دعوى فساد مرويات السيدة عائشة رضي الله عنها
وجها إبطال الشبهة:
1) لقد كانت السيدة عائشة رضي الله عنها أقرب زوجات النبي – صلى الله عليه وسلم – وأحبهن إليه، وكانت تتمتع بكثير من الإمكانات العلمية والقدرات التي ميزتها عن غيرها من أمهات المؤمنين، مما أهلها للراوية عنه – صلى الله عليه وسلم – بكثرة.
2) لقد صدقت السيدة عائشة ولم تخالف أحدا؛ إذ إن رواية «الماء من الماء» رواية منسوخة بما ذكرته السيدة عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل»، وفي رواية مسلم «ومس الختان الختان فقد وجب الغسل»، وتبين أن الحق في قولها؛ ولذا أجمع عليه العلماء، وهذا من استدراكات السيدة عائشة رضي الله عنها على بعض الصحابة.
التفصيل:
أولا. المكانةالعلمية والأدبية للسيدة عائشة، وأسباب كثرة روايتها عن النبي صلى الله عليه وسلم:
لقد كانت السيدة عائشة رضي الله عنها تتمتع بكثير من القدرات والإمكانات التي لم تحظ بها غيرها من أمهات المؤمنين، فقد كانت رضي الله عنها أذكى
أمهات المؤمنين وأحفظهن، بل كانت أعلم من كثير من الرجال، فقد كان كبار علماء الصحابة يسألونها عن بعض الأحكام التي تشكل عليهم فتفتيهم بما سمعته أو رأته
من النبي صلى الله عليه وسلم.
ومما روي في ذلك عن أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – أنه قال: «ما أشكل علينا أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حديث قط، فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علما»([1]). وقال عروة بن الزبير: ما رأيت امرأة أعلم بطب ولا فقه، ولا شعر من عائشة([2]).
ومما يدل على مكانتها من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مع فطنتها ما رواه الشيخان، من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت علي غضبى، قالت: فقلت: من أين تعرف ذلك؟ فقال: أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين: لا، ورب محمد، وإذا كنت غضبى قلت: لا، ورب إبراهيم، قالت: قلت: أجل والله يا رسول الله، ما أهجر إلا اسمك»([3]).
ففي هذا الحديث جزم الرسول – صلى الله عليه وسلم – برضا عائشة وغضبها بمجرد ذكرها اسمه الشريف وسكوتها، واستدل على كمال فطنتها وقوة ذكائها بتخصيصها إبراهيم – عليه السلام – دون غيره؛ لأنه – صلى الله عليه وسلم – أولى الناس به كما في التنزيل، فلما لم يكن لها بد من هجر اسمه الشريف، أبدلته بمن هو منه بسبيل، وقولها رضي الله عنها: «والله يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك» هذا الحصر في غاية اللطف في الجواب؛ لأنها
أخبرت أنها إذا كانت في غاية الغضب الذي يسلب العاقل اختياره،
لا يغيرها عن كمال المحبة المستغرقة ظاهرها وباطنها، الممتزجة بروحها،
وإنما عبرت عن الترك بالهجران لتدل به على أنها تتألم من هذا الترك الذي لا اختيار لها فيه([4]).
وفي هذا دليل واضح على قرب السيدة عائشة رضي الله عنها من النبي – صلى الله عليه وسلم – وقربه منها، كما يدل على رجاحة عقلها وذكائها، وسلامة منهجها، فكيف لا نثق بعد ذلك فيما روته عنه صلى الله عليه وسلم؟!
وسأل عمرو بن العاص – رضي الله عنه – النبي – صلى الله عليه وسلم – ذات مرة: «أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة، فقلت: من الرجال: قال: أبوها…»([5])([6]).
وهكذا فقد كانت رضي الله عنها من أشد المقربين إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – ومن أحب زوجاته إليه، وقد أخذت منه ونقلت عنه – صلى الله عليه وسلم – أحاديث كثيرة، وما ذلك إلا لشدة قربها منه – صلى الله عليه وسلم – وملازمتها له.
فقد كان من المنح الإلهية لعائشة رضي الله عنها أن وهبها الله تعالى ذكاء وذاكرة قوية وحفظا سريعا، فقد نشأت في بيت أبي بكر، وعاشت في بيت النبوة، ونهلت من المعين النبوي الصافي، وقد عرفت بالتطلع الواسع إلى العلم والمعرفة، فكانت كثيرة السؤال والاستفسار، شديدة التمحيص والتنقيب، وقد شهد لها بذلك الأكابر، فعن ابن أبي مليكة: «أن عائشة كانت لا تسمع شيئا لا تعرفه إلا راجعت فيه حتى تعرفه…» الحديث([7]).
فلقد كانت رضي الله عنها وهي صبية تسمع الآية من القرآن فتحفظها وتضبط مكان نزولها ووقت النزول، وقد جمعت إلى حفظ القرآن معرفة معانيه وتفسيره، فأصبحت من كبار المفسرين للقرآن الكريم، وساعدها على ذلك معرفتها باللغة العربية وأشعارها وآدابها، فعن الشعبي: أن عائشة قالت: رويت للبيد نحوا من ألف بيت، وكان الشعبي يذكرها، فيتعجب من فقهها وعلمها، ثم يقول: ما ظنكم بأدب النبوة([8]).
وقد كانت رضي الله عنها من كبار المحدثين وحفاظ السنة، وقد امتازت عن غيرها من الصحابة أنها سمعت تلك الأحاديث مشافهة من النبي – صلى الله عليه وسلم – لذلك انفردت برواية أحاديث لم يروها عنه غيرها لمكانتها عنده.
ولذلك يرجع الفضل إليها في نقل قسم كبير من السنة النبوية ونشرها بين الناس، ولاسيما في الأمور التي تتعلق بتصرفات النبي – صلى الله عليه وسلم – في بيته ومع أهله، والتي لو لم تنقلها؛ لضاع قسم كبير منها.
وقد كان حفظها لحديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وإتقانها له مرجعا للصحابة فيما اختلفوا فيه من الأحاديث؛ للتحقيق من سماعها له من فم النبي – صلى الله عليه وسلم – فيجدون عندها الجواب الشافي الذي يحسم الخلاف ويرد الشك([9])، فهذا أبو هريرة يحدث بحديث سمعه ابن عمر فينكره عليه، فيذهب به إلى عائشة.
وقد كان من عادة أبي هريرة الجلوس إلى حجرة عائشة يسمعها ما يحدث به الناس، ثم يقول: «اسمعي يا ربة الحجرة، اسمعي يا ربة الحجرة»([10]). وكان من شك في رواية أتى عائشة سائلا، ومن كان بعيدا كتب إليها يسألها([11]).
لقد شاء الله تعالى أن تقف السيدة عائشة ومعها بعض الصحابة حراسا أمناء على سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يكشفون أخطاء الرواية، ويقومون مسارها على طريقها الصحيح، وقد سار توثيق السيدة عائشة للسنة من ناحية ضبط رواتها، أو ما يسمى بالتوثيق الخارجي للحديث جنبا إلى جنب مع التوثيق الداخلي للحديث بالتأمل في متنه، وكونه ملائما لأن يصدر عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ومن هنا فقد استدركت السيدة عائشة على بعض الصحابة بعض الأحاديث، وهذا يدل على سعة علمها بالسنة وكثرة روايتها.
ولا ريب أن السيدة عائشة بهذا الصنيع قد أرست أسسا سار عليها العلماء فيما بعد، لينفوا عن سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما هو دخيل أو غير صحيح، لأن رواته لم يضبطوه، وقام على أساس ذلك علم علل الحديث، وعلم الجرح والتعديل. ورغم اجتهادها هذا؛ فإنها لم تنسب الكذب إلى أحد من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – ولكنها كانت تقول: «إنكم لتحدثوني عن غير كاذبين ولا مكذبين، ولكن السمع يخطئ»([12]) ([13]).
وهكذا فإن عائشة رضي الله عنها قد تمتعت بكل الإمكانات والقدرات التي جعلتها تروي عددا غير قليل من أحاديث النبي – صلى الله عليه وسلم – وتتميز في ذلك عن باقي أمهات المؤمنين، ليس هذا فحسب، بل إنها رضي الله عنها كانت تستدرك على الصحابة بعض ما يقعون فيه من أخطاء أو نسيان.
وإليك بعض ما استدركته السيدة عائشة على بعض الصحابة:
- روى عمر – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه، وعندما ذكر الحديث للسيدة عائشة رضي الله عنها أنكرت ذلك، وقالت: والله ما قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قط: إن الميت يعذب ببكاء أحد، ولكنه قال: إن الكافر يزيده الله ببكاء أهله عذابا، وإن الله لهو أضحك وأبكى، ولا تزر وازرة وزر أخرى، قال القاسم بن محمد: لما بلغ عائشة قول عمر وابن عمر، قالت: إنكم لتحدثوني عن غير كاذبين ولا مكذبين، ولكن السمع يخطئ»([14])، وفي رواية: «يرحم الله عمر: لا والله ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يعذب المؤمن ببكاء أحد، ولكن قال: إن الله يزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه»([15]).
- قال ابن عباس: «أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم، والكلام لموسى، والرؤية لمحمد صلى الله عليه وسلم»([16])، قالت عائشة: «من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم، ولكن قد رأى جبريل في صورته وخلقه سادا ما بين الأفق»([17]).
- «سئل ابن عمر: كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أربعا، إحداهن في رجب، فقالت عائشة: يرحم الله أبا عبد الرحمن، ما اعتمر عمرة إلا وهو شاهده، وما اعتمر في رجب قط»([18]).
- بلغ عائشة أن ابن عمرو يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رءوسهن، فقالت: «يا عجبا لابن عمرو هذا!، يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رءوسهن، أفلا يأمرهن أن يحلقن رءوسهن، لقد كنت أغتسل أنا ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – من إناء واحد، ولا أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات»([19]).
- روى البخاري عن أبي هريرة قال: «من أدركه الفجر جنبا فلا يصم، فسئلت عائشة وأم سلمة عن ذلك فقالتا: كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يصبح جنبا من غير حلم، ثم يصوم»([20]).
ثانيا. نسخ رواية “الماء من الماء” برواية إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل:
كانت السيدة عائشة رضي الله عنها ألزم الناس لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – لذلك حفظت عنه كثيرا من الأحاديث التي لم توجد إلا عندها، ليس هذا فحسب، بل إنها استدركت بفطنتها وقوة ذاكرتها على بعض الصحابة بعض الأحاديث، وهذا يدل على سعة علمها بالسنة.
فالسيدة عائشة رضي الله عنها عارضت ما كان يرويه بعض الصحابة، فقد كانت تروي آخر ما كان يفعله النبي – صلى الله عليه وسلم – ولم يبلغ الصحابة.
أما القول بأن عائشة رضي الله عنها قد خالفت كبار الصحابة فهو قول باطل، كما دلت على ذلك الأدلة والبراهين، وباستعراض استدراكات السيدة عائشة رضي الله عنها ورواياتها يتبين لنا ذلك، فعن عبيد بن رفاعة عن أبيه قال: إني لجالس عند عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – إذ جاء رجل فقال: يا أمير المؤمنين، هذا زيد بن ثابت يفتي الناس في الغسل من الجنابة برأيه. فقال عمر رضي الله عنه: أعجل علي به، فجاء زيد.
فقال عمر رضي الله عنه: قد بلغني من أمرك أنك تفتي الناس بالغسل من الجنابة برأيك في مسجد النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال له زيد: أما والله يا أمير المؤمنين، ما أفتيت برأيي، ولكني سمعت من أعمامي شيئا فقلت به. فقال: من أي أعمامك؟ فقال: من أبي بن كعب، وأبي أيوب، ورفاعة بن رافع.
فالتفت إلي عمر فقال: ما يقول هذا الفتى؟ قال: قلت: إنا كنا لنفعله على عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ثم لا نغتسل. قال: أفسألتم النبي – صلى الله عليه وسلم – عن ذلك؟ فقلت: لا. قال: علي بالناس، فاتفق الناس أن الماء لا يكون إلا من الماء، إلا ما كان من علي ومعاذ بن جبل، فقالا: إذا جاوز الختان الختان، فقد وجب الغسل. فقال: يا أمير المؤمنين لا أجد أحدا أعلم بهذا من أمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من أزواجه، فأرسل إلى حفصة رضي الله عنها فقالت: لا علم لي.
فأرسل إلى عائشة رضي الله عنها فقالت: «إذا جاوز الختان الختان، فقد وجب الغسل»([21])؛ فتحطم([22]) عمر، وقال: لئن أخبرت بأحد يفعله، ثم لا يغتسل لأنهكته عقوبة (أي لما لنت في عقوبته)([23]).
وفي رواية: تذاكر أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عند عمر بن الخطاب الغسل من الجنابة، فقال بعضهم: “إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل”، وقال بعضهم: “إنما الماء من الماء”. فقال عمر رضي الله عنه: قد اختلفتم علي، وأنتم أهل بدر، فكيف بالناس بعدكم؟ فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين، إن أردت أن تعلم ذلك، فأرسل إلى أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم – فسلهن عن ذلك.
فأرسل إلى عائشة رضي الله عنها فقالت: “إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل”؛ فقال عمر – رضي الله عنه – عند ذلك: لا أسمع أحدا يقول “الماء من الماء”([24]).
زاد الإمام الطحاوي مؤكدا أن رأي السيدة عائشة رضي الله عنها هو الأصوب، فقال: فهذا عمر، قد حمل الناس على هذا، بحضرة أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فلم ينكر ذلك عليه منكر([25]).
وجدير بالذكر أن “الماء من الماء” أي لا يجب الغسل إلا بالإنزال في الجماع، كان في أول الإسلام ثم نسخ هذا، ولم يكن يعلم بعض الصحابة بالنسخ، فكان يفتي به حتى علم الجميع بالنسخ، وأصبح وجوب الغسل بدون الإنزال إجماعا([26]).
ومما يؤكد ذلك أيضا ما ذكره النووي رحمه الله إذ يقول: “اعلم أن الأمة مجتمعة الآن على وجوب الغسل بالجماع، وإن لم يكن معه إنزال، وعلى وجوبه بالإنزال، وكان جماعة من الصحابة على أنه لا يجب إلا بالإنزال، ثم رجع بعضهم وانعقد الإجماع بعد الآخرين. وأما حديث «الماء من الماء»فالجمهور من الصحابة ومن بعدهم قالوا: إنه منسوخ”([27]).
هذا وقد عقد الإمام الترمذي صاحب السنن بابا كاملا عن نسخ قوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الماء من الماء»، فقد روى عن أبي بن كعب قال: «إنما كان الماء من الماء رخصة في أول الإسلام، ثم نهي عنها»([28]).
وقال: حديث حسن صحيح، ثم قال: وإنما الماء من الماء في أول الإسلام، ثم نسخ بعد ذلك، وهكذا روى غير واحد من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – منهم: أبي بن كعب، ورافع بن خديج، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، على أنه إذا جامع الرجل امرأته في الفرج، وجب عليهما الغسل، وإن لم ينزلا؛ ثم يؤكد ذلك بما رواه عن ابن عباس يوضح هذا اللبس، أنه قال: “إنما الماء من الماء في الاحتلام”.
ثم يعلق صاحب تحفة الأحوذي على ذلك بقوله: “لا شك أن حديث أبي بن كعب المذكور صريح في النسخ، على أن حديث الغسل وإن لم ينزل أرجح من حديث الماء من الماء لأنه بالمنطوق، وترك الغسل من حديث الماء من الماء بالمفهوم أو بالمنطوق أيضا لكن ذلك أصرح منه.
أما قوله في الحديث الآخر: “إنما الماء من الماء في الإسلام” يعني أن حديث الماء بالماء محمول على صورة مخصوصة، وهي ما يقع في المنام من رؤية الجماع، وهو تأويل يجمع بين الحديثين من غير تعارض، قال الشيخ عبد الحق الدهلوي: يمكن أن يقال: إن قول ابن عباس هذا ليس تأويلا للحديث، وإخراجا له بهذا التأويل من كونه منسوخا، بل غرضه بيان حكم المسألة بعد العلم بكونه منسوخا، وحاصله أن عمومه منسوخ، فبقي الحكم في الاحتلام”([29]).
وفي هذا دلالة صريحة على صحة مروياتها رضي الله عنها بل ثبت أنها الأصح؛ إذ عرفت رضي الله عنها ما نسخ من الأحاديث، وما هو معمول به، ولم يعرف ذلك غيرها من الصحابة، بل احتكموا إليها حال الاختلاف بينهم، وعملوا بقولها وأخذوا بروايتها، وهذا عمر – رضي الله عنه – يتوعد من يخالفها، فهل هذا حجة عليها أم لها؟! وهل بعد ذلك نحكم بفساد روايتها أم صحتها؟!
وصدق الشاعر إذ يقول:
وليس يصح في الأذهان شيء
إذا احتاج النهار إلى دليل
الخلاصة:
- كانت السيدة عائشة رضي الله عنها أحب زوجات النبي – صلى الله عليه وسلم – إليه، مما يسر لها الأخذ عنه ثم الرواية والنقل؛ لذا فإنها روت عددا غير قليل من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.
- كانت السيدة عائشة رضي الله عنها تتمتع بالكثير من القدرات والإمكانات العقلية من الذكاء والحفظ والعلم، وكانت من كبار المفسرين للقرآن الكريم، ساعدها على ذلك إلمامها باللغة العربية وأشعارها وآدابها، مما دفع الشعبي إلى التعجب من فقهها وغزير علمها.
- كانت عائشة رضي الله عنها هي المرجع والحكم للصحابة – رضي الله عنهم – في بعض ما استشكل عليهم من الأمور؛ إذ امتازت عنهم بأنها سمعت الأحاديث مشافهة منه – صلى الله عليه وسلم – فانفردت برواية أحاديث لم يروها عنه غيرها لمكانتها عنده.
- لم تخالف السيدة عائشة رضي الله عنها أحدا من الصحابة بل ردتهم جميعا إلى قول النبي – صلى الله عليه وسلم – لاسيما من لم يكن يعلم منهم أن رواية«الماء من الماء» قد نسخت. ولقد دل على ذلك جمع الروايات التي أسلفناها بالذكر، وحمل عمر بن الخطاب الجميع على الأخذ بقول السيدة عائشة رضي الله عنها ولم يخالفه في ذلك أحد من الصحابة.
- ثم إن الأمة مجتمعة الآن على وجوب الغسل بالجماع، وإن لم يكن معه إنزال، بعد ما تبين أن حديث «الماء من الماء»حديث منسوخ، وبه قال جمهور الصحابة. وهذا من قبيل استدراكات السيدة عائشة رضي الله عنها على بعض الصحابة؛ حيث كانت المرجع النهائي للصحابة في الحكم على الحديث عند الاختلاف.
(*) الصاعقة في نسف أباطيل وافتراءات الشيعة على أم المؤمنين عائشة، د. عبد القادر محمد عطا صوفي، دار أضواء السلف، الرياض، ط1، 1425هـ/ 2004م. السيدة عائشة وتوثيقها للسنة، جيهان رفعت فوزي، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط1، 1421هـ/ 2001م.
[1]. صحيح: أخرجه الترمذي في سننه (بشرح تحفة الأحوذي)، كتاب: المناقب، باب: من فضل عائشة رضي الله عنها، (10/ 258)، رقم (4134). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي برقم (3883).
[2]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (2/ 183) بتصرف.
[3]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: النكاح، باب: غيرة النساء ووجدهن، (9/ 237) رقم (5228). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الفضائل، باب: في فضل عائشة رضي الله عنها، (8/ 3566)، رقم (6168).
[4]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (9/ 237، 238) بتصرف.
[5]. صحيح البخاري، (بشرح فتح الباري)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: فضل أبي بكر بعد النبي صلى الله عليه وسلم، (7/ 22)، رقم (3662). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه، (8/ 3518)، رقم (6060).
[6]. الحديث النبوي والتأريخ، د. أحمد جمال العمري، دار المعارف، القاهرة، 1410هـ/ 1990م، ص424: 426 بتصرف.
[7]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: العلم، باب: من سمع شيئا فراجع حتى يعرفه، (1/ 237)، رقم (103).
[8]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (2/ 197).
[9]. الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة، بدر الدين الزركشي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط4، 1985م، ص23.
[10]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الزهد والرقائق، باب: التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم، (9/ 4089)، رقم (7374).
[11]. دور المرأة في خدمة الحديث في القرون الثلاثة الأولى، آمال قرداش بنت الحسين، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، قطر، ط1، 1420هـ/ 1999م، ص49: 52 بتصرف.
[12]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الجنائز، باب: الميت يعذب ببكاء أهله عليه، (4/ 1527)، رقم (2115).
[13]. السيدة عائشة وتوثيقها للسنة، جيهان رفعت فوزي، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط1، 1421هـ/ 2001م، ص83، 84 بتصرف.
[14]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الجنائز، باب: الميت يعذب ببكاء أهله، (4/ 1527)، رقم (2115).
[15]ـ صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الجنائز، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: “الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه”، (3/ 180)، رقم (284 ). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الجنائز، باب: الميت يعذب ببكاء أهله عليه، (4/ 1528)، رقم (2117).
[16]. صحيح: أخرجه الحاكم في مستدركه، كتاب: الإيمان، (1/ 123)، رقم (216). وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري، ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في ظلال الجنة برقم (442).
[17]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: بدء الخلق، باب: إذا قال أحدكم آمين، (6/ 361)، رقم (3234).
[18]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: العمرة، باب: كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم، (3/ 701)، رقم (1776).
[19]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الحيضة، باب: حكم ضفائر المغتسلة، (2/ 878)، رقم (731).
[20]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الصوم، باب: الصائم يصبح جنبا، (4/ 169، 170) رقم (1925، 1926). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الصيام، باب: صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب، (4/ 1754)، رقم (2548).
[21]. صحيح: أخرجه الترمذي في سننه (بشرح تحفة الأحوذي)، كتاب: الطهارة، باب: إذا التقى الختانان وجب الغسل، (1/ 306)، رقم (109). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي برقم (109).
[22]. فتحطم: أي: تلظى وتوقد غيظا، من الحطمة: النار.
[23]. شرح معاني الآثار، الطحاوي، تحقيق: محمد سيد جاد الحق، مطبعة الأنوار المحمدية، مصر، د. ت، (1/ 59).
[24]. شرح معاني الآثار، الطحاوي، تحقيق: محمد سيد جاد الحق، مطبعة الأنوار المحمدية، مصر، د. ت، (1/ 59).
[25]. شرح معاني الآثار، الطحاوي، تحقيق: محمد سيد جاد الحق، مطبعة الأنوار المحمدية، مصر، د. ت، (1/ 59).
[26]. السيدة عائشة وتوثيقها للسنة، جيهان رفعت فوزي، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط1، 1421هـ/ 2001م، ص159.
[27]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، الرياض، ط2، 1422هـ/ 2001م، (4/ 36) بتصرف.
[28]. صحيح: أخرجه الترمذي في سننه (بشرح تحفة الأحوذي)، كتاب: الطهارة، باب: أن الماء من الماء، (1/ 308)، رقم (110). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي برقم (110).
[29]. تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، المباركفوري، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1410هـ/ 1990م، (1/ 309، 310).