمعا في المزيد فجاءوا بأخيهم، وهو دخولهم المرة الثانية، فآواه يوسف – عليه السلام – عن طريق الحيلة المذكورة في التوراة والقرآن وهي فقدان صواع الملك؛ فرفض العودة معهم أخوهم الأكبر فعادوا إلى أبيهم يخبرونه بما حدث، فأمرهم أبوهم أن يرجعوا، ويتحسسوا من يوسف وأخيه، ولا ييأسوا من روح الله، فاستجابوا لأبيهم، وجاءوا للمرة الثالثة، وعندئذ كشف لهم يوسف – عليه السلام – عن حقيقة الأمر، وأمرهم بأن يرحلوا ويأتوا بأهلهم أجمعين، فكان دخولهم جميعا مع أبويهم، وهذه هي المرة الرابعة، وهذا هو الواقع الحق.
وبالعرض السابق للحقائق التي ذكرها القرآن، ولم يرد لها ذكر في التوراة، يتبين لنا أن التوراة محرفة استبعد كاتبها ما يريده وأضاف إليها ما يحلو له، فوقع في العديد من الأخطاء، والتناقضات التي لا تثبت أمام النقد الدقيق[6].
الخلاصة:
- لم يخطئ القرآن الكريم في سرد الوقائع التاريخية، فقد صوب وأضاف؛ لأنه الكتاب الخاتم الذي سلم من التحريف، أما التوراة المحرفة فلا يصدق ما جاء بها؛ لأنها قول البشر. ويدل على تحريفها تناقضها مع الحقائق التاريخية ومع نفسها.
- ومما يدل على تحريف التوراة أن: التوراة تذكر أن الحاكم زمن سيدنا يوسفـ عليه السلام – كان فرعون والقرآن يذكر أنه ملك فاختلاف الألقاب هنا على أساس العصور؛ إذ كان الهكسوس آنذاك هم حكام مصر وليس الفراعنة، حيث طرد الهكسوس الفراعنة من مصر بعد تغلبهم عليهم، والحاكم عند الهكسوس يطلق عليه لفظ “ملك” وليس “فرعون”، ولم يعرف هذا إلا بعد اكتشاف حجر رشيد، وقد تحدث عنه القرآن منذ أربعة عشر قرنا من الزمان. وهذا مما يؤكد عصمة القرآن وإعجازه العلمي، كما يؤكد على تحريف التوراة وعبث البشر بها.
- سجن يوسف لأخيه لا يليق بعصمته – عليه السلام – فهو نبي أدبه ربه فحسن خلقه، والقرآن يحكي أنه أكرم وفادة إخوته، وبالغ في إعطائهم، وترك لهم بضاعتهم فلم يأخذها مقابل ما أعطاهم من قمح؛ حتى يحفزهم كرمه على العودة ثانية ومعهم أخوه بنيامين طمعا في عطاياه، ولم يسجن أخاه بالطبع لبراءته، وكيف يتوقع ممن أراد أن يسعد بجوار أخيه ويهنأ بالقرب منه بعد غياب وحرمان، كيف يتسنى له أن يسجنه؟! ولم يأخذ رهائن منهم – كما زعمت التوراة – بل إن كبيرهم كما حكى القرآن فضل البقاء على رؤية الحزن في عين أبيه، فهي مسألة اختيارية إذن.
- ومن تناقض التوراة في ذكر اسم الرهينة، يتضح لنا عبث الكاتب فهذا خيال البشر، فتارة يذكر أنه شمعون، وأخرى أنه يهوذا، والأخ الأكبر كان رأوبين، ليس هذا ولا ذاك.
- أما عدد مرات مجيء إخوة يوسف – عليه السلام – إلى مصر فأربع، وليس ثلاث كما زعمت التوراة، ومن خلال العرض السابق يتضح لنا أن القرآن قال هذا وقوله الحق، أما التوراة فقد تناقضت في هذا الشأن كما تناقضت في غيره.
(*) هل القرآن معصوم؟ موقع إسلاميات. www.Islameyat.com
[1]. الرهينة: الضمان.
[2]. تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، أخبار اليوم، القاهرة، ط1، 1999م، ج1، ص326، 327 بتصرف.
[3]. وفادتهم: قدومهم ومجيئهم.
[4]. حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين، د. محمود حمدي زقزوق، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، ط2، 1425/ 2004م، ص493.
[5]. حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين، د. محمود حمدي زقزوق، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، ط2، 1425/ 2004م، ص494.
[6]. انظر: قصص القرآن، د. محمد بكر إسماعيل، دار المنار، القاهرة، ط1، 1424هـ/ 2003م.