نفي الإعجاز العلمي عن قوله تعالى: (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر)
وجوه إبطال الشبهة:
1) أثبت العلم الحديث -بما لا يدع مجالاً للشك- أن الشمس والقمر متحركان. ومن ثم؛ فإن إمكانية التصادم أو إدراك أحدهما للآخر قائمة، وعندما نفت الآية هذا التصادم وذاك الإدراك، فإنها تنفي شيئًا ممكن الحدوث.
2) نفى القرآن إمكانية التصادم بين الشمس والقمر في زمن لم يكن لأحد علم بهذا الأمر، ولم يتوصل إليه العلم إلا حديثًا، وإن كان هذا النفي؛ لأن كل واحد منهما يسبح في فلكه الخاص، فإن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق هذا التوازن وقدره.
3) سرعة القمر أكبر من سرعة الشمس؛ فسرعة جريان القمر 18كم/ ث، بينما سرعة جريان الشمس 12 كم/ ث، وهذا ما أشار الله سبحانه وتعالى إليه في قوله: )لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر((يس: ٤٠).
التفصيل:
أولاً -الشمس والقمر متحركان:
يذكر الطاعن أنه لكي يمكن –فرضًا- للشمس أن تدرك القمر ينبغي منطقيًّا أن يكونا متحركين، وهذا القول يعني بمفهوم المخالفة أنهما إذا لم يكونا متحركين فليست ثمة إمكانية للتصادم، أما إذا ثبت أنهما متحركان فتكون إمكانية التصادم قائمة، وفي هذه الحالة يكون للآية ما يبررها؛ لأنها تنفي وقوع شيء ممكن الحدوث، لولا أن الله قدَّر بحكمته وقدرته عدم حدوثه. فإذا انتهينا من ذلك لم يبق أمامنا إلا أن نسأل: هل الشمس والقمر يتحركان؟ فإذا كانت الإجابة بالنفي كانت الآية كما ذكر الطاعن، أما إذا كانت الإجابة بالإثبات انتفى قول الطاعن.
وبالطبع؛ فإن الإجابة هنا بالإثبات، وهي إجابة لا تخلو من سند علمي؛ ذاك أن علماء الفلك قد وجدوا أن الشمس -مع كواكبها السائرة في فلكها- تسبح في الفضاء منتقلة بين النجوم، فللشمس حركتان في مجرة درب التبانة، فهي تتحرك محليًّا؛ أي بالنسبة لما حولها من نجوم المجرة بسرعة 43 ألف ميل/ ساعة، كما تدور الشمس في الوقت نفسه حول مركز المجرة بسرعة أخرى 540 ألف ميل/ ساعة.
وكذلك يدور القمر حول الأرض مرة كل 27,3 يوما بسرعة مدارية قدرها 2278 ميلا/ ساعة، ويدور أيضًا حول نفسه في المدة نفسها. ولكل من الشمس والقمر مدار خاص، وسرعة دوران مختلفة، كل هذا يمنع أحدهما عن إدراك الآخر والاصطدام به.
ثانيًا -الحقائق التي ذكرها القرآن عن النظام الكوني لم يكشف عنها إلا في العصر الحديث:
يذكر الطاعن أن إدراك الشمس للقمر هو أمر مستحيل الحدوث؛ إذ إن لكل منهما مداره الخاص الذي يسبح فيه بعيدًا عن الآخر، وهذا ما أثبته العلم حديثًا. وهذا القول مردود عليه من ناحيتين:
فمن ناحية أولى نقول: نعم إن النظام الكوني يتميَّز بعدم وجود خلل أو نقص، فعلى الرغم من وجود مئات الملايين من المجرات، وكل مجرة تحوي مئات البلايين من النجوم؛ فإن بعضها لا يصطدم ببعض أبدًا؛ ذاك أن مدار القمر حول الأرض يختلف كليًّا عن مدار الأرض حول الشمس، فلا يمكن أبدًا أن يحدث صدام بين الشمس والقمر. كما أن القمر يدور بحركة شديدة التعقيد؛ فهو يدور حول الأرض، ويدور مع الأرض حول الشمس، ويدور مع الشمس حول مركز المجرة التي نحن فيها، ويدور مع المجرة كلها في مدار كوني لا يعلمه إلا الله.
هذه الحقائق عن عظمة النظام الكوني لم يكشف عنها إلا في العصر الحديث، ولكن القرآن الكريم دائمًا يسبق العلم فيتحدث عن حقائق الكون، يقول الله تعالى: )لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون (40)( (يس)([1]).
ومن ناحية ثانية: فإن القرآن الكريم قد قرَّرأولاً أن الشمس تجري باتجاه معين، قال تعالى: )والشمس تجري لمستقر لها( (يس: ٣٨)، ولم يكشف العلم عن ذلك إلا في أوائل القرن العشرين؛ حيث كان يتصوَّر أن الشمس ثابتة في مكانها، وأن حركة الشمس من الشرق إلى الغرب إنما هي حركة ظاهرية، إلى أن قرَّر العلماء أن للشمس حركة حقيقية في الفضاء، معلومة المقدار والاتجاه، وهذا ما ذكره القرآن منذ أكثر من ألف وأربع مئة عام، الأمر الذي يعد برهانًا ساطعًا على أن هذا الكتاب تنزيل من خالق الشمس والكون كله.
وقد أوضح علماء الفلك أن الشمس لها مجموعة من الكواكب والأقمار والمذنبات تتبعها دائمًا وتخضع لقوة جاذبيتها، وتجعلها تدور من حولها في مدارات متتابعة بيضاوية الشكل.
ثم يقرِّر القرآنثانيًا -مع تأييد العلم له- تحرُّك المجموعة الشمسية كلها من خلال قوله تعالى:)لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون (40)((يس)، وهذه الحقيقة التي أثبتها القرآن ظلت مطوية حتى أظهرها العلم الحديث.
ويقرِّر القرآنثالثًا في قوله تعالى: )والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم (39)((يس) أن القمر غير ثابت في مظاهره؛ إذ يظهر بأوجه مختلفة حتى يصير بدرًا، ثم يتناقص ويعود في النهاية كما بدأ هلالاً، وقد دلَّت الدراسات الفلكية أن القمر يدور حول نفسه وفي الوقت نفسه يدور حول الأرض مرة واحدة كل شهر.
ثم يقرِّر القرآن أخيرًا في قوله تعالى: )ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون (40)((يس) أن الليل والنهار يجريان، وأن أحدهما لا يسبق الآخر، وهذا إعلان بأن الأرض كروية، وأن الليل والنهار موجودان في وقت واحد على سطحها، ولو كانت الأرض مبسوطة فإن الأمر لا يخرج عن حالتين: نهار دائم أو ليل دائم، ثم يأتي العلم الحديث ليثبت أنه لا يمكن أن تدرك الشمس القمر، ولا يمكن أن يتلاقيا؛ لأن كل واحد منهما يجرى في مدار موازٍ للآخر، فيستحيل أن يتقابلا؛ لأن الخطين المتوازيين لا يمكن أن يتلاقيا أبدًا([2]).
ومن ثم؛ فليس صحيحًا ما يدعيه الطاعن من أن الآية ضرب من الهذيان؛ لأن القرآن الكريم ذكر هذه الحقائق في وقت لم يكن لأحد علم بها، ولم يتوصَّل إليها العلم إلا حديثًا
)لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون (40)((يس)
ثالثًا -سرعة القمر أكبر من سرعة الشمس:
ذكرنا -آنفًا- أن العلم الحديث أثبت أن الشمس والقمر يجريان، وأن الشمس محال أن تدرك القمر، ولكن لم لا تدرك الشمس القمر؟ لأن سرعة القمر أكبر من سرعة الشمس في جريانها، وهذا ما أثبته العلم الحديث؛ إذ إن:
ـ سرعة جريان الشمس12كم في الثانية.
ـ سرعة جريان القمر18كم في الثانية.
ـ بالإضافة إلى أن سرعة جريان الأرض 15كم في الثانية.
فلو تأملنا سرعة كل منهما علمنا الإعجاز العلمي في قوله تعالى: )لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر((يس:40).
وقد أشار مفسرونا القدامى إلى شيء من هذا القبيل، قال الزمخشري في تفسيره: “فإن قلت: لم جعلت الشمس غير مدركة، والقمر غير سابق؟ قلت: لأن الشمس بطيئة السير تقطع فلكها في سنة، والقمر يقطع فلكه في شهر، فكانت الشمس –لبطئها- جديرة بأن توصف بالإدراك، والقمر –لسرعته- جدير بأن يوصف بالسبق”([3]).
قال الشيخ الزنداني: “الشمس تجري، والأرض تجري، والقمر يجري، قال تعالى: )والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم (38) والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم (39) لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون (40)((يس).
فعليٌّ يجري، ومحمد يسير بمنازل، وعلي لا يدرك محمدًا، ما معنى هذا؟ معناه أن عليًّا يجري ومحمد يجري، ولكن عليًّا لا يدرك محمدًا.
وهكذا؛ فالقمر قبل الشمس، وهي تجري ولا تدركه؛ لأن سرعة القمر 18كم/ ث، وسرعة الشمس 12كم/ ث، فمهما جرت الشمس فإنها لا تدرك القمر، ولكن ما الذي جعل القمر يحافظ على منازله، وكان من الممكن أن يمشي ويتركها؟ وجدوا أن القمر يجري في تعرج يلف، ويجري في خط مستقيم، وقد جرى بهذا الشكل حتى يبقى محافظًا على منازله ومواقعه”([4]).
3) وجه الإعجاز:
قال تعالى: )لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر((يس: 40)، فكل كوكب، وكل نجم، وكل مذنَّب، يسبح في فلكه الذي قدر له، لا يتحول عنه ولا يحيد، وفي الوقت نفسه الكل في وحدة متماسكة بفعل الجاذبية، التي تنطق بوحدانية الله خالق هذا النظام ومبدعه، ولكي تحتفظ الأجرام السماوية بأبعاد ثابتة فيما بينها دون صدام جعلها الخالق الأعظم تتجاذب فيما بينها تجاذبًا صغيرًا محدودًا بحجم كل منها وكتلته وبعده عن الشمس، ووفق هذا التجاذب تظل مواقع النجوم فيما بينها ثابتة، والأجرام وشمسها على مسافات وأبعاد تتحقق للجميع سبحًا وطوافًا دون تماسٍّ أو صدام([5]).
(*) منتدى: اللادينيين العرب www.ladeenyon.net.
[1]. )لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ(، مقال منشور بمنتدى: الحوار الإسلامي www.alhewar.net.
[2]. حقائق عن الشمس والقمر، مقال منشور بموقع: جمعية الفلك بالقطيف www.qasweb.org.
[3]. الكشاف، الزمخشري، مرجع سابق، ج3، ص323.
[4]. الموسوعة الذهبية في إعجاز القرآن الكريم والسنة النبوية، د. أحمد مصطفى متولي، مرجع سابق، ص69- 70.
[5]. الإعجاز القرآني في ضوء الاكتشاف العلمي الحديث، مروان وحيد التفتنازي، مرجع سابق، ص216- 217.