دعوى خطأ القرآن في قصة موسى – عليه السلام – والخضر
وجوه إبطال الشبهة:
1) إن الحجة عندنا في القرآن والسنة، وهما لم يذكرا أسماء، ولم يحددا تاريخا، أما أقوال المفسرين التي ذكرت في هذه القصة فهي محض اجتهاد يؤخذ منها ويرد.
2) ليس ثمة ما يدل على أن موسى والخضر أدركا ذا القرنين.
3) لو افترضنا صحة أن الكنز كان صحيفة مكتوبا عليها “لا إله إلا الله محمد رسول الله”، فليس ذلك مما يرفضه العقل أو يستغربه؛ فقد بشرت الكتب السابقة بالرسالة المحمدية، وهذا يقبل على أساس أنه من المبشرات.
التفصيل:
أولا. الحجة في القرآن والسنة:
لم يذكر القرآن عن الخضر إلا أنه عبد من عباد الله آتاه الله رحمة من عنده وعلمه علما، وذكرت السنة أنه العبد الصالح، أما ما يذكر خلاف ذلك فهو أقوال للمفسرين، وقد اختلفت كتب التفسير في اسم الخضر، وفي كونه نبيا أم وليا، وهل هو حي أم ميت؛ فمنهم من قال: اسمه بليان بن ملكان، ومنهم من قال: هو اليسع، ومنهم من قال: هو ملك من الملائكة، وقيل: عامر، وقيل: أحمد، والجمهور أنه بليان بن ملكان، وهو ميت لقوله سبحانه وتعالى: )وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون (34)( (الأنبياء).
وقد ذكر الطبري أنه قد عمر طويلا حتى أدرك موسى، ومات بعد ذلك([1]).
أما عن ذي القرنين، فلم يذكر القرآن عنه سوى هذا اللقب: “ذي القرنين” وإن كان المفسرون ذكروا له أسماء على اختلاف بينهم، فمنهم من قال:
- هو ملك من ملوك تبع باليمن، وهو أبو بكر بن إفريقش؛ لأن الأذواء – أي من يقال عنهم: ذو كذا – في بلاد حمير، دون بلاد اليونان.
- هو إسكندر بن فيلبس “الإسكندر الأكبر”.
- هو ملك من ملوك الفرس وهو أفريدون بن أفيان بن حشيد.
وقد رجح د.محمد بكر القول الأول؛ لأن العرب كانوا يلقبون ملوكهم بذي كذا وذي كذا، وكانوا يعرفون شيئا عن أخبار ذي القرنين عن طريق أحبار اليهود ورهبان النصارى وغيرهم من المهتمين بأنساب العرب.
وكل هذه أقوال غير معصومة تصيب وتخطئ؛ لأنها أقوال مفسرين، وهم بشر، أما نصوص القرآن، وكذلك السنة النبوية – فلم يذكرا لنا أن ذا القرنين هو الإسكندر الأكبر أو غيره، كما لم يذكرا لنا أن الخضر هو النبي “إيليا”، فكيف يحكم بخطأ القرآن ويقال: إن القرآن أخطأ حينما جعل موسى – عليه السلام – يلتقي بالنبي “إيليا” وبينهما كذا وكذا من السنين الطويلة؟ وإن كان لا بد من خطأ أحد الاثنين – القرآن أو التاريخ – فلماذا يكون القرآن؟ هذا فضلا عن أن القرآن لم يشر إطلاقا إلى أن موسى – عليه السلام – التقى ذا القرنين، سواء كان هو الإسكندر الأكبر أو غيره، كذلك لم يشر إلى أي لقاء تم بين الخضر وذي القرنين، حتى يقولوا: كيف يلتقي موسى أو الخضر ذا القرنين وبينهما كذا وكذا من السنين؟
كثرة الأخطاء التاريخية في كتب التاريخ:
لو افترضنا – جدلا – أن الخضر هو النبي “إيليا”، وأن ذا القرنين هو الإسكندر الأكبر، وذكر القرآن التقاء الثلاثة وعين أسماءهم، فلا مانع من ذلك، بل يكون ذلك هو الصحيح ولا يكون صحيحا غير ذلك؛ لأن القرآن كتاب منزل من عند الله وموثوق به، وثبت أنه لم يحرف، وثبت إعجازه في كل مجال.
أما غيره من الكتب سواء كانت كتبا دينية وذكرت فيها هذه التواريخ لتلك الأحداث، أو كانت كتبا غير دينية، فالأمر سيان من حيث إنها لا يوثق بكل ما جاء فيها من تأريخ للوقائع والأحداث لما شابها من التحريف، وبسبب ما وقع فيها من الخلط والاضطراب، فنحن لا نأمن ولا نطمئن لصحة هذه التواريخ؛ لأن مصادرها غير معصومة، وغير موثوق بها، وليست هذه الكتب هي الفيصل الذي يتحاكم إليه عند الاختلاف في تأريخ الحوادث والوقائع.
ثانيا. ليس في القرآن ولا في السنة ما يدل على أن موسى – عليه السلام – أو الخضر قد أدرك ذا القرنين:
لا يوجد دليل حاسم على أن المراد بذي القرنين شخص بعينه كالإسكندر الأكبر أو غيره، ولا يوجد دليل معين يحدد ميلاد ووفاة ذي القرنين، وفي أي القرون كان، كذلك لا يوجد دليل من القرآن أو السنة يذكر أن موسى أو حتى الخضر قد التقى ذا القرنين، حتى يزعم هؤلاء المدعون خطأ القرآن التاريخي في لقاء موسى والخضر بذي القرنين بسبب طول الفترة الزمنية التي تفصل بينهم جميعا؛ وبسبب اختلاف بلدانهم ومواطنهم، فكيف يتقول هؤلاء على القرآن وينسبون إليه ما لم يذكره، ثم يحكمون عليه بالخطأ التأريخي؟
ثالثا. الكنز الذي كان تحت الجدار:
لو افترضنا صحة الرواية التي تذكر أن الكنز الذي وجد تحت الجدار هو صحيفة مكتوب عليها “لا إله إلا الله محمد رسول الله”، فليس هذا بغريب بشرط صحته؛ لأن الكتب السماوية كالتوراة والإنجيل قد بشرت بخاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم.
الخلاصة:
- الحجة فيما ورد في القرآن والسنة، لا في روايات المفسرين وكتب التاريخ، وهما – أي القرآن والسنة – لم يذكرا أسماء ولم يحددا تواريخ، ومعلوم أن كتب التاريخ مليئة بالأخطاء؛ إذ لا يوثق بكل ما جاء فيها من تأريخ للوقائع والأحداث لما شابها من التحريف وما وقع فيها من الخلط والاضطراب.
- لم يرد في القرآن أو السنة ما يدل على التقاء موسى أو الخضر ذا القرنين.
- سبقت الرسالة المحمدية مجموعة من البشارات منها ما ورد في الكتاب المقدس، ومن الثابت أن ذكرها سبق ظهورها؛ بدليل أن اليهود – خاصة – كانوا يحدثون الناس عن نبي آخر الزمان ويصفونه لهم، وعلى فرض صحة أن الكنز كان صحيفة مكتوبا عليها ” لا إله إلا الله محمد رسول الله”، فإن ذلك مقبول على أساس أنه من المبشرات.
(*) أسئلة بلا أجوبة، صموئيل عبد المسيح، موقع الكلمة.
.[1] قصص الأنبياء، عبد الوهاب النجار، مكتبة دار التراث، القاهرة، ط1، 1985م، ص 357.