نفي الإعجاز العلمي عن القرآن في وصفه للنجوم
وجه إبطال الشبهة:
أثبت العلم عددًا من الأوصاف المهمة للنجوم؛ فهي وسيلة للاهتداء في ظلمات البر والبحر والفضاء، ووسيلة لتحديد حقيقة نشأة الكون وعمره، وزينة للسماء الدنيا، ورجومًا للشياطين، ومصدرًا من مصادر رزق السماء لأهل الأرض، ولغيرها من الكواكب والكويكبات، والأقمار والمذنبات، وهي -في الوقت نفسه- جند ممسكة بأطراف السماوات كي لا تقع على الأرض، وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم في عدد من الآيات القرآنية.
التفصيل:
1) الحقائق العلمية:
- للنجوم أهمية كبرى من أجل انتظام الكون واستقامة الحياة على الأرض:
لقد تصوَّر الناس تجمعات النجوم منذ القدم على هيئة أشكال معينة كوسيلة من وسائل التعرف المبدئي عليها، والتمييز بينها، وأعطوا لهذه الأشكال أسماء محدَّدة، تباينت من دولة إلى أخرى، ومن حضارة إلى أخرى، ولكنها أجمعت كلها على تقسيم الحزام المحيط بوسط الكرة السماوية إلى اثني عشر برجًا بعدد شهور السنة، من مثل برج الحمل الذي يبدأ في الظهور في حدود الحادي والعشرين من شهر مارس، ثم برج الثور في حدود الحادي والعشرين من شهر أبريل، وهكذا لكل شهر زمني برج من هذه الأبراج بالترتيب الآتي: الحمل، الثور، الأسد، الجوزاء، السرطان، العذراء (السنبلة)، الميزان، العقرب، القوس، الجدي، الدلو، الحوت.
وتسمَّى هذه التجمعات باسم “كوكبات حزام البروج” (zodiacalconstellations)، وهي تشكِّل شريطًا ممتدًّا على جانبي خلفية مدار الأرض حول الشمس، بامتداد تسع درجات على كل من جانبيه، ويقسم إلى اثنتي عشرة
منطقة أساسية يشغل كل منها نحو 30درجة من درجات خطوط الطول السماوية بزيادة أو بنقص قليل في كل منطقة([1]).
ولو تأمَّلنا -نحن سكان الأرض- القبة السماوية ليلاً، لوجدنا النجوم تفعل كما تفعل الشمس؛ لأن النجوم تشرق علينا في المساء كل يوم وتغرب قبل طلوع الشمس، وكأن قبة السماء تدور فوق رءوسنا بنجومها من المشرق إلى المغرب، وما هذه الحركة إلا خدعة ظاهرية؛ لأننا نحن -وليست القبة السماوية- الذين تدور بنا الأرض دورانًا مغزليًّا حول محورها مرة كل 24 ساعة من الغرب إلى الشرق، فتبدو لنا القبة السماوية وكأنها تتحرك بنجومها فوق رءوسنا من المشرق إلى المغرب عكس اتجاه حركتنا، تمامًا كما يتحرك الشجر ظاهريًّا إذا نظرنا إليه من شباك قطار متحرك…
فهذه التحركات كلها خداع ناتج عن الحركة النسبية، ولو دققنا النظر في قبة السماء كل ليل لوجدنا النجوم كلها تدور ظاهريًّا فيما عدا نجم واحد، يبدو وكأنه ساكن مكانه يدعى “النجم القطبي الشمالي”، والسبب في ذلك هو أن النجم القطبي يقع على امتداد محور دوران الأرض حول نفسها فيبدو ساكنًا([2]).
- النجوم بوصلة في السماء:
ذكرنا أن أحد نجوم السماء وهو النجم القطبي، وهو نجم ثلاثي من العماليق العظام ويعدُّ ألمع نجم في كوكبة الدب الأصغر، يبعد عنا مسافة650 سنة ضوئية، ويقدر قطره بمئة مرة قدر قطر الشمس، وتقدر قوة إشعاعه بخمسة آلاف ضعف إشعاع الشمس، وقد أعطى هذا الاسم لقربه الشديد من قطب السماء الشمالي (الذي لا يبعد عنه إلا بأقل من درجة واحدة)، وتبلغ دورته حول محوره نحو أربعة أيام (3,97 من اليوم). ولذلك؛ فإنه يصنع دائرة صغيرة جدًّا حول القطب الشمالي لقبة السماء خلال الدوران اليومي الظاهري لها، ومن هنا كان دوره في تحديد اتجاه الشمال الحقيقي؛ ولهذا يعرف باسم “نجم القطبية”، أو “نجم الجدي”، أو “كوكبة الشمال”، أو “مسمار الفلك”، كما يحلو لعدد من الفلكيين أن يُسموه(polaris, pole star or polar star).
فلولا وجود النجم القطبي ما استطاع الإنسان تحديد الاتجاهات الأربعة الأساسية ولا معرفة طريقه في ظلمات البر والبحر؛ حيث إن هذا النجم يبدو لنا ثابتًا، ولا يشارك في الدوران الظاهري للقبة السماوية مع باقي النجوم، والسبب في ذلك أن هذا النجم القطبي يقع على امتداد محور دوران الأرض حول نفسها، ويحدد اتجاه الشمال الجغرافي.
ويمكن التعرف على مكان النجم القطبي في القبة السماوية إذا ما أدركنا أنه النجم الوحيد الثابت بالنسبة لنا، الذي تدور حوله باقي النجوم يوميًّا طبقًا لدوران الأرض حول نفسها…
ويستعين الناس بكوكبتي الدب الأكبر والأصغر لتعيين مكان النجم القطبي الشمالي، وبذلك يستطيع الإنسان التعرف على الجهات الأصلية، أينما كان على سطح اليابسة أو في البحر، وذلك إذا توجه بنظره نحو الشمال في اتجاه النجم القطبي، وعندئذٍ يصبح الشرق على يمينه والغرب على يساره والجنوب في ظهره، وهكذا فالنجوم بوصلة ترشدنا لتحديد الاتجاه ومعرفة الطريق في ظلمات البر والبحر([3]).
وكما كانت النجوم في الماضي وسيلة لهداية البشر إلى التوجه أثناء الليل في ظلام الصحراء أو البحر، فإنها اليوم وسيلة لهدايتهم إلى حقيقة الكون وتاريخه وكيفية نشوئه، بالإضافة إلى أنه في رحلات الفضاء -وبخاصة بعيدًا عن كوكب الأرض- تفشل جميع الوسائل في التوجه، ولا يمكن التوجه إلا بالاعتماد على النجوم ومواقعها، ولذلك تبقى هذه النجوم وسيلة للتوجه في الفضاء الخارجي مهما تطورت وسائل العلم([4]).
- النجوم مصابيح السماء:
البروج مثل كل من النجوم والكواكب من خواص السماء الدنيا وزينتها، وكل من البروج والنجوم (المصابيح)، والكواكب والأقمار من أهم الوسائل في إنارة ظلمة الليل، الأولى بأضوائها الذاتية، والكواكب والأقمار بانعكاس أضواء النجوم عليها نورًا، ولولا ذلك لأصبح ليل الأرض حالك السواد، قابضًا للأنفس، مخيفًا مزعجًا([5]).
وتتفاوت النجوم في أقدارها (مراتبها)؛ أي: درجة لمعانها أو بريقها، ولكن هذه الأقدار أو المراتب الظاهرية للبريق الظاهري للنجوم هي مراتب كاذبة؛ لأنها لا تعطي الأقدار المطلقة لبريق النجوم حيث هي في السماء، ولرب نجم يلمع بشدة لأنه قريب منا، بينما نجم آخر أشد لمعانًا يبدو لنا خافتًا نظرًا لبعده عنا…
ويقسم العلماء النجوم الشابة إلى سبع طوائف رئيسية حسب درجة حرارتها السطحية ولونها كما يلي:
الرتبة
و
ب
أ
ف
ج
ك
م
O
B
A
F
G
K
M
اللون
أزرق
أبيض مزرق
أبيض مصفر
أبيض مصفر
أصفر كالشمس
أصفر برتقالي
أحمر
درجة حرارة سطح النجم
25000
23000
10000
7000
6000
5000
3200
الكتلة بالنسبة للشمس
80
40
1,5
2,5
1
0,8
0,15
قوة الإضاءة
28000
2000
5
52
1
0,03
0,01
ويلاحظ هنا أن درجة حرارة سطح النجم تصل إلى آلاف الدرجات بألوان مميزة، بينما درجة حرارة جوف النجم بالملايين، وأن النجوم الزرقاء (O) أكبر كتلة من الشمس بنسبة (1-80)، وأكبر إضاءة من الشمس بنسبة (1- 28000)، أما النجوم الحمراء (M) فهي أقل كتلة وإضاءة من الشمس، وتتدرج الحرارة والكتلة والإضاءة تنازليًّا من الرتبة العالية الزرقاء (O) إلى الرتبة الحمراء (M)…
إن الضوء هو رسول النجوم إلينا نتعرف منه بالفيزياء الحديثة على بريق، وقوة إضاءة، ودرجة حرارة، ونوع، وموقع النجوم؛ وكذلك رصد سرعات التحركات الحقيقية -وليست الظاهرية- للنجوم([6]).
- البروج والنجوم والكواكب رجوم الشياطين:
يعتقد كثير من الناس أن رجوم الشياطين هي الشهب… والشهب عبارة عن أجسام صلبة تدخل في نطاق الغلاف الغازي للأرض بسرعات كبيرة جدًّا تصل إلى40 كيلو مترًا في الثانية؛ فتحتك بجزيئات ذلك الغلاف الغازي احتكاكًا شديدًا يؤدي إلى اشتعالها واحتراقها، إما احتراقًا كاملاً أو جزئيًّا، وفي الحالة الأولى تتحول إلى رماد، وفي الحالة الثانية يتبقى عن احتراقها فضلات صلبة تعرف باسم “النيازك” التي ترتطم بالأرض بشدة بالغة.
وقد تنتج الشهب والنيازك عن بقايا انفجار أي من النجوم أو الكواكب، وهما من مكونات البروج.
- النجوم والكواكب كمصدر من مصادر الرزق في السماء:
يؤكد العلم التجريبي أن كافة العناصر تتكون في قلب النجوم، والذي لا يخلق في النجوم يتكون في صفحة السماء، ثم ينزل منها إلى الأرض بقدر معلوم؛ فالنجوم والكواكب والشهب والنيازك من أهم مصادر الرزق لأهل الأرض.
فباتحاد نوى ذرات الإيدروجين في قلب النجم العادي تتكون نوى ذرات الهيليوم، وباتحاد نوى ذرات الهيليوم تتكون نوى ذرات البريليوم، وهكذا يتسلسل تخلُّق العناصر المختلفة في داخل النجوم خاصة النجوم العملاقة أو في أثناء انفجارها، ويؤدي انفجار النجوم إلى عودة ما تكون بداخلها من عناصر إلى دخان السماء؛ لكي يكون مادة لتخلق نجم جديد أو ليصل إلى بعض أجرام السماء في صورة من صور رزق السماء.
كما أن الطاقة الشمسية الواصلة إلى الأرض هي صورة من صور رزق السماء؛ فبدونها تستحيل الحياة على الأرض.
- إمساك النجوم بأطراف السماء:
إن البروج بنجومها وباقي أجرامها، وكل ذلك بمواقعه، وكتله، وجاذبيته، وحركاته جند مسخَّر للإمساك بأطراف السماء الدنيا، على الرغم من المسافات الشاسعة التي تفصلها، فهي مرتبطة مع بعضها بالاتزان الدقيق بين كل من قوى الجاذبية والقوى الطاردة المركزية، على الرغم من تحركها بسرعات مذهلة في صفحة السماء، وفي حركات عديدة معقدة تشهد لله الخالق العظيم بطلاقة القدرة وبديع الصنعة([7]).
ويذكر المهندس عبد الدائم الكحيل أن كل مجرة هي عبارة عن بناء محكم من النجوم، والشمس هي عبارة عن نجم في مجرتنا التي تحوي أكثر من مئتي ألف مليون نجم، وتتوزَّع هذه النجوم بنظام وكأننا أمام برج ضخم متماسك!
ولو نظرنا إلى هذا الكون من خارجه لرأينا مجموعة ضخمة من الأبنية المحكمة؛ فالمجرات تتجمع في جزر كونية لتعطي أشكالاً وألوانًا مختلفة، ولو دخلنا إلى داخل هذه الجزر لرأينا لكل مجرة بناءً أيضًا وشكلاً يختلف عن المجرة الأخرى ولونًا آخر أيضًا. والبرج هو البناء، وما هذه المجرات والجزر الكونية والنجوم إلا أبراجًا متماسكة وقوية لا يمكن لبشر أن يتصور حجم الجاذبية فيها أو حجم النجوم التي تحتويها.
وحديثًا كشفت الصور الملتقطة بالمراصد الموضوعة في الفضاء الخارجي عن جدران من المجرات بطول مئات الملايين من السنوات الضوئية، وكشفت عن جسور من المجرات تربط بين هذه الجدران، والسؤال: أليست هذه أبنية كونية ضخمة([8])؟
صورة لمجرة تسبح في هذا الكون الواسع، وتحوي هذه المجرة كحد أدنى 100بليون نجم! وتشكل هذه المجرة مع بلايين المجرات غيرها بناءً كونيًّا رائعًا يشهد على عظمة الخالق عز وجل فتبارك الله أحسن الخالقين
2) التطابق بين الحقائق العلمية وما أشارت إليه الآيات القرآنية:
من جملة الأوصاف التي وصف القرآن بها النجوم قوله تعالى: )وعلامات وبالنجم هم يهتدون (16)((النحل)، وقوله: )ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين (16)((الحجر)، فالبروج -أو الكوكبات- هي تجمعات للنجوم، وقد أشار القرآن الكريم إلى فوائد النجوم من حيث كونها علامات يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، وحديثًا في الفضاء، ويهتدى بها في تحديد عمر الكون نفسه، وزينة للسماء الدنيا، ورجومًا للشياطين، ومصدرًا من مصادر الرزق في السماء، وجندًا مسخرة للإمساك بأطراف السماء الدنيا، وقد تطابقت الحقائق العلمية المكتشفة حديثًا مع ما أشارت إليه الآيات القرآنية.
ومن ثم؛ فإن محاولة الطاعن تجريد الآيات من إعجازها؛ بحجة أن وصف القرآن النجوم وصْفٌ يمكن لأي إنسان أن يصفه بالعين المجردة في أي زمان ومكان ـ محاولة يائسة؛ لأن الإعجاز في الآيات لا يكمن في الوصف، ولكن فيما هو وراء الوصف، من أشياء توصل إليها العلم حديثًا، التي سبق وأن بيناها.
- من الدلالات اللغوية في الآيات:
o العلامات: العلامة: السمة. وما ينصب في الطريق فيهتدى به([9]).
o النجم: أحد الأجرام السماوية المضيئة بذاتها، ومواضعها النسبية في السماء ثابتة، ومنها الشمس. وعلم على “الثريا” خاصة. والكوكب… ويقال: ليس لهذا الأمر نجم: أصل([10]).
o البروج: البروج القصور، الواحد برج، وبه سمي بروج النجوم لمنازلها المختصة بها، قال تعالى:)والسماء ذات البروج (1)((البروج)([11]).
- أقوالالمفسرين:
تعددت رؤى المفسرين في بيان معاني الآيات القرآنية التي تصف النجوم وتنبه إلى أهميتها لانتظام الكون ولاستقامة الحياة على الأرض.
يقول الإمام الطبري في قوله تعالى: )ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين (16)((الحجر): “ولقد جعلنا في السماء الدنيا منازل للشمس والقمر، وهي كواكب ينزلها الشمس والقمر،)وزيناها للناظرين(، يقول: وزينا السماء بالكواكب لمن نظر إليها وأبصرها… وعن مجاهد في قوله: )ولقد جعلنا في السماء بروجا(، قال: كواكب… وعن قتادة قوله: )ولقد جعلنا في السماء بروجا(، بروجها: نجومها”([12]).
وقد حيل بين الشياطين وبين استراق ذلك السمع بعد بعثة المصطفى صلى الله عليه وسلم وبقيت الشهب لهم بالمرصاد، وهي من مادة نجوم وكواكب السماء.
ولعل هذا ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى: )إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب (6) وحفظا من كل شيطان مارد (7) لا يسمعون إلى الملإ الأعلى ويقذفون من كل جانب (8) دحورا ولهم عذاب واصب (9) إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب (10)((الصافات)، قال قتادة: خُلقت النجوم ثلاثًا رجومًا للشياطين، ونورًا يهتدى بها، وزينة لسماء الدنيا([13]).
وذكر ابن كثير في قوله تعالى: )ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين (16)((الحجر)، أن الله تعالى يذكر خلقه السماء في ارتفاعها وما زينها به من الكواكب الثواقب، لمن تأملها، وكرر النظر فيها، يرى فيها من العجائب والآيات الباهرات، ما يحار نظره فيه؛ ولهذا قال مجاهد وقتادة: البروج ها هنا هي: الكواكب.
قلت: وهذا كقوله تعالى: )تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا (61)((الفرقان)، ومنهم من قال: البروج هي: منازل الشمس والقمر([14]).
وذكر الإمام الرازي في تفسير قوله تعالى:)ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين (16)((الحجر)،أنها من الدلائل السماوية على التوحيد… قال الليث: البرج واحد من بروج الفلك، والبروج جمع، وهي اثنا عشر برجًا، ووجه دلالتها على وجود الصانع المختار هو أن طبائع هذه البروج مختلفة عما هو متفق عليه بين أرباب الأحكام، وإذا كان الأمر كذلك؛ فالفلك مركب من هذه الأجزاء المختلفة في الماهية والأبعاض المختلفة في الحقيقة، وكل مركب فلا بد له من مركب يركب تلك الأجزاء والأبعاض بحسب الاختيار والحكمة، فثبت أن كون السماء مركبة من البروج يدل على وجود الفاعل المختار([15]).
ويذكر الطاهر ابن عاشور في تفسير قوله تعالى: )وعلامات وبالنجم هم يهتدون (16)((النحل): والعلامات: الأمارات التي ألهم الله الناس أن يضعوها أو يتعارفوها لتكون دلالة على المسافات والمسالك المأمونة في البر والبحر، وحديثًا في الفضاء فتتبعها السابلة… والتعريف في “النجم” تعريف الجنس. والمقصود منه النجوم التي تعارفها الناس للاهتداء بها مثل القطب([16]).
وعليه؛ فإن القرآن لا يناقض العلم اليقيني، ومن الشواهد على ذلك أن القرآن الكريم قد ذكر حقيقة انفجار النجوم ونهايتها في زمن لم يكن أحد يعلم شيئًا عن هذا الموضوع، بل كان الاعتقاد السائد أن الكون وجد هكذا منذ الأزل وسيبقى هكذا بنجومه وكواكبه وشمسه وقمره، ولكن القرآن صحَّح ذلك في قوله تعالى: )والنجم إذا هوى (1) ما ضل صاحبكم وما غوى (2)((النجم)، وقوله تعالى: )كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون (88)( (القصص)، وأيضًا في قوله تعالى: )فإذا النجوم طمست (8))(المرسلات)، وقوله تعالى: )إذا الشمس كورت (1) وإذا النجوم انكدرت (2)((التكوير).
وقد رصد العلماء نجمًا انفجر قبل 13 مليار سنة، ولا يمكنهم معرفة موقع هذا النجم وأين مصيره، وفي هذا جانب من الإعجاز القرآني في قسم المولى عز وجل بمواقع النجوم وأنه قسم عظيم؛ إذ قال تعالى: )فلا أقسم بمواقع النجوم (75) وإنه لقسم لو تعلمون عظيم (76)((الواقعة).
وإذا كانت النجوم وسيلة في الماضي لهداية البشر برًّا وبحرًا فقد صارت هذه النجوم وسيلة اهتداء إلى حقيقة الكون وتاريخه وكيفية نشوئه، وهنا يتجلى معنى جديد لقوله تعالى:)وعلامات وبالنجم هم يهتدون (16)((النحل)، كما يؤكد العلماء أنه لولا هذه النجوم لما كان بالإمكان التوجه الصحيح في رحلات الفضاء؛ ولذلك تبقى هذه النجوم وسيلة للتوجه في الفضاء الخارجي، وهنا نجد معنًى جديدًا لقوله تعالى: )وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون (97)( (الأنعام)([17]).
وبهذا يتضح أن الإشارات القرآنية التي تصف النجوم ووظائفها قد توافقت مع الحقائق العلمية الحديثة، وفي هذا تأكيد على أنه لا تناقض بين القرآن الكريم والثابت من حقائق العلوم؛ إذ إن مصدرهما واحد؛ فالقرآن الكريم كلام الله عز وجل والحقائق العلمية التي يكتشفها العلماء هي سنة الله عز وجل في خلقه يبديها وفق إرادته ومشيئته لمن شاء وقتما شاء.
3) وجه الإعجاز:
أشارت الآيات القرآنية الواردة في وصف النجوم إلى مجموعة من الفوائد والوظائف لهذه النجوم، ولقد اكتشف العلم -قديمًا وحديثًا- العديد من الحقائق العلمية التي تتوافق مع هذه الإشارات الكونية؛ فالنجوم وسيلة للاهتداء في ظلمات البر والبحر، وحديثًا في الفضاء خاصة الرحلات البعيدة عن الأرض، كما أن النجوم وسيلة للاهتداء إلى حقيقة نشأة الكون وتحديد عمره، وهي زينة ومصابيح للسماء الدنيا، ورجوم للشياطين، ومصدر من مصادر رزق السماء لأهل الأرض، ولغيرها من الكواكب والكويكبات، وهي جند ممسكة بالسماء كي لا تقع على الأرض.
(*) منتدى: المسيحيين المغاربة www.movemegod.com. نقض النظريات الكونية، محمد بن عبد الله الإمام، مرجع سابق.
[1]. من آيات الإعجاز العلمي: السماء في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ص329.
[2]. المعارف الكونية بين العلم والقرآن، د. منصور محمد حسب النبي، مرجع سابق، ص32.
[3]. المرجع السابق، ص40- 46. من آيات الإعجاز العلمي: السماء في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ص334.
[4]. انفجار أقدم نجم في الكون، عبد الدائم الكحيل، بحث منشور بموقع: المهندس عبد الدائم الكحيل www.kaheel7.com.
[5]. من آيات الإعجاز العلمي: السماء في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ص335.
[6]. المعارف الكونية بين العلم والقرآن، د. منصور محمد حسب النبي، مرجع سابق، ص50-54.
[7]. انظر: من آيات الإعجاز العلمي: السماء في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ص335-339، ص384-385.
[8]. القرآن يكشف المجرات، عبد الدائم الكحيل، بحث منشور بموقع: المهندس عبد الدائم الكحيل www.kaheel7.com.
[9]. المعجم الوسيط، مادة: علم.
[10]. المعجم الوسيط، مادة: نجم.
[11]. المفردات في غريب القرآن، الراغب الأصفهاني، مرجع سابق، ص41.
[12]. جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ابن جرير الطبري، مرجع سابق، ج17، ص76- 77.
[13]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، مرجع سابق، ج15، ص64 بتصرف.
[14]. تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، مرجع سابق، ج4، ص528.
[15]. مفاتيح الغيب، فخر الدين الرازي، مرجع سابق، عند تفسير هذه الآية.
[16]. التحرير والتنوير، الطاهر ابن عاشور، مرجع سابق، مج7، ج14، ص122.
[17]. انفجار أقدم نجم في الكون، عبد الدائم الكحيل، بحث منشور بموقع: المهندس عبد الدائم الكحيل www.kaheel7.com.