دعوى كذب ابن سلام على النبي صلى الله عليه وسلم
وجها إبطال الشبهة:
1) لقد كان عبد الله بن سلام – رضي الله عنه – من الصحابة الذين نزل في حقهم بعض آيات القرآن الكريم، وشهد له النبي – صلى الله عليه وسلم – بالجنة، وشهد الصحابة بغزارة علمه، فهل من كان هذا حاله يكون مخادعا أومنافقا؟!!
2) إن حديث خلق الله آدم يوم الجمعة صحيح ثابت، والمقصود بتحديد الساعة في الحديث هي الساعة التي يستجاب فيها الدعاء، يدل على ذلك ما دار بين ابن سلام وأبي هريرة رضي الله عنهما في تحديد وقتها وموافقة أبي هريرة لما قاله، وأما القيامة فإنها الغيب الذي اختص الله به نفسه، فلم يطلع عليها ملكا مقربا، ولا نبيا مرسلا.
التفصيل:
أولا. مكانة عبد الله بن سلام في الإسلام وشهادة النبي – صلى الله عليه وسلم – له بالجنة:
إن عبد الله بن سلام – رضي الله عنه – صحابي مشهود له بالسلامة، شهد له بذلك النبي – صلى الله عليه وسلم – والصحابة من بعده وأئمة الحديث، كما أن رواية بعض الإسرائيليات تدخل فيما رخص النبي – صلى الله عليه وسلم – روايته.
إن اتهام عبد الله بن سلام – رضي الله عنه – بالكذب على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أمر تكذبه الوقائع ويأباه العقل السليم، فلقد شهد له النبي – صلى الله عليه وسلم – بالجنة، روى البخاري بسنده عن سعد بن أبي وقاص أنه قال: «ما سمعت النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول لأحد يمشي على الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام. قال: وفيه نزلت هذه الآية )وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله( (الأحقاف: 10)»[1]، فالله تعالى شهد له بالإيمان، ولم يتوقف الأمر عند هذا فحسب، بل بشره النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه يموت على الإسلام، فعن قيس بن عباد أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال عنه: «يموت عبد الله وهو آخذ بالعروة الوثقى»[2].
وكيف لا يشهد له رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بالجنة، وقد نزلت فيه غير آية من كتاب الله – عز وجل – يقول سبحانه وتعالى: )وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم( (الأحقاف: ١٠)، قال ابن عباس والحسن وعكرمة وقتادة ومجاهد: هو عبد الله بن سلام، شهد على اليهود أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مذكور في التوراة، وأنه نبي من عند الله. قال القشيري: “ويجوز أن تكون الآية نزلت بالمدينة وتوضع في سورة مكية، فإن الآية كانت تنزل، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: ضعوها في سورة كذا”[3].
ويؤكد ذلك ما ذكره الحافظ ابن حجر قائلا: وقد استنكر الشعبي فيما رواه عبد بن حميد عن النضر بن شميل عن ابن عون عنه نزولها في عبد الله بن سلام؛ لأنه إنما أسلم بالمدينة والسورة مكية، فأجاب ابن سيرين: بأنه لا يمتنع أن تكون السورة مكية وبعضها مدني وبالعكس، وبهذا جزم أبو العباس في “مقامات التنزيل” فقال: الأحقاف مكية إلا قوله )وشهد شاهد( إلى آخر الآيتين، ولا مانع أن تكون جميعها مكية وتقع الإشارة فيها إلى ما سيقع بعد الهجرة من شهادة عبد الله بن سلام”[4].
وقد نزل في هذا الصحابي وغيره من اليهود قول الله سبحانه وتعالى: )ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون (113) يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين (114)( (آل عمران). يقول ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: والمشهور عند كثير من المفسرين، كما ذكره محمد بن إسحاق وغيره، ورواه العوفي عن ابن عباس، أن هذه الآية نزلت فيمن آمن من أحبار أهل الكتاب، كعبد الله بن سلام، وأسد بن عبيد، وثعلبة بن سعية، وأسيد بن سعية وغيرهم؛ أي: لا يستوي من تقدم ذكرهم بالذم من أهل الكتاب وهؤلاء الذين أسلموا، ولهذا قال: “ليسوا سواء”؛ أي: ليسوا كلهم على حد سواء، بل منهم المؤمن والمجرم[5].
وأما عن إسلام عبد الله بن سلام فإن له مع قومه حديثا عجيبا، فقد تحمل الصعاب وجابه قومه وتحداهم أمام النبي – صلى الله عليه وسلم – وها هو البخاري يحدثنا عن قصة إسلامه فيقول في ضمن حديث ساقه في باب الهجرة: «… فلما جاء النبي – صلى الله عليه وسلم – عبد الله بن سلام قال: أشهد أنك رسول الله، وأنك جئت بحق، وقد علمت يهود أني سيدهم وابن سيدهم، وأعلمهم وابن أعلمهم، فادعهم فاسألهم عني قبل أن يعلموا أني قد أسلمت، فإنهم إن يعلموا أني قد أسلمت قالوا في ما ليس في، فأرسل نبي الله – صلى الله عليه وسلم – فأقبلوا فدخلوا عليه، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر اليهود، ويلكم، اتقوا الله، فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله حقا، وأني جئتكم بحق فأسلموا. قالوا: ما نعلمه، قالوا للنبي – صلى الله عليه وسلم – وقالها ثلاث مرات، قال: فأي رجل فيكم عبد الله بن سلام؟ قالوا: ذلك سيدنا وابن سيدنا، وأعلمنا وابن أعلمنا، قال: أفرأيتم إن أسلم؟ قالوا: حاشا لله، ما كان ليسلم، قال: أفرأيتم إن أسلم؟ قالوا: حاشا لله، ما كان ليسلم، قال: يا ابن سلام اخرج إليهم، فخرج فقال: يا معشر اليهود، اتقوا الله فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله، وأنه جاء بحق، فقالوا: كذبت، فأخرجهم رسول الله صلى الله عليه وسلم»[6].
فمحال أن يكون عبد الله بن سلام قد أسلم ولا يزال به حنين إلى اليهودية وما فيها من أباطيل، فهو لهذا يروجها ويحدث بها، ليفسد على المسلمين عقيدتهم ويشوش بها على أفكارهم.
وهل من هذا شأنه يشهد له رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بالجنة؟!
ورأي الصحابة في عبد الله بن سلام كان كرأي النبي – صلى الله عليه وسلم – فيه، فقد روى الترمذي بسنده عن يزيد بن عمير قال: «حضر معاذ بن جبل الموت فقيل له: يا أبا عبد الرحمن، أوصنا، قال: أجلسوني، فقال: إن العلم والإيمان مكانهما من ابتغاهما وجدهما، يقول ذلك ثلاث مرات، والتمسوا العلم عند أربعة رهط: عند عويمر أبي الدرداء، وعند سلمان الفارسي، وعند عبد الله بن مسعود، و عند عبد الله بن سلام الذي كان يهوديا فأسلم؛ فإني سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: إنه عاشر عشرة في الجنة»[7].
وإن الله تعالى قد تكفل بحفظ دينه وحماية نبيه – صلى الله عليه وسلم – من كل من يريد بالإسلام أو بالنبي سوءا، فكشف له أمر المنافقين وفضحهم، وذكر صفاتهم في سورة البقرة وأعلمه أسماءهم؛ تلك التي احتفظ بها النبي – صلى الله عليه وسلم – في صحيفة مع الصحابي حذيفة بن اليمان – رضي الله عنه – فلو كان عبد الله بن سلام – رضي الله عنه – أحد هؤلاء المنافقين لكشف أمره حذيفة بن اليمان، ولحذر الصحابة منه؛ لأنه القائل: «كان الناس يسألون النبي – صلى الله عليه وسلم – عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني» [8]، فهو يسأل عن الشر ليتجنبه ويحذر منه.
والروايات الإسرائيلية التي رواها عبد الله بن سلام، والتي اتخذها المغرضون ذريعة للطعن في عدالته – رضي الله عنه – لا تنقص من شأنه، فهي على قلتها لا تعدو أن تكون من قبيل ما أذن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بروايته، ولا يمكن أن تخدش عدالته أو تضعف الثقة فيه، وإلا لما اعتمده البخاري وغيره من أئمة المحدثين.
وللمسلمين في رواية الإسرائيليات موقف خاص، فالنبي – صلى الله عليه وسلم – منع روايتها قبل تمام الدين، فلما أتم الله على نبيه وأكمل له الدين رخص الرسول – صلى الله عليه وسلم – للصحابة رواية الإسرائيليات، لكنه قيد هذا الترخيص واشترطه بعدم التصديق أو التكذيب حيث قال: «لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم»[9]، ذلك فيما لا نعلم صدقه وكذبه، وعليه فما نسب إلى عبد الله بن سلام كذبا من إسرائيليات بقصد ترويجها فذلك ذنب من نسبها إليه وليس له جناية في هذا، وكم وضع الوضاعون من أحاديث ونسبوها إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو خير منه فما حط ذلك من قدره ولا غض من مقامه[10].
ومفاد القول: إن ما نسب إلى عبد الله بن سلام من وضع الحديث على النبي – صلى الله عليه وسلم – قد ثبت أنه كذب وافتراء بشهادة الله والنبي والمؤمنين.
ثانيا. الحديث صحيح، والمقصود بتحديد الساعة في الحديث التي يستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة، وليست ساعة القيامة:
إن هذا الحديث حديث صحيح عن النبي – صلى الله عليه وسلم – وليس فيه أدنى كذب عليه – صلى الله عليه وسلم – من قبل ابن سلام كما زعم هؤلاء المغرضون، فالحديث رواه الإمام مالك في الموطأ، قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر بن الورد، قال: قال حدثنا يحيى، قال حدثنا مالك، وأخبرنا أبو محمد بن رشيق – واللفظ له – قال حدثنا محمد قال حد ثنا أبو مصعب قال: حدثنا مالك، عن يزيد بن عبد الله بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، «عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أنه قال: خرجت إلى الطور فلقيت كعب الأحبار فجلست معه، فحدثني عن التوراة وحدثته عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فكان مما حدثته أن قلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم، وفيه أهبط من الجنة، وفيه تيب عليه، وفيه مات، وفيه تقوم الساعة، وما من دابة إلا وهي مصيخة[11] يوم الجمعة من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقا من الساعة إلا الجن والإنس، وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه. قال كعب: ذلك في كل سنة يوم، فقلت: بل في كل جمعة، فقرأ كعب التوراة فقال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال أبو هريرة: فلقيت بصرة بن أبي بصرة الغفاري، فقال: من أين أقبلت؟ فقلت: من الطور، فقال: لو أدركتك قبل أن تخرج إليه ما خرجت، سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد، إلى المسجد الحرام، وإلى مسجدي هذا، وإلى مسجد إيلياء أو بيت المقدس، شك أيهما، قال أبو هريرة: ثم لقيت عبد الله بن سلام، فحدثته بمجلسي مع كعب الأحبار، وما حدثته به في يوم الجمعة فقلت: قال كعب: ذلك في كل سنة يوم، قال: قال عبد الله بن سلام: كذب كعب، فقلت: ثم قرأ كعب التوراة، فقال: بل هي في كل جمعة، فقال عبد الله بن سلام: صدق كعب.
ثم قال عبد الله بن سلام: قد علمت أية ساعة هي، قال أبو هريرة: فقلت له: أخبرني بها ولا تضن علي، فقال عبد الله بن سلام: هي آخر ساعة في يوم الجمعة، قال أبو هريرة: فقلت: وكيف تكون آخر ساعة في يوم الجمعة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي، وتلك الساعة ساعة لا يصلى فيها؟ فقال عبد الله بن سلام: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من جلس مجلسا ينتظر الصلاة فهو في صلاة حتى يصلي، قال أبو هريرة: فقلت: بلى، قال: فهو ذلك.
وفي رواية ابن بكير: فقلت نعم، ثم قرأ كعب التوراة وفيها: وفيه تبت عليه وفيه مات وفيها: وفيه ساعة»[12].
فالحديث – كما رأينا – حديث صحيح، وهو من رواية أبي هريرة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – وليس من رواية ابن سلام أو كعب الأحبار، وإنما أخبر كعب وابن سلام أن ذلك صحيح بدلالة وجوده في التوراة عندهم أيضا، فلماذا نتهم ابن سلام بالكذب على النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو لم يفعل شيئا إلا أن صدق أبا هريرة فيما رواه؟!
هذه واحدة، أما الثانية وهي الادعاء أن قوله:«فهي آخر ساعة»، وقوله: «هي فيما بين العصر والمغرب» يقصد بها ميعاد يوم القيامة، وهذا من الغيب الذي اختص به الله نفسه، فهذا ادعاء باطل؛ إذ ليس المقصود من الساعة في ذلك هي الساعة التي تقوم فيها القيامة، وإنما المقصود بها: الساعة التي يجاب فيها الدعاء يوم الجمعة، ودليل ذلك أيضا ما أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ذكر يوم الجمعة فقال: «فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله تعالى شيئا إلا أعطاه إياه، وأشار بيده يقللها»[13].
وقد ورد هذا الحديث عند الإمام البخاري في صحيحه في كتاب “الجمعة” باب “الساعة يوم الجمعة” قال ابن حجر: قوله (باب الساعة التي في يوم الجمعة) أي: التي يجاب فيها الدعاء.
ويقول ابن حجر العسقلاني عن الحديث السابق عندما تعرض لشرحه:
وحكى أبو محمد بن السيد عن محمد بن وضاح أنه كان يأمر بحذف “وهو قائم” من الحديث، والسبب في ذلك أنه يشكل على أصح الأحاديث الواردة في تعيين هذه الساعة، وهما حديثان أحدهما: أنها من جلوس الخطيب على المنبر إلى انصرافه من الصلاة، والثاني: أنها من بعد العصر إلى غروب الشمس.
وقد احتج أبو هريرة على عبد الله بن سلام لما ذكر له القول الثاني بأنها ليست ساعة صلاة، وقد ورد النص بالصلاة، فأجابه بالنص الآخر أن منتظر الصلاة في حكم المصلي[14]، مما يدل على أن المقصود بالساعة في قوله:«فهي آخر ساعة»وقوله: «هي فيما بين العصر والمغرب» ساعة إجابة الدعاء.
وقد عرض ابن حجر العسقلاني بعد ذلك اثنين وأربعين قولا في تحديد هذه الساعة، منها قول عبد الله بن سلام أنها آخر ساعة بعد العصر.
ثم علق على جميع الأقوال قائلا: “ولا شك أن أرجح الأقوال المذكورة حديث أبي موسى وحديث عبد الله بن سلام، قال المحب الطبري: أصح الأحاديث فيها حديث أبي موسى، وأشهر الأقوال فيها قول عبد الله بن سلام، وأكد ذلك النووي بقوله: هو الصحيح، بل الصواب، وجزم في الروضة بأنه الصواب، وقال ابن عبد البر: إنه أثبت شيء في هذا الباب”[15].
ويؤكد ما قلناه سياق الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد في مسنده عن أبي سلمة قال: «كان أبو هريرة يحدث عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: إن في الجمعة ساعة، فذكر الحديث، قلت: والله لو جئت أبا سعيد فسألته، فذكر الحديث، ثم خرجت من عنده فدخلت على عبد الله بن سلام فسألت عنها، فقال: خلق الله آدم يوم الجمعة، وأهبط إلى الأرض يوم الجمعة، وقبضه يوم الجمعة، وفيه تقوم الساعة “فهي آخر ساعة”، وقال سريج: فهي آخر ساعته: فقلت: إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “في صلاة” وليست بساعة صلاة، قال: أولم تعلم أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: منتظر الصلاة في صلاة، قلت: بل هي، والله هي»[16].
فسياق هذا الحديث يدل دلالة قاطعة على أن عبد الله بن سلام قد سئل عن تحديد الساعة التي يستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة، والتي جاءت مبهمة في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – وأنه أفتى برأيه بناء على ما سمع من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأما الساعة المقصود بها يوم القيامة فلا يعلم ذلك إلا الله – عز وجل – لأنها من الغيبيات التي اختص الله بها نفسه ولم يطلع عليها أحدا من خلقه ولو كان نبيا مرسلا.
الخلاصة:
- إن الصحابي الجليل عبد الله بن سلام – رضي الله عنه – قد شهد له النبي – صلى الله عليه وسلم – والصحابة والمحدثون بعدهم بالعدالة، وهذا ينفي تهمة المشككين ويدحضها.
- لو كان مراد الصحابي عبد الله بن سلام – رضي الله عنه – تشويه عقيدة المسلمين بإشاعة الإسرائيليات فيها، لكشفه الله لنبيه – صلى الله عليه وسلم – كما كشف له أمر المنافقين، ولحذر النبي – صلى الله عليه وسلم – الصحابة منه.
- إن رواية عبد الله بن سلام – رضي الله عنه – للإسرائيليات – وإن كانت قليلة – لا تنقص من شأنه، فقد رخص النبي – صلى الله عليه وسلم – للصحابة رواية أخبار بني إسرائيل شريطة ألا تصدق أو تكذب، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم».
- إن هذا الحديث الذي يطعن فيه المغرضون حديث صحيح، رواه أبو هريرة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – وصدقه فيه كعب الأحبار وعبد الله بن سلام لوجوده عندهم في التوراة، وليس من رواية ابن سلام، ومن ثم فلا مجال للطعن في ابن سلام بحجة هذا الحديث.
- إن الساعة المعنية في الحديث هي الساعة التي يستجاب فيها الدعاء، يؤيد ذلك ما ورد في صحيح مسلم من تعظيم يوم الجمعة، وفضل العمل الصالح فيه، وليست كما يدعي المشككون من أنها الوقت الذي تقوم فيه القيامة؛ لأن يوم القيامة من الغيب الذي اختص الله به نفسه.
(*) موسوعة القرآن العظيم، د. عبد المنعم الحفني، مكتبة مدبولي، القاهرة، ط 1، 2004م.
[1]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: مناقب الأنصار، باب: مناقب عبد الله بن سلام، رقم (3812).
[2]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: التعبير، باب: الخضر في المنام والروضة الخضراء، (12/ 414)، رقم (7010). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الفضائل، باب: فضائل عبد الله بن سلام، (8/ 3621)، رقم (6265).
[3]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (16/ 188) بتصرف.
[4]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (7/ 162).
[5]. تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، دار المعرفة، بيروت، 1400هـ/ 1980م، (2/ 75) بتصرف.
[6]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: مناقب الأنصار، باب: هجرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه إلى الحبشة، (7/ 293، 294)، رقم (3911).
[7]. صحيح: أخرجه الترمذي في سننه (بشرح تحفة الأحوذي)، كتاب: المناقب، باب مناقب عبد الله بن سلام رضي الله عنه، (10/ 207، 208)، رقم (4056). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي برقم (3804).
[8]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الفتنة، باب: كيف الأمر إذا لم تكن جماعة، (13/ 38)، رقم (7084). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الإمارة، باب: وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن، (7/ 2911)، رقم (4702).
[9]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: التفسير، باب: ) قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا (، (8/ 20)، رقم (4485).
[10]. الإسرائيليات في التفسير والحديث، محمد حسين الذهبي، مكتبة وهبة، القاهرة، ط5، 1425هـ/ 2004م، ص70، 71 بتصرف.
[11]. الإصاخة: الإسماع مع التوقع لأمر يطرأ، فأخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن إصاختها إنما هي توقع للساعة وشفقة منها.
[12]أخرجه مالك في الموطأ، كتاب: الجمعة، باب: ما جاء في الساعة التي في يوم الجمعة، ص 36، 37، رقم (240).
[13]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الجمعة، باب: الساعة التي في يوم الجمعة،
(2/ 482)، رقم (935).
[14]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (2/ 482، 483).
[15]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (2/ 488، 489) بتصرف.
[16]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، باقي مسند الأنصار، حديث عبد الله بن سلام، رقم (23830). وصححه الأرنؤوط في تعليقه على المسند.